بابان
المحن تلد رجالا وقد تلد المحن خونة
الغروب واجم كأن روح الحزن الساكن في نفسي خيمت عليه و أنا أحس بصخرة
تطحن قلبي إنه الحزن ,
قلبي كان صخرة ثم ذاب ألما .
قلت له يا أبي لنترك هذه الأرض الملعونة يرتع فيها
سوائمها و كلابها و لنرحل إلى أرض تحبنا , لم يعد لنا من حبيب في هذه الأرض
قال بثقة لا تنبع إلا من مثله :
الشمس تشرق كل يوم على جديد .
: و لكن كل جديد جاء مع شروق الشمس كان ألما وحزنا .
: أنت الذي لا ترى سوى الرماد , اغسل عينيك بالحب تزهر الدنيا في عينيك .
لن أناقشك في هذا فأنت تذبحني ببرائتك هذه .
: هل تظن أن هؤلاء الذين يدّعون حبك مختلفون عنهم ,
أنت واهم يا أبي , إنهم هم أنفسهم , و لكنهم يريدون أن يدخلوا في نسيج حياتنا
ليعلموا عنا كل شيء .
: أنت تحلم بالنور و الإشراق و هم الظلمة تسيل من أرواحهم و من أفواههم .
إنهم ليسوا خونة يا أبي , لأنهم تجاوزوا مرحلة الخيانة إلى ما بعدها .
خيم الصمت بيننا طويلا لأعوام
* * * * * *
: تقبل الله يا حاج حسين .
: منا و منكم يا عبد الله يا ابني .
: كيف حال حميد
: بخير و نعمة الحمد لله
, سبحان الله سبحان الله سبحان الله . . . . .
قتلوا اليوم جاري ابراهيم . . .. .
: أعلم .
: و ماذا ستفعل . . .
الحمد لله الحمد لله الحمد لله . . . .
بعد الصلاة يكون خيرا إن شاء الله
نهض الحاج حسين و اتجه إلى صدر المسجد ثم التفت إلى الناس :
يا إخوتي أن قتلانا صاروا أكثر من الأحياء و لو سكتنا سنلحق بهم قريبا .
: نعم
: صحيح
: و ماذا تريد منا أن نفعل يا حاج حسين
: الذي يجب علينا .
: وما هو
: سنذهب اليوم للسيد و نطلب منه أن يوقف هذه المذابح التي نروح فيها .
: و لكن ما للسيد و هذا يا حاج حسين ؟ أحسن لك أن لا تذكره بسوء .
: أنا لم أذكره بسوء أو بخير , سنذهب إليه و نطالبه بإيقاف هذه المذابح , لأنه يعلم من وراءها .
: و من وراءها ؟
: أنتم تعلمون من وراءها .
, من سيأتي معي .
كلنا . . . . . كلنا ... . . . كلنا
خرج المسجد بمن فيه إلى الطريق , الناس عدد الحصى و على وجوههم
مشاعر مختلطة . هذه ليست أول مرة يخرجون هذا الخروج .
: يا أخوتي لا تخذلوني هذه المرة أيضا .
:نحن معك يا حاج حسين .
: خرج عائلة المتريدي من الباب الخلفي للمسجد يا حاج .
: طيب يا عبد الله
الوجوم يسيطر على الماشين يبدو على وجوههم الحزن و الخوف أكثر مما في
نفوسهم من ثورة و غضب .
انصرفت عائلة المسجدي عند شارعهم يا حاج .
: طيب يا عبد الله يا ناس لا تكونو كبني إسرائيل حين قالوا " اذهب أنت و ربك فقاتلا
".ادخلوا عليهم الباب فإنكم كثرة الحصى .
دوى صوت عيار ناري من بعيد .ارتجف الناس وهاجوا فزعين
: يا ناس لا تخافوا , الموت واحد و موتك اليوم شريفا خير من موتك غدا جبانا مهانا .
اقتربنا من بيتهم لا تتراجعوا .
كان ا لبقية التي مع أبي هم أصدقاؤه عائلة عبد الله لم يفر منهم أحد .
: أرجوكم لا تتراجعوا , هذا الباب على بعد خطوات ,
: نحن معك يا حاج حسين للنهاية و قبل عبد الله يد والدي و هو يهتف في إخوته لا تتراجعوا الآن .
كان هذا آخر ما روي لي قبل أن يدخل أبي البيت و لم يخرج منه .
* * * * *
:ألا يمكن أن تسرع هذه المركب أكثر من هذا ياعم محمود .
:لا يا ولدي , أنت تعرف أننا نتحرك بقوة الريح . و باندفاع الموج في النهر نحو الشمال .
: نعم .. نعم
ذهبت لطرف المركب و الحزن حيوان من حيوانات الخرافات رابض يتلهى يقضم روحي و ينبش جراحاتها .
و يسري على الموج ذلك النغم المشتاق كانت رفقة المركب ينشدون في صوت رخيم وفي اتساق موسيقي كأنهم يرددون كلمة ( " آمـيـــــــــــــن ") في مسجد عتيق و " آمـيـــــــــــــن " تطير حماما على أرواحنا علقت في رجليه السكينة التي ننشد و الشوق إلى أحبابنا
يا ألللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللله , إن الغربة مريرة كطعم الصبر
كان نغمهم :
يا مهوِّوووووووووون هون هونــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا مهوِّن هوَِّنها و هووووووووووووووووووووووووووووووووون
يا مهوِّن هوِّن على طووووووووووووووووووووووووووووووووول
و تروح بلدك يا غرييييييييييييييييييييب
و تلاجي على البر حبيب
مستني يجولك سلاماااااااااااااااااااااااااااااااااات
هوِّن )
الموج يضطرب كأنه مثلي بلا حبيب له يرجع إليه أوينتظره على البر , اسكن يا
صديقي و أجِّل الثورة حتى ننزل إلى البر . . . .
* * * * * * *
صليت فجرا من الحزن و أديت تسابيح شجون قاسية على الروح ودمعت عيناي بالذكرى , يا لأبي
* * * * * * *
القرى على النهر في بلادنا نسوة متشحات بالسواد في يوم عاصف ,
رمادية اللون و خضرة الأرض فيها لم تعد تصنع بهجة بمقدار ما تثير الحنين إلى
مروج قمح لم تعد تعرف القمح و إلى عصافير كفت عن الغناء بل و حتى إلى
غربان و بوم اختفوا من الوجود استطاعوا الهرب بعيدا عن هذه الأرض الملعونة
لم يعد أي شيء كما كان .
: اقتربت بلدتك يا حميد .
استشرفت على طرف المركب مئذنة قريبا لم أرها . المغرب أحمر منذرا بأيام
دامية شديدة القسوة , على أن المغرب دائما و منذ عهد بعيد كان أحمر هكذا ,
لن أتشاءم أو أتفاءل بلونه ثانية .
المئذنة كأنها لا تبدو كأنها قصرت , المصباح الكبير فيها لا يبدو .
: كم بقي حتى نصل إليها يا عم محمود ؟
: بعد العشاء بقليل إن شاء الله نكون هناك .
* * * * * * *
لم يعد لنا أهل في هذه البلدة كنت أنا و أبي البقية من عائلتنا و أمي يرحمها الله , لم تتحمل الحزن على أخي عبد الرحيم .
ألى أين سأذهب و بمن سأستعين , إن تعلمي بالأزهر جعلني لا أعرف شيئا من
أمور المصارعة و القتال و لا حتى الزراعة . . . يا ر ب كن معي أرجوك .
: وصلنا يا حميد استعد للنزول بعد قليل .
المرسى يقترب و لا يبدو بصيص نور .
: الحمد لله على سلامتك يا ابني .
: الله يسلمك يا عم محمود .
: انتظر يا حميد .
: نعم
: لا أدري ماذا أقول لك , ولكن يا ابني أنت ذاهب إلى ظلمة عمياء لا تدري
فيها من صديقك و من عدوك , خذ الحذر يا ابني , لولا أني أعرف تصميك
على النزول لقلت لك تعال معي و لا تنزل هذه البلد .
: وهل أترك أبي ؟ ؟ ؟
: أنت تعلم أن أباك ما دام قد ذهب لدارهم فهو لن يعود .
: و لكن لم يقتلوه . . . . لا . . لا أكيد لم يقتلوه .
: اسمعني يا ابني . إن دارهم قبر كبير .
: شكرا لك يا عم محمود و لكن من العار أن أترك أبي حتى و لو جثة في أيديهم
: يا ابني أنت لست بقادر على مواجهتهم و حدك .
: و لكن أصدقاء أبي و أعوانه كثيرون و سيساعدونني .
: لو كانوا , لساعدوا أباك , لا تخدع نفسك .
: معذرة يا عم محمود , إن حياتي لا قيمة لها و أنا فارٌّ هارب بعيد عن أبي
فلا أقل من أن أقوم بواجبي نحوه حتى و لو بدفنه.
: طيب يا ابني فليكن ماتريد و ليفعل الله ما يريد , أنا سأمر عائدا بعد ثلاثة
أيام لو أردت الرجوع أنتظرني هنا بعد صلاة الفجر .
: إن شاء الله , مع السلامة .
* * * * * * *
البلدة قطعة سوداء لا بصيص فيها لنور أو أمل و لكن حتما سأصل لمنزلنا و لكن يجب أن أمرَّ ببقالة عم أحمد لأشتري كبريتا و شمعا , الحانوت في هذا الشارع , . . . الحانوت مغلق .
ما هذا السكون الرهيب .
البلدة ماتت و يعلم الله هل ستبعث في الصباح أم لا .
* * * * * * *
لدرانا بابان غربي و قبلي سأدخل من الباب القبلي , أقرب .
أخرجت المفتاح , البيت مظلم بصورة مخيفة , والدي كان يضع الكبريت في مكان ما , نعم تذكرت بجوار مجلسه .
آاااااااااااااااه
ما هذا
قمت بسرعة و تحسست إنه جسد
يا أللللللللللللللللللللللللللله
صوت واهن يئن : أنا أبوك يا ابني
أبي . . .أبي ما بك يا أبي ؟ ؟ ؟
:أنا الحمد لله يا ابني ؟ , ما الذي جاء بك يا حميد اهرب بسرعة يا ابني .
: ماذا فعل بك هؤلاء الكلاب .
: اهرب بسرعة يا حميد , يللللللللللللللللللا يا ابني اهرب من هنا .
: لا يا أبي أنا سـأحملك و نهرب من هذه البلدة الملعونة .
: لن تستطيع يا ابني , أنا أموت يا حميد أرجوك اهرب واتركني أرجوك يا ابني .
حملته و هو يرفض و سرت متثاقلا به كان ثوبه غارقا في الدماء .
: أرجوك يا ابني أنا أموت دعني أموت مستريحا و اهرب أنت يا ابني .
استدرت به نحو حجرته و وضعته على منامته و جلست بجواره .
شهق أبي شهقة شديدة
: أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله .
: أبي . . . . . أبي
أبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــي
* * * * * * *
إن صرخات الحزن والجزع قد تعزيك و لا تطفئ نارا في صدرك , إن الحزن
هو بداية اشتعال النيران في مرج هشائم و لا يدري أحد متى تنطفئ هذه النيران
, ربما لآخر عود هشيم في المرج .
إن قلبي قطعة من عجين مسحوقة تحت حجر ضخم صلب شديد .
* * * * * * *
سرت حاملا نعش أبي إلى مقابرنا و ليس معي إلا عائلة عبد الله يحملون معي
النعش و يسيرون وراءه , بقية البلدة كانوا ينظرون إلى من بعيد و أرى في
أعينهم وعلى وجهوهم الحزن والدمع وأرى إشارات , بل بعضهم تجرأ و أشار
لي إشارة لم أفهمها , و آخر يشير لي من طرف خفي بشيء لا أدريه ,
هؤلاء الجبناء , حتى في هذا الموقف الذي أنا فيه ليس لديهم الجرأة على شيء .
من يريد أن يقول لي شيئا فليقله أو ليخرس إلى الأبد .
شد عبدالله على يدي و قال لي و هو يبكي : عظَّم الله أجرك , لقد كان أبيك
عظيما و رجلا ليس مثله , جعل الله فيك عوضا لنا عنه .
: بارك الله فيك .
جلست ساعة بجانب القبر أقرأ في مصحفي و أبتهل إلى الله أن يرحم أبي .
وجاء عبد الله وكان يجلس على مقربة مني ,
: هيا بنا يا حميد , سآخذك لداري .
: بارك الله فيك يا أخي , شكرا لك و لكن اسمح لي أن أذهب لبيتنا .
: طيب و لكن سآتي معك , لن أتركك اليوم .
* * * * * * *
جاءنا طعام الغداء من منزله , تناولت لقيمات على كره مني و بعد قسم عبد الله أن آكل
: نم قليلا فأنت تبدو مرهقا جدا .
: صحيح , أنا مرهق جدا , اسمح لي أن أنام قليلا , البيت بيتك .
المحن تلد رجالا وقد تلد المحن خونة
الغروب واجم كأن روح الحزن الساكن في نفسي خيمت عليه و أنا أحس بصخرة
تطحن قلبي إنه الحزن ,
قلبي كان صخرة ثم ذاب ألما .
قلت له يا أبي لنترك هذه الأرض الملعونة يرتع فيها
سوائمها و كلابها و لنرحل إلى أرض تحبنا , لم يعد لنا من حبيب في هذه الأرض
قال بثقة لا تنبع إلا من مثله :
الشمس تشرق كل يوم على جديد .
: و لكن كل جديد جاء مع شروق الشمس كان ألما وحزنا .
: أنت الذي لا ترى سوى الرماد , اغسل عينيك بالحب تزهر الدنيا في عينيك .
لن أناقشك في هذا فأنت تذبحني ببرائتك هذه .
: هل تظن أن هؤلاء الذين يدّعون حبك مختلفون عنهم ,
أنت واهم يا أبي , إنهم هم أنفسهم , و لكنهم يريدون أن يدخلوا في نسيج حياتنا
ليعلموا عنا كل شيء .
: أنت تحلم بالنور و الإشراق و هم الظلمة تسيل من أرواحهم و من أفواههم .
إنهم ليسوا خونة يا أبي , لأنهم تجاوزوا مرحلة الخيانة إلى ما بعدها .
خيم الصمت بيننا طويلا لأعوام
* * * * * *
: تقبل الله يا حاج حسين .
: منا و منكم يا عبد الله يا ابني .
: كيف حال حميد
: بخير و نعمة الحمد لله
, سبحان الله سبحان الله سبحان الله . . . . .
قتلوا اليوم جاري ابراهيم . . .. .
: أعلم .
: و ماذا ستفعل . . .
الحمد لله الحمد لله الحمد لله . . . .
بعد الصلاة يكون خيرا إن شاء الله
نهض الحاج حسين و اتجه إلى صدر المسجد ثم التفت إلى الناس :
يا إخوتي أن قتلانا صاروا أكثر من الأحياء و لو سكتنا سنلحق بهم قريبا .
: نعم
: صحيح
: و ماذا تريد منا أن نفعل يا حاج حسين
: الذي يجب علينا .
: وما هو
: سنذهب اليوم للسيد و نطلب منه أن يوقف هذه المذابح التي نروح فيها .
: و لكن ما للسيد و هذا يا حاج حسين ؟ أحسن لك أن لا تذكره بسوء .
: أنا لم أذكره بسوء أو بخير , سنذهب إليه و نطالبه بإيقاف هذه المذابح , لأنه يعلم من وراءها .
: و من وراءها ؟
: أنتم تعلمون من وراءها .
, من سيأتي معي .
كلنا . . . . . كلنا ... . . . كلنا
خرج المسجد بمن فيه إلى الطريق , الناس عدد الحصى و على وجوههم
مشاعر مختلطة . هذه ليست أول مرة يخرجون هذا الخروج .
: يا أخوتي لا تخذلوني هذه المرة أيضا .
:نحن معك يا حاج حسين .
: خرج عائلة المتريدي من الباب الخلفي للمسجد يا حاج .
: طيب يا عبد الله
الوجوم يسيطر على الماشين يبدو على وجوههم الحزن و الخوف أكثر مما في
نفوسهم من ثورة و غضب .
انصرفت عائلة المسجدي عند شارعهم يا حاج .
: طيب يا عبد الله يا ناس لا تكونو كبني إسرائيل حين قالوا " اذهب أنت و ربك فقاتلا
".ادخلوا عليهم الباب فإنكم كثرة الحصى .
دوى صوت عيار ناري من بعيد .ارتجف الناس وهاجوا فزعين
: يا ناس لا تخافوا , الموت واحد و موتك اليوم شريفا خير من موتك غدا جبانا مهانا .
اقتربنا من بيتهم لا تتراجعوا .
كان ا لبقية التي مع أبي هم أصدقاؤه عائلة عبد الله لم يفر منهم أحد .
: أرجوكم لا تتراجعوا , هذا الباب على بعد خطوات ,
: نحن معك يا حاج حسين للنهاية و قبل عبد الله يد والدي و هو يهتف في إخوته لا تتراجعوا الآن .
كان هذا آخر ما روي لي قبل أن يدخل أبي البيت و لم يخرج منه .
* * * * *
:ألا يمكن أن تسرع هذه المركب أكثر من هذا ياعم محمود .
:لا يا ولدي , أنت تعرف أننا نتحرك بقوة الريح . و باندفاع الموج في النهر نحو الشمال .
: نعم .. نعم
ذهبت لطرف المركب و الحزن حيوان من حيوانات الخرافات رابض يتلهى يقضم روحي و ينبش جراحاتها .
و يسري على الموج ذلك النغم المشتاق كانت رفقة المركب ينشدون في صوت رخيم وفي اتساق موسيقي كأنهم يرددون كلمة ( " آمـيـــــــــــــن ") في مسجد عتيق و " آمـيـــــــــــــن " تطير حماما على أرواحنا علقت في رجليه السكينة التي ننشد و الشوق إلى أحبابنا
يا ألللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللله , إن الغربة مريرة كطعم الصبر
كان نغمهم :
يا مهوِّوووووووووون هون هونــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا مهوِّن هوَِّنها و هووووووووووووووووووووووووووووووووون
يا مهوِّن هوِّن على طووووووووووووووووووووووووووووووووول
و تروح بلدك يا غرييييييييييييييييييييب
و تلاجي على البر حبيب
مستني يجولك سلاماااااااااااااااااااااااااااااااااات
هوِّن )
الموج يضطرب كأنه مثلي بلا حبيب له يرجع إليه أوينتظره على البر , اسكن يا
صديقي و أجِّل الثورة حتى ننزل إلى البر . . . .
* * * * * * *
صليت فجرا من الحزن و أديت تسابيح شجون قاسية على الروح ودمعت عيناي بالذكرى , يا لأبي
* * * * * * *
القرى على النهر في بلادنا نسوة متشحات بالسواد في يوم عاصف ,
رمادية اللون و خضرة الأرض فيها لم تعد تصنع بهجة بمقدار ما تثير الحنين إلى
مروج قمح لم تعد تعرف القمح و إلى عصافير كفت عن الغناء بل و حتى إلى
غربان و بوم اختفوا من الوجود استطاعوا الهرب بعيدا عن هذه الأرض الملعونة
لم يعد أي شيء كما كان .
: اقتربت بلدتك يا حميد .
استشرفت على طرف المركب مئذنة قريبا لم أرها . المغرب أحمر منذرا بأيام
دامية شديدة القسوة , على أن المغرب دائما و منذ عهد بعيد كان أحمر هكذا ,
لن أتشاءم أو أتفاءل بلونه ثانية .
المئذنة كأنها لا تبدو كأنها قصرت , المصباح الكبير فيها لا يبدو .
: كم بقي حتى نصل إليها يا عم محمود ؟
: بعد العشاء بقليل إن شاء الله نكون هناك .
* * * * * * *
لم يعد لنا أهل في هذه البلدة كنت أنا و أبي البقية من عائلتنا و أمي يرحمها الله , لم تتحمل الحزن على أخي عبد الرحيم .
ألى أين سأذهب و بمن سأستعين , إن تعلمي بالأزهر جعلني لا أعرف شيئا من
أمور المصارعة و القتال و لا حتى الزراعة . . . يا ر ب كن معي أرجوك .
: وصلنا يا حميد استعد للنزول بعد قليل .
المرسى يقترب و لا يبدو بصيص نور .
: الحمد لله على سلامتك يا ابني .
: الله يسلمك يا عم محمود .
: انتظر يا حميد .
: نعم
: لا أدري ماذا أقول لك , ولكن يا ابني أنت ذاهب إلى ظلمة عمياء لا تدري
فيها من صديقك و من عدوك , خذ الحذر يا ابني , لولا أني أعرف تصميك
على النزول لقلت لك تعال معي و لا تنزل هذه البلد .
: وهل أترك أبي ؟ ؟ ؟
: أنت تعلم أن أباك ما دام قد ذهب لدارهم فهو لن يعود .
: و لكن لم يقتلوه . . . . لا . . لا أكيد لم يقتلوه .
: اسمعني يا ابني . إن دارهم قبر كبير .
: شكرا لك يا عم محمود و لكن من العار أن أترك أبي حتى و لو جثة في أيديهم
: يا ابني أنت لست بقادر على مواجهتهم و حدك .
: و لكن أصدقاء أبي و أعوانه كثيرون و سيساعدونني .
: لو كانوا , لساعدوا أباك , لا تخدع نفسك .
: معذرة يا عم محمود , إن حياتي لا قيمة لها و أنا فارٌّ هارب بعيد عن أبي
فلا أقل من أن أقوم بواجبي نحوه حتى و لو بدفنه.
: طيب يا ابني فليكن ماتريد و ليفعل الله ما يريد , أنا سأمر عائدا بعد ثلاثة
أيام لو أردت الرجوع أنتظرني هنا بعد صلاة الفجر .
: إن شاء الله , مع السلامة .
* * * * * * *
البلدة قطعة سوداء لا بصيص فيها لنور أو أمل و لكن حتما سأصل لمنزلنا و لكن يجب أن أمرَّ ببقالة عم أحمد لأشتري كبريتا و شمعا , الحانوت في هذا الشارع , . . . الحانوت مغلق .
ما هذا السكون الرهيب .
البلدة ماتت و يعلم الله هل ستبعث في الصباح أم لا .
* * * * * * *
لدرانا بابان غربي و قبلي سأدخل من الباب القبلي , أقرب .
أخرجت المفتاح , البيت مظلم بصورة مخيفة , والدي كان يضع الكبريت في مكان ما , نعم تذكرت بجوار مجلسه .
آاااااااااااااااه
ما هذا
قمت بسرعة و تحسست إنه جسد
يا أللللللللللللللللللللللللللله
صوت واهن يئن : أنا أبوك يا ابني
أبي . . .أبي ما بك يا أبي ؟ ؟ ؟
:أنا الحمد لله يا ابني ؟ , ما الذي جاء بك يا حميد اهرب بسرعة يا ابني .
: ماذا فعل بك هؤلاء الكلاب .
: اهرب بسرعة يا حميد , يللللللللللللللللللا يا ابني اهرب من هنا .
: لا يا أبي أنا سـأحملك و نهرب من هذه البلدة الملعونة .
: لن تستطيع يا ابني , أنا أموت يا حميد أرجوك اهرب واتركني أرجوك يا ابني .
حملته و هو يرفض و سرت متثاقلا به كان ثوبه غارقا في الدماء .
: أرجوك يا ابني أنا أموت دعني أموت مستريحا و اهرب أنت يا ابني .
استدرت به نحو حجرته و وضعته على منامته و جلست بجواره .
شهق أبي شهقة شديدة
: أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله .
: أبي . . . . . أبي
أبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــي
* * * * * * *
إن صرخات الحزن والجزع قد تعزيك و لا تطفئ نارا في صدرك , إن الحزن
هو بداية اشتعال النيران في مرج هشائم و لا يدري أحد متى تنطفئ هذه النيران
, ربما لآخر عود هشيم في المرج .
إن قلبي قطعة من عجين مسحوقة تحت حجر ضخم صلب شديد .
* * * * * * *
سرت حاملا نعش أبي إلى مقابرنا و ليس معي إلا عائلة عبد الله يحملون معي
النعش و يسيرون وراءه , بقية البلدة كانوا ينظرون إلى من بعيد و أرى في
أعينهم وعلى وجهوهم الحزن والدمع وأرى إشارات , بل بعضهم تجرأ و أشار
لي إشارة لم أفهمها , و آخر يشير لي من طرف خفي بشيء لا أدريه ,
هؤلاء الجبناء , حتى في هذا الموقف الذي أنا فيه ليس لديهم الجرأة على شيء .
من يريد أن يقول لي شيئا فليقله أو ليخرس إلى الأبد .
شد عبدالله على يدي و قال لي و هو يبكي : عظَّم الله أجرك , لقد كان أبيك
عظيما و رجلا ليس مثله , جعل الله فيك عوضا لنا عنه .
: بارك الله فيك .
جلست ساعة بجانب القبر أقرأ في مصحفي و أبتهل إلى الله أن يرحم أبي .
وجاء عبد الله وكان يجلس على مقربة مني ,
: هيا بنا يا حميد , سآخذك لداري .
: بارك الله فيك يا أخي , شكرا لك و لكن اسمح لي أن أذهب لبيتنا .
: طيب و لكن سآتي معك , لن أتركك اليوم .
* * * * * * *
جاءنا طعام الغداء من منزله , تناولت لقيمات على كره مني و بعد قسم عبد الله أن آكل
: نم قليلا فأنت تبدو مرهقا جدا .
: صحيح , أنا مرهق جدا , اسمح لي أن أنام قليلا , البيت بيتك .
تعليق