خزانة الوالي
في ايام السيطرة العثمانية على العراق ، وصل الى بغداد يوما وال عثماني لم تشهد له المدينة مثيلا في النهب والسلب وفرض الضرائب الظالمة على الناس ، الى ان ضج البغداديون من ظلمه وعسفه وقسوته .
وفي يوم من الايام اجتمع عدد من وجهاء بغداد في دار احدهم ، وتناقشوا طويلا في امر هذه النازلة التي حلت بهم ، وكيف يتصرفون .
وبعد مداولات واقتراحات كثيرة ، قرروا ان يكتبوا الى اولي الامر في اسطنبول ، يلتمسون منهم تخليصهم من هذا الوالي الظالم ، وفعلا كتبوا رسالة طويلة شرحوا فيها ما يعانون من عذاب وبلاء ، وتوسلوا الى رجال السلطان ان يضعوا حدا لهذا العذاب والبلاء ، وارسلوا هذه الرسالة مع شخص امين عاقل دفعوا له مبلغا طائلا من المال ليسافر الى اسطنبول ، ويسلم رسالتهم الى احد كبار رجال الدولة العلية ، وينفق ما يشاء من اموال لتحقيق هذه الغاية ، ووعدوه بالمزيد اذا تحقق املهم ونجح مسعاهم ونقل الوالي او سجن او تخلصوا منه باي طريقة كانت .
ولكن ذلك الشخص الامين العاقل ، يبدو انه استثـقل السفر الى اسطنبول ، فالتمس مقابلة الوالي ، وقدم له رسالة الشكوى ضده ، وقبض منه مكافاة جزيلة ، واختفى عن الانظار .
وبعد مضي ايام قليلة ، دعا الوالي وجهاء بغداد الى حفل عشاء في قصر الولاية ، وعندما جاء المدعوون الى القصر فوجئوا بانهم هم انفسهم الذين كانوا مجتمعين قبل ايام يخططون لعزل الوالي ، لا ينقصون واحدا ولا يزيدون ، فشكّوا في الامر ، ولكنهم استسلموا لقدرهم ، فما الذي يستطيعون فعله وهم في قصر ذلك الوالي العاتي ؟
وانقضى العشاء وهم في اسوا حال من القلق والترقب ، وزاد في تشاؤمهم ، نظرات الوالي اليهم ومرحه غير المعهود ، وتلميحاته الخفية وهو يقول لهم انهم اوفى واصدق ناس عمل معهم وانه يعرف مدى حبهم له وتعلقهم به .
وعندما انتهى العشاء ، نظر اليهم الوالي مليا، ثم قال لهم ـ بعد صمت طويل حطم اعصابهم ـ انه قد علم بانهم قد كتبوا رسالة يشكونه فيها الى السلطان وانهم قد بعثوا بها مع فلان ، وان ذلك الفلان قد احضر اليه الرسالة وسلمها له .
حاول عدد منهم الانكار ، ولكن الوالي اخرج الرسالة من جيبه وقراها لهم وهم واجمون مطرقون ، قد ايقنوا بسوء العاقبة ، ولم ينطق احد منهم بحرف .
وبعد ان قرأ الوالي الرسالة ، نظر اليهم طويلا ثم امرهم بان يتبعوه الى داخل القصر والحراس محيطون بهم فلم يشكوا انه سيامر بقتلهم عقوبة لهم ، فتبعوه وقد يئسوا من الحياة .
وصل الوالي والحشد المرعوب الى قاعة كبيرة داخل القصر كان على بابها اقفال كثيرة يحمل مفاتيحها الوالي نفسه ، وبعد ان فتح الوالي تلك الغرفة ، دخل اليها واشار لهم بالدخول فدخلوا خائفين ….. كانت الغرفة كبيرة جدا ، ولم يكن فيها من الاثاث الا خزانة كبيرة هائلة الحجم امتدت من ارض الغرفة الى سقفها وبها عشرات الادراج المقفلة .
نظر الوالي الى الخزانة وربت عليها بيده ، ثم استدار الى الواقفين معه وقال لهم : هل تعرفون ما هذه الخزانة وما قصتها ؟ فاجابوه انهم لا يعرفون ، فقال لهم : هذه الخزانة صنعتها في اسطنبول واحضرتها معي الى بغداد فارغة على ظهور الدواب ، ونصبتها في هذه الغرفة وقررت ان املاها بالاموال التي اجمعها منكم بالضرائب ، وقبل ايام كنت اتفقد الخزانة فوجدت انها على وشك الامتلاء ، فقررت ان اعفيكم من أي ضريبة حالما تمتلئ هذه الخزانة ، واكتفي بما جمعته منكم ، ولكنكم استعجلتم بشكايتي الى السلطان ، وعليه فقد قررت ان اعاقبكم ، ليس بالقتل ولا بالسجن كما تتصورون ، ولكن بطريقة اخرى : سارسل رسالتكم انا بنفسي الى اسطنبول وساسعى لايصالها الى السلطان شخصيا لكي ينقلني من بغداد ، وأعود الى اسطنبول بخزانتي المملوءة ، لكي يرسل اليكم السلطان بوالي جديد ، ياتي معه بخزانة جديدة ، وتبدؤا معه من جديد …. !!
تعليق