السلام عليكم
وبعد السلام هذه مقامة كتبها والدي وهي عن الواقع المعاصر
المقامة الأدبية
حدثنا أبو عبد الله الطحان قال :
حصلت على نصيبي من الميراث أواني وقدور وقليل من الأثاث ، ودكان صغير وعريق تباع فيه الحبوب والدقيق ، فحمدت الله العزيز القدير وأثنيت على رسوله النذير البشير على هذه النعمة والخير الكثير ،
ولكني وقعت في مصيبة كأداء لأنني لا أتقن البيع والشراء ولا أعرف الكيل بمكيال ولا أواق ولا أرطال ، فكانت خيبتي عظيمة لأن خسارتي جسيمة وآمالي راحت سدى لاقتراب العوز مني والردى
فتجولت باحثا عن منقذ لنجدتي ، مصلح لحالي وساترا لعورتي ، فلم أجد إلا الأديب المفوه ، عن الفضيلة في كتباته ينوه ، إنه حمدان صاحب الكتب ، مرافق الشيوخ وكاتب الأدب ، فذهبت إليه وألقيت السلام عليه وقلت له : لله درك يا صاحب اليراع ، تكتب كتبا ولكن لا تباع، فكتابة الأدب لا تجلب فضة ولا تكسب ذهب ، فرد قائلا لا تعيرني بأني فقير إن هذا إلا تقدير الحكيم القدير، ثم أطرق مليا وقال : من أجل القربى والصداقة وسؤلكم عني بكل لباقة أرشدني لأبعد عني الفقر والفاقة ، فقلت له : قعودك هنا في الدار لا يجلب درهما ولا دينار لكني سأجعلك في مراتب التجار ، فأمسك بتلابيب الإزار وقال أنا لك بمنزلة الأكار .
فأجلسته على كرسي سلفه واضعا نظارته على أرنبة أنفه تارة يجلس القرفصاء وتارة يتمدد باسترخاء وتارة يجلس أقعى بلا استحياء ينظر إلى الزبائن بازدراء وينعتهم بالجهل والغباء حتى قل البيع والشراء .
فذهبت إليه باثا الشكوى والعتاب ، راجيا أن يبين لي الأسباب من غير تقريع ولا سباب فقال : لا استطيع بيعا ولا شراء ولا معاملة الرعاع والدهماء ، أقول لهم (تاج العروس) فيقولون التمر هندي أطيب من العرق سوس ، أحدثهم عن ابن منظور ولسان العرب فيقولون "جورج وسوف" سيد الغناء وأمير الطرب ، أوجز لهم كتاب الطب لابن البيطار فيردون هناك كوسا جيدة وهناك خيار ، ثم أحدثهم عن مختار الصحاح فيقولون نشتري خوخا عطره فواح ، حتى بلغ السيل الزبى واجتاحت أمواجه ذراري الربا فما رأيك يا طحان في زبائن هذا الزمان ، أولى بهم أن يحبسوا في البيمارستان .
فلم أتمالك أعصابي ، وكشرت عن أسناني وأنيابي وقلت له مقرعا : أخطأت يا لئيم ، يا عتل يا زنيم أفقدتنا الزبائن من الرجال والحريم ثم رفعت يداي عاليا ودعوت الله راجيا : اللهم رب الناس، ومزيل البأس، ومنزل الغيث على فاس ومكناس، وناصر الزير سالم على جساس، لا تجعل له عندك متراس، يقيه من الوسواس الخناس .
فقال حمدان :/ لا تزد علي بلوتي ، فاعتكافي في صومعتي ، ومغازلة أقلامي ومحبرتي هي زادي ومرادي ومهجتي ...... فذهب المنقذ والمنجد وهذه الأبيات ينشد:
ها قد تركت الحبر ولأقلام وتركت وهج النور والأحلام
بعت الطحين فلم تنل إلا الردى وهوان نفسك جله أسقام
يا ليتني نأيت عن أسواقهم كل الزبائن جهال وظلاّم
علم أتاني من صغير مدقع أجدى وانفع من تدليس علاّم
فذهب حمدان ، ولم يترك في الدكان ، إلا قبيلة من الفئران والجرذان
وبعد السلام هذه مقامة كتبها والدي وهي عن الواقع المعاصر
المقامة الأدبية
حدثنا أبو عبد الله الطحان قال :
حصلت على نصيبي من الميراث أواني وقدور وقليل من الأثاث ، ودكان صغير وعريق تباع فيه الحبوب والدقيق ، فحمدت الله العزيز القدير وأثنيت على رسوله النذير البشير على هذه النعمة والخير الكثير ،
ولكني وقعت في مصيبة كأداء لأنني لا أتقن البيع والشراء ولا أعرف الكيل بمكيال ولا أواق ولا أرطال ، فكانت خيبتي عظيمة لأن خسارتي جسيمة وآمالي راحت سدى لاقتراب العوز مني والردى
فتجولت باحثا عن منقذ لنجدتي ، مصلح لحالي وساترا لعورتي ، فلم أجد إلا الأديب المفوه ، عن الفضيلة في كتباته ينوه ، إنه حمدان صاحب الكتب ، مرافق الشيوخ وكاتب الأدب ، فذهبت إليه وألقيت السلام عليه وقلت له : لله درك يا صاحب اليراع ، تكتب كتبا ولكن لا تباع، فكتابة الأدب لا تجلب فضة ولا تكسب ذهب ، فرد قائلا لا تعيرني بأني فقير إن هذا إلا تقدير الحكيم القدير، ثم أطرق مليا وقال : من أجل القربى والصداقة وسؤلكم عني بكل لباقة أرشدني لأبعد عني الفقر والفاقة ، فقلت له : قعودك هنا في الدار لا يجلب درهما ولا دينار لكني سأجعلك في مراتب التجار ، فأمسك بتلابيب الإزار وقال أنا لك بمنزلة الأكار .
فأجلسته على كرسي سلفه واضعا نظارته على أرنبة أنفه تارة يجلس القرفصاء وتارة يتمدد باسترخاء وتارة يجلس أقعى بلا استحياء ينظر إلى الزبائن بازدراء وينعتهم بالجهل والغباء حتى قل البيع والشراء .
فذهبت إليه باثا الشكوى والعتاب ، راجيا أن يبين لي الأسباب من غير تقريع ولا سباب فقال : لا استطيع بيعا ولا شراء ولا معاملة الرعاع والدهماء ، أقول لهم (تاج العروس) فيقولون التمر هندي أطيب من العرق سوس ، أحدثهم عن ابن منظور ولسان العرب فيقولون "جورج وسوف" سيد الغناء وأمير الطرب ، أوجز لهم كتاب الطب لابن البيطار فيردون هناك كوسا جيدة وهناك خيار ، ثم أحدثهم عن مختار الصحاح فيقولون نشتري خوخا عطره فواح ، حتى بلغ السيل الزبى واجتاحت أمواجه ذراري الربا فما رأيك يا طحان في زبائن هذا الزمان ، أولى بهم أن يحبسوا في البيمارستان .
فلم أتمالك أعصابي ، وكشرت عن أسناني وأنيابي وقلت له مقرعا : أخطأت يا لئيم ، يا عتل يا زنيم أفقدتنا الزبائن من الرجال والحريم ثم رفعت يداي عاليا ودعوت الله راجيا : اللهم رب الناس، ومزيل البأس، ومنزل الغيث على فاس ومكناس، وناصر الزير سالم على جساس، لا تجعل له عندك متراس، يقيه من الوسواس الخناس .
فقال حمدان :/ لا تزد علي بلوتي ، فاعتكافي في صومعتي ، ومغازلة أقلامي ومحبرتي هي زادي ومرادي ومهجتي ...... فذهب المنقذ والمنجد وهذه الأبيات ينشد:
ها قد تركت الحبر ولأقلام وتركت وهج النور والأحلام
بعت الطحين فلم تنل إلا الردى وهوان نفسك جله أسقام
يا ليتني نأيت عن أسواقهم كل الزبائن جهال وظلاّم
علم أتاني من صغير مدقع أجدى وانفع من تدليس علاّم
فذهب حمدان ، ولم يترك في الدكان ، إلا قبيلة من الفئران والجرذان
تعليق