بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبت في ما مضى كلاما عن خيال الإنسان أو قل عن إيقاض الحس للتفكر وإطلاق عنان التدبر في الأشياء
من حولنا .. ولما وقفت اليوم أمام تلك العبارات .. قرأتها لأول مرة .. فكنت مستغربا من بعض الأفكار والتصاوير .. وكأني أقرء إنتاج غيري !! و رأيت أن تشاركوني في قرئتها .. فإليكموها :
إن الغمضة تحجب ملايين السنين الضوئية .. إنها تحجب الزمان والمكان !! .. إن الزمان لم يقم أساسا إلا على حركة المكان .. فالشمس مكان , والقمر مكان , و في تعاقبهاما بهذه الدقة المتناهية يحدث الليل والنهار , وبناء على هذا الليل والنهار نضبط ساعاتنا التي حول أيدينا ...
كثيرا ما يغيب عن أذهاننا في ظل هذه الضوضاء البصرية , والضوضاء السمعية أشياء وأشياء لو تفكرنا فيها لانقلعت قلوبنا من مكانها .. !! نحن نعرف بعض آلات قياس الزمن , كالساعة التي نزين بها الحائط أو تلك التي نضعها على أيدينا أو التي نراها في المطار او تلك التي تظهر على شاشات الحاسب .. لكن هذه الآلات لا يوجد فيها سوى ثلاث خانات : أحدها للساعات والآخر للدقائق والأخير للثواني , وقد يوجد آلات تحسب الأيام والشهور السنين !! , لكن هل يوجد ساعة تخبرنا بالزمن كله من ابتداء الخلق إلى العصر الذي نعيش فيه الآن ؟؟ ... لا .
إننا نعرف " الثانية " وهي أقل وحدة قياس للزمن في نظر الكثير من الناس , حتى إننا نضرب بها المثل في السرعة .. فنقول : فلان اتى في ثانية ! , ولكن هل دار بخلدك يوما أن هذه الثانية مجزءة إلى أجزاء كثيرة جدا لا نستطيع حصرها عددا ! فهناك الجزء من عشرة أجزاء من الثانية , وهناك الجزء من مائة , والجزء من ألف جزء من الثانية ... الخ , هل يمكن أن نتخيل هذا الجزء من المليون جزء من الثانية !!
لكي نتخيل هذا الجزء من الثانية قد نحتاج إلى عدة ثوان بل إلى دقائق بل إلى ساعات وأيام وسنين !!
ماذا يمكن أن نصنع في ثانية واحدة ؟ وكم كلمة نستطيع أن نتكلم بها في ثانية واحدة ؟ وكم خطوة نستطيع أن نمشيها في هذه الثانية ؟ .. وكم كلمة نستطيع قولها في جزء من ألف جزء من الثانية ! , وكم خطوة نستطيع أن نيسرها في جزء من مائة الف جزء من الثانية !!
هل نستطيع تخيل تلك القطع الصغيرة من الزمن ؟؟ وماذا يمكن ان يحدث فيها ؟
إن الذي خلقها أعلم بها سبحانه وقد اكتشف علماء الفلك أن الأرض والقمر والمجموعة الشمسية بل ومجرة درب التبانة التي نحن فيها تسير في الثانية الواحدة خمسمائة ميل !!!
هل نستطيع الآن معرفة ماذا يمكن أن يحدث في الجزء الصغير من الثانية !!
إن هذا الخيال وهذه القوة التي يصدرها عقل الانسان لمحاولة فهم ما حولة عجيبة هي الأخرى .. نستطيع تخيل شجرة بساق من ذهب وأوراق من المرجان تنبت في أرض حشيشها ا لزعفران هل تستطيعون تخيل أنهار من لبن !! أنهار من خمر !! ... نستطيع أيضا أن نتخيل مجموعة أسنان في فك انسان كل واحد منها بحجم الجبل ونستطيع أيضا أن نتخيل حجم ذلك الفم بل والراس الذي يحملها .. ألا ما أضخمة فكيف بحجم ذلك الرجل !! .. يااه شكله مخيف جدا .. وكبير جدا .. ليذوق العذاب .. فالمجرمون في نارجهنم تكبر أجسامهم فيها .. أعاذنا الله وإياكم منها .. آمين .
إننا نستطيع أن نتخيل خيام من الؤلؤ وقصور من الذهب والفضة .. إنها منازل المؤمنين في الجنة جعلنا الله وإياكم من أهلها .. آمين .
إننا نستطيع أن نتخيل هذا وهذا لكننا لن نصل إلى حقيقة الأمر .. ذلك لأن الحقيقة أغرب من الخيال ...
مع قوة الخيال هذه نحس أحيانا بالحزن .. نعم نحزن عندما نتضايق .. نحزن عندما يؤذينا أحد .. نحس بألم يعصر أكبادنا .. نحس بأنين يدور بين أضلاعنا نريد أن نفجر الآه .. نريدها أن تخرج من ضمائرنا .. نريدها أن تبتعد عنا .. نريد أن نطردها .. ولكنها عندما تخرج فإنها تخرج وحدها ويبقى صداها يضطرب بداخلنا .. إن الحزن شعور من بين المشاعر وإحساس من الأحاسيس المموجودة في بنائنا .. إنه يحملنا على طأطأة الرأس وعكف الشفاة .. حزن ٌ يفعل أفعاله بنا .. ومع هذا فالإنسان يغمض عينية فلا يحتجب هذا الحزن .. ومع أن الإنسان يغلق على نفسه الباب ثم يطفئ السراج وينطرح في فراشة ويتغطى بلحافه ويغمض عينيه , إلا أن الحزن مع هذا يصاحبه إلى داره وتحت لحافه وتحت جفونه !! فمن الذي دله على الطريق وكيف تغلغل إلى هذا المكان وكيف وصل إلى قلب ذلك الإنسان .!! ؟؟
كانت الغمضة تحجب السماء فما بالها لا تحجب ما بداخلنا !! .. لا أدري ربما لأنها ليست لهذا الغرض فهي في بنائنا نستخدمها لحجب الآخرين ,, وربما لو استخدمنا الآخرين نستطيع أن نحجب ما بداخلنا !!
لا شك ان الحزن سيرحل .. نعم سيرحل مع دوران عقارب الساعة وسيرحل في كل لحضة من لحضاتنا جزء منه .. سيرحل الحزن عنا كما ترحل النجوم في الليل عن الأفق .. سيرحل تاركا وراءه ذكرى .. ذكرى .. ذكرى لقصة .. لأنسان .. لحدث .. لموقف .. لأرض .. لوطن .. سيرحل الحزن تاركا خلفه إنسان مليئ بالإنسان !!
سيرحل هذا الحزن تاركا وراءه انسان ينبض بالمشاعر المتباينة .. ستنهال عليه مشاعر الفرح مرات ومرات .. فرح بنجاح وفرح بمال وفرح بأولاد وفرح بعلم وفرح مباح وفرح غير مباح .. إن الإنسان لفرح فخور !! يفرح إذا قيل له أنت مبدع وهو ليس مبدع .. يفرح إذا قيل له يا سيد .. يا سعادة الدكتور .. يفرح عندما يشار إليه بالبنان .. يفرح إذا تناقلت الصحف ووكالات الأنباء أخباره .. يفرح عندما يكون حديث المجالس ..
إن الأنسان يفرح .. فما الفرح .. ومن أين يأتي .. وكيف يأتي ولماذا يأتي .. ولكنه على أية حال
سيرحل كما رحل غيره تاركا وراءه إنسان مليئ بالإنسان .. مليئ بالفرح والحزن .. بالجهل والعلم بالشجاعو الخوف .. بالصحة والمرض .. بالحياة والموت . مليئ بالمتضادات ..
وهذا الانسان رغم صغرجمه يتكون من نفس العناصر التي تكونت منها الأرض والنجوم والمجرات ..
إنه مليئ بالملايين بل والمليارات من الخلايا المتناهية في الصغر التي لا ترى إلا بالمكبرات التي تضاعف حجمها إلى ملايين الأضعاف .. !! وهذه الأشياء الصغيرة التي يتكون منها الانسان تقوم بدورها على أتم صورة .. فمن الذي علمها ومن الذي أرشدها !! ثم بعد ذلك تموت هذه الخلايا في أجسامنا وتحيا غيرها !!
إن هذا الموت والحياة حرية بالتفكر وجديرة بالتأمل .. فخلايا تموت وأخرى تولد وأناس تموت وأناس تولد ونجوم تموت وأخرى تولد .. وخلق يولد وخلق يموت .. فالذي خلق الحياة هو الذي جعل الموت غاية كل مخلوق .. وكل ما سوى الله مخلوق .. والأعجب أننا نهرب من الموت ونريد الحياة السرمدية الأبدية !!
نريدها في الدنيا !! نريد أن لا نموت .. نحب الحياة .. وكل مخلوق يحب الحياة .. النملة الصغيرة تحب الحياة وتهرب من الموت وتخشاه .. والحوت في البحر يهرب من الموت ويحاول الفرار من خطره .. الجنود في الحروب يريدون البقاء .. الثعبان .. والفراشة .. والزرافة ... الكل يريد أن يعيش
.. حب البقاء سر عجيب .. كل شئ يهرب من الموت .. ولكن هل ينفعنا ذلك الهرب :
يهربُ المرءُ من الموت ِ وهل ... ينفعُ المرءَ من الموت ِ الهرب
كلُ نـــــفس ٍ ستقاســــي مرة ً ... كُـرَبَ الموت ِ فللموت ِ كُــــرب
أيها الناسُ ما حلَ بـــــــــكم ؟ ... عجــــبا من سهوكم كل العجب !
أســــــقامٌ ثم مـــــوت ٌ نــازل ٌ ... ثم قبـــر ٌ ونــــــزولٌ وجَــــــــلَب
وحســـــابٌ وكـــــتابٌ حـــافظ ٌ ... ومــــوازيـــــن ٌ ونــار ٌ تــلتهب
وصراط ٌ من يقع عن حـــــده ِ ... فإلــى خـــزي ٍ طــويـــل ٍ ونَصَب
حـســــبي اللهُ إلــــها ً عـــادلا ً ... لا لـعــمــــرُ الله ِ مــاذا بـــلعب .
شعر أبي العتاهية
.
تعليق