حوارات صناع الحياة:
كيف تتفجر الإرادة؟!
حوار أجراه الأستاذ عمرو خالد لمجلة كل الناس بتاريخ 14 يوليو 2004، وهذا هو نص الحوار:
طريق واحد يحدده "عمرو خالد" للنهوض بالأمة الإسلامية طريق تضعه الإرادة: إرادة الشخص وإرادة المجتمع. لكن كيف تُولَدُ الإرادة.. كيف تتفجر! "عمرو خالد" يجيب عن السؤال بعبارات بسيطة لكنها عميقة المَغْزَى والدلالة: أن يكون لَدَى كل فرد القدرة على تَخَيُّل الهدف. مطلوب أن يرسم أدق تفاصيل هدفه وحلمه ويتعايش معها.. وعندما يَكْبُر الحلم ويملك مساحة الوجدان والعقل تُولَد الإرادة.
سَألت عمرو خالد:
ما هو المطلوب تحديداً لإحداث نهضة الأمة..وما المطلوب تحديداً لكي نُغَادر منطقة التخلف التي نعيش فيها؟
قال:
مطلوب إرادة غير عادية. إرادة مثل إرادة النبي صلى الله عليه وسلم مهما كانت المعوقات.
كان يبذل أقصى مجهود صلى الله عليه وسلم. لماذا لا نُقَلِّد نبينا؟ كان يمشي بعد أن يَطْبِقَ الظلام على الكون. يموت أبو طالب. وتموت السيدة خديجة. وتظلم الحياة في عينيه.. ويتكالب عليه الكفار، ويتضاعف الإيمان. كان عمره 50 سنة. حاول الكفار أن يقتلوه.. والصحابة يتعرضون لإيذاء شديد. ويسألونه: ماذا ستفعل يا رسول الله؟..سنبذل مزيداً من الجهد. سأخرج ماشياً على قدمي من مكة للطائف. والطائف على بعد مائة كيلومتر من مكة. "وأنا أعلنت عن ماراثون مسافته 42 كم، تُقَسَّم على أسبوع كامل، كل يوم 6 كم المشي يُقَوِّي الإرادة. ساعة كل يوم لكل الأعمار، مشى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف "مسافة تماثل من القاهرة إلى طنطا"، ولم يتعب (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
ويصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، فيقابلونه أسوأ مقابلة. استقبله ثلاثة من زعماء الطائف. قال له الأول: والله لو رأيتك متعلقاً بأستار الكعبة وتقسم بأنك نبي ما صَدَّقْتُك. ويقول له الثاني: أما وَجَد الله من هو خير منك كي يرسله.
ويقول له الثالث: إما أن تكون نبياً حقاً فأنت أعظم من أن أكلمك. وإما أن تكون كذاباً فأنت أدنى من أن أكلمك.
فيقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم إن أَبَيْتُم أن تمنعوني فلا تُخْبِرُوا قريشاً أنّي استعنت بكم عليهم. فقالوا: والله لنُخْبِرنََّهم. قم يا فلان فأخبر قريشاً أن محمداً جاء يستعين بنا عليهم. فقال: إن أبيتم هذا وهذا فدعوني أعود.
قالوا: لا..حتى تُرْجم بالحجارة.
فتخرج الطائف في صفين يحملون الحجارة التي يقذفون بها نبي الله محمداً صلى الله عليه وسلم.
كان يتحمل كل ذلك الأذى لكي يبقى لنا الإسلام ديناً، ولكي تحدث النهضة. نحن نريد إرادة مماثلة لذلك.
النبي ومعه زيد بن الحارثة، زيد يأخذ النبي في حضنه ويجري، ويَتَلَقَّى الحجارة عن النبي في رأسه الذي ينزف، ولا يرفع رأسه عن النبي حتى لا يصاب النبي بأي أذى. وقدما النبي تتألمان من الطوب والحجارة وتنزفان دماً وتتشقق من خشونة الطريق. ويبحث النبي عن مكان يختبئ فيه من الإيذاء، فيدخل في بستان صغير، وبدلاً من أن يداوي جراحه، يرفع يديه إلى السماء ويبتهل إلى الله:
(اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. أنت رب العالمين. أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني يا رب؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو مَلَّكْتَه أمري. ثم تتفجر الإرادة بقوة. فيقول صلى الله عليه وسلم: إن لم يكن بك علىّ غضب فلا أُبَالي. لا يمكن أن تقوم نهضة بدون إرادة النهضة لا تُبْنَى على الراحة والاسترخاء والنوم.
يجيء ملك الجبال إلى النبي ويقول له: لو شئت أُطْبِق عليهم الأخشبين. فيقول له: لا. عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله. هِمَّةٌ غير عادية.
تعليق