تبدأ هذه القصة ـ التي كان لها اثر عميق وعظيم في تاريخ البشرية ـ في اسطنبول عاصمة الامبراطورية العثمانية ، في اوائل القرن الثامن عشر … كان في العاصمة التركية سيدتان مسنتان تمارسان تحصين الناس ضد مرض الجدري ، عن طريق اعطاء الاصحاء المرض بشكل خفيف ، وذلك باحداث جرح بسيط في ذراع الشخص الذي يراد اعطاؤه المرض ، ثم وضع كمية من القيح المأخوذ من بثور المرضى عندما تتقيح هذه البثور ، كانت هاتان الامراتان تتصرفان على ضوء خبرة قديمة في بلاد الشرق ، وهي ان الشخص الذي يصاب بهذا المرض مرة ، لن يصاب به مرة اخرى .
وفي العاصمة التركية ، سمعت سيدة انكليزية في يوم من الايام بما تفعله هاتان السيدتان التركيتان ، كانت هذه السيدة الانكليزية هي الليدي ماري مونتاجيو ، زوجة السفير الانكليزي في عاصمة العثمانيين ، وقد ذهبت الليدي مونتاجيو الى منزل هاتين السيدتين واطلعت على عملهما ، واعجبتها نتائج هذا العمل ، ثم تعلمت منهما طريقته ايضا .
وعندما عادت الى انكلترا عام 1718 م ، كانت متحمسة جدا لهذه الطريقة للوقاية من الجدري ـ الذي كان ايامها مرضا خطيرا فتاكا ومنتشرا ـ وبلغ من اعجابها بما تعلمته من السيدتين المسنتين اللتين قابلتهما في اسطنبول ، ان اقدمت على تطعيم ابنها في عام 1721 م بالقيح الماخوذ من بثور مريض بالجدري امام اطباء القصر الملكي ، وحدثت ضجة كبيرة في اكلترا وقتها ، ولكن هذه الضجة سرعان ما خمدت .
ومرت على ذلك الحادث خمسون عاما قبل ان يبدأ الفصل الثاني من قصة اكتشاف لقاح الجدري … كان ذلك في عام 1770 م ، وبينما كان طالب الطب الشاب جنر يدرس الطب في بلدة صغيرة اسمها بركلي ، عندما جاءته يوما فتاة من الريف تستشيره في امر من امور الطب .. وسالها السؤال التقليدي الذي يساله كل طبيب لمريضه : هل سبق لك ان اصبت بمرض ما ؟ .. فاجابته الفتاة الريفية : نعم ، لقد مرضت بجدري البقر ، وهذا من حسن حظي ، لانه يقيني من الاصابة بجدري الانسان .
ووقف جنر عند هذه الجملة طويلا : لانه يقيني من الاصابة بجدري الانسان ..!!
كان وقت تدريبه في احد مستشفيات لندن قد حان ، ليستطيع بعدها ان يستقل بعمله كطبيب مجاز ، وعندما ذهب الى لندن وتدرب على يد الجراح المشهور جون هنتر ، افضى اليه يوما بما يتردد في ذهنه من ان الاصابة بجدري البقر تقي الانسان من الاصابة بجدري الانسان ، وانه ربما كانت هناك علاقة بين هذين المرضين ، ولكن الجراح الكبير لم يلق له بالا ، ولم يناقش ما سمع .
ولكن جنر لم ينس الامر ، والى جانب تدريبه الاكاديمي في المستشفى ، راح يبحث كل ما له علاقة بجدري الانسان وجدري البقر ، وتعمق في دراسة جدري البقر ، وتبين له ان هذا الجدري نوعان ، وان احد هذين النوعين يشبه جدري الانسان كثيرا .
استمرت ابحاث جنر ودراسته سنين طويلة بعد تخرجه طبيبا ، واخيرا ، وفي يوم 14 مايس عام 1796 ، اقدم جنر على تجربة تاريخية عندما لقح صبيا عمره ثمانية سنوات ـ جرحه في ذراعه جرحين ـ بقيح جدري البقر الذي وضعه على هذين الجرحين .
ولم يحدث للولد شئ في الايام الاولى ، ثم بدأ الجلد ـ في مكان التلقيح ـ يحمر ويتورم ، ثم تقيح بعد ذلك ، ثم بدأ الولد يعاني من حمى وصداع ، وظهرت عليه كل اعراض المرض ، ثم ما لبث ان تعافى من كل شئ .
وبعد شهرين ، وفي شهر تموز ، اكمل جنر المرحلة الثانية من هذه التجربة الكبيرة ، عندما اقدم على تلقيح هذا الصبي بقيح ماخوذ من مرضى الجدري ـ الجدري البشري ـ انفسهم ، مفترضا ان هذا الصبي لن يصاب بالجدري البشري ، بعد ان كان قد اصيب بجدري البقر .
كان ذلك اليوم وتلك الليلة من اخطر الايام في حياة جنر وحياة البشرية ، كان يتفحص الصبي كل هنيهة وقد استبد به القلق على الصبي وعلى مصير فكرته معا ، وتمر الساعات .. ولاشئ يحدث للصبي ، وتمر ايام واسابيع والصبي سليم معافى ، اذن لقد حمته اصابته السابقة بجدري البقر من الاصابة بجدري البشر ، تماما كما قالت تلك الفتاة الريفية لجنر قبل ستة وعشرين عاما ..
نجحت التجربة الكبرى ..
وكتب جنر رسالة مفصلة عن كل هذا الانجاز الذي حققه ، ومراحله ، وتصوراته عن تطويع هذا الانجاز لخدمة البشرية ، ولكن الوسط الطبي في بريطانيا استقبل تلك الرسالة ببرود ، بينما قال عدد من رجال الدين ان هذا التصرف هو ضد الارادة الالهية والسنن الطبيعية التي سنها الله للبشر .
ويقوم طبيبان عالمان ، لهما مكانة كبيرة في لندن باعادة التجربة مرة اخرى ، وتنجح هذه التجربة ، ويعلن هذان الطبيبان نجاحهما ، وتخفت الضجة ضد جنر شيئا فشيئا .
واخيرا اعترف العالم الطبي انذاك بجهود جنر وصحة افكاره ، ويعمم استخدام لقاح الجدري على الناس تمهيدا للقضاء على هذا المرض الوبيل الفتاك .
وفي العاصمة التركية ، سمعت سيدة انكليزية في يوم من الايام بما تفعله هاتان السيدتان التركيتان ، كانت هذه السيدة الانكليزية هي الليدي ماري مونتاجيو ، زوجة السفير الانكليزي في عاصمة العثمانيين ، وقد ذهبت الليدي مونتاجيو الى منزل هاتين السيدتين واطلعت على عملهما ، واعجبتها نتائج هذا العمل ، ثم تعلمت منهما طريقته ايضا .
وعندما عادت الى انكلترا عام 1718 م ، كانت متحمسة جدا لهذه الطريقة للوقاية من الجدري ـ الذي كان ايامها مرضا خطيرا فتاكا ومنتشرا ـ وبلغ من اعجابها بما تعلمته من السيدتين المسنتين اللتين قابلتهما في اسطنبول ، ان اقدمت على تطعيم ابنها في عام 1721 م بالقيح الماخوذ من بثور مريض بالجدري امام اطباء القصر الملكي ، وحدثت ضجة كبيرة في اكلترا وقتها ، ولكن هذه الضجة سرعان ما خمدت .
ومرت على ذلك الحادث خمسون عاما قبل ان يبدأ الفصل الثاني من قصة اكتشاف لقاح الجدري … كان ذلك في عام 1770 م ، وبينما كان طالب الطب الشاب جنر يدرس الطب في بلدة صغيرة اسمها بركلي ، عندما جاءته يوما فتاة من الريف تستشيره في امر من امور الطب .. وسالها السؤال التقليدي الذي يساله كل طبيب لمريضه : هل سبق لك ان اصبت بمرض ما ؟ .. فاجابته الفتاة الريفية : نعم ، لقد مرضت بجدري البقر ، وهذا من حسن حظي ، لانه يقيني من الاصابة بجدري الانسان .
ووقف جنر عند هذه الجملة طويلا : لانه يقيني من الاصابة بجدري الانسان ..!!
كان وقت تدريبه في احد مستشفيات لندن قد حان ، ليستطيع بعدها ان يستقل بعمله كطبيب مجاز ، وعندما ذهب الى لندن وتدرب على يد الجراح المشهور جون هنتر ، افضى اليه يوما بما يتردد في ذهنه من ان الاصابة بجدري البقر تقي الانسان من الاصابة بجدري الانسان ، وانه ربما كانت هناك علاقة بين هذين المرضين ، ولكن الجراح الكبير لم يلق له بالا ، ولم يناقش ما سمع .
ولكن جنر لم ينس الامر ، والى جانب تدريبه الاكاديمي في المستشفى ، راح يبحث كل ما له علاقة بجدري الانسان وجدري البقر ، وتعمق في دراسة جدري البقر ، وتبين له ان هذا الجدري نوعان ، وان احد هذين النوعين يشبه جدري الانسان كثيرا .
استمرت ابحاث جنر ودراسته سنين طويلة بعد تخرجه طبيبا ، واخيرا ، وفي يوم 14 مايس عام 1796 ، اقدم جنر على تجربة تاريخية عندما لقح صبيا عمره ثمانية سنوات ـ جرحه في ذراعه جرحين ـ بقيح جدري البقر الذي وضعه على هذين الجرحين .
ولم يحدث للولد شئ في الايام الاولى ، ثم بدأ الجلد ـ في مكان التلقيح ـ يحمر ويتورم ، ثم تقيح بعد ذلك ، ثم بدأ الولد يعاني من حمى وصداع ، وظهرت عليه كل اعراض المرض ، ثم ما لبث ان تعافى من كل شئ .
وبعد شهرين ، وفي شهر تموز ، اكمل جنر المرحلة الثانية من هذه التجربة الكبيرة ، عندما اقدم على تلقيح هذا الصبي بقيح ماخوذ من مرضى الجدري ـ الجدري البشري ـ انفسهم ، مفترضا ان هذا الصبي لن يصاب بالجدري البشري ، بعد ان كان قد اصيب بجدري البقر .
كان ذلك اليوم وتلك الليلة من اخطر الايام في حياة جنر وحياة البشرية ، كان يتفحص الصبي كل هنيهة وقد استبد به القلق على الصبي وعلى مصير فكرته معا ، وتمر الساعات .. ولاشئ يحدث للصبي ، وتمر ايام واسابيع والصبي سليم معافى ، اذن لقد حمته اصابته السابقة بجدري البقر من الاصابة بجدري البشر ، تماما كما قالت تلك الفتاة الريفية لجنر قبل ستة وعشرين عاما ..
نجحت التجربة الكبرى ..
وكتب جنر رسالة مفصلة عن كل هذا الانجاز الذي حققه ، ومراحله ، وتصوراته عن تطويع هذا الانجاز لخدمة البشرية ، ولكن الوسط الطبي في بريطانيا استقبل تلك الرسالة ببرود ، بينما قال عدد من رجال الدين ان هذا التصرف هو ضد الارادة الالهية والسنن الطبيعية التي سنها الله للبشر .
ويقوم طبيبان عالمان ، لهما مكانة كبيرة في لندن باعادة التجربة مرة اخرى ، وتنجح هذه التجربة ، ويعلن هذان الطبيبان نجاحهما ، وتخفت الضجة ضد جنر شيئا فشيئا .
واخيرا اعترف العالم الطبي انذاك بجهود جنر وصحة افكاره ، ويعمم استخدام لقاح الجدري على الناس تمهيدا للقضاء على هذا المرض الوبيل الفتاك .
تعليق