الكرسي السحري
ما إن يستلم أحدنا مسئولية ما ويجلس على كرسيه الجديد حتى تتغير شخصيته وسلوكياته وتعامله مع الآخرين ، وهذا أمر نلاحظه ونشكو منه يوميا ، صحيح إن الإحساس بالمسئولية يؤثر على الإنسان ويدفعه إلى تغيير سلوكه، ولكن نادرا ما يكون هذا التغيير إيجابيا وإنسانيا .عمر بن عبد العزيز (رحمه الله) عاش حياة مترفة رخية ، كأي أمير من أمراء البيت الأموي المالك ، وعندما توفي الخليفة سليمان بن عبد الملك ، فوجئ عمر بان سليمان قد عينه خليفة من بعده ، وكان الخبر مفاجئا له تماما ، وأحس على الفور بثقل المسئولية التي ألقيت على كاهله ، وقد دفعه هذا الإحساس إلى سلوك طريق في الحياة كان من النبل والسمو بحيث بقيت سيرته العطرة خالدة حية إلى يومنا هذا .
وفي إنكلترا . قبل عدة قرون ، اقدم أحد الملوك الإنكليز على تعيين صديقه ورفيق لهوه العابث توماس بيكت رئيسا للكنيسة الإنكليزية بعد وفاة رئيسها السابق الذي عانى الملك كثيرا من تصلبه واعتراضاته . فاقدم على تعيين صديقه القديم بيكت رئيسا للكنيسة ليكون آلة بيده ، كما تصور.
ولكن توماس بيكت الذي فوجئ بهذا التعيين توسل إلى الملك أن يعفيه من هذه المسؤولية وحذره انه سيقوم بواجباته كرئيس للكنيسة بكل إخلاص وسيؤدي ذلك إلى تحطيم صداقتهما ، ولكن الملك تجاهل هذا التحذير وأصر على هذا التعيين ، وفعلا كان إحساس بيكت بثقل المسؤولية التي ألقيت على كاهله دافعا له لتحمل واجبات منصبه بكل نبل وإخلاص أديا به إلى الاصطدام بالملك دفاعا عن حقوق الكنيسة ، لتنتهي حياته قتلا على يد الملك الذي اعتبره خائنا متمردا ، ومازال قبره في إنكلترا محجة يزورها الإنكليز احتراما لذكراه النبيلة .
ولكن هذه النماذج الرائعة نادرة جدا ، والغالب الذي نراه ونلاحظه أن المسؤول يعتبر هذا الكرسي حقه الطبيعي ويتصرف على هذا الأساس ، ويتناسى الظروف والأشخاص الذين أوصلوه إلى هذا الكرسي ويتناسى أيضا ـ وهذا هو الأهم القول المشهور: (( لو دامت لغيرك ما وصلت إليك )).
تعليق