تويت
إخواننا .. مرآة الأمة
الكتاب والشعراء والأدباء والاعلاميون والفنانون والمسرحيون والسينمائيون والمغنون والموسيقيون والرسامون والتشكيليون وغيرهم ممن داروا في فلك الفن ، ونسيت ذكرهم أو جهلت تخصصهم ، : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم يا مرآة أمتنا وصانعيها ، وأحب قبل أن أبدأ مقالي أن أؤكد أنني لا أبالغ ولا أجامل ، فأنتم مرآة أمتنا وصانعوها ... ليس في ذلك شك ... أدرك ذلك من أدرك ،
وتغافل عن ذلك من تغافل ، فالأطباء رغم جلال وظيفتهم والمهندسون رغم ضخامة مصانعهم بل حتى النوبليين ( من فازوا بجائزة نوبل ) رغم تفرد مواهبهم
ليس لهم ما لحضارتكم من أثر ، والسبب أنكم تشكلون نفسية وعقلية الأمة ،
وهم لا يعلمون أن العنصر البشري هو العنصر الأول والأهم والأكثر فاعلية في أي تقدم أو تخلف ، فمصائر الأمم مرتبطة ارتباطا لا ينفك بهذا العنصر وبصياغته ،
فكلما كانت صياغته إيجابية ارتقت الأمة ( أي أمة ) ، وكلما ساءت صياغته هوت الأمة ( أي أمة ) ...
إنها معادلة ثابتة لا تتغير بمرور الزمن واختلاف الظروف حتى أنها لتكاد تكون سنة كونية .. قال تعالى : ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ) .. الأنفال : 53 ، والله تعالى فطر الناس ، كل الناس على حب أوطانهم وأهليهم ، وجعل هذا الحب دافعا إلى إرادة الخير والبذل الايجابي لهذه الأوطان بما فيها ومن فيها ، ونحن لا نختلف عن غيرنا في ذلك ، بل لعلنا أو من المفروض أن نكون من أشد الناس حبا للأوطان ، ومن أكثرهم ولاء وانتماء لها ولأهليها ، لأن العلاقة التي تربطنا بهذه الأوطان وبأهليها علاقة ايمانية منشؤها الايمان بالله ، تعالى ، فالأرض أرض الله التي استخلفنا في أعمارها ...
قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة ) الحجرات :10 ، ومما لا شك فيه أن الله تعالى
جعل فينا جميعا فطرة مشتركة واحدة نستطيع بها أن نرى الحسن حسنا ، وأن نرى القبيح قبيحا ، وألا نختلف في ذلك اختلافا كبيرا ، قال تعالى : ( فطرة الله التي فطر
الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ..
الروم : 30 ، ومن أمثلة هذا الذي لا نختلف على سوئه السب والاستهزاء والغواء
والحط من الكرامة الانسانية والتعري ، وبيع الأعراض والدياثة والتشجيع على الرذيلة بل الرذيلة نفسها ، هل يختلف معي مسلم أو مسلمة في سوء ما ذكرت ، هل يختلف معي فنان أو فنانة أو أديب أو أديبة في أن عدم التركيز على المرأة الانسانة إلا كأنثى مغرية ومغوية نوع من أنواع حط الكرامة الانسانية لها ؟ هل يختلف معي فنان أو فنانة أو أديب أو أديبة في أن عدم التركيز إلا على قصص الحب الحالمة بمآسيها وأفراحها في أكثر من 90 بالمئة من النتاج الأدبي والفني لأمتنا نوع من أنواع التغييب الذي لا تحتمله أمتنا ؟ هل يختلف معي فنان أو فنانة أو أديب أو أديبة في أن التقليد الأعمى لثقافة الغير نوع من أنواع الإمعية وضياع الشخصية والهوية ؟
هل يختلف معي فنان أو فنانة أو أديب أو أديبة في أن الوقوع في أسر التبجيل والتفخيم والاندهاش بكل ما ياتينا من الغرب نوع من أنواع الهزيمة النفسية وفقدان الثقة بالذات ؟ أعتقد أن كلنا في قرارة أنفسنا لا نختلف في ذلك ! واعتقد أن كل ما ذكرت ليس ايجابيا ، و أنه لا يصوغ الانسان صياغة تنهض بها أوطاننا
أو ترقى ، ثم إن هناك بعدا آخر للموضوع ، يتركز حول النظرة للذات والاحساس
بالقيمة ، فالواحد منا – فطرة – يشعر بالقيمة الذاتية والرضا الداخلي إذا ما قدم شيئا جديدا أو جيدا ، ولكن ما معنى أن يولد انسان ، فنانا كان أو غيره ، ويعيش في أسر غيره ، يزعق بما يزعق به غيره ، ويبكي على ما يبكي عليه غيره ، ويفرح بما يفرح به غيره ، ويطمح إلى ما يطمح إليه غيره ، ويسعى إلى ما يسعى إليه غيره ، أين هو ؟ أين استقلاليته النفسية ؟ أين استقلاليته الذهنية ؟ أين طموحه هو ؟ أين فكره هو ؟ أين مبدؤه هو ؟ إن الذي يفعل ذلك ، فنانا كان أو غيره ، عليه أن يواجه نفسه ، وأن يعيد تفكيره في طريقة تعامله مع فنه ...
إننا نريد أن يحمل إبداعنا سمات حضارتنا ، ، ويظهر شخصيتنا ، إننا نريد ابداعا
يعمق ثقتنا بأنفسنا ... إبداعا يزيد همتنا ... ويدفعنا إلى العمل ، إبداعا يحل مشكلاتنا
ويفجر طاقاتنا ، إبداعا يفرض احترامنا بين الأمم ... إبداعا يجعل الوطن في القلب والعقل والروح ... إبداعا يدعو إلى مكارم الأخلاق ، إبداعا يبلغ الاسلام بنقائه إلى الجميع ، إبداعا يرسم البسمة على الأفواه ... ويروح عن القلوب ، ويدفع عن النفس السأم والملل ، إبداعا حلالا لا حرام فيه ، إبداعا حقيقيا وليس تقليدا مصطنعا ، إننا نريد إبداعا بالشكل الذي ذكرناه في المسرح ، والسينما ، والأغنية ، والإعلام ، والشعر والأدب والرواية ، وغير ذلك من المجالات ،فكل مجال من هذه المجالات
وسيلة دعوية ، والوسائل تكتسب أو تفقد مشروعيتها بما فيها من أثر وغاية ....
فالشعر قد يكون وسيلة للانتصار في معركة كما كان في أكثر من موقف من المواقف
الفاصلة ، فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( إن من الشعر لحكمة ) متفق عليه ، وقال – صلى الله عليه وسلم - : ( إن من البيان لسحرا ) رواه البخاري وغيره ، وقال – عليه الصلاة والسلام - : ( إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة ) رواه أحمد و أبو داود ، كما قد يكون الشعر كلاما فارغا حراما يذم فاعله كما جاء في القرآن الكريم حيث قال تعالى : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات
وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) الشعراء : 224 – 227
وما ينطبق على الشعر ينطبق على الفيلم ، وعلى المسرحية ، وعلى الأغنية ، وعلى الموشح ، وعلى الموال ، وعلى غير ذلك من ألوان الفن ، إننا نريد من ينهض بنا ويعبر عنا ، وهذا ما نأمله من صانعي الأمة ومشكلي نفسيتها وعقليتها
إننا نأمل ذلك من الفنانين الحاليين ، ومن غيرهم ممن لم تتح الفرصة للجماهير
لكي تتعرف عليهم ، نأمل ذلك من شباب الفنانين في كل معهد أو هيئة فنية ، نأمل
ذلك ممن اعتزل الفن وتاب عن حرامه ، إن أمتنا تحتاج إلى كل يد تمتد إليها بما تستطيع من بذل وجهد لعلها تكون سببا في وحدتها والنهوض بها من سقطتها التي طال زمانها ...
وفي النهاية أختم بقول الله تعالى : ( فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) غافر : 44
اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ....
مقالة نشرت في مجلة( المرأة اليوم ) بتاريخ 15 يناير 2005
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 
تعليق