مهداة إليها أنا لم أحب سواها و لن أحب سواها و أنا لا أكتب إلا لها .
ملاحم البحر
تهب النوارس نادرة هذا الصباح , و الموج يتطاير رذاذا على وجهي , كم أتمنى أن أقفز في البحر وأسبح إلى حضن زوجتي , كم أشتاق إليها , لكن هذه القضبان الخشبية اللعينة تقيدني
لست أدري لم أنا محبوس هنا و ما الذي جاء بي ؟
: يا ناس اعفوا عني يجزيكم الله خيرا .
إن الله يجزي المحسنين خيرا و قد جاهدت حياتي كلها أن أفعل الخير مقدار ما أستطيع , ربما لم يستجب الله مني إحساني , و لكن إرادة الخير في نفسي لا تزال واقفة على قدميها .
: يا ناس ألقوني في البحر رحمة بي .
الرحمة هي الحب , فمن لم يعرف الحب قلبه فلا رحمة به , إن الرحمة من الإيمان , قد أكون مبالغا في الرحمة حتى أنني صرت أعد الرحمة في نفسي ضعفا لكن القسوة التي عرفتها علمتني أن أقيس أفعالي على مقدار ما أحب أن يُقابلني به غيري من رحمة .
قال لي أحدهم : أنت تريد أن يعاملك الناس بطريقة خاصة مفادها الرحمة والتعاطف , لكن هذا تعاملك به أمك , أما هنا فلن يعاملك أحد برحمة أو تعاطف .
يا ألـــــــــــــــــــــــــــــــــلــــــــــــــــــــه
ما أغلظ هذه القلوب و ما أسمك جدرانها . إن الدين هو المعاملة و الرحمة و التعاطف هما أسمى آيات الدين و لكن ... . . . .
: يا ناس اقتلوني بدلا من حبسي هذا .
* * * * * *
الموج يصخب جدا وملابسي ابتلت و أحس برعدة شديدة , النوارس أصبحت نادرة أو غير موجودة لم أعد أسمعها .
: يا رب خلصني من هذا العذاب , إن عذابي يا سيدي طال جدا , إنني معذب بنفسي فلك الحمد , فخلصني من عذاب هؤلاء القوم .
إن هبوب الريح يسبق دائما رحمة ربما تكون هذه عاصفة الرحمة .
أسمعهم يتراكضون و يصطرخون في كل ركن .
ضربات الموج تحرك قفصي هذا من شدتها .
: يا ألــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــه نجنى من هذا الكرب العظيم .
المركب جنت إلى أين تتجه ,
: اقفزوااااااااا
: افقزوووووووووووووووووووووووووووووا بسرعة
: اقفزووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووا
: ماذا يجري إلى أين تقفزون ؟
المركب تترنح كشارب خمر سكر لا يدري من حوله شيئا .
الموج مستعر جدا وقفصي كأنما ربطه أحدهم حتى لا يطير
الموج يضطرب والمركب الملعونة هذه فوقه كأنها بالونة .
الموج يضرب قفصي بشدة , أمسك بخشباته لئلا يتركني , لم يعد معي أحد أيها القفص غيرك , لا تتركني الآن .
يا ألــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
طار القفص أين ذهب , المركب ترقص باليها مائيا صاخبا , و أنا لا أتمالك نفسي من السقوط كل لحظة ,
تسبثت بخشبة ناتئة بأرضية المركب ,
الموج يطير بها أحس بها مندفعة جدا , و تسقط كأن الموج صبي جن جنونه يضرب لعبته بالأرض بعنف يريد يحطمها .
يا رب نجدتك , غوثك يا غوثااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه .
المركب لا تزال تتقافز في جنون على الموج
يا ألــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
آااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه
* * * * * * *
: أين أنا ؟!
: يا ناااااااااااااااااااس , يا بحارة هذه المركب الملعونة أين أنتم ؟
الموج صوته بعيد , و النوارس تملأ الدنيا بزقزقته , و أيضا , أصوات منذ عهد بعيد لم أسمعها , عصافير , يبدو أني قريب من البر .
أسمع ضجيجَ مدينة قريباً جدا
: يا نااااااااااااااااااااااااس هل من أحد يساعدني فكوا أسرى . الله يكرمكم
: هل من أحد هنا ؟
لا يبدو أن هنا أحداً حتى و لو جثة , لا أثر لهم , كأن الموج غسل المركب منهم ,
ماذا أفعل الآن , هيئ لي من أمري رشدا يا ربي .
غوثك يا غوثاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه
* * * * * * *
كان بوسيدون يضرب سفينة أوديسيوس و يغرق بحارته واحدا واحدا .
لا أحد يدري ماذا كان يريد , هل كان يريد قتله , لقد قتل كل البحارة .
بقى هو وحيدا على سطحها يصرخ في العاصفة ماذا تريد مني و حين أيقن أنه كان سببا في لعنة هذه المركب المسكينة قفر في البحر فلفظه البحر على شاطئ و نجا .
* * * * * * *
ساهم نبي الله يونس في مضاربة السفينة فوقع عليه الاختيار ليلقى في البحر ساهم كل مرة و كل مرة يقع عليه الاختيار ليلقى في البحر , و ألقوه في البحر , و نادى و هو في ظلمات بطن الحوت أن لا إله إلا أنت سبحانك , إني كنت من الظالمين .
: يا رب لا إله إلا أنت سبحانك , إني كنت من الظالمين , الغوث يا غوثااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه
* * * * * * *
انتظاري هنا معناه هلاكي أنا لا أجيد السباحة حقا لكن الله على كل شيء قدير .
هل يعد قفزي هذا بخعا لنفسي . . . .
لا لا
لا أظن هذا إنني أحاول أن أنقذ نفسي , يا رب هيئ لي من أمري رشدا .
سأقفز , إنني متعب جدا و جائع , و مشتاق جدا إلى أهلي .
لكن . . . .
سأقفز .
لأفكر قليلا .. . . . .
التفكير مضيعة للوقت , يا رب ساعدني لأختار .
لأين سأتجه ,
يمنيا
شمالا
هنا
لا. , هنا
أقرب اتجاه إلى ضوضاء المدينة
حاذر أن تصطدم بشيء .
هذا هو الحاجز , يا ألله , ساعدني .
سأقفز .
بسم الله على الله توكلت .
* * * * * * *
: ما هذا ؟ ! !؟
: ما هذا ؟ ! !؟
: آاااااااااااه
تحسست رأسي ,
: هل أنت بخير يا ابني ؟ ! !
بوهن : الحمد لله , أين أنا ؟
: أنت في الشط
: من أنت ؟
: أنا تايه غريب
: ياااااااااااااااااااااه يا ألــــــــــــــلـــــــــــــــــــــــه
: أين كنت يا ابني , أهلك تعبوا من البحث عنك , و زوجتك مرضت حزنا عليك .
: هات يدك يا ابني , سأوصلك .