شهدت الاوساط السياسية الإسرائيلية الاربعاء أزمة عنيفة هزت الحكومة الإسرائيلية، فى أعقاب نشر حوار صحفى أجراه الجنرال عاموس جلعاد، رئيس الدائرة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية، مع صحيفة معاريف الإسرائيلية حمل الحوار انتقادات عنيفة لرئيس الوزراء إيهود أولمرت.
ووجه جلعاد اتهامات لأولمرت تتعلق بطريقة تعاطيه مع جهود الوساطة المصرية للتوصل إلى اتفاق تهدئة بين حركة حماس وإسرائيل.
وأدان جلعاد فى الحوار تنصل أولمرت من النقاط المتفق عليها مع الوسيط المصرى، وتشبثه بإغلاق المعابر حتى يتم الإفراج عن الجندى شاليط.
وقال جلعاد: لا أفهم لماذا يغير أولمرت رأيه فى آخر لحظة، ويطالب بالإفراج عن شاليط قبل إعلان التهدئة، خلافاً لجدول المراحل المتفق عليه مع المصريين.
وأكد جلعاد أن تصرف أولمرت على هذا النحو يعد إهانة للمسؤولين المصريين، قد تدفعهم للتخلى عن جهود الوساطة كلية.
ووصف جلعاد وزراء فى حكومة أولمرت بـ "المجانين، الذين يتعمدون إهانة 85 مليون مصرى، ويتسببون فى أضرار بالغة للأمن القومى الإسرائيلى".
كما حذر المسؤول الأمنى الإسرائيلى من إثارة غضب القاهرة، ودفعها للشعور بأن إسرائيل نادمة على عقد اتفاق سلام معها.
واستخدم جلعاد تعبيرات تتسم بالحدة، من قبيل: انتوا فاكرين المصريين شغالين عندنا.
وأردف قائلاً: مصر كادت تدمرنا فى 1948، وألحقت بنا الهزيمة فى أكتوبر 1973.
ونقل المحلل السياسي في صحيفة معاريف العبرية بن كاسبيت عن مقربين من جلعاد قولهم إنّه خلافاً لما يجري في ديوان أولمرت، فإنّ جلعاد يقوم بتوثيق كل المحادثات التي يجريها مع المسؤولين الإسرائيليين في القاهرة، وأنّه لم يسافر إلى مصر ولو مرة واحدة بدون الحصول على إذن من المسؤولين، كما أنّه خلال المحادثات في مصر يحضر الجلسات أيضاً شخصاً من المخابرات الإسرائيلية الذي يجيد اللغة العربية.
كما نقل عن جلعاد قوله لمقربين منه إنّه بعد عودته من القاهرة يقوم بتزويد باراك بجميع المعلومات، ومن ثم يقوم بالاجتماع إلى رئيس الوزراء وتزويده بنتائج محادثاته مع المصريين.
وقال جلعاد أيضاً: أنا لا أفهم ماذا يريدون في ديوان رئيس الوزراء أولمرت، هل يريدون أن نوبخ ونحتقر المصريين؟ لقد فقدنا بعد الحرب على غزة جميع الأصدقاء، وبقيت مصر المخلصة الوحيدة لدينا في المنطقة، لقد قمنا مؤخراً باحتقار المصريين، إنّ تصرف أولمرت هو تصرف جنوني.
وزاد قائلاً: "إنّ المقربين من أولمرت يمسون مساً صارخاً بالأمن القومي الإسرائيلي، وعليهم أن يعرفوا أنّه يتحتم على إسرائيل الاختيار بين إمكانية سيئة وإمكانية أكثر سوءاً، ومصر حتى الآن تصرفت بشجاعة منقطعة النظير في التعامل مع الدولة العبرية.
وكال جلعاد المديح للمصريين وقال إنّهم يمنحوننا الفرصة للتصرف بشكل حر، إنّهم يحاولون التوسط، إنّهم يبادرون ويبذلون الجهود الجبارة، إنّهم يبدون مرونة في التعامل معنا أكثر من أي وقت سابق.
وأوضح جلعاد أن الرئيس حسني مبارك، يتصرف بمصداقية وبشجاعة نادرة مع إسرائيل، فهو المسؤول عن إغلاق معبر رفح، وهو الذي يعمل من أجل عزل حركة حماس أكثر مما هي معزولة الآن، ماذا يعتقد أولمرت؟ هل يعتقد أنّ المصريين يعملون لدينا؟ أم أنّه يعتقد أنّهم وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي؟.
وتابع الجنرال الإسرائيلي قائلاً إن مصر هي اليوم أكبر دولة عربية وعدد سكانها يصل إلى 85 مليونا، وهذه الدولة أرادت أن تقضي علينا في العام 1948 وفي العام 1973 تلقينا منها ضربة قاسية، وبالتالي علينا أن ننظر على ما يجري في المنطقة، فكل شيء مرشح للتأجيج.
وقال: "أيضاً في مصر يعانون من ظاهرة الإخوان المسلمين، أنظروا ماذا حدث في الأردن، لقد قدموا ضدنا دعوى في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وأنظروا ماذا حدث في العلاقات بيننا وبين تركيا، هل يريد أولمرت أن نفقد العلاقات المميزة بيننا وبين مصر أيضاً".
كما هاجم جلعاد الجنرال في الاحتياط بشدة عوفر ديكل، المسؤول عن ملف الأسرى والمفقودين من قبل رئيس الوزراء ايهود أولمرت، وقال هل يريدون مواصلة احتقار مصر؟ هل يريدون أن تعلن مصر أنّها منسحبة من هذا الملف، وبالتالي إذا أقدمت مصر على خطوة من هذا القبيل، ماذا سنربح؟ من سيقوم بالوساطة؟ قطر؟ إنّها انتقلت إلى المعسكر الراديكالي في العالم العربي، وانضمت إلى إيران، علينا أن نفهم أنّ إسرائيل بحاجة إلى علاقات طيبة مع مصر ومع الأردن ومع تركيا، لأنّ هذه العلاقات هي ضمانة ممتازة للأمن القومي في الدولة العبرية.
من جانبه، سارع أولمرت، فور نشر الحوار، باستدعاء وزير الدفاع إيهود باراك واللواء جلعاد، إلى مكتبه، قبل اجتماع المجلس الأمنى المصغر، الاربعاء ووجه عبارات التوبيخ واللوم لهما بسبب ما نشر فى صحيفة معاريف.
وأبلغ أولمرت خلال الجلسة أعضاء المجلس الوزاري انه استدعى قبل الاجتماع كل من وزير الدفاع ايهود باراك إلى جانب المسؤول الرفيع في وزارة الجيش الجنرال عاموس جلعاد إلى مكتبه حيث قام بتوبيخ جلعاد بسبب ما نقلته عنه صحيفة معاريف من انتقادات شديدة وجهها إلى أولمرت على خلفية المفاوضات الجارية حول ملفي التهدئة وشاليط، لكن الإذاعة الإسرائيلية قالت أن التوبيخ شمل أيضاً باراك.
واتهم أولمرت وزير دفاعه باراك بالمسؤولية عن الحوار، خاصة أن جلعاد يعمل ضمن طاقم وزارة الدفاع، ويمثل وجهة نظر باراك المؤيدة لبنود ومراحل اتفاق التهدئة، الذى توصلت إليه مصر الأسبوع الماضى.
واعتبر أولمرت أن هذا الحوار تسبب فى إحراجه أمام الحكومة المصرية والرأى العام الإسرائيلى فى نفس الوقت، بعدما ظهر فى صورة الشخص الذى يعطل اتفاق التهدئة، ويهين الإدارة المصرية، ومن ثم يحرم أسرة شاليط من استعادة ابنها المخطوف.
كان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر المعني بالشؤون السياسية والأمنية الذي يضم 12 وزيرا قد قرر خلال جلسة عقدها الأربعاء اشتراط أي تسوية مع حركة حماس بشان التهدئة بإطلاق سراح الجندي جلعاد شليط الذي تأسره حركة حماس منذ صيف 2006، وهو أمر جددت الحركة رفضها المطلق له، وحثت الدول العربية على إنهاء حصار غزة.
ووفق مراقبين إسرائيليين فإن القرار الذي جرى تمريره حظي بدعم وتأييد كبيرين من وزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير الجيش أيهود باراك.
يشار إلى أن القرار جاء مطابقا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته أيهود أولمرت الذي عبر عنها طول الأيام القليلة الماضية، ومغاير لكل التوقعات التي تحدثت عن قرب التوصل إلى تهدئة خلال الساعات القادمة.
وقال محللون ان القرار الإسرائيلي يعد صفعة لجهود مصر التي بدأت في وساطة بين الطرفين عقب إنهاء إسرائيل لحربها على غزة التي استمرت 22 يوم في 18 من الشهر الماضي، بعد أن قتلت نحو 1400 فلسطيني نصفهم من الأطفال والنساء.
وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن أولمرت في أعقاب الجلسة الوزارية احاط الرئيس حسني مبارك علما بنتائجها.
المصدر: صحيفتا المصري اليوم و القدس العربي.
تعليق