أدلة جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
يا أخواني هذه الأدلة من القرآن الكريم على جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والفرح بالحبيب صلى الله عليه وسلم
لقد ورد في القرآن الكريم أدلةً كثيرة تحض على الاحتفاء والابتهاج بسيد الأكوان صلى الله عليه وسلم، إما تصريحاً وإما تلويحاً، وأقتصر في هذا المختصر على بعض الأدلة التصريحية وهي على النحو الآتي:
الدليل الأول: قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا [يونس 58].
فالله عَزَّ وجَّل طلب منا أن نفرح بالرحمة، والنبيُّّ صلى الله عليه وسلم رحمة، وقد قال تعالى: وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء 107].
وفي الدر المنثور للحافظ السيوطي (4/367) أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: فضل الله العلمُ، ورحمتُهُ النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .اهـ.
وذكر الرحمة في الآية بعد الفضل تخصيص بعد العموم المذكور وهو يدل على شدة الاهتمام، وإن مجيء اسم الإشارة »ذلك« لأكبرُ الأدلة على الحض على الفرح والسرور لأنه إظهار في موضع الإضمار، وهو يدل على الاهتمام والعناية.
ولذلك قال الآلوسي في روح المعاني(10/141) عند قوله تعالى: فبذلك فليفرحوا: الآية للتأكيد والتقرير، وبعد أن رجح كون الرحمة المذكورة في الآية هي النبي صلى الله عليه وسلم قال: والمشهور وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة كما يرشد إليه قوله تعالى:وما أرسلناك إلا رحمة للعالمينالآية اهـ.وينظر تفسير أبي السعود (4/156)
وقال الإمام الرازي في التفسير الكبير (17/123) عند قوله تعالى: فبذلك فليفرحوا: يفيد الحصر، يعني يجب ألا يفرح الإنسان إلا بذلك.اهـ.
* * *
الدليل الثاني: قال الله تعالى: وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت به فؤادك [هود120] في الآية أهمية قصِّ أنباء الرسل لما في ذلك من تثبيت الفؤاد، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل، والمولد النبوي الشريف يشتمل على أنباء النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي ذكره تثبيت لأفئدة المؤمنين فهو حث على تكرار ذكر المولد والعناية به.
* * *
الدليل الثالث : قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما السلام: ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين [المائدة 114].
قال الشيخ إسماعيل حقي في روح البيان (2/446) عند هذه الآية: " أي يكون يوم نزولها عيداً نعظمه، وإنما أسند ذلك إلى المائدة لأن شرف اليوم مستفاد من شرفها " . اهـ.
وآية أخرى تعضد ذلك وتقويه، وهي قوله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: والسلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا [مريم:33].
هذه الآية والتي قبلها وغيرهما من آيات(1) ، حافلة بالإشارات إلى ميلاد المسيح عليه السلام، ومدحه ومزاياه التي مَنَّ الله بها عليه، وهي بمجموعها شاهدة وداعية إلى الاحتفال بهذا الحدث العظيم.
وما كان ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم بأقل شأناً من ميلاد عيسى عليه السلام، بل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم منه، لأنه صلى الله عليه وسلم أكبر نعمة، فيكون ميلاده أيضاً أكبر وأعظم.
واقرأ قوله تعالى: ولقد أرسلْنا موسى بآياتنا أن أَخْرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله [إبراهيم5]، وقوله تعالى: واتل عليهم نبأ إبراهيم [الشعراء69] والمراد هو ذكرهم وذكر ما أنعم الله به عليهم، وذكر ما جاؤوا به من الهدى والنور والتشريع والحِكم والمواعظ والمعجزات، مما يلفت القلوب والعقول إلى فضل الله على عباده، ليلتفتوا بذلك إلى حق الله عليهم، لعلهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، ويدعونه رغباً ورهباً وذلك من أنباء الرسل منذ ولادتهم إلى أن يتوفاهم الله في جميع أحوالهم، هدى للناس يثبت الله به القلوب، وينير العقول، ويسمو بالأرواح، ويصقل البصائر، ويزكي المشاعر، ويسلس قياد الأنفس الجامحة، فترد إلى طاعة الله وإلى الوله بحبه، والعكوف عليه والتمسك به، والتعلق بمراضيه، والنفرة من غضبه، وكلُّ ذلك وأكثر منه مما تفيده الذكرى والتذكير بنعم الله، والاحتفال بها، ومن ثم حسنت دعوة الناس إليها، وتوعيتهم وتحريضهم على اتباع أصحابها، ومحاكاة مُثُلها السامية، وإنما يكون تشويق النفوس إلى المقاصد السنية والغايات الشريفة والمقامات المنيفة بذكر من به تكون الأسوة الحسنة، وليس ثمة أقوى تأثيراً في الحس من ذكر سيرة من عرفه الناس وأحبوه، وانتصبت صورته بأذهانهم بمحل الإجلال والإكبار، فإذا سمعوا أخباره وتليت عليهم أنباؤه، وجليت لهم مظاهر العظمة في سيرته، ومواطن الإعجاب من أقواله وأفعاله، تطلعوا إلى الاقتداء به والمحاكاة له برغبة ملحة، وأشواق كبيرة، وكم أصاب المسلمين من الخسران المبين حينما طرحوا ذكر أمجادهم وسيرهم الحافلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والغريب أنهم طرحوا تعاطي ذكر أمجاد رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والقرآنُ الكريم يكرر ذكر سير الأكابر، ولقد عُني بــذكرهم من يوم أن كانوا أجنة في بطون الأرحام إلى أن توفاهم الله.
وأما من اعترض على تسمية المولد بـ " عيد المولد " مستدلاً بأن في الإسلام عيدين فقط: عيد الأضحى وعيد الفطر؛ فقد أخطأ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يوم عرفة، ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " .
رواه الترمذي (773)، وقال: »حديث حسن صحيح«.
وعن سيدنا عمر رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرأونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً.
قال سيدنا عمر رضي الله عنه: أي آية؟ قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.
قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم: وهو قائم بعرفة، يوم جمعة.
رواه البخاري في صحيحه (45) و (7268). وفي رواية »نزلت يوم جمعة، يوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد«. وفي رواية »وهما لنا عيدان«. (انظر فتح الباري 105/1).
وبذلك يســتدل على صحة استحباب الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم
الدليل الرابع: وفي كتاب الله عز وجل بيان لقصة ميلاد عيسى عليه سلام الله، وميلاد يحيى بن زكريا عليهما السلام، وقد نطقت آيات كثيرة بالإشارة إلى ميلاد مريم عليها السلام، وماسبق ذلك الميلاد من دعاء الأم الرؤوم، وما صحبه من تخوف واعتذار، وما صحب مولدها عليها السلام من إكرام الله لها حيث كفلها زكريا، وحيث الرزقُ المتجدد المتعدد الأنواع، وحيث يتبارى أشراف القوم فيمن يكفل مريم، واقترعوا من أجل ذلك،هذا كله في سورة آل عمران من الآية (34) إلى الآية (44)، وقد أتى ضمن هذه الآيات آياتٌ تتكلم عن نبي الله يحيى بن نبي الله زكريا عليهما السلام، محتفية به متحدثة بالإجلال والتكريم، وقد تحدثت آيات أخر في سور آل عمران والمائدة ومريم عن ميلاد عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليهما السلام.
أقول: أليس في هذا كله ما يستدل به على جواز ذكر النعمة بمولده صلى الله عليه وسلم ؟! وهو بكل تأكيد أفضل خلق الله على الإطلاق؟.
الدليل الخامس: قال تعالى: لتؤمنوا بالله ورسوله، وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا [الفتح9].
ذهب المفسرون في تفسير هذه الآية: مذهبين:
1) المذهب الأول من وحّد الضمائر.
2) المذهب الثاني من فرَّق بينها.
وخلاصة المذهب الأول أن الضمائر الواردة في الآية الكريمة إما أن تعود كلها إلى الله تعالى، أو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
وهو رأي جماعة من المفسرين نقله عنهم الإمام النووي، فمن ذهب إلى أنها تعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:
1) إنه عليه الصلاة والسلام أقرب مذكور في الآية.
2) لا يجوز التفريق بين الضمائر إلا لضرورة.
3) معنى »تسبحوه« أي تنزهوه عن النقائص وتدعوا له.
والمذهب الثاني: وهو مذهب المفرقين بين الضمائر، فقالوا: إن الضمير في »تسبحوه« يعود إلى الله تعالى، والضمير في »تعزروه وتوقروه« يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنَّ ما أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من تعظيمه وتوقيره هو موصل إلى تسبيح الله عز وجل، وهذا الأسلوب عند علماء البلاغة يسمى باللف والنشر، وهو من أساليب العرب المعروفة.
الدليل السادس: قال الله تعالى: لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [آل عمران:164].
قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى : (إن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إحسان إلى كل العالمين، ولقد شرف الله به العرب ونقلهم ببركة مقدمه صلى الله عليه وسلم من رعاة الشاء والغنم إلى رعاة الشعوب والأمم، ورفعهم من عُبّية الجاهلية إلى مقام السيادة والريادة كما قال تعالىوإنه لذكر لك ولقومك.
فقد أفردهم بالفخر على سائر الأمم وذلك لأن الافتخار بإبراهيم عليه السلام كان مشتركاً بين اليهود والنصارى والعرب ثم إن اليهود والنصارى كانوا يفتخرون بموسى وعيسى عليهما السلام وبالتوراة والإنجيل.
فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل القرآن صار شرف العرب بذلك زائداً على شرف جميع الأمم) . اهـ. بتصرف.
وإن الناظر بعين الصدق إلى هذا النص الشريف يجد أن الاحتفاء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم والابتهاج به لو لم يرد به دليل غير هذه الآية لكفى، لأن المنة لا تُكافأ بعطاء، فيعتبر شكرها والاحتفاء بها والثناء عليها خيراً عائداً على فاعله كما هو الحال في الصلاة والسلام عليه، فهو ابتهاج وتعظيم وتوقير وتعزير، لا يزيد في عمله ولا في قدره صلى الله عليه وسلم صلاة المسلمين عليه لأن صلاة الله قد كفت، حيث إنه يترقى بصلاة ربه من مقام إلى مقام في كل لحظة فتنتفع أمته بذلك.
الدليل السابع :قوله سبحانه وتعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.
وهذا دليل واضح الدلالة في توقيره وتعظيمه في كل وقت وحين لأن حبه صلى الله عليه وسلم وولاءه أصل الدين وأساسه، فكل العبادات تسوق إليه، وتطبع القلوب على حبه وهذا مقام شريف واحتفاء عزيز، وما الاحتفال بالمولد إلا تطبيع النفس على كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم رجاء أن ينطبع حبه وحب آله في القلوب ليؤسس ذلك الحب ركن الإيمان ويشيد صرح اليقين، فياله من احتفاء وابتهاج عظيم يأمر الله به ملائكته فتتشرف بهذا التكريم، ويأمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه، فياله من شرف مابعده شرف، وتكريم وتخصيص حكيم بالمؤمنين خاصة، إذ لم يناد سبحانه عباده بلفظ: يا أيها الذين أسلموا، بل ناداهم بقوله: يا أيها الذين آمنوا... لأن معرفة قدر حبيبه عزيزة المنال فأدنى مقامات معرفتها مقام الإيمان، والإسلام دون الإيمان.
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم
فالحب لايدرك إلا بالإيمان ولا يذوق حلاوة الإيمان من لم يعرف الحب إلى قلبه سبيلاً.
يا أخواني هذه الأدلة من القرآن الكريم على جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والفرح بالحبيب صلى الله عليه وسلم
لقد ورد في القرآن الكريم أدلةً كثيرة تحض على الاحتفاء والابتهاج بسيد الأكوان صلى الله عليه وسلم، إما تصريحاً وإما تلويحاً، وأقتصر في هذا المختصر على بعض الأدلة التصريحية وهي على النحو الآتي:
الدليل الأول: قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا [يونس 58].
فالله عَزَّ وجَّل طلب منا أن نفرح بالرحمة، والنبيُّّ صلى الله عليه وسلم رحمة، وقد قال تعالى: وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء 107].
وفي الدر المنثور للحافظ السيوطي (4/367) أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: فضل الله العلمُ، ورحمتُهُ النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .اهـ.
وذكر الرحمة في الآية بعد الفضل تخصيص بعد العموم المذكور وهو يدل على شدة الاهتمام، وإن مجيء اسم الإشارة »ذلك« لأكبرُ الأدلة على الحض على الفرح والسرور لأنه إظهار في موضع الإضمار، وهو يدل على الاهتمام والعناية.
ولذلك قال الآلوسي في روح المعاني(10/141) عند قوله تعالى: فبذلك فليفرحوا: الآية للتأكيد والتقرير، وبعد أن رجح كون الرحمة المذكورة في الآية هي النبي صلى الله عليه وسلم قال: والمشهور وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة كما يرشد إليه قوله تعالى:وما أرسلناك إلا رحمة للعالمينالآية اهـ.وينظر تفسير أبي السعود (4/156)
وقال الإمام الرازي في التفسير الكبير (17/123) عند قوله تعالى: فبذلك فليفرحوا: يفيد الحصر، يعني يجب ألا يفرح الإنسان إلا بذلك.اهـ.
* * *
الدليل الثاني: قال الله تعالى: وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت به فؤادك [هود120] في الآية أهمية قصِّ أنباء الرسل لما في ذلك من تثبيت الفؤاد، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل، والمولد النبوي الشريف يشتمل على أنباء النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي ذكره تثبيت لأفئدة المؤمنين فهو حث على تكرار ذكر المولد والعناية به.
* * *
الدليل الثالث : قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما السلام: ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين [المائدة 114].
قال الشيخ إسماعيل حقي في روح البيان (2/446) عند هذه الآية: " أي يكون يوم نزولها عيداً نعظمه، وإنما أسند ذلك إلى المائدة لأن شرف اليوم مستفاد من شرفها " . اهـ.
وآية أخرى تعضد ذلك وتقويه، وهي قوله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: والسلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا [مريم:33].
هذه الآية والتي قبلها وغيرهما من آيات(1) ، حافلة بالإشارات إلى ميلاد المسيح عليه السلام، ومدحه ومزاياه التي مَنَّ الله بها عليه، وهي بمجموعها شاهدة وداعية إلى الاحتفال بهذا الحدث العظيم.
وما كان ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم بأقل شأناً من ميلاد عيسى عليه السلام، بل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم منه، لأنه صلى الله عليه وسلم أكبر نعمة، فيكون ميلاده أيضاً أكبر وأعظم.
واقرأ قوله تعالى: ولقد أرسلْنا موسى بآياتنا أن أَخْرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله [إبراهيم5]، وقوله تعالى: واتل عليهم نبأ إبراهيم [الشعراء69] والمراد هو ذكرهم وذكر ما أنعم الله به عليهم، وذكر ما جاؤوا به من الهدى والنور والتشريع والحِكم والمواعظ والمعجزات، مما يلفت القلوب والعقول إلى فضل الله على عباده، ليلتفتوا بذلك إلى حق الله عليهم، لعلهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، ويدعونه رغباً ورهباً وذلك من أنباء الرسل منذ ولادتهم إلى أن يتوفاهم الله في جميع أحوالهم، هدى للناس يثبت الله به القلوب، وينير العقول، ويسمو بالأرواح، ويصقل البصائر، ويزكي المشاعر، ويسلس قياد الأنفس الجامحة، فترد إلى طاعة الله وإلى الوله بحبه، والعكوف عليه والتمسك به، والتعلق بمراضيه، والنفرة من غضبه، وكلُّ ذلك وأكثر منه مما تفيده الذكرى والتذكير بنعم الله، والاحتفال بها، ومن ثم حسنت دعوة الناس إليها، وتوعيتهم وتحريضهم على اتباع أصحابها، ومحاكاة مُثُلها السامية، وإنما يكون تشويق النفوس إلى المقاصد السنية والغايات الشريفة والمقامات المنيفة بذكر من به تكون الأسوة الحسنة، وليس ثمة أقوى تأثيراً في الحس من ذكر سيرة من عرفه الناس وأحبوه، وانتصبت صورته بأذهانهم بمحل الإجلال والإكبار، فإذا سمعوا أخباره وتليت عليهم أنباؤه، وجليت لهم مظاهر العظمة في سيرته، ومواطن الإعجاب من أقواله وأفعاله، تطلعوا إلى الاقتداء به والمحاكاة له برغبة ملحة، وأشواق كبيرة، وكم أصاب المسلمين من الخسران المبين حينما طرحوا ذكر أمجادهم وسيرهم الحافلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والغريب أنهم طرحوا تعاطي ذكر أمجاد رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والقرآنُ الكريم يكرر ذكر سير الأكابر، ولقد عُني بــذكرهم من يوم أن كانوا أجنة في بطون الأرحام إلى أن توفاهم الله.
وأما من اعترض على تسمية المولد بـ " عيد المولد " مستدلاً بأن في الإسلام عيدين فقط: عيد الأضحى وعيد الفطر؛ فقد أخطأ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يوم عرفة، ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " .
رواه الترمذي (773)، وقال: »حديث حسن صحيح«.
وعن سيدنا عمر رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرأونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً.
قال سيدنا عمر رضي الله عنه: أي آية؟ قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.
قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم: وهو قائم بعرفة، يوم جمعة.
رواه البخاري في صحيحه (45) و (7268). وفي رواية »نزلت يوم جمعة، يوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد«. وفي رواية »وهما لنا عيدان«. (انظر فتح الباري 105/1).
وبذلك يســتدل على صحة استحباب الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم
الدليل الرابع: وفي كتاب الله عز وجل بيان لقصة ميلاد عيسى عليه سلام الله، وميلاد يحيى بن زكريا عليهما السلام، وقد نطقت آيات كثيرة بالإشارة إلى ميلاد مريم عليها السلام، وماسبق ذلك الميلاد من دعاء الأم الرؤوم، وما صحبه من تخوف واعتذار، وما صحب مولدها عليها السلام من إكرام الله لها حيث كفلها زكريا، وحيث الرزقُ المتجدد المتعدد الأنواع، وحيث يتبارى أشراف القوم فيمن يكفل مريم، واقترعوا من أجل ذلك،هذا كله في سورة آل عمران من الآية (34) إلى الآية (44)، وقد أتى ضمن هذه الآيات آياتٌ تتكلم عن نبي الله يحيى بن نبي الله زكريا عليهما السلام، محتفية به متحدثة بالإجلال والتكريم، وقد تحدثت آيات أخر في سور آل عمران والمائدة ومريم عن ميلاد عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليهما السلام.
أقول: أليس في هذا كله ما يستدل به على جواز ذكر النعمة بمولده صلى الله عليه وسلم ؟! وهو بكل تأكيد أفضل خلق الله على الإطلاق؟.
الدليل الخامس: قال تعالى: لتؤمنوا بالله ورسوله، وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا [الفتح9].
ذهب المفسرون في تفسير هذه الآية: مذهبين:
1) المذهب الأول من وحّد الضمائر.
2) المذهب الثاني من فرَّق بينها.
وخلاصة المذهب الأول أن الضمائر الواردة في الآية الكريمة إما أن تعود كلها إلى الله تعالى، أو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
وهو رأي جماعة من المفسرين نقله عنهم الإمام النووي، فمن ذهب إلى أنها تعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:
1) إنه عليه الصلاة والسلام أقرب مذكور في الآية.
2) لا يجوز التفريق بين الضمائر إلا لضرورة.
3) معنى »تسبحوه« أي تنزهوه عن النقائص وتدعوا له.
والمذهب الثاني: وهو مذهب المفرقين بين الضمائر، فقالوا: إن الضمير في »تسبحوه« يعود إلى الله تعالى، والضمير في »تعزروه وتوقروه« يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنَّ ما أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من تعظيمه وتوقيره هو موصل إلى تسبيح الله عز وجل، وهذا الأسلوب عند علماء البلاغة يسمى باللف والنشر، وهو من أساليب العرب المعروفة.
الدليل السادس: قال الله تعالى: لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [آل عمران:164].
قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى : (إن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إحسان إلى كل العالمين، ولقد شرف الله به العرب ونقلهم ببركة مقدمه صلى الله عليه وسلم من رعاة الشاء والغنم إلى رعاة الشعوب والأمم، ورفعهم من عُبّية الجاهلية إلى مقام السيادة والريادة كما قال تعالىوإنه لذكر لك ولقومك.
فقد أفردهم بالفخر على سائر الأمم وذلك لأن الافتخار بإبراهيم عليه السلام كان مشتركاً بين اليهود والنصارى والعرب ثم إن اليهود والنصارى كانوا يفتخرون بموسى وعيسى عليهما السلام وبالتوراة والإنجيل.
فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل القرآن صار شرف العرب بذلك زائداً على شرف جميع الأمم) . اهـ. بتصرف.
وإن الناظر بعين الصدق إلى هذا النص الشريف يجد أن الاحتفاء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم والابتهاج به لو لم يرد به دليل غير هذه الآية لكفى، لأن المنة لا تُكافأ بعطاء، فيعتبر شكرها والاحتفاء بها والثناء عليها خيراً عائداً على فاعله كما هو الحال في الصلاة والسلام عليه، فهو ابتهاج وتعظيم وتوقير وتعزير، لا يزيد في عمله ولا في قدره صلى الله عليه وسلم صلاة المسلمين عليه لأن صلاة الله قد كفت، حيث إنه يترقى بصلاة ربه من مقام إلى مقام في كل لحظة فتنتفع أمته بذلك.
الدليل السابع :قوله سبحانه وتعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.
وهذا دليل واضح الدلالة في توقيره وتعظيمه في كل وقت وحين لأن حبه صلى الله عليه وسلم وولاءه أصل الدين وأساسه، فكل العبادات تسوق إليه، وتطبع القلوب على حبه وهذا مقام شريف واحتفاء عزيز، وما الاحتفال بالمولد إلا تطبيع النفس على كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم رجاء أن ينطبع حبه وحب آله في القلوب ليؤسس ذلك الحب ركن الإيمان ويشيد صرح اليقين، فياله من احتفاء وابتهاج عظيم يأمر الله به ملائكته فتتشرف بهذا التكريم، ويأمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه، فياله من شرف مابعده شرف، وتكريم وتخصيص حكيم بالمؤمنين خاصة، إذ لم يناد سبحانه عباده بلفظ: يا أيها الذين أسلموا، بل ناداهم بقوله: يا أيها الذين آمنوا... لأن معرفة قدر حبيبه عزيزة المنال فأدنى مقامات معرفتها مقام الإيمان، والإسلام دون الإيمان.
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم
فالحب لايدرك إلا بالإيمان ولا يذوق حلاوة الإيمان من لم يعرف الحب إلى قلبه سبيلاً.
تعليق