Unconfigured Ad Widget

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحاجب المنصور .. كيف نربي اولادنا ونجعلهم رجالا ..!!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحاجب المنصور .. كيف نربي اولادنا ونجعلهم رجالا ..!!

    المولد والنشأة :



    إنه محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عامر بن أبى عامر بن الوليد ابن يزيد بن عبد الملك المعافرىّ القحطانىّ من أصول يمنية ، جده الأكبر "عبد الملك المعافرى" هذا كان أحد قادة الجند مع طارق بن زياد أثناء فتح الأندلس الأول وكان أبوه "عبد الله بن محمد" من أهل الفضل والعلم حجّ ثم مات قافلاً من حجه رحمه الله إلى طرابلس المغرب. وأمه هى "بُريْهة بنت يحيى بن زكريا التميمىّ " من بنى تميم لذلك قال فيه ابن دارج القسطلىّ :


    تلاقت عليه من تميمٍ ويَعْرُبِ ... شموسٌ تلالا فى العلا وبدورُ

    مـن الحِمــيْريْنَ الذين أكُفُّهـم ... سحـائبُ تَهْمي بالنَّدى وبحــورُ


    وُلد محمد بن أبى عامر عام 327هـ وهو العام الذى إنهزم فيه المسلمون فى عهد عبد الرحمن الناصر رحمه الله فى معركة الخندق عند مدينة "شنت مانقش" أمام قلعة سمّورة المنيعة وكأن ميلاد محمد بن أبى عامر فى هذه السنة هو أخذ الله بثأر المسلمين على يدى المنصور يرجع أصله من "تركش" فى الجزيرة الخضراء فى جنوب الأندلس و نشأ محمد بن أبى عامر كمثله من أقرانه على القرآن والفقه إلا أنه كان ظاهر النجابة وكانت له حال عجيب فى قوة الإرادة والطموح والسعى وراء هدفه حتى قال عنه ابن الآبار فى كتابه "الحلة السيراء" : كان أحد أعاجيب الدنيا فى ترقيه والظفر بتمنيه !!


    لافتة فى أحد الطرق الأسبانية لمدينة الجزيرة الخضراء ومكتوبة بالخط العربي



    وقال عنه ابن عذارى المراكشىّ فى كتابه "البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب" : وكان محمد هذا حسن النشأة ، ظاهر النجابة ، تتفرس فيه السيادة ...


    وإرتحل محمد بن أبي عامر إلي قرطبة حاضرة الدنيا طلباً للأدب وعلم الحديث , فطلب علم اللغة على أبى علىّ القالىّ البغدادىّ اللغوى المشهور وعلى أبى بكر ابن القوطية , وقرأ الحديث على أبى بكر ابن معاوية القرشىّ وغيره , فنبغ فى تلك العلوم كلها ونما ذكره فيها .


    حلم المنصور بن أبى عامر :


    كان محمد بن أبى عامر رحمه الله له همة عجيبة وإرادة قوية وكان لديه حلما عظيما وهو أن يصبح حاكم الأندلس !! ، وقد كان رحمه الله يخبر أصحابه بهذا والمقربين اليه , حتى أنه لربما قلدهم الخُطط والمناصب وهو مازال فى حداثة سنّه !!


    واليكم هذه القصة التى أوردها ابن الخطيب فى كتابه " أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام " وأوردها أيضا ابن النباهى فى ترجمة القاضى الجليل محمد بن يبقى بن زرب فى كتابه " المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الفتيا " يقول :


    ( ومن أعجب أحواله – أى محمد بن أبى عامر – أنه كان على بصيرة من أمره , هانئاً بما ذخرت له الأيام فى حداثة سنّه , فكان يتكلم فى ذلك بين أصحابه , ويشير الى ما خبأ الله له من غيبه فحدث ابن ابى الفيّاض فى كتابه قال : أخبره الفقيه أبو محمد علىّ بن أحمد , قال : أخبرنى محمد بن موسى بن عزرون , قال : أخبرنى أبى قال : اجتمعنا يوماً فى متنزه لنا بجهة الناعورة بقرطبة , ومعنا ابن أبى عامر , وهو فى حداثته , وابن عمه عمرو بن عسقلاجة , والكاتب ابن المارعزّى ورجلٌ يعرف بابن الحسن من جهة مالقة , كانت معنا سفرة فيها طعامٌ , فقال المنصور من ذلك الكلام الذى كان يتكلم به : لا بد لى أن أملك الأندلس , وأقود العسكر , وينفذ حكمى فى جميع الأندلس !! , ونحن نضحك منه ونهزأ به . وقال : تمنّوا علىّ فقال ابن عمه عمرو : " أتمنّى أن تولينى على المدينة , نضرب ظهور الجناة ونفتحها مثل هذه الشاردة " وقال ابن المارعزّى : "أشتهى أن تولينى أحكام السوق !" وقال ابن الحسن : "نتمنّى أن تولينى القضاء بجهتى ! " قال موسى بن عزرون : وقال : تمنّى أنت ! فشققت لحيته , وأسمعته كلاماً سمجاً قبيحاً ...


    فلم يك إلا أن صار الملك اليه , فولى ابن عمه المدينة , وولى ابن المارعزّى السوق , وكتب لابن الحسن بالقضاء , قال : "وأغرمنى أنا مالاً عظيماً , أجحفنى وأفقرنى لقبيح ما كنت جئت به .." ) إنتهي كلام ابن الخطيب .


    وأيضا قصة أخرى عجيبة من قصص المنصور بن أبى عامر فى هذا الجانب ذكرها أبو الحسن النباهى فى كتابه (المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الفتيا) أنقلها لكم بتصرف :


    ( كان المنصور بائتاً ليلة مع أحد إخوانه في غرفة، فرقد رفيقه، ودنيُّه، ولم يرقد هو قلقاً وسهراً فقال له صاحبه: يا هذا قد أضررتني هذه الليلة بهذا السهر , فدعنى أرقد ...


    فقال المنصور: إنني أتفكر في من يصلح أن يكون قاضياً للأندلس، ولمّا استغرب صاحبه ذلك، قال له: "يا هذا! أأنت أمير المؤمنين؟ فقال له: "هو كذلك".


    ثم أخذ صاحبه يعرض بعض أسماء القضاء وقال : يصلح فلانٌ ويصلح فلانٌ , ومحمد بن أبى عامر لا يجوز من المذكورين أحداً , حتى ذكر صاحبه "أبي بكر محمد بن يبقى بن زرب" العالم الجليل الفاضل ، فتهللت أسارير وجه محمد بن أبى عامر وقال : يا هذا ! فرجت عنّى , ليس بالله يصلح لها أحدٌ غيره > ثم رقد ونام مطمئناً !!! )


    هكذا كان المنصور بن أبي عامر فى حداثة سنّه يحدّث نفسه بحكم الأندلس , وأن يقود العسكر وينفذ حكمه فيها , فكان يضع هذا الهدف نصب عينيه ويعمل له ويخطط من أجله ويسعى من أجل تحقيقه ..

    اجعلوا اولادكم يشعرون بشخصيتم ورأيهم ... وانهم سوف يصبحون رواد في العالم ... اغرسوا فيهم حب القيادة والرأفة والغيرة على المسلمين .. علموهم حب العلم والعلماء والتقرب اليهم .. لا تنادي على ابنك .. يا سعيد ويا سعد .. ويا خالد ويا علي ... بل نادي عليهم بالقابهم حتى يشعروا انهم اصبحوا مسؤولين وليسوا صغار ... نادوا عليهم مثلا : ابا علي .. ابا بكر .. ابا خالد ... ام عائشة .. ام فاطمة ... استشيروهم ... وخذوا برأيهم كثيرا

    او اقول فكرة جميلة للتربية : اجمع اولادك كلهم ... البنين والبنات ... ثم العب لعبة جميلة وهي كالتالي :

    اعطي مجموعة اسئلة علمية وثقافية وتاريخية وعسكرية ودينية لاولادك ... ولكن تكون بمستواهم الفكري ... وليس ان تطلب منهم شرح النسبية ... او صناعة قمر صناعي .. بل خذهم على مستواهم .. اسئلة بسيطة وسهلة وفيها تحدي وتفكير .. وابدأ معهم بالتدريج وكل مرة زد كمية وصعوبة الاسئلة شجعهم بجوائز او رحلات مقابل النجاح والتفوق ... وحاول ان تعطيهم شيء يبحثون عنه ... مثلا ... اريد ان تشرحوا لي الحضارة الاسلامية او ما هو الالكترون .. او لدي جيش عدده 1000 جندي .. وجيش العدو 20000 جندي .. وارسم لهم خريطة وهمية مثلا جبال وانهار .. كيف استطيع ان اهزم جيش العدو وجيشي يتكون من 200 رامي و 200 فارس و 400 مشاة .. اجعل الابداع لديهم يخرج .. وغيرها .. اجعلهم يذهبون الى المكتبة للبحث وللتفكير والاستخلاص ... فيصبحوا رجال مفكرين يستحقون كلمة القيادة بحق

    او مثلا اجعل شخص منهم حاكم .. وقل له لديك صلاحيات .. من تريد ان تعين وكيف تريد تسيير دولتك وشعبك

    عودة للموضوع الرئيسي

    تمثال لمحمد بن أبى عامر فى مسقط رأسه بمدينة الجزيرة الخضراء بأسبانيا .

    حياة محمد بن أبى عامر فى قرطبة :


    إقتعد محمد بن أبى عامر دكاناً عند الزهراء , المدينة الملكية التى بناها عبد الرحمن الناصر أيام الخليفة الحكم المستنصر رحمه الله يكتب شكاوى الناس أو طلباتهم أو حاجاتهم التى يرفعونها الى الخليفة او الحاجب , وكان يأنس إليه فتيان القصر وظل على ذلك مدة حتى رفع ذكره وعلا شأنه وبدأ نجمه فى الظهور .


    حتى طلبت السيدة صبح زوج الخليفة الحكم المستنصر رحمه الله وأم ولى العهد "هشام" من يكتب عنها , فدلوها على محمد بن أبى عامر , فترقى الى ان كتب عنها , فاستحسنته ونبهت عليه الحكم المستنصر رحمه الله ورغبت فى تشريفه بالخدمة .


    ومن ذلك اليوم وبدأ نجم محمد بن أبى عامر فى الظهور وظهرت منه نجابة وذكاء أعجبت الحكم المستنصر رحمه الله فترشح الى وكالة ولى العهد "هشام" لسنة 359هـ , فأعجبت به الحكم المستنصر , فولاه قضاء بعض الكور بأشبيلية , ثم ترقى الى المواريث والزكاة فأظهر حسن التدبير مع ما له من الرأى السديد فأعجب به الحكم المستنصر رحمه الله فولاه الشرطة الوسطى بقرطبة ثم أصبح صاحب السكة ثم قدمه الى الأمانات بالعدوة ..


    وظل محمد بن أبى عامر فى ترقى مستمر وبدأ بزوغ فجره ومن ورائه فجر الأندلس كلها , حتى لازم الحكم المستنصر رحمه الله وأوكل اليه القيام على أمر ولى العهد "هشام" بن الحكم المستنصر فبذلك أصبح محمد بن أبى عامر فى منزلة رفيعة جداً .


    وكان محمد بن أبى عامر يصطنع الرجال من حوله ويمهد لنفسه وكان يتخذ رجاله من البربر من أهل العدوة لخشونتهم وصلابتهم عند الحروب ولكى يقوم بالقضاء على الصقالبة ويدمر نفوذهم فيما بعد كما سيأتى .

    وبذلك أصبح محمد بن أبى عامر من كبار رجال القصر وهو مازال فى العقد الثالث من عمره , وليس يضاهيه فى منزلته إلا الحاجب جعفر المصحفىّ وقائد جيش الثغور غالب الناصرىّ وأصبح محمد بن أبى عامر حديث العامة فى قرطبة فكان لا يمر يوم إلا وهو فى زيادة ترقى فكانت أيامه فى إقبال وتخبر عن سعده وبزوغ فجره وسطوع شمسه فتمكن حبه للناس وكان بابه مفتوح لهم على الدوام , وأفشى الأمن فى قرطبة بعدما ضجت العامة من ضياع الأمن لكثرة اللصوص وتسلط الفتيان الصقالبة على العامة فقد ظهر وفشى ظلمهم وبغيهم حتى قضى عليهم محمد بن أبى عامر كما سيأتى بيانه إن شاء الله .


    وفاة الحكم المستنصر :



    وتوفى الخليفة الحكم المستنصر رحمه الله فى قصره بقرطبة بعدما أصيب بالفالج , وذلك فى عام 366هـ بعد أن حكم الأندلس 16 عاماً كانت كلها بركة وخير على المسلمين فى الأندلس , وولى من بعده ابنه "هشام" وهو ابن اثنتى عشرة سنة 12 سنة !! وتسمّى وتلقب " هشام المؤيد بالله " وكان وقتها بلغ محمد بن أبى عامر 39 عاماً , فكان لابد من رجل يدبر أمره ويقوم على عمل الدولة وتدبير الخلافة .


    فتكون مجلس وصاية على الخليفة الصبىّ ويتكون من أكبر 3 رجال فى الأندلس وقتها وهم :


    1- الحاجب جعفر المصحفىّ

    2- قائد الثغور غالب الناصرىّ

    3- قائد الشرطة وحاكم المدينة محمد بن أبى عامر


    عند وفاة الحكم المستنصر رحمه الله جاشت الروم وهاجت حتى كادت تطرق أبواب قرطبة ولم يحرك الحاجب جعفر المصحفى ساكناً خوفاً على منصبه وتبعه فى ذلك غالب الناصرىّ قائد الثغور وكانت بينه وبين الحاجب جعفر المصحفى خلافة قديمة وبغضاً وكراهية شديدة فلم يقم أى منهما لنصرة المسلمين وتأديب النصارى الذين هجموا على ثغور المسلمين .


    قال ابن حيان ( ... وجاشت النصرانية بموت الحكم وخرجوا على أهل الثغور فوصلوا إلى باب قرطبة ولم يجدوا عند جعفر المصحفي غناء ولا نصرة وكان مما أتى عليه أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سد نهرهم لما تخيله من أن في ذلك النجاة من العدو ولم تقع حيلته لأكثر منه مع وفور الجيوش وجموع الأموال وكان ذلك من سقطات جعفر فأنف محمد بن أبي عامر من هذه الدنية .. )



    فقام محمد بن أبى عامر بأخذ رجاله وطلب من جعفر المصحفى أن يمده بالرجال والعتاد والمال اللازم للقيام بحملة لتأديب النصارى وليعلموا أن مازال بالمسلمين شوكة ومنعة , وبالفعل قام المنصور بحملة عظيمة جدا فى الشمال وغنم من السلاح والأموال الشيىء الكثير . وقفل راجعا الى قرطبة بعد 52 يوما من الغزو والجهاد وكان يوزع المال فى طريق عودته الى قرطبة على الجند والعوام حتى تمكن حبه فى قلوب الناس , واستبشروا به جدا . وكان وصياً على الصبى هشام المؤيد بالله , فقام بإسقاط ضريبة الزيتون عن الناس , فسروا بذلك أعظم سرور , ونسب شأنها الى محمد بن أبى عامر وأنه أشار الى ذلك , فأحبوه لذلك ثم يقول ابن عذارى فى "البيان المغرب " :


    ( ولم تزل الهمة تحذوه والجد يحظيه والقضاء يساعده , والسياسة الحسنة لا تفارقه حتى قام بتدبير الخلافة وأقعد من كان له فيها إنافة وساس الأمور أحسن سياسة وداس الخطوب بأخشن دياسة فانتظمت له الممالك وانضحت به المسالك وانتشر الأمن فى كل طريق واستشعر اليمن كل فريق وأسقط جعفرا المصحفىّ وعمل فيه ماأراده ... )



    وإلتف المسلمون حول محمد بن أبى عامر ، فى الوقت الذى بدأت أيام الحاجب جعفر المصحفىّ فى الزوال ، فقد أفل نجمه وكورت شمسه ورغب الناس عنه ، وأصبح يمشى وحيدا فى طرقات الزهراء بعد ان كان من قبل كثيف الموكب وجليل الهيبة وكان الناس لا يستطيعون الى الوصول اليه لكثافة موكبه ، ثم أقدم محمد بن أبى عامر بالتحالف مع غالب الناصرىّ وتزوج ابنته "أسماء" وكان عرس مشهود فى الأندلس كلها , وبدأت نكبة الحاجب جعفر المصحفىّ فخلعه محمد بن أبى عامر وأصبح الحاجب من بعده ..


    هيبته وحزمه :


    كان رحمه الله حازما شديد الهيبة , ماسمعنا أن أحدا من ملوك الإسلام قديما وحديثا من هو بمثل هيبته إلا ماكان من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رحمه الله ورضى عنه وفى ذلك يقول ابن سماك العاملى فى كتابه "الزهرات المنثورة فى نكت الأخبار المأثورة " :


    ( انتهت هيبة المنصور بن أبى عامر وضبطه للجند واستخدام ذكور الرجال وقوّام الملك الى غاية لم يؤتها ملكٌ قبله !! فكانت مواقفهم فى الميدان على احتفاله مثلا فى الزماته والإطراق , حتى أن الخيل لتتمثل إطراق فرسانها فلا تكثر الصهيل والحمحمة .... !!!! )


    وكان لربما يتساهل فى أى أمر من الأمور إلا التساهل فى أمر من أمور الدولة وما يتعلق بهيبة الدولة , وقد وصلت هيبته الى ملوك النصارى فى الشمال فكانوا يهتزون ويرتجفون فرقا ورعبا من ذكر اسمه وكاد الواحد منهم أن يهذى كالسكران اذا علم بقدوم المنصور بن أبى عامر اليه بجيش المسلمين لغزوه ... !!


    أى رجل كان !! رحمه الله ..



  • #2
    دينه وورعه :


    فقد كان رحمه الله شديد التدين , قمع أهل البدع وأقام السنة وبلغه أن مكتبة الحكم المستنصر رحمه الله بها كتب بعض الفلاسفة والملاحدة التى تنافى أصول الدين , وعلم بانتشار تلك الكتب وكادت أن تفسد عقائد الناس فقام بحرقها والتخلص منها ولله الحمد والمنة , وفى هذا يقول ابن عذارى فى كتابه (البيان المغرب .. ) :


    ( وكان المنصور أشدّ الناس فى التغير على من عَلِمَ عنده شيىء من الفلسفة والجدل فى الاعتقاد والتكلم فى شيىء من قضايا النجوم وأدلتها والاستخفاف بشىء من أمور الشريعة , وأحرق ما كان فى خزائن الحَكَم من كتب الدّهريّة والفلاسفة بمحضر كبار العلماء منهم الأصيلىّ وابن ذكوان والزبيدىّ وغيرهم واستولى على حرق جميعها بيده ... )



    وكان شديد التعظيم للعلماء بدرجة كبيرة جدا فقد ذكر النباهى فى كتابه "المرقبة العليا" فى ذكره لترجمة العالم الجليل محمد بن يبقى بن زرب حين وفاة الإمام :


    ( وأظهر ابن أبى عامر لموته غمّاً شديداً , وكتب لورثته كتاب حفظ ورعاية انتفعوا به , واستدعى ابنه محمد , وهو طفلٌ ابن ثلاثة أعوام , فوصله بثلاثة آلاف دينار , وألطافٍ قيمتها ما يناهز العدد المسمّى ، وليس ذلك من أفعال المنصور ببدع , فقد كان فى حسن معاملته للناس والوفاء لهم بمنزلةٍ لا يقوم بوصفها كتابٌ , حتى يُقال إنه لا يأتى الزمان بمثله فى فضله , ولا طفرت الأيدى بشكله ... )



    الله أكبر.. أرأيتم كيف يكون معاملة الحاكم والأمير للعلماء , فلا ينكرون فضلهم ولا يستغنون عن مشورتهم بل ويمتثلون أمرهم , وبهذا يكون النصر والتمكين .


    وايضا فيما ورد عن دينه وتواضعه ما ذكره ايضا النباهى فى كتابه "المرقبة العليا" فى ترجمة الإمام محمد بن يبقى بن زرب عند صلاة الاستسقاء فى قرطبة , وأخبر أنه صلى 10 مرات صلاة الاستسقاء فحضر معه مرة المنصور بن أبى عامر فكان من أمره ما ذكره النباهى فى كتابه :


    ( حضر معهم المنصور محمد بن أبى عامر استسقاءاً واحداً , ولبوسه ثيابٌ بيضٌ وعلى رأسه أُقرُفُ وشْىٍ أغبر , على شكل أهل المصايب بالأندلس قديماً , قد أبدى الخشوع , وهو باكٍ ودموعه تسيل على لحيته : فتقدم الى جناح المحراب عن يمين الإمام , وقد كان فُرش له هنالك حصيرٌ ليُصلّى عليه , فدفعه برجله وأمر بنزعه وجلس على الأرض , وشهد الاستسقاء !!! )



    الله أكبر ، هذه والله هى العزة والكرامة فإذا خشع الحاكم والأمير استجلب معه رحمات الله , كما قال الإمام المنذر بن سعيد حين أخبروه بأن الخليفة عبد الرحمن الناصر يبكى بكاء مريرا من الخشوع والخشية ويبتهل الى الله بنزول المطر فقال المنذر بن سعيد رحمه الله : أبشروا .. اذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء !!



    وقد أخبر ابن حيان فى كتابه عن المنصور بن أبى عامر :



    ( وكان متسماً بصحه باطنه , واعترافه بذنبه , وخوفه من ربه , وكثرة جهاده ,واذا ذُكّر بالله ذكر , واذا خُوّف من عقابه ازدجر ... )

    وقال ابن خلدون مخبرا عن المنصور بن أبى عامر :

    ( أرخص للجند فى العطاء وأعلى مراتب العلماء وقمع أهل البدع , وكان ذا عقل ورأى وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين .. )

    هكذا كان حكامنا وعلاقتهم مع الله وما ارتبط اسم أحد من عظماء المسلمين بالعزة والمجد إلا ووجدته له حال عجيب مع الله سبحانه وتعالى , وهذا من سنن الله فى الكون من استمسك بالله وجبت له العزة والتمكين .

    بل أن المنصور رحمه الله اختط بيده مصحفاً كان يحمله معه فى غزواته ويقرأ فيه ويتبرك به !!! وكان يحمل معه أكفانه وكان أمنيته التى يدعوا الله بها دائما أن يتوفاه الله وهو فى طريقه للغزو والجهاد !! والحديث عن جهاد المنصور يطول جدا لذا قمت بإختصاره كما سيأتى إن شاء الله ...

    وكان المنصور بن أبى عامر على مذهب الإمام مالك على عادة أهل الأندلس وقتها وقد أمر المنصور الفقيه المشهور أبو مروان القرشى المعيْطى والفقيه أبو عمر أحمد بن عبد الملك المعروف بابن المكوى أن يجمعوا كتابا فيه أقاويل الإمام مالك بن أنس رضى الله عنه وروايات أصحابه عنه لينتفع به علماء المسلمين !!

    وذكر ابن سماك العاملى فى كتابه "الزهرات المنثورة" وذكرها ابن الآبار فى "إعتاب الكتاب" وغيرهما قال خلف بن حسين بن حيان وكان أبوه من كتاب المنصور بن أبى عامر فأخبر عن نفسه وقال :

    ( بكّتنى المنصور محمد بن أبى عامر يوماً على ما أنكره منى تبكيتاً بعث من فزعى ما اضطربت منه فلما أخلى مجلسه قال لى :


    رأيت من فزعك وشدة روعك ما استنكرته منك , ومن وثق بالله برىء من الحول والقوة لله , وإنما أنا آلة من آلات الله تعالى أتصرف بمشيئته وأسطو بقدرته وأعفو عن إذنه ولا أملك لنفسى إلا ما أملك من نفسى لسواى فطأمن جأشك وأزل عنك روعك فإنما أنا ابن امرأة من تميم طالما تقوتت بثمن غزلها أغدو به الى السوق وأنا أفرح الناس بمكانه ثم جاء من أمر الله ما تراه ثم قال : يابن حيان إن أفضل الناس غراسا من غرس الخير وإن أفضل السلطان غراسا ما أثمر فى الآخرة , ومن أنا عند الله تعالى لولا عطفى على المستضعف المظلوم وقصمى للجبار الغشوم اللاهى عن حقوق ربه بفسوقه ودنسه ..)

    هكذا كان تواضعه واعترافه بفضل ربه عليه ... !!!

    عدله فى الرعية :

    كان رحمه الله عادلاً يكره الظلم والبغى , وكان لا يستهين بأمر الظالم , بل لربما أمر بتغليظ العقوبة عليه ليرتدع أهل الشرور وكان لا يقبل شفاعة أحد أبداً ولو كان من المقربين اليه وإن كان من أهله ... !!

    ومن أروع الأمثلة التى ضربها المنصور بن أبى عامر فى العدل وعدم الرفق بأهل الغدر والظلم , ما حدث مع ابنه عبد الله بن المنصور بن أبى عامر حين لجأ الى ملك ليون وأراد أن يساعده فى الخروج على أبيه وشق عصا الطاعة وعزل أبيه , فكان ماكان من المنصور إلا أن أمر ملك ليون بتسليم ابنه فسلمه ابنه عبد الله , وقام بضرب عنقه جزاء خيانته , ولم تأخذه به رأفة ولا رحمة !!!!

    وله بذلك القصص المشهورة والأحاديث المنثورة التى سارت بها الركبان وتسامر بها الرجال فى مجالسهم ومنها ما ذكره ابن حيان فى كتابه :

    ( وأما عن عدله أنه وقف عليه رجل من العامة بمجلسه , فنادى : ياناصر الحق , إن لى مظلمة عند ذلك الوصيف الذى على رأسك , وأشار الى الفتى صاحب الدرقة , وكان من المقربين الى المنصور بن أبى عامر , ثم قال : وقد دعوته الى الحاكم فلم يأتِ – لمكانته عند المنصور - فقال له المنصور وقد اشتد غضبه :



    أوَ عبد الرحمن بن فطيس القاضى بهذا العجز والمهانة !! وكنا نظنّه أمضى من ذلك ؟ ثم وجه كلامه للقاضى وقال له :يا عبد الرحمن أعجزت أن تأخذ العدل , أوَ كنت مهانا فلم تصل اليه !! ثم قال للمظلوم : اذكر مظلمتك ياهذا فذكر الرجل معاملة كانت جارية بينهما فقطعها من غير نَصَفٍ فقال المنصور :

    ما أعظم بليتنا بهذه الحاشية ثن نظر الى الصقلبىّ وقد ذُهل عقله أى الفتى فقال له : ادفع الدرقة الى فلان وانزل صاغرا ذليلا وساو خصمك فى مقامه حتى يرفعك الحق او يضعك !! ففعل ومثل بين يديه ثم قال لصاحب شرطته الخاص به : خذ بيد هذا الفاسق الظالم وقدمه مع خصمه الى صاحب المظالم لينفذ عليه حكمه بأغلظ ما يوجبه الحق من سجن أو غيره ..ففعل ذلك وعاد الرجل اليه شاكراً ..

    فقال له المنصور : قد انتصف أنت اذهب لسبيلك وبقى انتصافى أنا ممن تهاون بمنزلتى .. فتناول الصقلبىّ بأنواع من المذلة وأبعده عن الخدمة ... )



    جهاده وغزواته :


    لا أجد كلمات أوصف بها حب المنصور بن أبى عامر للجهاد والغزو فى سبيل الله يكفى أن تعلموا أن المنصور بن أبى عامر قاد جيوش المسلمين الى النصر والفتح فى زهاء 54 غزوة ومعركة , فلم يهزم فى واحدة منها قط !! وكان يأمر غلمانه بتنظيف ثوبه وأخذ ما علق به من غبار المعارك والغزوات وأمر أن تدفن معه فى قبره لتكون شاهد له عند الله يوم القيامة بجهاده فى سبيله !!



    ووصل بجيوشه الى أماكن لم يفتحها المسلمون من قبل من أيام طارق بن زياد وموسى بن نصير , وبلغت الأندلس فى عهده من العزة والمجد والتمكين الى درجة لم يبلغها حاكم قبله ولا بعده !!



    وقال عنه الفتح بن خاقان فى كتابه "مطمح الأنفس ومسرح التأنس فى ملح أهل الأندلس" إنه تمرّس ببلاد الشرك أعظم تمرّس ومحا من طواغيتها كل تعجرف وتغطرس وغادرهم صرعى البقاع وتركهم أذل من وتدٍ بقاع ووالى على بلادهم الوقائع وسدّد الى أكبادهم سهام الفجائع وأغصّ بالحِمام أرواحهم ونغّص تلك الآلام بكورهم وروَاحهم .)



    فقد كان رحمه الله أعجوبة دهره وأوحد زمانه له فى كل عام غزوتان "الصوائف والشواتى" كان يهتم جدا بالناحية العسكرية فى دولته حتى لكم أن تعلموا أن عدد الفرسان فى الجيش المرابط (الثابت) وصل الى 112.000 اثنى عشر ألف ومائة فارس من سائر الطبقات جميعهم مدونون فى الديوان وتصرف لهم النفقات والأعطية والهبات وبلغ عدد المشاة الى ستة وعشرين ألف راجل وتتضاعف تلك الأعداد فى الصوائف بسبب كثرة المتطوعين حتى أنها وصلت الى مائة ألف من المشاة !!

    حتى أنه من كثرة قوى الجيش النظامية أصدر مرسوما عام 388هـ بإعفاء الناس من إجبارهم على الغزو اكتفاء بعدد الجيش المرابط وقرأ الخطباء على الناس ذلك المرسوم وفيه : " بأن من تطوع خيراً فهو خير , ومن خف اليه فمبرور ومأجور ومن تثاقل فمعذور " فسُرّ لذلك الناس سرورا بالغاً .


    وكانت له سُنّة فى غزواته وهى أن يحمل النصارى بأنفسهم الغنائم الى قرطبة إمعانا فى ذلهم وتدميرا لكيدهم وكانت جميع الممالك النصرانية فى الشمال تدفع للمسلمين الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ...


    دمّر المنصور بن أبى عامر جميع الممالك النصرانية المتواجدة فى شمال الأندلس تدميرا بالغاً كانت غزواته فى الممالك النصرانية كالصاعقة والعاصفة المدمرة التى لا تبقى ولا تذر , فكم من قلوع وحصون للنصارى سواها بالتراب , وكم من ملوك وقواد للنصارى هلكوا على يد المنصور بن أبى عامر !!


    فكان رحمه الله هو الذى ثأر لهزيمة المسلمين أيام الخليفة عبد الرحمن الناصر رحمه الله فى معركة الخندق أمام قلعة سمّورة المنيعة جدا ففى اثناء حكم الحاجب المنصور ثارت القوط وتحركت وقامت بأعمال تخريبية فى مدن المسلمين وقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا وكان يمتنعون من المسلمين دوما فى قلعة سمّورة الحصينة والتى هى أمنع حصون النصارى فى الشمال فقام المنصور عام 371هـ بحملة عسكرية كالصاعقة على القوط فى تلك القلعة واستطاع ان يدمرها ويقتحمها وفتك بحاميتها من النصارى فهرب أهلها الى قلعة قريبة تسمى "سانت مانس" فدخل عليهم المنصور ودمرها فأصبح الطريق الى مدينة ليون العاصمة مفتوحا وسائغا ولكنه لم يدخل ليون هذا العام لشدة البرد وقتها وتساقط الثلوج فى تلك المناطق .


    وفى عام 373هـ قام المنصور بغزوة "ليون الكبرى" حيث قاد الحاجب المنصور الجيوش ووصل الى مدينة ليون عاصمة اقليم جيليقية وحاصرها حصاراً شديدا , فجاء اليها المدد من كل مكان لأهميتها وقدسيتها للنصارى , فوصل مدد من إفرنسة "فرنسا" بشكل خاص ولكنه استطاع فى النهاية ان ينزل الهزيمة على الفرنجة والنصارى ودخل عاصمتهم وخرب قلاعها وحصونها وساق منها 3 آلاف أسير وأمر أن يرفع الآذان فى جنبات ليون لأول مرة بعد أن سقطت لأول مرة منذ الفتح الإسلامى الأول ..

    الأندلس فى عهد الحاجب المنصور


    وفى عام 374هـ أعاد فتح برشلونه فى أقصى شمال الأندلس وهزم الفرنسيين شر هزيمة وضمها مرة أخرى للمسلمين , بعد ان سقطت فى أيدى الفرنجة من الفرنسيين بعد فتحها على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير أيام الفتح الأول.


    ولم تقتصر منطقة نفوذ الحاجب المنصور على الأندلس فقط بل سيطر على شمال المغرب سيطرة تامة وخضعت لسلطانه بعد أن ثار البربر من أهل العدوة على الحسن بن كنّون نائب الخليفة الفاطمىّ العبيدىّ على المغرب واستطاع هذا الرجل ان يجمع حوله الأنصار من البربر وثارت القلاقل والفتن فى المغرب فلم ينتظر الحاجب المنصور أن تكبر الفتنة , بل أرسل ابن عمه عمرو بن عبد الله على رأس جيش لمحاربة الحكم الفاطمى العبيدى الشيعى وإخراجهم من المغرب ثم أرسل جيشا آخر بعد ذلك بقيادة ابنه عبد الملك الظفر بن المنصور بن أبى عامر ودخل فاس واستقر أمر المغرب للمنصور فبلغت الأندلس فى عهده أقصى اتساع لها !!


    وفى عام 379هـ ثار عبد الله بن المنصور على أبيه الحاجب المنصور إذ كان يحكم مدينة "سانت استيفان" ولجأ الى بلاد البشكنش - اقليم الباسك حالياً -فطلب المنصور من "غرسيه" حاكم البشكنش بتسليم ابنه فرفض "غرسيه" فقام المنصور بحملة عسكرية قوية على بلاد البشكنش ودام القتال أياما وكان قتالا مروعا حتى أنزل الله النصر على المسلمين وأيدهم بجنود من عنده وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وهُزم البشكنش مما اضطر غرسيه الى قبول الصلح وتسليم عبد الله بن المنصور الى أبيه ومعه كل من ساعده من المسلمين فقام المنصور بضرب أعناقهم جميعا بما فيهم ابنه عبد الله !!





    ومن أهم وأعظم معارك المنصور على الإطلاق والتى هى بمثابة غرة المعارك الإسلامية فى جزيرة الأندلس هى معركة "شنت ياقب" سانت يعقوب حيث وصل الى أقصى بلاد جيليقية الى حيث لم يصل مسلم من قبل ومدينة سانت يعقوب تمثل العاصمة الروحية الدينية لنصارى أوربا قاطبة وكعبة النصرانية وتأتى أهيمتها بعد بيت المقدس ورومية عندهم فبها قبر يعقوب الحوارىّ ويزعمون أنه كان من أخص حوارىّ عيسى عليه الصلاة والسلام وكان قبره بمثابة الكعبة عندهم ويفدون اليه من رومية وشرق أوربا ومن كل مكان .



    كنيسة شنت ياقب - sandiago - فى أقصى شمال غرب أسبانيا



    وقد قاموا ببناء كنيسة ضخمة جدا على هذا القبر وكانوا يحجون اليه من كل مكان كما ذكرنا . وكانت تلك البلاد هى أمنع بلاد النصارى فى الأندلس لوعورة طرقها وخطورة مفاوزها وصعوبة اجتيازها بالجند . ولم يفكر أحد من قادة المسلمين من أيام طارق بن زياد أن يقصد تلك المنطقة الجبلية الوعرة .



    فقصد المنصور بن أبى عامر تلك البلاد لسببين رئيسيين ذكرهما د. محمد عبد الله عنان فى كتابه (دولة الإسلام فى الأندلس ) وهما :




    1) أنها كانت ملاذا وملجأ لملوك ليون , يمتنعون بها كلما أرهقتهم الغزوات الاسلامية بقيادة المنصور.



    2) أنها كانت كعبة اسبانيا النصرانية ومزارها المقدس ورمز زعامتها الروحية وقد شاء المنصور أن يضرب أسبانيا النصرانية فى صميم معقلها القاصى وفى صميم زعامتها الروحية ..



    وخرج المنصور بن أبى عامر على رأس جيش ضخم فى يوم 23 الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة 387هـ ( 3 يوليه 997م ) وكانت هذه هى الغزوة الثامنة والأربعين للمنصور , وفى نفس الوقت تحرك الاسطول الاسلامى الذى أعده المنصور لهذه الغزوة العظيمة من مرساه أمام قصر أبى دانس على الساحل الغربى للأندلس فى بلاد البرتقال – البرتغال الآن – وتحرك شمالا فى محاذاة الشاطىء البرتغالى وهو يحمل أقوات الجنود والذخيرة وكل ما يحتاجونه من مؤن ..



    وكانت الخطة التى وضعها المنصور بن أبى عامر محكمة للغاية فجعل يمشى بجنده على اليابسة شمالا باتجاه الغرب على أن يوافيه الاسطول الاسلامى عند نهر دويرة وكانت مسيرة المنصور بن أبى عامر فى غاية المشقة لكثرة السلاسل الجبلية وكثرة الأنهار ووعورة الطرق حتى أنه فى أثناء مسيره عرض له جبل ضخم شامخ شديد الوعورة لا مسلك فيه ولا طريق ولم يهتدى الأدلاّء الى سواه فجعل المنصور يقدّم الفَعَلة الحرفيين ويمدهم بالحديد والفوؤس لتوسعة الشعاب وتسهيل وتعبيد المسالك والمفاوز !!



    الى هذا الحد كان المنصور حريصا على غزو النصارى ولم يفت في عضده او يوهن كيده صعوبة الطريق ووعورته !! وبالفعل استطاع المنصور بن أبى عامر أن يفتح المسالك والشعاب واخترق الأراضى الوعرة وهو فى أثناء ذلك يقتحم حصون النصارى ويأسر منهم أعداد كبيرة فى طريقه وما ان يسمع أهل قرية بقدوم المنصور حتى يهربوا منها وتفرّ حاميتها الى قرى مجاورة , فغنم أمولاً عظيمة وأسلحة كثيرة ولله الحمد والمنة ...



    وعند وصول المنصور الى نهر دويرة وافاه الاسطول الاسلامى فجعل منه المنصور بن أبى عامر جسرا لعبور قواته الى الجانب الآخر وهكذا واتجه الجيش الاسلامى صوب جيليقة مخترقا الشعاب والسهول والوديان والجبال والأنهار وهو فى مسيره لا يكف عن الجهاد والقتال فيحطم القلاع والحصون ويهدم المدن والقرى ..



    حتى وصل الى مشارف مدينة (شنت ياقوب) سانت يعقوب يوم الأربعاء الموافق 2 الثانى من شعبان عام 387هـ ( 11 اغسطس 997م) فدخلها المنصور بجنده وقد فرّ منها أهلها وحاميتها فأمر المنصور بهدم القلاع والحصون وخرّب المدينة ودمّر الكنيسة العظيمة التى بنوها فوق قبر الحوارىّ المزعوم عندهم فسواها بالتراب ولكنه أمر بحماية القبر وصونه وعدم مساسه بأى اذى !! احتراما لتعاليم الاسلام ...



    وأخذ المسلمون أبواب المدينة والكنيسة ونواقيس الكنيسة العظمى وحملها الأسرى النصارى على كواهلهم حتى قرطبة ، واستخدمت في توسيع الجامع وعلقت به النواقيس رؤوسًا للثريات الكبرى وأصبحت الكنيسة العظمة للنصارى أثرا بعد عين !!



    ووجد المنصور رجلاً شيخا كبيرا من النصارى جالس بجوار القبر فسأله عن شأنه فقال : أونس يعقوب !! فأمر المنصور بالكفّ عنه .




    وترك المنصور بن أبى عامر المدينة كأن لم تغن بالأمس , واهتزت النصرانية من أقصاها الى أقصاها , ونزل الخبر على نصارى العالم كالصاعقة فمنذ الفتح الأول للمسلمين للأندلس لم ينهزموا مثل هذه الهزيمة ولم يلحقهم مثل هذا الذل والصغار !!





    وأرسل المنصور كتاب الفتح والنصر الى قرطبة , ففرح المسلمون بهذا النصر جدا ولهجت العامة بالدعاء لمنصور , وظل المنصور فى جهاده مع النصارى فى الأندلس طوال 27 عاما غزا فيها أكثر من 54 غزوة !!





    تعليق


    • #3
      حبه للأدب والعلوم :





      كان المنصور بن أبى عامر يعشق الأدب والشعر بل وينظم شعراً فمن شعره يفتخر :






      ألم ترنى بعتُ الإقـامـةَ بالسُّرى .. ولين الحشايـا بالخــيول الضـوامرِ؟





      تبدَّلْتُ بعد الزعفــرانِ وطِـيبِه .. صدا الدّرع من مستحكمات المسـامرِ





      أرونى فتىً يحمى حماىَ ومـوقفى .. إذا اشتـجر الأقـرانُ بين العساكرِ





      أنا الحـاجب المنصور من آل عامرٍ ..بسيفى أقُدُّ الهـام تحت المغـافرِ





      تــلادُ أمـير المـؤمنين وعَبـــدُهُ .. وناصــحه المشـهودُ يــومَ المفـــاخرِ





      فــلا تحسـبوا أنــى شُـغلت بغــيركم .. ولكـــن أطـعتُ الله فى كــل كـافرِ






      ومن شعره أيضاً يفتخر :





      رميت بنفسى هول كل عظيمةٍ ..وخاطرتُ والحر الكريمُ يخاطرُ





      ومـا صاحبى إلا جنـان مشيعٌ ..وأسمر خطى وأبيـض بـاترُ





      ومن شيمى أنى على كل طـالبٍ .. أجـودُ بمالٍ لا تقيه المعـاذرُ





      وإنى لزجاء الجيـوش الى الوغى .. أسـود تلاقيها أسـود خوادرُ





      فسُدتُ بنفسى أهل كل سيادة .. وفاخرت حتى لم أجد من أفاخرُ





      ومـا شِدتُ بنياناً ولكن زيادة .. على ما بنى عبد المليك وعـامرُ





      ورفعنا المعـالى بالعوالى حـديثَهُ .. وأورثناها فى القـديم معـافرُ





      وله أيضا يتوعد صاحب الدولة الفاطمية العبيدية الخبيثة ويمنى نفسه فى القضاء عليه وحكم مصر والحجاز :





      منع العين أن تذوق المناما .. حُبها أن ترى الصفا والمقاما





      لى ديون بالشرق عند أناسٍ .. قد أحلوا بالمشعرين الحراما





      إن قضوها نالوا الأمـانى وإلا .. جعلـوا دونهـا رقـاباً وهـاما





      عـن قـريبٍ تـرى خـيول هشـام .. يبلغ النيلَ خطوُها والشآما






      وكانت دولة المنصور وحكومته تضم عددا من الوزراء والكتاب والشعراء الأفذاذ أمثال : أبو العلاء صاعد اللغوى وكذلك أبو مروان عبد الملك بن شهيد وأحمد بن سعيد ابن حزم والد الفيلسوف والعالم الشهير ابن حزم وآخرون ممن هم مشهود لهم بالفضل والعلم وواسع المعرفة .





      وكان يوسع النفقة على الأدباء والشعراء وكان المنصور له مجلس أسبوعى يعقده للبحث والمناظرة ويشهده كثير من العلماء والأدباء , كما اهتم جدا بإنشاء دور العلم فى الأندلس وفى قرطبة وبالغ فى الإنفاق عليها وكان يزور المساجد والمدارس بنفسه وكان يجالس الطلاب أحيانا !!








      الأسيرة :

      أرسل المنصور يوما رسولا الى بلاد البشكنش "اقليم الباسك حاليا" فى وقت السلم والمعاهدة , وكان من شروط المعاهدة أن لا يبقى أسير مسلم فى بلاد النصارى , عندما وفد هذا الرسول الى تلك البلاد استقبله ملكها أحسن استقبال وأكرمه وأحسن ضيافته وسمح له أن يتجول فى بلده كما يحب , فدخل أحد أكبر كنائسهم وإذا هو بالداخل إذ وجد امرأة قد أقبلت عليه وقالت له : أيرضى المنصور أن ينسى بتنعمه بؤسها !! وأخبرته أنها أسيرة فى تلك الكنيسه ومعها امرأتين من المسلمين كذلك ومضى لهن سنين طويلة فى تلك الكنيسة واستحلفته أن يخبر المنصور بشأنها ..

      وعاد الرسول الى المنصور فى قرطبة يخبره بنتائج الزيارة وحكى له عن تجواله فى أراضى المملكة , فقال له المنصور : هل وقفت هناك على أمر أنكرته , أم لم تقف على غير ما ذكرته ؟ , فأخبره بقصة المرأة , فغضب المنصور وعاتبه ولامه وارتفع صوته على أنه لم يبدأ بها كلامه !!

      فأصبح المنصور غازيا من فوره وجهز الجيوش ولم تطلع الشمس إلا والمنصور والمسلمين على ظهور خيولهم متوجهين الى بلاد البشكنش , لأن وجود تلك المرأة المسلمة الأسيرة مخالفة صريحة جدا لما اتفقوا عليه ...

      وأقسم المنصور أنه لا يرجع عن أرضه حتى يكتسحها اى الكنيسة وجن جنون الملك عندما علم بقدوم المنصور بن أبى عامر وأرسل له يخبره أنه لم ينقض عهدا ولم يشق عصا الطاعة أنه على طاعة المنصور والمسلمين ابدا , فاستقبل المنصور رسل "ابن شانجة" ملك البشكنش أسأ استقبال وعنفهم وأخبرهم : أنه عاقدنى على ألا يبقى ببلاده مأسورة أو مأسور , وقد بلغنى بعدُ بقاء فلانة المسلمة فى تلك الكنيسة وواله لا أنتهى عن أرضه حتى أكتسحها !!

      فأرسل الملك يخبره أنه كان لا يدرى بوجود تلك الأسيرة وأن أحد قواده هو من قام بأسرها , ثم أرسل له الملك يسترضيه ويستعطفه حتى أنه أخبره : أنه قد بالغ فى هدم الكنيسة – اى سواها بالتراب – وهنا توقف المنصور وأخذ المرأة وجلس معها وطيب خاطرها وأرسلها الى أهلها فى قرطبة ومعها الأسيرتيْن ...

      وكأنى بهؤلاء النسوة الثلاث كدن أن يهلكن من شدة الفخر والسعادة والإباء , عندما شعروا بأن جيش المسلمين كله قد خرج من أجلهن وفى سبيل نصرتهن !!!

      أين أنت ايها الحاجب المنصور الآن ...

      الراية المنسية :

      كان كلما غزا المنصور غزوة أخذو جنوده الرايات فيثبتونها على الأماكن العالية ثم يأخذونها حين يرحلون وفى أحد الغزوات نسى أحد الجنود راية على أعلى التبة بين الحصون والقلاع بعدما فر أهلها وهرب جنود النصارى بين الشعاب والجبال ورحل المسلمين ونسوا تلك الراية , فظل النصارى يرمقون تلك الراية فى رعب شديد وهم يظنون أن المسلمين مازالوا هناك ,وظلوا على ذلك زمن حتى علموا برجوع المسلمين منذ زمن !!

      هكذا كانت العزة .. راية واحدة منسية أرعبت جنود النصارى وعاشوا من أجلها فى ذعر ورعب وهلع !!


      انا اريد ان اوصل اننا مع الاسف لا نهتم بطموحات اولادنا فيصبحوا للاسف الشديد اسوأ من قبلهم ... اللهم الطف بنا ... واجعلنا يا رب عندك جنودا مخلصين نقاتل في سبيلك ..


      ما سبب الموضوع ؟؟؟

      يمكن شخص يرى ان هذا ليس شرطا وواجبا ... ولكن انا ارى ان التغيير يجب ان يبدأ من انفسنا ومن اولادنا ... حتى تتغير حالنا قليلا والتغيير لم يبدأ بشخص كان في منزله يحتسي فنجانا من القهوة .. بل بشخص بدأ كرجل في القيادة وبارك الله فيه واصبح يعتلي اعلى المناصب والصلاحيات

      فمن سيف الدين قطز كقائد للجيوش المملوكية ووصي على سلطان مصر الصغير الذي توفي اباه السلطان وترك له الحكم

      او صلاح الدين الايوبي كوزير في مصر ... واميرها لاحقا ثم سلطانا على المسلمين بفضل الله

      او الحاجب المنصور .. ككاتب لحاكم الاندلس ... ثم ترقى في المناصب ... وكان يحاكي نفسه كحاكم للاندلس ... وحقق حلمه

      فالحمد لله ... بعد ان قرأت شروط الترشيح لعضوية البلدية ... بإذن الله سوف ارشح نفسي لعضوية المجلس البلدي ... وخاصة موافقة لما مضى من عمري ... وعلى الاقل قبلت التحدي الجديد امام نفسي ... فإذا فشلت فمن نفسي .. واذا نجحت فمن فضل الله وحده ..

      واول قرار لي ... فتح شركتي ... التي لا ادري لماذا لم تحصل على ترخيص حتى الان .. وانا اخجل من الاخوة لاني لا اعرف ماذا اقول لهم بسبب عدم ورود اي اخبار جديدة حولها

      السياسة والقيادة درجات وابواب ... فالحمد لله احاول الدخول لاول درجة واول باب

      تعليق

      يعمل...
      X