قصة قرأتها منذ عام ... لا أذكر هل حدثتكم عنها أم لا ... لكنها تستحق القراءة فعلا .
قراءة ممتعة ... في أمان الله .
د. محمد الحضيف
بدأ حلماً .. يراودها ، منذ تسع سنوات . وقتها .. كانت في الصف الثالث الابتدائي ، حين صارحت أمها ، بأمنية ( بريئة ) كأحلام الطفولة ، بعد موقف مرّ بهما . موقف ظل يتكرر كثيراً ، في أعوام تالية ، كلما أخذ والدها والدتها إلى المستشفى ، للكشف عليها .. حين تمر بعارض صحي . تسمع توسلات أمها عميقة ولحوحة ، وهي تتمنّع في بعض المرّات ، عن الذهاب إلى المستشفى ، رغم وضعها الصحي السيء ، ثم توافق على مضض :
- أرجوك يا ناصر ، إذا كان دكتور ، لا أريده أن يكشف علي ..!
في كل مرّة ، كان زوجها يرد بحزم :
- ليس عندنا حل ثانِ يا مها ، إذا لم يكن هناك دكتورة ..
- لا .. أرجوك يا أبا أحمد .. أموت ، ولا يكشف عليّ رجل .
سنوات تمضي ، ومشهد يتكرر . في إحدى المرّات .. تذكر أن والديها ، عادا من المستشفى ، بكيس من الأدوية . أبوها كان هادئاً ، لكن والدتها بدت بحالة نفسية متردّية ، أسوأ من تلك التي ذهبت بها . سمعت والدها يتحدث .. يطمئنها ، ويؤكد بأن حالتها عادية ، ولا تستدعي القلق ، وأقسم على ذلك عدة مرّات .. وأن الطبيب أخبره بذلك . ثم ختم حديثه قائلاً :
- وكان كذلك ، مؤدباً جداً .. وهو يكشف عليك . أليس هذا هو المطلوب ؟
أفرغ كيس الأدوية على طـــاولة صغيرة ، في وسط غرفة النوم ، وأخذ يستعرض تعليمات الاستعمال ، الملصقة عليها :
- كل شيء واضح .. أهم شيء الالتزام بالمواعيد .
نظر إلى ساعته وقال :
- سأخرج للصلاة الآن ، ولدي موعد بعدها ، استريحي .. عائشة ستساعدك .
نادى على ابنته ، وقال ممازحاً :
- أكيد تعرفين .. تقرأين ..؟
هزت رأسها ..
- شوفي التعليمات المكتوبة على الأدوية ، وأعطيها ماما .
جثت على ركبتيها قريباً من الطاولة ، ثم التقطت منديلاً ورقياً ، وفرشته في إحدى زواياها . شرعت تقرأ الإرشادات ، المرفقة مع كل علبة دواء ، ثم تفتحها ، وتأخذ منها ، حسب ما هو مبين في ملصق التعليمات ، وتضعه على المنديل ، حتى مرّت عليها كلها ، وأعادتها بعد ذلك إلى الكيس . أحضرت كأس ماء ، ثم جمعت الدواء في المنديل ، واتجهت إلى والدتها ، التي كانت قد استلقت على السرير ، ووضعت وسادة على وجهها :
- ماما .. الدواء ..
التفتت الأم ، بعد أن رفعت الوسادة عن وجهها ، ونظرت إليها بعينين مبللتين . مدت يدها إليها لتأخذ الدواء ، وبقايا ألم ما زالت في العينين .. تحاول أن تواريها :
- تسلمين حبيبتي ..
- أمي .. بابا يقول ، أنت طيبة ، وما فيه شيء خطير ، ليه أنت متضايقة ؟
- ما فيه شيء حبيبتي ..
- أجل ليه تبكين يا ماما .. أنت متضايقة من المستشفى ..؟
أغلقت كفها على الدواء ، ثم أغمضت عينيها وأطرقت . كانت تحبس وجعاً غير عادي ، وتتمنى لو تجد من تبوح له به . في خاطرها أن البنت صغيرة ، ولا تستوعب حديثاً عن أحوال النساء .. بهذا المستوى . كيف تفصح لها ، عن خجلها الشديد ، من كشف الطبيب عليها ؟
عندما رفعت رأسها ، كانت ابنتها ما زالت واقفة ، ممسكة كأس الماء بيدها ، وعلامات الاستفهام ، قد استولت على كـــــامل وجهها . أخذت كأس الماء منها ، وتـــناولت كومة حبوب الدواء من المنديل ، وجمعتها في كــفها ، ثم قذفتها في فمها ، وأتبعتها بجرعة ماء . وضعت الكأس بجانبها ، ولم تشأ أن تنظر في وجهها ، حتى لا تشعر بحرج من تهربها من الإجابة . أحست بها تتقدم نحوها .. ثم تقف ، وتطوق عنقها بكـــفين ، وساعدين ممدودين . رفعت رأسها ، ولما التقت نظراتهما .. فاجأتها بما لم تتوقع :
- ماما .. لمّا أكبر ، أصير دكتورة وأكشف عليك .
صرخت وضمتها :
- يا عمري يا ( عيّوش ) .. حاسة فيني ..!
قراءة ممتعة ... في أمان الله .
عائشة .. في غـرفة التشريح .. !
د. محمد الحضيف
بدأ حلماً .. يراودها ، منذ تسع سنوات . وقتها .. كانت في الصف الثالث الابتدائي ، حين صارحت أمها ، بأمنية ( بريئة ) كأحلام الطفولة ، بعد موقف مرّ بهما . موقف ظل يتكرر كثيراً ، في أعوام تالية ، كلما أخذ والدها والدتها إلى المستشفى ، للكشف عليها .. حين تمر بعارض صحي . تسمع توسلات أمها عميقة ولحوحة ، وهي تتمنّع في بعض المرّات ، عن الذهاب إلى المستشفى ، رغم وضعها الصحي السيء ، ثم توافق على مضض :
- أرجوك يا ناصر ، إذا كان دكتور ، لا أريده أن يكشف علي ..!
في كل مرّة ، كان زوجها يرد بحزم :
- ليس عندنا حل ثانِ يا مها ، إذا لم يكن هناك دكتورة ..
- لا .. أرجوك يا أبا أحمد .. أموت ، ولا يكشف عليّ رجل .
سنوات تمضي ، ومشهد يتكرر . في إحدى المرّات .. تذكر أن والديها ، عادا من المستشفى ، بكيس من الأدوية . أبوها كان هادئاً ، لكن والدتها بدت بحالة نفسية متردّية ، أسوأ من تلك التي ذهبت بها . سمعت والدها يتحدث .. يطمئنها ، ويؤكد بأن حالتها عادية ، ولا تستدعي القلق ، وأقسم على ذلك عدة مرّات .. وأن الطبيب أخبره بذلك . ثم ختم حديثه قائلاً :
- وكان كذلك ، مؤدباً جداً .. وهو يكشف عليك . أليس هذا هو المطلوب ؟
أفرغ كيس الأدوية على طـــاولة صغيرة ، في وسط غرفة النوم ، وأخذ يستعرض تعليمات الاستعمال ، الملصقة عليها :
- كل شيء واضح .. أهم شيء الالتزام بالمواعيد .
نظر إلى ساعته وقال :
- سأخرج للصلاة الآن ، ولدي موعد بعدها ، استريحي .. عائشة ستساعدك .
نادى على ابنته ، وقال ممازحاً :
- أكيد تعرفين .. تقرأين ..؟
هزت رأسها ..
- شوفي التعليمات المكتوبة على الأدوية ، وأعطيها ماما .
جثت على ركبتيها قريباً من الطاولة ، ثم التقطت منديلاً ورقياً ، وفرشته في إحدى زواياها . شرعت تقرأ الإرشادات ، المرفقة مع كل علبة دواء ، ثم تفتحها ، وتأخذ منها ، حسب ما هو مبين في ملصق التعليمات ، وتضعه على المنديل ، حتى مرّت عليها كلها ، وأعادتها بعد ذلك إلى الكيس . أحضرت كأس ماء ، ثم جمعت الدواء في المنديل ، واتجهت إلى والدتها ، التي كانت قد استلقت على السرير ، ووضعت وسادة على وجهها :
- ماما .. الدواء ..
التفتت الأم ، بعد أن رفعت الوسادة عن وجهها ، ونظرت إليها بعينين مبللتين . مدت يدها إليها لتأخذ الدواء ، وبقايا ألم ما زالت في العينين .. تحاول أن تواريها :
- تسلمين حبيبتي ..
- أمي .. بابا يقول ، أنت طيبة ، وما فيه شيء خطير ، ليه أنت متضايقة ؟
- ما فيه شيء حبيبتي ..
- أجل ليه تبكين يا ماما .. أنت متضايقة من المستشفى ..؟
أغلقت كفها على الدواء ، ثم أغمضت عينيها وأطرقت . كانت تحبس وجعاً غير عادي ، وتتمنى لو تجد من تبوح له به . في خاطرها أن البنت صغيرة ، ولا تستوعب حديثاً عن أحوال النساء .. بهذا المستوى . كيف تفصح لها ، عن خجلها الشديد ، من كشف الطبيب عليها ؟
عندما رفعت رأسها ، كانت ابنتها ما زالت واقفة ، ممسكة كأس الماء بيدها ، وعلامات الاستفهام ، قد استولت على كـــــامل وجهها . أخذت كأس الماء منها ، وتـــناولت كومة حبوب الدواء من المنديل ، وجمعتها في كــفها ، ثم قذفتها في فمها ، وأتبعتها بجرعة ماء . وضعت الكأس بجانبها ، ولم تشأ أن تنظر في وجهها ، حتى لا تشعر بحرج من تهربها من الإجابة . أحست بها تتقدم نحوها .. ثم تقف ، وتطوق عنقها بكـــفين ، وساعدين ممدودين . رفعت رأسها ، ولما التقت نظراتهما .. فاجأتها بما لم تتوقع :
- ماما .. لمّا أكبر ، أصير دكتورة وأكشف عليك .
صرخت وضمتها :
- يا عمري يا ( عيّوش ) .. حاسة فيني ..!
تعليق