باب حد السرقة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:
قال الإمام البعلي رحمه الله تعالى:
باب حد السرقة
يجب بسرقة مكلف لغير أصل أو فرع أو سيد أو عبد أو شريك ونحوه نصابا لربع دينار أو قدره محترما من حرز مثله ما لا يعد به مضيعا بلا شبهة بطلب رده قطع يمناه من الكوع، فإن لم تكن أو عاد فقدمه اليسرى، فإن عاد حُبس ويغرم العين، وإنما يثبت بإقرارٍ مرتين أو شهادة عدلين، وتحسم بزيت من ماله.
باب المحاربة
من أخاف السبيل فقد شرد، فإن أخذ نصابا قطعت كفه اليمنى وقدمه اليسرى بمقام واحد، ومن قتل انحتم القود، ومن أخذ وقتل قُتِل ثم صلب، فإن تاب قبل الظفر سقط الحد لا حق آدمي، ويدفع الصائل عن نفس أو مال أو حريم بالأسهل ثم إن قتل فهدر، وما أتلفته البهائم ليلا ضمن، لا نهارا، إن لم يكن صاحبها معها، وإن كان معها فيضمن ما أتلفته بفمها أو يدها أو رجلها دون نفْحها ابتداء.
باب حد المسكر
يجب على كل مختار عالم إن كان كثيره يسكر إن ثبت أنه شرب، أو استعطى أو أكله بطعام أربعون جلدة، وما أسكر كثيره فقليله حرام، ولو تم لعصير ثلاثة أيام حَرُم إلا أن يغلي قبل ذلك فيحرم، الخليطان، ولا بأس بالفقاع، وترك تمر ونحوه في الماء ليأخذ ملوحته ما لم يشتد، أو تأت عليه ثلاث، ومن وجب لله عليه حد فتاب قبله سقط في رواية، ولو مات من الحد فهدر، وإن زاد فالدية وعنه نصفها.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا أن الحدود العقوبات على ذنوب لتمنع من الوقوع في مثلها، مثل حد الزنى، وحد القذف، وحد شرب الخمر، وحد القطع في السرقة، حد السرقة، وحد الساحر الذي ورد في الحديث:
حد الساحر ضربه بالسيف
وحد قطاع الطريق الذين يقفون في الطرق ويقطعون، يعني العقوبات التي قدرت شرعا، أو العقوبات التي يترتب على من عمل عملا محرما كعقوبة تزجره وتردعه عن أن يعود، أو تردع أمثاله.
فمن ذلك حد السرقة، ذكره الله أنه قطع اليد، أي: تقطع اليد اليمنى لمن سرق، أي لا بد أيضا أن يكون مكلف، فإذا سرق وهو مجنون فلا قطع لعدم التكليف ولعدم الفهم؛ لأن فاقد العقل معذور مرفوع عنه القلم، كما جاء في الحديث:
رفع القلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ
فإذا كان غير مكلف كالمجنون فلا قطع عليه، ولكن يغرم ما أخذه ويغرم أيضا ما أتلفه، إن كان له مال وإلا غرمه وليه، ولا شك أيضا أن وليه مسئول بحيث إنه يحفظه، ولا يتركه يعقر أو يفسد أو يسرق أو ينتهب، أو يأخذ ما لا يحل، بل عليه أن يمسكه ولا يطلق له سراحه؛ لأنه ليس معه عقل يردعه.
الثاني: الصغير، أيضا غير مكلف، إذا سرق وهو ابن اثني عشر سنة، أو ثلاث عشرة، ولم يبلغ، يعني ما بلغ حد البلوغ، ما تم خمس عشرة، ولا أنبت الشعر، ولا احتلم، ولا حاضت المرأة، يعني ما حصل له علامة من علامات البلوغ، فلا قطع، وذلك لأنه لم يتكامل عقله، ولم تتنام معرفته، فلأجل ذلك يكون مرفوعا عنه القلم كما ذكر.
ولكن مع ذلك على أولياء الأطفال أن يحجزوهم ويمنعوهم ويعلموهم حرمة أموال الناس، فيحجزوهم عن التعدي، وعن الإفساد في الأرض، وإذا قدر أنهم أخذوا شيئا، أخذوا مثلا من دكان أو من مبسط فإن صاحبه يطالب أولياءهم، ويقول: هؤلاء أخذوا من مالي، أخذوا من سلعي التي قد نشرتها، تغافلني وأخذ مني كذا وكذا، يغرم ولي أمره.
كذلك أيضا ما أتلفوه يغرمه، فإذا طعنوا أحدا، وإذا قتلوا، وإذا أفسدوا؛ بأن دخلوا بستانا مثلا، وقطعوا شيئا من الثمر، فإنه يغرمه ولي أمرهم.
ولا يقطع إذا كان سرقته من الأصل أو من الفرع؛ الأصل: الآباء والأجداد، الفرع: الأولاد وأولاد البنين، الأولاد وأولاد الأولاد، فإذا سرق من مال أبيه أو من مال جده، أبي أبيه، أو من مال جده أبي أمه، أو من مال جدته، أو من مال أم أمه أو أم أبيه، فلا قطع، وذلك لأنه يدعي أنه يلزمهم الإنفاق عليه؛ لأن الأصل ينفق على فروعه إذا كانوا محتاجين، إذا احتاج الفرع أنفق عليه الأصل، تنفق على أولادك وأولاد أولادك إذا احتاجوا، أولاد بنتك وأولاد ابنك، أو أولاد ابن ابنك أو ابن بنتك إذا احتاجوا فإنك تنفق عليهم، فإذا سرق من مال أجداده أو جداته، فلا قطع.
وكذلك الفروع، إذا سرق الفرع، يعني الفرع مثلا الابن وابن الابن، والبنت وبنت الابن، وبنت البنت ونحو ذلك فإذا سرق من مال ابنه أو مال ابن ابنه، أو من مال ابن بنته، أو بنت بنته، أو بنت بنت بنته، يعني ممن يكونوا راجعا إليه ويقول: هؤلاء فروعي، فلا يقطع، لا يقطع إذا سرق من مال أجداده، ولا يقطع إذا سرق من مال أولاده وأحفاده.
كذلك إذا سرق من مال سيده إذا كان عبدا، يقول: هذا سيدي الذي أنا ملكه، واجب عليه أن ينفق علي، ذُكر أن عبدا مملوكا سرق من مال سيده شيئا من المتاع له قيمة، فرفع إلى بعض الصحابة، فقال: مالُكُم أخذ من مالكم. العبد مالك والذي أخذ هو من مالك، من مالك، لأن جميع ما في يد العبد يكون ملكا لسيده؛ فلهذا لا يقطع إذا أخذ من مال سيده، حيث إن سيده يلزمه أن يعطيه حاجته.
كذلك العبد، إذا كان عند العبد مال، سيده أسكنه في بيت وأثث البيت وجعل فيه -مثلا- أواني -مثلا- أمتعة، مواعين، أباريق، كئوس، زود بيت العبد بكل ما يحتاجه، أو قال للعبد تكسب، أي تكسب وأثث بيتك هذا الذي أسكنتك فيه أو سكنته أنت بكسبك، فإنك أنت وكسبك ملك لي، ثم إن السيد أخذ من مال عبده فلا قطع؛ لأن ذلك المال يملكه السيد، يقدر السيد أن يقول هذا عبدي أنا أملكه، وأملك ما في يده، يمثلونه بالطير الذي يصطاد على صاحبه، أو الكلب الذي يصطاد لصاحبه، فلا قطع.
كذلك إذا أخذ من مال شريكه، المال المشترك بين اثنين، فإنه لا قطع أيضا؛ لأنه يقول: هذا المال لي شراكة فيه، أنا وصاحبه شركاء وقد أخذت منه لأن لي حق فيه، حتى لو سرق ألفا أو عشرة آلاف نقول له: لا يحل لك الخيانة؛ لأن الشريكين كل منهما قد ائتمنه صاحبه، وقد وثق بأمانته، فلا يحل له أن يخون.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
قال الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما
فمعنى ذلك أنه إذا حصلت الخيانة نزعت البركة، فلا يجوز للسيد أن يضر عبده، ولا يجوز للشريك أن يضر شركاءه، وإذا احتاج إلى نفقة أو نحوها استأذن من شركائه، وقال: أنا بحاجة إلى مائة، إلى ألف فآخذها وتأخذ أنت مثلي، وتأخذ أنت الثالث مثلي، أو تحسبونها دينا في ذمتي إذا اقتسمنا تحسمونها من نصيبي، يجوز ذلك، ومع ذلك لو كان على وجه السرقة فلا قطع عن ذلك.
فكل من له شبهة لا يقطع، الشريك له شبهة، يقول: هذا مال مشترك، كذلك إذا كان المال غلة وقف على الفقراء فسرق منه أحد الفقراء فلا قطع، لو اجتمع مثلا مائة ألف أجرة هذه العقارات، وهذه الدكاكين، وهذه الشقق، وهي موقوفة مسبلة تنفق على الفقراء، فجاء أحد الفقراء وقال: أنا لي حق فسرق منها فله شبهة، فلا قطع، وكذلك إذا سرق من بيت المال الذي هو موقوف على المسلمين أي للمسلمين فيه حق فلا قطع، وكذلك إذا سرق من الغنيمة وهو أحد الغانمين، إذا قال: هذه الغنيمة بين الغانمين وأنا من جملتهم، إنما سرقت لأن لي شبهة ولي حق.
نقول: حرام عليك أن تتعدى؛ لأن أخذك هذا يعتبر إخفاء وقد يصل إلى أنه غلول، الغلول: إخفاء شيء من الغنيمة، فإذا سرق وثبت ذلك عنه طولب برد ما سرق ودُرِئَ عنه الحد فلم يقطع، أي لأن له شبهة، هكذا من شروط السرقة أن يكون السارق مكلفا.
من شروط السرقة: أن لا يسرق من فرع أو أصل. من شروط السرقة أن لا يكون له شبهة، كأن يسرق من مال شريكه. من شروط السرقة أن يكون المال المسروق محترما. من شروط السرقة أن يكون من حرز. من شروط السرقة أن يبلغ النصاب. هذه ستة شروط:
الشرط الأول: التكليف. الشرط الثاني: عدم كونه من أصل أو فرع. الشرط الثالث: عدم الشركة. الشرط الرابع: بلوغ النصاب. الشرط الخامس: أن يكون المال محترما. الشرط السادس: الحرز.
نصاب السرقة ربع دينار أو قدره من الفضة أو من العروض، هكذا فلا يسرق بما هو أقل، جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم. كانوا يتعاملون بالدراهم والدنانير، وكان صرف الدينار من الذهب، دينار الذهب صرفه اثنا عشر درهما، فكان رجل سرق مجن، الترس الذي يلبس على الرأس في القتال، ثمنه ثلاثة دراهم، وهي أيضا ربع دينار، فقطع ذلك السارق الذي سرق هذه السرقة، وذلك لأنه تعدى إلى ما لا يحل له.
اختلف في نصاب السرقة، ذهب الحنفية إلى أنه عشرة دراهم، وقالوا الأقل يعفى عنه، إذا كان سرق أقل من عشرة فإن ذلك شيء يتسامح فيه ولا يشدد في طلبه. وذهب الشافعي إلى أنه ربع دينار، لا بد أن يكون ربع دينار أو قدره من الفضة أو قدره من السلع. وعند الإمام أحمد أنه ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وعند الإمام مالك أنه يقطع بكل شيء حتى ولو درهم أو نصف الدرهم. ولكل اجتهاده.
فالإمام الشافعي يقيده بربع دينار، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا
فمعنى ذلك إذا رخص الدينار قطع في ربعه، وإذا غلا قطع في ربعه، فإذا كان الدينار يساوي مثلا يساوي ستة عشر درهما بمعنى أنه غالي، ربع الستة عشر أربعة فإذا قطع ثلاثة فهي أقل من ربع الدينار فلا يقطع، حتى يسرق أربعة أو يسرق ربع دينار، وإذا رخص الدينار، وصار مثلا لا يساوي إلا عشرة، فسرق اثنين ونصف، اثنان ونصف ربع العشرة، درهمان ونصف، فيقطع ولو رخص وصار يساوي ثمانية دراهم، فإذا سرق درهمين فإنها ربع دينار، فيقطع.
أما الإمام أحمد فيقول يقطع إذا سرق ربع دينار ويقطع إذا سرق ثلاثة دراهم، هكذا، يعني يقول: لا فرق بين الأمرين فلو مثلا أنه رخص الدينار فصار يساوي عشرة ربعه اثنان ونصف، فله والحال هذه عليه القطع لأنه سرق ربع دينار، وهي أقل من ثلاثة دراهم، فيكون إذا سرق ربع دينار أو سرق ثلاثة دراهم، فإنه يقطع، لو غلي الدينار وصار بستة عشر درهما، وسرق ثلاثة دراهم، وهي أقل من الخمس قطع لأنه سرق نصابا، هكذا عند الإمام أحمد.
أما المؤلف فيقول ربع دينار أو قدره، يعني أو قدره من الدراهم، فكأنه يقول لا قطع إلا في ربع دينار أو قدره، فمعناه إذا رخص فإنه يقطع في ربع دينار ولو كان درهمين، وإذا غلا فإنه لا يقطع في ثلاثة دراهم إلا في أربعة إذا وصل إلى ستة عشر، هكذا، اجتهدوا هؤلاء الأئمة.
من شروط السرقة: أن يكون المال محترما، فإذا كان المال ليس بمحترم فلا قطع، وذلك لأنه لا يسمى مالا، ولأنه أيضا ليس له قيمة، لا يقوم. فإذا سرق دخان ولو كان الناس يبيعونه بعشرة أو بمائة، فحكم الشرع أنه لا قطع فيه لأنه حرام، ثمنه محرم، ولو سرق مخدرات ولو كانت تساوي ألفا أو عشرين ألف فلا قطع، لأنه لا ثمن له شرعا، وكذا إذا سرق الطبول التي يُلعب بها لا قيمة لها شرعا؛ لأنها من آلات اللهو، إذا سرق أشرطة الأغاني ولو كانوا يبيعونها بثمن رفيع، نقول لا قيمة لها شرعا لأنه مما يجب إتلافها، أو كذلك آلات الغناء، كالعود الذي يغنى به، الذي يستعملونه للغناء ونحو ذلك، وكذلك كتب فيها إلحاد أو مجلات خليعة ولو كانت غالية عند أهلها، نقول كل هذه لا قيمة لها ولا ثمن لها فلا يقطع بها، لأن الشرع لا يجعل لها قيمة، ولأنه يأمر بإتلافها على من هي عنده، وإذا ظفر بها المسئولون من الهيئات ونحوهم وأتلفوها فلا يطالبون لها بقيمة، وهكذا كانوا يفعلون إذا وكل ذلك إليهم أتلفوا كل ما لا قيمة له مما هو محرم.
من شروط السرقة: أن يكون المال محرزا وحرزه ما لا يعد به مضيعا، وحرز كل مالٍ ما يحفظ فيه. فإذا قدر مثلا أن السارق وجد كيسا في الطريق وأخذه فهذا أخذ من غير حرز فلا قطع عليه، أو سرق أو أخذ شاة في البرية فلا قطع، لأنها غير محرزة، أما إذا أخذ من الحرز فإنه يقطع، إذا كانت الغنم مع الراعي يرعاها في البرية فتغافل غفلة، اهتبل غفلة الراعي وأخذ شاة وذهب بها اعتبر سارقا، لأن الراعي يعتبر حرزا، كذلك إذا كانت الغنم في زريبة، حظيرة يجعلونها للأغنام عبارة عن أعواد من العضاة فيها شوكها يحفرون لها ثم يجعلونها مستديرة ويجعلون لها بابا، فهذا الذي كسر الباب باب الحظيرة، وأخذ منها شاة يعتبر سارقا؛ لأن هذا حرزها.
كذلك حرز الأموال داخل البيوت وداخل الأسواق، الأموال العادية، أكياس البر أو أكياس الأرز ما يجعلونها في الصناديق، بل يجعلونها داخل الأسواق أو داخل الحجر، فإذا قفز الحائط أو كسر الباب كسر القفل ودخل وجد أكياسا قريبة منه أخذ منها، أخذ الكيس أو بعض الكيس، اعتبر سارقا لأنه أخذ من الحرز، عادة هذه الأموال كالأكياس ونحوها، والمواعين، القدور، الصحون، الأباريق، الكئوس، الأدوات، الكسارير، أو كرسي مثلا، أو غسالة، أو ثلاجة، أو أدوات المطبخ، أو مثلا ما يسمى بالسلندل الذي هو يكون فيه البوتوجاز؛ فمثل هذه لا يلزم أن تكون في داخل الحجر بل تكون في الأحواش، وداخل الحيطان.
أما الجواهر، والحلي، والنقود، والذهب والفضة، واللؤلؤ والمرجان، الأشياء الثمينة، فالعادة أنها لا تترك على الأرض ولا تترك على الطاولة، لا بد أنها تكون في الصناديق، وتغلق عليها الصناديق، فإذا كسر باب الحجرة ودخل ثم كسر الصندوق -كسر أقفاله- ثم أخذ اعتبر سارقا؛ لأنه أخذها من الحرز من حرز مثلها.
فيعتبر حرز كل شيء مثله، يعني ما يحرز فيه، كذلك الذي يأخذ من ثوب الإنسان يعتبر قد أخذ من حرز، يعني أحيانا في المطار يهتبلون غفلة الإنسان مع شدة الزحام ويدخل أحدهم يده في مخبئه الذي على الجنب ويأخذ منه ما يجد أو ما يقدر عليه، قد يأخذ ألفا، يعني الأبواك التي فيها النقود، قد يكون فيه ألف أو عشرة آلاف أو مائة ريال، أو نحو ذلك، فإذا عثر عليه فإنه يقطع؛ لأنه أخذه من حرز.
وكذلك الطرار الذي يطر الجيب، بعضهم يأخذ سكين ثم يتغافل الإنسان في الزحام ثم يطر ثوبه ويأخذ ما فيه، بل قد أدى ببعضهم إلى أن قتل إنسانا، أخذ سكينا وأراد أن يأخذ من ما يسمى بالكمر الذي جعله على بطنه، أراد أن يشقه حتى يأخذ ما فيه في وسط الزحام، ثم لما حاول وأخرج سكينه فمع شدة الزحام بقر بطنه، بطن صاحب الكمر، مثل هذا يعاقب، يقال: إنه سارق وإنه قاتل قتلا متعمدا، ففي هذه الحال يؤخذ منه الحد، فإن أخذ بهذه الحيلة صدق عليه أنه سارق، وإن أدى إلى أنه طعنه، طعنه مثلا في فخذه، أو طعنه في جنبه، أو طعنه في صدره؛ اقتص منه، إذا طلب ذلك المعتدى عليه طلب القصاص.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:
قال الإمام البعلي رحمه الله تعالى:
باب حد السرقة
يجب بسرقة مكلف لغير أصل أو فرع أو سيد أو عبد أو شريك ونحوه نصابا لربع دينار أو قدره محترما من حرز مثله ما لا يعد به مضيعا بلا شبهة بطلب رده قطع يمناه من الكوع، فإن لم تكن أو عاد فقدمه اليسرى، فإن عاد حُبس ويغرم العين، وإنما يثبت بإقرارٍ مرتين أو شهادة عدلين، وتحسم بزيت من ماله.
باب المحاربة
من أخاف السبيل فقد شرد، فإن أخذ نصابا قطعت كفه اليمنى وقدمه اليسرى بمقام واحد، ومن قتل انحتم القود، ومن أخذ وقتل قُتِل ثم صلب، فإن تاب قبل الظفر سقط الحد لا حق آدمي، ويدفع الصائل عن نفس أو مال أو حريم بالأسهل ثم إن قتل فهدر، وما أتلفته البهائم ليلا ضمن، لا نهارا، إن لم يكن صاحبها معها، وإن كان معها فيضمن ما أتلفته بفمها أو يدها أو رجلها دون نفْحها ابتداء.
باب حد المسكر
يجب على كل مختار عالم إن كان كثيره يسكر إن ثبت أنه شرب، أو استعطى أو أكله بطعام أربعون جلدة، وما أسكر كثيره فقليله حرام، ولو تم لعصير ثلاثة أيام حَرُم إلا أن يغلي قبل ذلك فيحرم، الخليطان، ولا بأس بالفقاع، وترك تمر ونحوه في الماء ليأخذ ملوحته ما لم يشتد، أو تأت عليه ثلاث، ومن وجب لله عليه حد فتاب قبله سقط في رواية، ولو مات من الحد فهدر، وإن زاد فالدية وعنه نصفها.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا أن الحدود العقوبات على ذنوب لتمنع من الوقوع في مثلها، مثل حد الزنى، وحد القذف، وحد شرب الخمر، وحد القطع في السرقة، حد السرقة، وحد الساحر الذي ورد في الحديث:
فمن ذلك حد السرقة، ذكره الله أنه قطع اليد، أي: تقطع اليد اليمنى لمن سرق، أي لا بد أيضا أن يكون مكلف، فإذا سرق وهو مجنون فلا قطع لعدم التكليف ولعدم الفهم؛ لأن فاقد العقل معذور مرفوع عنه القلم، كما جاء في الحديث:
الثاني: الصغير، أيضا غير مكلف، إذا سرق وهو ابن اثني عشر سنة، أو ثلاث عشرة، ولم يبلغ، يعني ما بلغ حد البلوغ، ما تم خمس عشرة، ولا أنبت الشعر، ولا احتلم، ولا حاضت المرأة، يعني ما حصل له علامة من علامات البلوغ، فلا قطع، وذلك لأنه لم يتكامل عقله، ولم تتنام معرفته، فلأجل ذلك يكون مرفوعا عنه القلم كما ذكر.
ولكن مع ذلك على أولياء الأطفال أن يحجزوهم ويمنعوهم ويعلموهم حرمة أموال الناس، فيحجزوهم عن التعدي، وعن الإفساد في الأرض، وإذا قدر أنهم أخذوا شيئا، أخذوا مثلا من دكان أو من مبسط فإن صاحبه يطالب أولياءهم، ويقول: هؤلاء أخذوا من مالي، أخذوا من سلعي التي قد نشرتها، تغافلني وأخذ مني كذا وكذا، يغرم ولي أمره.
كذلك أيضا ما أتلفوه يغرمه، فإذا طعنوا أحدا، وإذا قتلوا، وإذا أفسدوا؛ بأن دخلوا بستانا مثلا، وقطعوا شيئا من الثمر، فإنه يغرمه ولي أمرهم.
ولا يقطع إذا كان سرقته من الأصل أو من الفرع؛ الأصل: الآباء والأجداد، الفرع: الأولاد وأولاد البنين، الأولاد وأولاد الأولاد، فإذا سرق من مال أبيه أو من مال جده، أبي أبيه، أو من مال جده أبي أمه، أو من مال جدته، أو من مال أم أمه أو أم أبيه، فلا قطع، وذلك لأنه يدعي أنه يلزمهم الإنفاق عليه؛ لأن الأصل ينفق على فروعه إذا كانوا محتاجين، إذا احتاج الفرع أنفق عليه الأصل، تنفق على أولادك وأولاد أولادك إذا احتاجوا، أولاد بنتك وأولاد ابنك، أو أولاد ابن ابنك أو ابن بنتك إذا احتاجوا فإنك تنفق عليهم، فإذا سرق من مال أجداده أو جداته، فلا قطع.
وكذلك الفروع، إذا سرق الفرع، يعني الفرع مثلا الابن وابن الابن، والبنت وبنت الابن، وبنت البنت ونحو ذلك فإذا سرق من مال ابنه أو مال ابن ابنه، أو من مال ابن بنته، أو بنت بنته، أو بنت بنت بنته، يعني ممن يكونوا راجعا إليه ويقول: هؤلاء فروعي، فلا يقطع، لا يقطع إذا سرق من مال أجداده، ولا يقطع إذا سرق من مال أولاده وأحفاده.
كذلك إذا سرق من مال سيده إذا كان عبدا، يقول: هذا سيدي الذي أنا ملكه، واجب عليه أن ينفق علي، ذُكر أن عبدا مملوكا سرق من مال سيده شيئا من المتاع له قيمة، فرفع إلى بعض الصحابة، فقال: مالُكُم أخذ من مالكم. العبد مالك والذي أخذ هو من مالك، من مالك، لأن جميع ما في يد العبد يكون ملكا لسيده؛ فلهذا لا يقطع إذا أخذ من مال سيده، حيث إن سيده يلزمه أن يعطيه حاجته.
كذلك العبد، إذا كان عند العبد مال، سيده أسكنه في بيت وأثث البيت وجعل فيه -مثلا- أواني -مثلا- أمتعة، مواعين، أباريق، كئوس، زود بيت العبد بكل ما يحتاجه، أو قال للعبد تكسب، أي تكسب وأثث بيتك هذا الذي أسكنتك فيه أو سكنته أنت بكسبك، فإنك أنت وكسبك ملك لي، ثم إن السيد أخذ من مال عبده فلا قطع؛ لأن ذلك المال يملكه السيد، يقدر السيد أن يقول هذا عبدي أنا أملكه، وأملك ما في يده، يمثلونه بالطير الذي يصطاد على صاحبه، أو الكلب الذي يصطاد لصاحبه، فلا قطع.
كذلك إذا أخذ من مال شريكه، المال المشترك بين اثنين، فإنه لا قطع أيضا؛ لأنه يقول: هذا المال لي شراكة فيه، أنا وصاحبه شركاء وقد أخذت منه لأن لي حق فيه، حتى لو سرق ألفا أو عشرة آلاف نقول له: لا يحل لك الخيانة؛ لأن الشريكين كل منهما قد ائتمنه صاحبه، وقد وثق بأمانته، فلا يحل له أن يخون.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
فكل من له شبهة لا يقطع، الشريك له شبهة، يقول: هذا مال مشترك، كذلك إذا كان المال غلة وقف على الفقراء فسرق منه أحد الفقراء فلا قطع، لو اجتمع مثلا مائة ألف أجرة هذه العقارات، وهذه الدكاكين، وهذه الشقق، وهي موقوفة مسبلة تنفق على الفقراء، فجاء أحد الفقراء وقال: أنا لي حق فسرق منها فله شبهة، فلا قطع، وكذلك إذا سرق من بيت المال الذي هو موقوف على المسلمين أي للمسلمين فيه حق فلا قطع، وكذلك إذا سرق من الغنيمة وهو أحد الغانمين، إذا قال: هذه الغنيمة بين الغانمين وأنا من جملتهم، إنما سرقت لأن لي شبهة ولي حق.
نقول: حرام عليك أن تتعدى؛ لأن أخذك هذا يعتبر إخفاء وقد يصل إلى أنه غلول، الغلول: إخفاء شيء من الغنيمة، فإذا سرق وثبت ذلك عنه طولب برد ما سرق ودُرِئَ عنه الحد فلم يقطع، أي لأن له شبهة، هكذا من شروط السرقة أن يكون السارق مكلفا.
من شروط السرقة: أن لا يسرق من فرع أو أصل. من شروط السرقة أن لا يكون له شبهة، كأن يسرق من مال شريكه. من شروط السرقة أن يكون المال المسروق محترما. من شروط السرقة أن يكون من حرز. من شروط السرقة أن يبلغ النصاب. هذه ستة شروط:
الشرط الأول: التكليف. الشرط الثاني: عدم كونه من أصل أو فرع. الشرط الثالث: عدم الشركة. الشرط الرابع: بلوغ النصاب. الشرط الخامس: أن يكون المال محترما. الشرط السادس: الحرز.
نصاب السرقة ربع دينار أو قدره من الفضة أو من العروض، هكذا فلا يسرق بما هو أقل، جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم. كانوا يتعاملون بالدراهم والدنانير، وكان صرف الدينار من الذهب، دينار الذهب صرفه اثنا عشر درهما، فكان رجل سرق مجن، الترس الذي يلبس على الرأس في القتال، ثمنه ثلاثة دراهم، وهي أيضا ربع دينار، فقطع ذلك السارق الذي سرق هذه السرقة، وذلك لأنه تعدى إلى ما لا يحل له.
اختلف في نصاب السرقة، ذهب الحنفية إلى أنه عشرة دراهم، وقالوا الأقل يعفى عنه، إذا كان سرق أقل من عشرة فإن ذلك شيء يتسامح فيه ولا يشدد في طلبه. وذهب الشافعي إلى أنه ربع دينار، لا بد أن يكون ربع دينار أو قدره من الفضة أو قدره من السلع. وعند الإمام أحمد أنه ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وعند الإمام مالك أنه يقطع بكل شيء حتى ولو درهم أو نصف الدرهم. ولكل اجتهاده.
فالإمام الشافعي يقيده بربع دينار، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
أما الإمام أحمد فيقول يقطع إذا سرق ربع دينار ويقطع إذا سرق ثلاثة دراهم، هكذا، يعني يقول: لا فرق بين الأمرين فلو مثلا أنه رخص الدينار فصار يساوي عشرة ربعه اثنان ونصف، فله والحال هذه عليه القطع لأنه سرق ربع دينار، وهي أقل من ثلاثة دراهم، فيكون إذا سرق ربع دينار أو سرق ثلاثة دراهم، فإنه يقطع، لو غلي الدينار وصار بستة عشر درهما، وسرق ثلاثة دراهم، وهي أقل من الخمس قطع لأنه سرق نصابا، هكذا عند الإمام أحمد.
أما المؤلف فيقول ربع دينار أو قدره، يعني أو قدره من الدراهم، فكأنه يقول لا قطع إلا في ربع دينار أو قدره، فمعناه إذا رخص فإنه يقطع في ربع دينار ولو كان درهمين، وإذا غلا فإنه لا يقطع في ثلاثة دراهم إلا في أربعة إذا وصل إلى ستة عشر، هكذا، اجتهدوا هؤلاء الأئمة.
من شروط السرقة: أن يكون المال محترما، فإذا كان المال ليس بمحترم فلا قطع، وذلك لأنه لا يسمى مالا، ولأنه أيضا ليس له قيمة، لا يقوم. فإذا سرق دخان ولو كان الناس يبيعونه بعشرة أو بمائة، فحكم الشرع أنه لا قطع فيه لأنه حرام، ثمنه محرم، ولو سرق مخدرات ولو كانت تساوي ألفا أو عشرين ألف فلا قطع، لأنه لا ثمن له شرعا، وكذا إذا سرق الطبول التي يُلعب بها لا قيمة لها شرعا؛ لأنها من آلات اللهو، إذا سرق أشرطة الأغاني ولو كانوا يبيعونها بثمن رفيع، نقول لا قيمة لها شرعا لأنه مما يجب إتلافها، أو كذلك آلات الغناء، كالعود الذي يغنى به، الذي يستعملونه للغناء ونحو ذلك، وكذلك كتب فيها إلحاد أو مجلات خليعة ولو كانت غالية عند أهلها، نقول كل هذه لا قيمة لها ولا ثمن لها فلا يقطع بها، لأن الشرع لا يجعل لها قيمة، ولأنه يأمر بإتلافها على من هي عنده، وإذا ظفر بها المسئولون من الهيئات ونحوهم وأتلفوها فلا يطالبون لها بقيمة، وهكذا كانوا يفعلون إذا وكل ذلك إليهم أتلفوا كل ما لا قيمة له مما هو محرم.
من شروط السرقة: أن يكون المال محرزا وحرزه ما لا يعد به مضيعا، وحرز كل مالٍ ما يحفظ فيه. فإذا قدر مثلا أن السارق وجد كيسا في الطريق وأخذه فهذا أخذ من غير حرز فلا قطع عليه، أو سرق أو أخذ شاة في البرية فلا قطع، لأنها غير محرزة، أما إذا أخذ من الحرز فإنه يقطع، إذا كانت الغنم مع الراعي يرعاها في البرية فتغافل غفلة، اهتبل غفلة الراعي وأخذ شاة وذهب بها اعتبر سارقا، لأن الراعي يعتبر حرزا، كذلك إذا كانت الغنم في زريبة، حظيرة يجعلونها للأغنام عبارة عن أعواد من العضاة فيها شوكها يحفرون لها ثم يجعلونها مستديرة ويجعلون لها بابا، فهذا الذي كسر الباب باب الحظيرة، وأخذ منها شاة يعتبر سارقا؛ لأن هذا حرزها.
كذلك حرز الأموال داخل البيوت وداخل الأسواق، الأموال العادية، أكياس البر أو أكياس الأرز ما يجعلونها في الصناديق، بل يجعلونها داخل الأسواق أو داخل الحجر، فإذا قفز الحائط أو كسر الباب كسر القفل ودخل وجد أكياسا قريبة منه أخذ منها، أخذ الكيس أو بعض الكيس، اعتبر سارقا لأنه أخذ من الحرز، عادة هذه الأموال كالأكياس ونحوها، والمواعين، القدور، الصحون، الأباريق، الكئوس، الأدوات، الكسارير، أو كرسي مثلا، أو غسالة، أو ثلاجة، أو أدوات المطبخ، أو مثلا ما يسمى بالسلندل الذي هو يكون فيه البوتوجاز؛ فمثل هذه لا يلزم أن تكون في داخل الحجر بل تكون في الأحواش، وداخل الحيطان.
أما الجواهر، والحلي، والنقود، والذهب والفضة، واللؤلؤ والمرجان، الأشياء الثمينة، فالعادة أنها لا تترك على الأرض ولا تترك على الطاولة، لا بد أنها تكون في الصناديق، وتغلق عليها الصناديق، فإذا كسر باب الحجرة ودخل ثم كسر الصندوق -كسر أقفاله- ثم أخذ اعتبر سارقا؛ لأنه أخذها من الحرز من حرز مثلها.
فيعتبر حرز كل شيء مثله، يعني ما يحرز فيه، كذلك الذي يأخذ من ثوب الإنسان يعتبر قد أخذ من حرز، يعني أحيانا في المطار يهتبلون غفلة الإنسان مع شدة الزحام ويدخل أحدهم يده في مخبئه الذي على الجنب ويأخذ منه ما يجد أو ما يقدر عليه، قد يأخذ ألفا، يعني الأبواك التي فيها النقود، قد يكون فيه ألف أو عشرة آلاف أو مائة ريال، أو نحو ذلك، فإذا عثر عليه فإنه يقطع؛ لأنه أخذه من حرز.
وكذلك الطرار الذي يطر الجيب، بعضهم يأخذ سكين ثم يتغافل الإنسان في الزحام ثم يطر ثوبه ويأخذ ما فيه، بل قد أدى ببعضهم إلى أن قتل إنسانا، أخذ سكينا وأراد أن يأخذ من ما يسمى بالكمر الذي جعله على بطنه، أراد أن يشقه حتى يأخذ ما فيه في وسط الزحام، ثم لما حاول وأخرج سكينه فمع شدة الزحام بقر بطنه، بطن صاحب الكمر، مثل هذا يعاقب، يقال: إنه سارق وإنه قاتل قتلا متعمدا، ففي هذه الحال يؤخذ منه الحد، فإن أخذ بهذه الحيلة صدق عليه أنه سارق، وإن أدى إلى أنه طعنه، طعنه مثلا في فخذه، أو طعنه في جنبه، أو طعنه في صدره؛ اقتص منه، إذا طلب ذلك المعتدى عليه طلب القصاص.
تعليق