فن الرسم العربي
هذه مقالة مترجمة للباحث : ألبرت سكيرا
ينصب الاهتمام الأول في هذا الموضوع على فن الرسم الذي كان أحد نتاجات ذلك المصهر الضخم الذي انصهرت فيه الأشكال الفنية السابقة للإسلام وأشكال الفن اللاحقة ، ثم تبلورت من جديد لتكون أساليب فنية جديدة ذات خصائص معينة ومميزة ، وكانت تلك الإبداعات التصويرية ذات صفة عربية خالصة في بداية الأمر وبالمعنى الضيق لهذه الكلمة ولكن سرعان ما أصبحت تلك الإبداعات التصويرية جزءً من إنجاز حضارة كثيرة اللغات ومتعددة الجنسيات ، ثم جرى استخدام الأساليب الفنية المختلفة بطرائق شديدة التباين من قبل الغالبية العظمى من المسلمين غير أن تلك الأساليب كانت تتصف بدرجة كافية من الديناميكية لتؤثر في فنون أديان أخرى كانت تعيش تحت " خيمة الإسلام " .
بعد سقوط الخلافة العباسية في عام / 1258م / استمرت تلك الأساليب الفنية في تأثيرها الخلاق في فنون الدول الأخرى في الأقطار الناطقة بالغة العربية مثل مصر ، ثم بعد ذلك في أثناء حكم الأتراك ( من أواخر القرن الثالث عشر إلى القرن الثامن عشر ) ، وأدت تلك الأساليب الفنية أيضاً دور كبير في الفن الفارسي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر ، غير أن قلب ذلك العالم الفني كان هو الأقطار الناطقة باللغة العربية .
يمكن الافتراض هنا بأنه لم تسنح الفرصة أبداً للأساليب الفنية الإسلامية غير الفارسية لكي تزدهر إزدهاراً خلاقاً في بلاد فارس وفي أجزاء أخرى من المناطق الشرقية من الخلافة ويعود سبب ذلك إلى أن التقاليد التصويرية التي تطورت في القصور الساسانية ( من القرن الثالث إلى القرن السابع ) كانت شديدة التخندق والانعزال ، بالإضافة إلى أن المشاعر المعادية للعرب قد حالت دون ظهور مناخ فني يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التطور المثمر لأساليب فنية عربية ، وهكذا فالمساحة التي سنتحدث عنها في هذا الموضوع تتكون وبالدرجة الأولى من العراق وسورية الكبرى ومصر وهي تضم أيضاً وبالدرجة الثانية مناطق أخرى واقعة بين إسبانيا ومراكش في القسم الغربي وهضبة بلاد فارس في القسم الشرقي ، وتمتد الفترة الزمنية ذات العلاقة من أواخر القرن السابع إلى القرن الرابع عشر ، وأما عبارة " فن الرسم " فسوف نستخدمها هنا بأوسع معنا لها ، أي أنها لا تقتصر على الأعمال الجصية والرسوم على المواد الشائعة الاستخدام مثل الخشب والورق ، وإنما هي تتعدى ذلك لتشمل الزجاج وأعمال الفسيفساء الحجرية والفخار الذي يحمل صوراً ، ومن الواضح أن المجال الأوسع الذي كان متاحاً للرسام هو أن يرسم أشكالاً هندسية أو نباتات وأزهار أو أن يهتم بالخط ، وهو أمر يميز الفن الإسلامي حقاً .
مراحل مبكرة من الفنون التصويرية ( المعالم الأموية : 691 – 750م )
ما زالت أقدم الأعمال التصويرية التي ابتدعتها الحضارة الإسلامية محفوظة على الجدران الداخلية في " قبة الصخرة " في القدس والتي تمثل أول المباني الكبيرة التي تم تشييدها في عام / 691م / بأمر من الخليفة عبد الملك / 685 – 705م / وتتألف قبة الصخرة من قبة كبيرة ومرتفعو واثنين من المماشي اللذين يحيطان ببروز صخري .
وتبين أعمال الموزاييك الزجاجية التي تغطي الأقواس في المماشي وتلك الأعمال الزجاجية الموجودة في القبة ، عدة أنواع من صور النباتات المتمثلة بأشجار وأوراق أشجار وثمار ، ويشيع هنا أيضاً استخدام أشكال نباتية متكررة تظهر فيها أيضاً صور لمزهريات وزخرفة قرنية الهيئة ، ويشير هذان التصميمان وكذلك الاستخدام الواسع جداً لصور ترمز إلى نبات ( الأقنثا ) الشائك وذي الأوراق الكثيرة والكبيرة إشارة واضحة إلى المضي في استخدام تصاميم فنية كلاسيكية وهو أمر يجب ألا يثير الاستغراب بالنظر إلى أن القدس كانت واقعة تحت الاحتلال البيزنطي قبل ذلك بخمسين سنة فقط .
ومن الأمور غير الاعتيادية ذلك الاستخدام الواسع جداً لأشكال عمودية من النباتات المتراصة التي تشيع فيها أزهار غريبة الشكل وذات حجم كبير جداً وهذا نوع من التصاميم كان قد عمل على تطويره النقاشون على الحجر وصانعوا الفضة في بلاد فارس في عهد الساسانيين ، وكانت التصاميم الفارسية قد ظهرت في الفن السوري في الفترة السابقة للإسلام غير أن تلك التصاميم لم تكن في مثل هذه الوفرة وبمثل هذه الأشكال الغير كلاسيكية ، وهناك خاصية أخرى مميزة لتلك التصاميم وهي خاصية تعتمد على كثرة استخدام أشكال المجوهرات المصنوعة من اللؤلؤ والأحجار الكريمة وإضافة هذه الأشكال إلى صور النباتات ، وهناك أيضاً التيجان البيزنطية والفارسية ذات الأنواع المختلفة والأكاليل والقلائد والأعمال التزينية المتعلقة في جوانب الأروقة المقابلة للصخرة المركزية في قبة الصخرة .
وفيما يتعلق بأعمال الفسيفساء ، ومما لاشك فيه أن هذه الأعمال هي إنجاز فني كبير ولها تأثير في النفوس ، وكان الغرض منها يتجاوز مجرد الزخرفة لأنها كانت تلبي متطلبات دينية وجمالية من التي كان الخليفة يريدها ، وكان المقصود منها اجتذاب الناس وهديهم إلى الدين الإسلامي ، ويبين أمر استخدام أشكال نباتية بحتة مع استثناء رسوم الأشخاص تطابقاً مع الاتجاه الإسلامي الذي كان قد ظهر للوجود حديثاً .
مباهج حياة القصور
عند اقتراب نهاية الفترة الأموية تعاظم الضغط على السلالة الأموية من قبل العناصر المتمردة ، وتجمعت تحت قيادة أحد أبناء سيدنا العباس عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
وكان أحد المساعي المبكرة للسلالة العباسية الجديدة هو نقل العاصمة إلى القسم الشرقي ، وهكذا تم في عام / 762م / وعلى نهر دجلة تأسيس " مدينة السلام " التي عرفت باسم بغداد على غرار اسم قرية سابقة كانت تقوم في المكان نفسه ، وأتى الدعم الرئيس للسلالة العباسية من الشرق .
في تلك الفترة تعرض تماسك الخلافة إلى صدوع عميقة ففي عام / 756م / انسحبت إسبانيا من الحكومة المركزية ثم استقلت شبه استقلال عدة أقاليم هي مراكش ، وتونس ، وبلاد فارس الشرقية ، بحيث أن الخليفة كان لا يعد أكثر من رئيس أسمي لها ، وأهم ارتداد كان ارتداد مصر التي حكمتها من عام / 969م إلى عام 1171م / سلالة منشقة من تونس ومعارضة للخفاء العباسيين ، وأخذ يتعاظم تأثر الخلفاء العباسيين بوزرائهم ، وفي وقت لاحق وصلت السلطة الفعلية إلى أيدي قادة حراس القصر الأتراك .
وفي أواسط القرن العاشر ، لم يكن الخليفة أكثر من رئيس صوري فاقد للسيطرة الكاملة حتى على العراق ، وعلى الرغم من التفكك السياسي في تلك الفترة ، ازدهر الأدب وازدهرت الفنون وكان تلك الفترة من فترات السلم ولو أنها اتصفتا بعدم الاستقرار الاجتماعي ، ومن الطبيعي أن تكون موضوعات الرسوم المعلقة في القصور خلال تلك الفترة الأولى من حكم العباسيين ، مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في أثناء حكم الأمويين ، ويبدو أن من بين الموضوعات الرئيسية وأهمها كانت تلك الموضوعات التي تلبي متطلبات حياة القصور في تلك الفترة وعثر على بعض تلك الرسوم التي من أهمها تلك التي تم اكتشافها في قصر ( الجوسق ) وخاصة في القسم المخصص للحريم منه ، وهناك لوحة متقنة ومحتوية على رسم لنبات ( الأقنثا ) الشائكة وعدد من الحيوانات وصورلأشكال آدمية ما هي سوى نسخة لاحقة للوحة رومانية جميلة سابقة ، ولكن معظم الرسوم في تلك الفترة تعكس طرازاً في الرسم مغايراً للطراز ( الهليني الشرقي ) وهو الطراز الفارسي الساساني والصفة الساسانية في تلك الرسوم تذكر المرء بقصة وردت في كتاب ألف ليلة وليلة وهي تشير إلى أن الرسوم قد نفذت في سرادق الحديقة وبالأسلوب الفارسي ومن قبل عدد من الرسامين الفارسيين كان الخليفة قد استدعاهم لذلك الغرض .
وهناك مثال نموذجي عن الأسلوب المرتبط بمدينة " سامراء " وهو صورة لفتاتان ترقصان وتحملان آنيتين بأيديهما المتقاطعة وتسكبان من وراء رأسها شراباً في حاويات ، وكل ما على هاتين الراقصتين من أدوات زينة ولآلئ وألبسة فاخرة يدل دلالة واضحة على أنهما تعودان إلى قصر الخليفة .
وهناك أيضاً صورة لمشهد من مشاهد الصيد وبصفته نوعاً أخر من أنواع التسلية تبين فتاة تقتل غزالاً في أثناء عملية الصيد .
تعليق