هذه الصفحات من ملف خاص أعد لمجلة البراق لبنان , يلقي الضوء على صفحات مجهولة من حياة القائد الشهيد يحي عياش فترة مطاردته في قطاع غزة , التقينا بزوجته وثلاثة أفراد من عائلات استضافته هو وعائلته سننشرها تباعا بإذن الله .
قصتي مع يحي عياش :
أم البراء عياش (32 عاماً ) زوجة الشهيد يحي عياش, عاشت معه أصعب فترات حياته ورافقته رحلة المطاردة في غزة وعاشت معه أيامه الأخيرة .
أنجبت له طفلين ((البراء)) وكان بعمر سنتين حين استشهد والده و((يحي)) الذي ولد قبل استشهاده رحمه الله بأسبوع واحد فقط وقد شهد يحي ميلاده .
عبر الهاتف كان لنا معها هذا الحوار لتحدثنا عن قصتها مع القائد الشهيد , تقول أم البراء :
بعد تضييق المطاردة عليه في الضفة قررت الحركة نقل الشهيد يحي عياش إلى غزة فتم نقله في شهر نوفمبر عام 1994م عن طريق شاحنة للخضروات ورافقه في هذه الرحلة الشهيد سعد العرابيد واختبأ الاثنان بين (البوكَس) في القسم الخلفي للشاحنة وكان الاحتلال في هذه الأيام لا يعير الشاحنات التي تحمل البضائع اهتماما ولذلك كان سهلا تنقل المجاهدين بين الضفة وغزة بهذه الطريقة ولكنهم بعد عملية عتليت شددوا كثيرا في التفتيش على الحواجز .
عند وصولهم إلى حاجز ايرز واجتيازهم كل نقاط التفتيش خرجوا من الشاحنة وكانت الأمطار غزيرة ومشوا مسافات طويلة جدا تحت المطر حتى وصلوا إلى منزل في جباليا, كان ينتظره في غزة القائد المجاهد محمد ضيف وقد استقبلتهم أم أحد الأخوة فقامت بمساعدتهم وإيوائهم ودائما تتذكر هذه المرأة هذا اليوم وتقول :" أكثر واحد شفته دخل قلبي لأني أول ما شفته حزنت على منظره "
بعد وصوله غزة أرسل لي لأحضر عنده كان عمر البراء أقل من سنة مكثت عنده أسبوعا ولكن وضعه لم يكن ملائما بعد فطلب مني الرجوع إلى الضفة فرجعت , كنت معتادة على بعاده عنا فقد بدأت مطاردته بعد ثمانية أشهر من زواجنا , كان كتوما جدا فلم أكن أعرف عن طبيعة عمله شيئا كان يرجع أحيانا إلى البيت وعلى ملابسه دخان أسود فأسأله عن ذلك فيقول لي خربت السيارة فاضطررت لإصلاحها فكنت أقول له ولكن هذه رائحة كبريت !! فيقول لي باسما : "اسكتى وما تحكي كتير " , بعد وقوع تفجيرات عام 94 في تل أبيب أرسلت له مخابرات العدو دعوة للمقابلة الشخصية فرفض الذهاب فألححنا عليه أن يذهب إليهم ليرى ماذا يريدون ؟ فقال لنا : لو"انسجنت ما راح تشوفوني بعد اليوم " فقد توصل اليهود إلى أحد المجموعات التي عمل معها يحي وبعد التضييق على الأخ عبد الناصر عيسى اعترف على يحي وكان هو الوحيد الذي يعرف أن الشخص الذي يلبس القناع هو يحي فقد عمل مع عدة مجموعات لتصنيع المتفجرات دون أن يعرفوا من هذا الشخص الذي يعمل معهم ومن ذلك الحين بدأت مطاردة يحي في شهر ابريل 1994م وبدأت كذلك مضايقة جنود الاحتلال لنا
فقد تعرضنا لمضايقات شديدة جدا وتفتيش دائم للبيت وما سلمت منهم قطعة أثاث فقد حطموا كل شيء , كانوا يخرجونا خارج المنزل تحت المطر ويبقونا هناك بالساعات وقد سألني مرة ضابط المخابرات لو عثرت على يحي هل تعلمين ماذا سأفعل به ؟ " بدي أربطه بسيارتي وأدوربه كل تل أبيب ثم أقطعه لقطع وأعطي كل يهودي تأذى منه قطعة فكنت أقول له : مش مهم روحه في الجنة ما بيهم شو يصير للجسد ؟ فكان يصرخ بي ويقول : إنت مجنونة , انت مخك صغير " ثم يذهب إلى والدة يحي ويقول لها نفس الكلام كانوا يغتاظون جدا من لامبالاتنا وكنا دائما نقول لهم روحوا دوروا عليه بمكان تاني يعني معقول يتخبى في بيته ؟ أما عقلكم صغير صحيح ؟ كانوا يستشيطون غضبا من ردودنا وسخريتنا بهم ثم يذهبون ليعودوا في اليوم التالي وهكذا , قضي يحي هذه الفترة متنقلا في بيوت عدة وفي المزارع والحقول قبل ذهابه إلى غزة .
الشاب الذكي :
كان يحي ذكيا جدا يحفظ الشوارع وخارطة الطرق بسرعة , قبل تنفيذه لأي عملية في الكيان الصهيوني ذهب عمدا للعمل مع أبيه في البناء وقضى فترة طويلة في هذا العمل ولذلك حين خطط لعملياته هناك خططها عن معرفة ودراية بطبيعة المكان , وحين طورد يحي ونشرت صورته في الجرائد تذكره اليهودي الذي كان يعمل عنده مع أبيه وإخوته وقال لأبيه : أذكر هذا الشاب جيدا فقد كان ينظر لي نظرات حقد دائما .
ولذلك حين ذهب إلى غزة حفظ شوارعها بسرعة بل وكان يتنقل في المخيمات والشوارع الضيقة بسهولة وكأنه يعيش فيها من زمن لذلك لم يكتشف أحد أنه غريب .
إلى غزة مرة أخرى :
بعد استقراره في غزة أرسل لنا لنذهب عنده وكان ذلك في شهر مارس 1995م جاءنا شاب من طرف يحي (حاتم اسماعيل معتقل حتى الآن في سجون العدو ) وكان بيني وبين يحي علامة فأخبرني بها الشاب وعرفت أنه من طرف يحي فذهبت أنا وأم يحي وابني البراء معه وكانت بحوزته هويات مزورة لي ولأم يحي حتى نتمكن من اجتياز الحواجز واجهنا عدة صعوبات في الطريق كان أشدها إصرار الجنود على إرجاعي أنا والأخ وسمحوا لأمه لأنها كبيرة في السن بالدخول وبعد جدل طويل معهم أرجعوا الشاب الذي اصطحبنا وتركونا نمر ّ.
التقينا بالأخ عند سيارات القدس وركبنا معا وتوجهنا إلى غزة ووصلنا حاجز ايرز قبيل المغرب وقت عودة العمال من الأراضي المحتلة إلى بيوتهم وكان منظر نساء في ذلك الوقت لافت للنظر فطلب مني الشاب أن أركض وراءه أنا وأم يحي وحمل بيده أغراضنا والبراء واختبأنا وسط العمال وعبرنا دون أن يحس بنا أحد .
ثم توجهنا إلى حي الشيخ رضوان في مدينة غزة وعرفنا أن يحي ينتظرنا في منزل بجباليا فذهبنا إليه لنلتقي بيحي هناك ونمكث شهرا في هذا المنزل .
مع المخابرات من جديد :
كنت أشعر بالأمان في هذا البيت وكانت هذه المرة الأولى التي ننعم بوجودنا معا منذ مدة طويلة ولكننا فوجئنا بعد قدومنا بشهر (وكان يحي خارج البيت كالعادة) بمخابرات السلطة تقتحم علينا البيت دون استئذان بعكس مخابرات العدو الذين كانوا ينادون علينا أن نخرج بمكبرات الصوت ولكنهم فتحوا فتحة في الجدار واقتحموا علينا المنزل وكانت معهم مجندة بدأت بتفتيشنا أنا والمرأة صاحبة البيت , كان في البيت سلاح وكنا قد خبأناه في برميل لعلف الدواجن فلم يهتدوا إليه ووجدوا متفجرات فقط فسألوا عني المرأة فقالت : هذه ابنتي , فقالوا لها نحن نعلم أن يحي ومحمد ضيف كانوا عندك , ثم خرجوا وأخذوا معهم ابنها الأكبر , بعد هذه الحادثة اضطررنا لمغادرة المكان وذهبنا إلى منطقة المغراقة حيث منزل عدنان الغول رحمه الله
كان منزلا بسيطا لا يوجد به كهرباء وبارد جدا لوقوعه بالقرب من البحر ومكثنا هناك مدة أسبوعين بعد أن قام يحي بتمديد الكهرباء لهذا البيت , كان هذا البيت لوقوعه في مزرعة كبيرة ملائم جدا لعمل يحي فكان يقضى عدة ساعات يوميا هو والشباب على سطح البيت حيث هناك غرفة للعمل والمراقبة أيضا .
في هذه الفترة عرف اليهود بوجودي في غزة فبدأت السلطة بتضييق الخناق على يحي , غادر يحي منزل الغول إلى جهة غير معلومة أما أنا فقد اصطحبني أحد الشباب إلى منزل في خان يونس , ومن يومها أصبح يحي لا يبقى في مكان واحد أكثر من أسبوع ولم أعد أراه إلا كل أسبوع مرة .
يتبع
تعليق