محيط - جهان مصطفى
المؤشرات القادمة من أفغانستان تؤكد أن طالبان ليست فقط في أحسن حالاتها وإنما باتت فيما يبدو على بعد خطوات من تحقيق حلمها في استعادة السيطرة على كابول ، فالانفجار الذي وقع في 2 سبتمبر في ولاية لغمان شرقي العاصمة الأفغانية وأودى بحياة نائب رئيس الاستخبارات عبد الله لغماني يعتبر بمثابة ضربة موجعة للرئيس الأمريكي باراك أوباما وحليفه الرئيس الأفغاني المنتهية ولايته حامد كرزاي.
فمعروف أن لغماني هو الشخصية رقم 2 في المخابرات الأفغانية وله علاقات وطيدة بالرئيس كرزاي وبالاستخبارات الأمريكية ، وما يزيد من مأزق أوباما وكرزاي أن هذا الهجوم لم يكن الأول من نوعه الذي يستهدف مسئولين أفغان أو مؤسسات حكومية.
ففي 25 أغسطس الماضي ، انفجرت سيارة مفخخة أمام مبنى وكالة المخابرات الأفغانية في قندهار ، مما أدى إلى مصرع 40 شخصا على الأقل وجرح 80 آخرين .
وبجانب الهجمات التي تستهدف مقار المخابرات الأفغانية ، فقد تعرضت العاصمة كابول المحصنة بآلاف الجنود من القوات الأمريكية وقوات الناتو لأكثر من انفجار وخاصة في الأيام التي سبقت انتخابات الرئاسة في 20 أغسطس الماضي .
وكان سبعة أفغان لقوا مصرعهم وأصيب 91 آخرون في تفجير انتحاري وقع في 15 أغسطس أمام مقر حلف الناتو والسفارة الأمريكية في كابول.
وقال بيان لوزارة الدفاع الأفغانية إن مهاجما انتحاريا فجر سيارته المفخخة أمام البوابة الرئيسية لمقر الحلف الواقع في منطقة تضم أيضا السفارة الأمريكية وقصر الرئاسة الأفغاني ، هذا فيما أعلن المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مسئولية الحركة عن الهجوم وقال إنه كان يستهدف السفارة الأمريكية.
وقبل ذلك وتحديدا في 5 أغسطس ، أمطر مقاتلو طالبان أيضا العاصمة كابول بـ 12 صاروخا ، وأعلنت طالبان أن الهدف كان المطار المدني والعسكري المشترك للمدينة .
الهجوم الصاروخي السابق يعتبر الأكبر من نوعه خلال سنوات ويؤكد تطور قدرات طالبان العسكرية بشكل كبير ، بل واعتبر أيضا بمثابة المسمار الأخير في نعش استراتيجية أوباما القائمة على زيادة عدد القوات.
اعترافات بالفشل
ولعل إلقاء نظرة على التصريحات الصادرة من داخل أمريكا نفسها يؤكد أن طريق أوباما بات مسدودا في أفغانستان ولم يعد أمامه من خيارات سوى الانسحاب على وجه السرعة لوقف نزيف الدماء بين جنوده هناك .
ففي 31 أغسطس الماضي ، دعا الجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان إلى مراجعة الاستراتيجية الأمريكية الحالية ، واصفاً الوضع بالخطير.
وفي السياق ذاته ، صرح رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الأميرال مايكل مولن بأن الوضع في أفغانستان خطير ويتدهور، مشددًا على أن هجمات حركة طالبان تزداد قوة وتطورا .
ويبدو أن صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية كانت الأكثر وضوحا في الاعتراف بالهزيمة في أفغانستان ، حيث أكدت في مقال لها في مطلع سبتمبر أن تحقيق النصر هناك يعد أمراً مستحيلاً ، مشددة على أنه لا يوجد "بصيص أمل" في الانتصار فى ظل الهزيمة التي باتت تمنى بها القوات الأجنبية هناك.
ويرى كاتب المقال أنتوني كوردسمان وهو خبير الدراسات الإستراتيجية بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن أن الولايات المتحدة تخسر الحرب بسهولة ، موضحا أن أول أسباب الهزيمة إنما هو النقص في الإمدادات الإستراتيجية.
هجمات طالبان في تصاعد
وأضاف الكاتب الذى سبق أن عمل ضمن فريق استشاري تابع للقائد الأمريكي لحلف شمال الأطلسي "الناتو" في أفغانستان الجنرال ستانلي مكريستال أن الولايات المتحدة لم تقم في الفترة من 2002 إلى 2008 بتزويد قواتها في أفغانستان بالمال الكافي وبالقيادات العسكرية الضرورية للفوز بالحرب ، مضيفا أن واشنطن بسياساتها تلك إنما أضاعت أكثر من نصف عقد من الزمان سدى.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة أغفلت السيطرة على مواقع ومساحات من الأرض الأفغانية، مما أحدث ثغرات استغلها مقاتلو حركة طالبان وغيرهم من الفصائل التي وصفها بالجهادية ، فقاموا باحتلالها والسيطرة عليها.
وأضاف أن واشنطن لم تستجب لفريق العمل في السفارة الأمريكية في كابول عندما طالب بالإمدادات العسكرية واللوجيستية على اختلاف أنواعها ، كما أن الإدارة الأمريكية أغفلت وأنكرت الانتصارات والنجاحات التي حققها مقاتلو طالبان، مما حدا بالحركة إلى اتخاذ زمام المبادرة ومواصلة نجاحاتها إلى الوقت الراهن.
واختتم بأن عدم قيام واشنطن بدعم الجبهة في أفغانستان في الوقت المناسب إنما يعني أن الولايات المتحدة مهزومة في الحرب لا محالة.
وبجانب الاعترافات السابقة ، فإن لغة الأرقام تبعث هى الأخرى برسالة واضحة من طالبان لأوباما مفادها " طريقك مسدود مسدود " ، ففي أغسطس الماضي ، لقى 48 جنديا أمريكيا مصرعهم ليصبح هذا الشهر أكثر الشهور دموية للقوات الأمريكية منذ بدء الغزو عام 2001 ، متفوقاً بذلك على شهر يوليو/تموز الماضي، الذي شهد مقتل 45 جندياً .
الخسائر السابقة تؤكد أنه رغم مرور قرابة ثمانية أعوام على عملية "الحرية المطلقة" التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان ، فإن هجمات طالبان باتت أكثر دموية خلال الشهور الأخيرة ، ليرتفع معها عدد قتلى القوات الأمريكية منذ الغزو إلى 796 قتيلاً والقتلى البريطانيين إلى أكثر من 202 .
والخلاصة أن وجود 62 ألف جندي أمريكي و35 ألفا من الناتو لم يحقق هدفه في القضاء على طالبان ولذا فإنه ليس من خيار أمام أوباما سوى الانسحاب السريع لوقف دوامة العنف في تلك الدولة المسلمة التي تعرف في التاريخ بـ"مقبرة الإمبراطوريات".
تعليق