تمهيد
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفرة و نعوز بالله من شرور انفسنا و سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادى له و اشهد ان لا إله الا الله و اشهد ان محمدا عبده و رسولة.و بعد ,
فإن النبى "صلى الله عليه و سلم" حين بعث كان وحيدا غريبا فى عالم ملئ بالشرك و الإلحاد و الفساد.
و جاء ليغير هذا الموضع و ليعيد الناس إلى عبادة الله و يقيمهم على المنهج الصحيح و يلغهم رسالات ربهم.
و قد أمن به نفر من ذوى الفطرة السليمة و المعدن الكريم و إلتفوا حوله و آزروه فى دعوتة و كان غالبهم مكيين و كانوا غرباء فى بلادهم و بين قومهم.
و مازال النبى صلى الله عليه و سلم و المؤمنون به يجاهدون فى سبيل نصرة هذا الدين حتى ذالت الغربة و قامت دولتهم و بسطت سلطانهم على معظم الجزيرة العربية فأكمل الله الدين و اتم النعمة على المؤمنين. و قد أقر الله عين نبيه بنصرة المسلمين فلحق بربه قرير العين يدحر الوثنية و اليهودية و خلوص الجزيرة للإسلام.
و بوفاته صلى الله عليه و سلم حدث أول ثلم فى الإسلام .
إذ أن أول خلاف حدث بينهم كان على إختيار الأمير يوم الثقيفة.
و بإنتهاء عصر الراشدين حدث ثلم أخر.
إذ كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه الباب الذى يحفظ الله به الامه من الفتن فلما قتل أطلت الفتنة برأسها على المؤمنين.
و بإنتهاء عصر الخلافة الراشدة و هى ثلاثون سنه حدث ثلم ثالث.
و بأنتهاء عصر الخلافاء الإثنى عشر حدث ثلم رابع.
] حديث : لا يزال الإسلام عزيزاً إلى أثنى عشر خليفة كلهم من قريش[ - رواه البخاري في أحكام و مسلم "1821" في الإمارة و الترمزى رقم 2224 في الفتن.-
و بانقراض القرون المفضلة حدث ثلم خامس .
و إن كان حدث للمسلمين من التوسع و الفتوح و دخول كثير من الشعوب فى الإسلام خلال ذلك و بعد شئ كبير.
و قد اشهر النبى صلى الله عليه و سلم إلى غربة الإسلام الأولى و غربية التالية و حال الغرباء بقوله } بدأ الإسلام ريباً و سيعود غريباً فطوبى للغرباء { - رواه مسلم 9145 فى الإيمان باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً-
دعوته غريباً
قد تعنى الغربة فى أمكنه معينه و أزمنة معينه حيث قد يعود الدين غريبا فى مكان من الامكنه ثم يظهر و يعلوا و تزول غربته كما حدث أول مره .و قد تعنى ما يقع فى أخر الدنيا حتى لا يبقى من المسلمين إلا القليل و هذا يكون بعد الدجال و يأجوج عند قرب الساعة.
و حين إذ يبعث الله ريحاً طيبة فتقبض أرواح المؤمنين ثم تقوم الساعة.و يقابل الغربة الواقعة فى الأمة : الوعد بفرقة ناجية و الوعد بطائفة منصورة و الواعد بتجديد الدين لهذه الأمة و الواعد بالخير الكثير الطيب لهؤلاء الغرباء فى الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة و هو بعض المعبر عنه فى الحديث بـ (طوبى للغرباء) .
و قد كان ما لقيه المؤمنون الاولون من عون الله و نصره و تأييدة و تسخيره الناس المؤمنين و غير المؤمنين لحماية الغرباء فى مكة ثم فى الحبشة ثم فى المدينة حيث لقوا من الإعزاز و الإكرام ما لقوا كان جزءا من هذا الوعد.
و ما حصل له من الأذى الدنيوي كانوا يعوضون عنه أجلاً من لذة الإيمان و حلاوته و ما ينسيهم مرارة الأذى و كان يحصل لاعدائهم من الشر أضعاف أضعاف, و كذلك الغرباء بعدهم و عدهم صلى الله علي و سلم بالنجاة فى حين أن غيرهم هالكون.
و وعدهم بالظهور و النصر على من خالفهم , و وعدهم بما هوا أعم و أشمل من ذلك كله , و هوا الخير الكثير الطيب الذي تدل عليه كلمة (طوبى) الواردة فى حديث الغربة و هي تشمل خيري الدنيا و الآخرة0
أولاً معاني الغربةالغربة : البعد , و النزوح عن الوطن .
أو أنه ليس من القوم و هذا هوا الغريب و تطلق على الغموض و الخفاء و عدم الشهرة و تطلق على الذهاب و التنحى عن الناس.
و جاء استعمال الغربة فى السنة بمعنى المقيم فى غير وطنه و بين قوم غير قومة.
فعن عبد الله بن عمر قال : اخد رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنكبيه فقال (كن فى الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل)
و كان بن عمر يقول : ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح , و إذا أصبحت فلا تنتظر المساء و خذ من صحتك لمرضك , و من حياتك لموتك ) – رواه البخاري 6413 فى الرفاق و الترمزى رقم 2334 فى الزهد.
فالمقصود تشبيه المؤمن بالغريب لقلة إنبساطة إلى الناس , و استحيائه منهم و عدم إستئناثه معهم .
و الغريب لا يكاد يتعلق قلبه بشيء في بلد غربته فقلبه بوطنه الذي سيعود إليه0
و كذلك المؤمن شأنه مع الدنيا ألا يتعلق قلبه بشيء منهما لتعلقه بالدار الآخرة التي إليها يرجع و قلبه المسفر.و الغريب : سالم من الرذائل التي منشأها الاختلاط بالناس و الاشتغال بالخلق.
فهو قليل الحسد و الحقد و النفاق و النزاع قليل الوقوع في أعراض الناس و الوشاية بهم فهذه هي الغربة الحسية.
و هناك الغربة المعنوية و هي أن يكون المرء على حال من الاستقامة و لزم الجاده و مجانيه الفتن و الأهواء و ملازمة السمت الذي كان عليه الصدر الأول مع قلة النصير و المعين و الموافق , و كثرة المنابذ و المخذل و المخالف , فيسمى صاحب هذه الغربة غريباً و هوا مقصد حديث ( طوبــــى للغربـاء).
منقوووووووووووووووووووووووووووووووول بتصرف
تعليق