في أحد الأفلام التي حُكي لي عنها ولم أشاهدها كان هناك شاب إبنا لنجار في بلدة أمريكية بسيطة في الجنوب الأمريكي الذي إلى حد ما يتم إعتباره مهمش أو غير متطور مثل شمالها … بالظبط كالصعيد في مصر .. الفيلم قديم منذ السبعينات تقريبا.
هذا الشاب وجد أن بلدته بسيطة جدا بالنسبة لطموحاته .. ما أقصى ما يمكن أن تصل إليه في مثل هذه البلدة ؟! .. هل ستصبح أفضل نجار أم صاحب سوبر ماركت ؟! .. حتى طبيب البلدة ومحاميها درسوا خارج البلدة في الجامعات الكبرى ثم تم إلقائهم في هذه البلدة الصغيرة لأنهم ليسوا بالكفاءة التي تسمح لهم بالمنافسة خارجها .. حاول والده أن يعلمه حرفته أو أي عمل أخر في البلدة لكن الشاب كان دائما يشتكي ويترك العمل خلال يومين .. تعب الأب من إبنه الذي كان يراه كسولا ومل الشاب من إصرار أبيه .. فقرر أن يغادر هذه البلدة البسيطة إلى مكان أكبر يسع أحلامه وطموحاته .. إلى منهاتن حيث وول ستريت !
يعمل الشاب في عدة أعمال مؤقتة حتى يجد ما يصرف به على نفسه حتى تواتيه الفرصة ليدخل البورصة كإستشاري .. لقد كان ذكيا فعلا .. وتمكن بشكل ما بفهم أحوال البورصة ومتى تصعد الأسهم ومتى تهبط .. ومتى تغامر بالشراء ومتى تبيع لتحقيق أكبر مكسب .. ومرت الأيام والشهور والسنين والشاب يحقق صعودا يثير الإعجاب .. ويكون ثروة لا يمكن لأبيه النجار حتى مجرد أن يحلم بها !
يقرر الشاب في لحظة نشوة بنجاحه أن يعود لبلدته البسيطة فقط ليجعل أبيه يراه بعد كل ما وصل إليه ويؤكد له أنه إنسان ناجح وليس كسولا وأن البلدة كانت أضيق من إمكانياته وما كانت لتقدر قيمته وعقليته الطموحة .. كيف كان يمكنه أن يحقق ما حققه إن كان قد بقى في هذه البلدة التعيسة ؟!
يعود للبلدة في سيارة لم يرى أهل البلدة مثلها من قبل! .. لقد أراد أن يشعرهم بالفرق بينهم وبينه ! .. وذهب لمنزل أبيه ووجد أبيه مثلما تركه يعمل بالنجارة وإن كان الزمن قد أثر عليه أكثر بطبيعة الحال وبدا أن الأب يمارس النجارة حتى لا يقتله الفراغ ليس إلا !
حكى لأبيه ما قام به كل هذه السنين وكيف كون ثروته الكبيرة .. وأنتظر أن تظهر علامات الإعجاب والتقدير على وجه أبيه .. لكنها لم تظهر ولم يكن رد فعله كما توقع الإبن ..
الأب : قلت لي أنك تعمل إستشاري في البورصة ؟
الإبن : نعم
الأب : ماذا تفعل بالضبط ؟
الإبن : أنصح المستثمرين الكبار بالشراء والبيع للأسهم المختلفة مقابل عمولة مجزية
الأب : أي أنك لا تبني بيتا .. ولا تعالج مريضا .. ولا تزرع حقلا .. ولا تربي ماشية تطعم الناس من ألبانها ولحومها .. ما الذي سيخسره العالم إن مت أنت غدا ! .. إذهب وأبحث عن مهنة حقيقية !
في الواقع أحيانا كثيرة ينتابني هذا الأحساس بأنني شخص غير مهم لا أشكل أي فارق في هذه الحياة .. أنا أعمل في مجال البرمجة والتصميم وعملي يعتمد على الإنترنت بشكل أساسي .. ماذا لو أصيب الكون بكارثة طبيعية أو تسونامي جديد – لا قدر الله – أصاب بلدي .. هل ستصبح مهنتي هذه مفيدة لأحد ! .. لماذا أشعر انني لا أقدم الكثير … لماذا دائما أشعر أن الفلاح والمزارع أهم مني بمراحل بالرغم من أنه – غالبا – لا يتقاضى مثل أجري !
تنظر إلى حال معظم الناس تجد أن الكثيرين فعلا لا يقومون بمهنة حقيقية ! .. حدثني عن موظفي الحكومة ! .. عن الإعلاميين .. عن الأدباء والمفكرين.. وأنا بالطبع لن أذكر المطربين ولاعبي الكرة والممثلين !
دائما ما أسأل نفسي .. ماذا لو اختفى المصممين والمبرمجين من الدنيا ؟ .. هل الضرر الذي يحدث نتيجة إختفاءهم يمكن تحمله ؟ .. أعتقد نعم وإن كان الضرر الناتج عن أختفاء المبرمجين سيكون جسيم بحق ! .. تخيل كل المصانع التي تعتمد على الكمبيوتر في إدارة ماكيناتها وأعمالها ! .. لهذا دائما ما أفضل أن أصف نفسي بأني مبرمج أكثر من مصمم .. بالرغم من أني أمتهن المهنتين .. لإعتقادي الشخصي بأن المبرمجين لهم أهمية وتأثير أكثر على الحياة .
في المقابل .. هل تخيلت ما الذي يمكن أن يحدث لو إختفى المزارعين والفلاحين ؟! .. كارثة بحق .. هل يستطيع الكون تحمل هذا .. هل سيستطيع البشر إستكمال الحياة بدونهم .. لا أظن !
ماذا عن إختفاء مهندسي الميكانيكا والكهرباء ؟! .. أظن أن العالم سيعود مئات السنين للخلف بمجرد إختفائهم .. إنهم مهمون حقا !
ماذا عن الصحفيين والأدباء والمفكرين .. ؟! .. بالنسبة لهؤلاء لا أعرف لماذا أشعر أن الحياة ستكون أجمل بدونهم! .. أشخاص مهمتهم في الحياة الثرثرة وإقناعك أنك مواطن مخدوع .. أو شخص غبي ساذج لم ترتقي لتفهم ما يكتبونه .. حقا كم أتمنى أن يختفوا .. خاصة الصحفيين .. أشخاص تتقاضى المال مقابل إحباطك أو تضليلك !
بالنسبة للمطربين والممثلين .. بالرغم من أني سأحزن قليلا على إختفاء فيروز إلا أني سأقبل بهذه التضحية مقابل إختفاء كل هذا الضجيج معها .. أظن أن التضحية تستحق ! .. هذا عني .. أما عن الكون فأظن أنه سيكون سعيدا بإختفائهم أيضا !
ماذا عن لاعبي الكرة ؟ .. لا أظن ان العالم سيفقد شيئا بإختفاء هؤلاء .. بل ربما العكس! .. لكني أضحك الأن وأنا أسأل نفسي عن مدى أهمية الصحفيين الرياضيين … لم يكتفوا بأن يكونوا صحفيين .. بل هم يتحدثون عن الكرة فقط أيضا .. يا للبؤس!
هكذا ترى – من وجهة نظري – أن الفلاح هو أهم شخص في الكون .. وياللعجب أن أصبحت كلمة “فلاح” سبة في بعض البلدان! .. مع أنهم لو تفكروا قليلا .. لعرفوا أنهم تقدموا العالم كله حين كانت للفلاح مكانته .. وحينما أهانوه تدهور بهم الحال وأصبحوا في سلة مهملات الأمم !
أقولك نكتة سخيفة ؟! .. ” مرة واحد صحفي حب يشتم بائع الخضار فقال له : يا فلاح ! “
--------------------
من مدونة : شاي بالنعناع
هذا الشاب وجد أن بلدته بسيطة جدا بالنسبة لطموحاته .. ما أقصى ما يمكن أن تصل إليه في مثل هذه البلدة ؟! .. هل ستصبح أفضل نجار أم صاحب سوبر ماركت ؟! .. حتى طبيب البلدة ومحاميها درسوا خارج البلدة في الجامعات الكبرى ثم تم إلقائهم في هذه البلدة الصغيرة لأنهم ليسوا بالكفاءة التي تسمح لهم بالمنافسة خارجها .. حاول والده أن يعلمه حرفته أو أي عمل أخر في البلدة لكن الشاب كان دائما يشتكي ويترك العمل خلال يومين .. تعب الأب من إبنه الذي كان يراه كسولا ومل الشاب من إصرار أبيه .. فقرر أن يغادر هذه البلدة البسيطة إلى مكان أكبر يسع أحلامه وطموحاته .. إلى منهاتن حيث وول ستريت !
يعمل الشاب في عدة أعمال مؤقتة حتى يجد ما يصرف به على نفسه حتى تواتيه الفرصة ليدخل البورصة كإستشاري .. لقد كان ذكيا فعلا .. وتمكن بشكل ما بفهم أحوال البورصة ومتى تصعد الأسهم ومتى تهبط .. ومتى تغامر بالشراء ومتى تبيع لتحقيق أكبر مكسب .. ومرت الأيام والشهور والسنين والشاب يحقق صعودا يثير الإعجاب .. ويكون ثروة لا يمكن لأبيه النجار حتى مجرد أن يحلم بها !
يقرر الشاب في لحظة نشوة بنجاحه أن يعود لبلدته البسيطة فقط ليجعل أبيه يراه بعد كل ما وصل إليه ويؤكد له أنه إنسان ناجح وليس كسولا وأن البلدة كانت أضيق من إمكانياته وما كانت لتقدر قيمته وعقليته الطموحة .. كيف كان يمكنه أن يحقق ما حققه إن كان قد بقى في هذه البلدة التعيسة ؟!
يعود للبلدة في سيارة لم يرى أهل البلدة مثلها من قبل! .. لقد أراد أن يشعرهم بالفرق بينهم وبينه ! .. وذهب لمنزل أبيه ووجد أبيه مثلما تركه يعمل بالنجارة وإن كان الزمن قد أثر عليه أكثر بطبيعة الحال وبدا أن الأب يمارس النجارة حتى لا يقتله الفراغ ليس إلا !
حكى لأبيه ما قام به كل هذه السنين وكيف كون ثروته الكبيرة .. وأنتظر أن تظهر علامات الإعجاب والتقدير على وجه أبيه .. لكنها لم تظهر ولم يكن رد فعله كما توقع الإبن ..
الأب : قلت لي أنك تعمل إستشاري في البورصة ؟
الإبن : نعم
الأب : ماذا تفعل بالضبط ؟
الإبن : أنصح المستثمرين الكبار بالشراء والبيع للأسهم المختلفة مقابل عمولة مجزية
الأب : أي أنك لا تبني بيتا .. ولا تعالج مريضا .. ولا تزرع حقلا .. ولا تربي ماشية تطعم الناس من ألبانها ولحومها .. ما الذي سيخسره العالم إن مت أنت غدا ! .. إذهب وأبحث عن مهنة حقيقية !
في الواقع أحيانا كثيرة ينتابني هذا الأحساس بأنني شخص غير مهم لا أشكل أي فارق في هذه الحياة .. أنا أعمل في مجال البرمجة والتصميم وعملي يعتمد على الإنترنت بشكل أساسي .. ماذا لو أصيب الكون بكارثة طبيعية أو تسونامي جديد – لا قدر الله – أصاب بلدي .. هل ستصبح مهنتي هذه مفيدة لأحد ! .. لماذا أشعر انني لا أقدم الكثير … لماذا دائما أشعر أن الفلاح والمزارع أهم مني بمراحل بالرغم من أنه – غالبا – لا يتقاضى مثل أجري !
تنظر إلى حال معظم الناس تجد أن الكثيرين فعلا لا يقومون بمهنة حقيقية ! .. حدثني عن موظفي الحكومة ! .. عن الإعلاميين .. عن الأدباء والمفكرين.. وأنا بالطبع لن أذكر المطربين ولاعبي الكرة والممثلين !
دائما ما أسأل نفسي .. ماذا لو اختفى المصممين والمبرمجين من الدنيا ؟ .. هل الضرر الذي يحدث نتيجة إختفاءهم يمكن تحمله ؟ .. أعتقد نعم وإن كان الضرر الناتج عن أختفاء المبرمجين سيكون جسيم بحق ! .. تخيل كل المصانع التي تعتمد على الكمبيوتر في إدارة ماكيناتها وأعمالها ! .. لهذا دائما ما أفضل أن أصف نفسي بأني مبرمج أكثر من مصمم .. بالرغم من أني أمتهن المهنتين .. لإعتقادي الشخصي بأن المبرمجين لهم أهمية وتأثير أكثر على الحياة .
في المقابل .. هل تخيلت ما الذي يمكن أن يحدث لو إختفى المزارعين والفلاحين ؟! .. كارثة بحق .. هل يستطيع الكون تحمل هذا .. هل سيستطيع البشر إستكمال الحياة بدونهم .. لا أظن !
ماذا عن إختفاء مهندسي الميكانيكا والكهرباء ؟! .. أظن أن العالم سيعود مئات السنين للخلف بمجرد إختفائهم .. إنهم مهمون حقا !
ماذا عن الصحفيين والأدباء والمفكرين .. ؟! .. بالنسبة لهؤلاء لا أعرف لماذا أشعر أن الحياة ستكون أجمل بدونهم! .. أشخاص مهمتهم في الحياة الثرثرة وإقناعك أنك مواطن مخدوع .. أو شخص غبي ساذج لم ترتقي لتفهم ما يكتبونه .. حقا كم أتمنى أن يختفوا .. خاصة الصحفيين .. أشخاص تتقاضى المال مقابل إحباطك أو تضليلك !
بالنسبة للمطربين والممثلين .. بالرغم من أني سأحزن قليلا على إختفاء فيروز إلا أني سأقبل بهذه التضحية مقابل إختفاء كل هذا الضجيج معها .. أظن أن التضحية تستحق ! .. هذا عني .. أما عن الكون فأظن أنه سيكون سعيدا بإختفائهم أيضا !
ماذا عن لاعبي الكرة ؟ .. لا أظن ان العالم سيفقد شيئا بإختفاء هؤلاء .. بل ربما العكس! .. لكني أضحك الأن وأنا أسأل نفسي عن مدى أهمية الصحفيين الرياضيين … لم يكتفوا بأن يكونوا صحفيين .. بل هم يتحدثون عن الكرة فقط أيضا .. يا للبؤس!
هكذا ترى – من وجهة نظري – أن الفلاح هو أهم شخص في الكون .. وياللعجب أن أصبحت كلمة “فلاح” سبة في بعض البلدان! .. مع أنهم لو تفكروا قليلا .. لعرفوا أنهم تقدموا العالم كله حين كانت للفلاح مكانته .. وحينما أهانوه تدهور بهم الحال وأصبحوا في سلة مهملات الأمم !
أقولك نكتة سخيفة ؟! .. ” مرة واحد صحفي حب يشتم بائع الخضار فقال له : يا فلاح ! “
--------------------
من مدونة : شاي بالنعناع
تعليق