بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه و يكافئ مزيده . اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال و جهك و عظيم سلطانك . اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمد عبدك و رسولك و خليلك و على آله الطيبين الطاهرين . عدد ما في علم الله العظيم . صلاة و سلاما و بركات دائمة بدوام ملك الله العظيم .
أما بعد .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
هذه رسالة الإمام الحسن بن أبي الحسن البصري رضي الله عنه إلى أمير المومنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه و أرضاه .
سئل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الحسن البصري فقال : ذلك الذي كلامه يشبه كلام الأنبياء .
و هذه الرسالة تجسد تماما هذه القولة المباركة . كما أن هذه الرسالة كان لها وقع كبير في حياتي . فمنذ أن قرأتها منذ ما يربو عن ثلاث سنوات لازلت أكررها و أكررها . و في كل مرة أخرج لي بفائدة جديدة . سبحان الله ...
و قد أعطتني مفهوما جديدا عن الدنيا و أحوالها .. فبارك الله في كاتبها و جزاه الله عني كل خير .
....................................................
أخبرنا محمد بن الحسن . قال : أخبرني أبو حفص عمر بن محمد بن بكار القافلائي . قال : حدثنا إبراهيم بن هانئ النيسابوري قال : ثنا أبو صالح كاتب الليث قال : أخذتها من الليث بن سعد رسالة الحسن بن أبي الحسن إلى عمر بن عبد العزيز . رحمهما الله .
أما بعد .
اعلم يا أمير المومنين أن الدنيا دار ظعن و ليست بدار إقامة . و إنما أهبط إليها آدم من الجنة عقوبة . و قد يحسب من لا يدري ما ثواب الله أنها ثواب . و من لم يدر ما عقاب الله أنها عقاب . و لها في كل يوم صرعة . و ليست صرعة كصرعة . هي تهين من أكرمها . و تذل من أعزها . و تصرع من آثرها . و لها في كل حين قتلى . فهي كالسم يأكله من لا يعرفه و فيه حتفه . فالزاد منها تركها . و الغنى منها فقرها . فكن فيها يا أمير المومنين كالمداوي جرحه . يصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء . يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا . فإن أهل الفضائل كان منطقهم فيها بالصواب . و مشيهم بالتواضع . مطعمهم الطيب من الرزق . مغمضي أبصارهم عن المحارم . فخوفهم في البر كخوفهم في البحر . و دعاؤهم في السراء كدعائهم في الضراء . لولا الآجال التي كتبت لهم ما تقاوت أرواحهم في أجسادهم خوفا من العقاب . و شوقا إلى الثواب . عظم الخالق في نفوسهم . فصغر المخلوق في أعينهم .
عظم الخالق في نفوسهم . فصغر المخلوق في أعينهم . و اعلم يا أمير المومنين . أن التفكير يدعو إلى الخير و العمل به . و أن الندم على الشر يدعو إلى تركه . و ليس ما يغني و إن كان كثيرا بأهل أن يؤثر على ما يبقى . و إن كان طلبه عزيزا . و احتمال المؤنة المنقطعة التي تُعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تُعقب مؤنة باقية و ندامة طويلة . فاحذر الدنيا الصارعة الخاذلة القاتلة . التي قد تزينت بخدعها . قتلت بغرورها . و خدعت بآمالها . فأصبحت الدنيا كالعروس المجلية . فالعيون إليها ناظرة . و القلوب عليها والهة . و النفوس لها عاشقة . و هي لأزواجها كلهم قاتلة . فلا الباقي بالماضي معتبر . و لا الآخر لما رأى من أثرها على الأول مُــزدَجَر . و لا العارف بالله المصدق له حين أخبر عنها مدَّكر . فأبت القلوبُ إلا لها حبا . و أبت النفوسُ إلا لها عشقا . و من عشق شيئا لم يلهم نفسه غيره . و لم يعقل شيئا سواه . مات في طلبه و كان آثر الأشياء عنده . فهما عاشقان طالبان مجتهدان :
فعاشق قد ظفر منها بحاجته . فاغتر و طغى و نسي و لها . فغفل عن مبتدإ خلقه . و ضيع ما إليه معاده . فقلَّ في الدنيا لبثه. حتى زالت عنه قدمه . و جاءت منيته على شر ما كان حالا . و أطول ما كان فيها أملا . فعظم ندمه . و كثرت حسرته مع ما عالج من سكرته . فاجتمعت عليه سكرة الموت بكربته . و حسرة الفوت بغصته . فغير موصوف ما نزل به .
و آخر ميت مات من قبل أن يظفر منها بحاجته . فمات بغمه و كمده . و لم يدرك فيها ما طلب . و لم يرح نفسه عن التعب و النصب و اللعب .
فخرجا جميعا بغير زاد . و قدما على غير مهاد . فاحذرها الحذر كله . فإنما مثلها كمثل الحية لين مسها تقتل بسمها . فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها . و ضع عنك همومها لما قد أيقنت به من فراقها . و اجعل شدة ما اشتد منها رجاء ما ترجو بعدها . و كن عند أسرِّ ما تكون منها أحذر ما تكون لها . فإن صاحب الدنيا ...
أما بعد .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
هذه رسالة الإمام الحسن بن أبي الحسن البصري رضي الله عنه إلى أمير المومنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه و أرضاه .
سئل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الحسن البصري فقال : ذلك الذي كلامه يشبه كلام الأنبياء .
و هذه الرسالة تجسد تماما هذه القولة المباركة . كما أن هذه الرسالة كان لها وقع كبير في حياتي . فمنذ أن قرأتها منذ ما يربو عن ثلاث سنوات لازلت أكررها و أكررها . و في كل مرة أخرج لي بفائدة جديدة . سبحان الله ...
و قد أعطتني مفهوما جديدا عن الدنيا و أحوالها .. فبارك الله في كاتبها و جزاه الله عني كل خير .
....................................................
أخبرنا محمد بن الحسن . قال : أخبرني أبو حفص عمر بن محمد بن بكار القافلائي . قال : حدثنا إبراهيم بن هانئ النيسابوري قال : ثنا أبو صالح كاتب الليث قال : أخذتها من الليث بن سعد رسالة الحسن بن أبي الحسن إلى عمر بن عبد العزيز . رحمهما الله .
أما بعد .
اعلم يا أمير المومنين أن الدنيا دار ظعن و ليست بدار إقامة . و إنما أهبط إليها آدم من الجنة عقوبة . و قد يحسب من لا يدري ما ثواب الله أنها ثواب . و من لم يدر ما عقاب الله أنها عقاب . و لها في كل يوم صرعة . و ليست صرعة كصرعة . هي تهين من أكرمها . و تذل من أعزها . و تصرع من آثرها . و لها في كل حين قتلى . فهي كالسم يأكله من لا يعرفه و فيه حتفه . فالزاد منها تركها . و الغنى منها فقرها . فكن فيها يا أمير المومنين كالمداوي جرحه . يصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء . يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا . فإن أهل الفضائل كان منطقهم فيها بالصواب . و مشيهم بالتواضع . مطعمهم الطيب من الرزق . مغمضي أبصارهم عن المحارم . فخوفهم في البر كخوفهم في البحر . و دعاؤهم في السراء كدعائهم في الضراء . لولا الآجال التي كتبت لهم ما تقاوت أرواحهم في أجسادهم خوفا من العقاب . و شوقا إلى الثواب . عظم الخالق في نفوسهم . فصغر المخلوق في أعينهم .
عظم الخالق في نفوسهم . فصغر المخلوق في أعينهم . و اعلم يا أمير المومنين . أن التفكير يدعو إلى الخير و العمل به . و أن الندم على الشر يدعو إلى تركه . و ليس ما يغني و إن كان كثيرا بأهل أن يؤثر على ما يبقى . و إن كان طلبه عزيزا . و احتمال المؤنة المنقطعة التي تُعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تُعقب مؤنة باقية و ندامة طويلة . فاحذر الدنيا الصارعة الخاذلة القاتلة . التي قد تزينت بخدعها . قتلت بغرورها . و خدعت بآمالها . فأصبحت الدنيا كالعروس المجلية . فالعيون إليها ناظرة . و القلوب عليها والهة . و النفوس لها عاشقة . و هي لأزواجها كلهم قاتلة . فلا الباقي بالماضي معتبر . و لا الآخر لما رأى من أثرها على الأول مُــزدَجَر . و لا العارف بالله المصدق له حين أخبر عنها مدَّكر . فأبت القلوبُ إلا لها حبا . و أبت النفوسُ إلا لها عشقا . و من عشق شيئا لم يلهم نفسه غيره . و لم يعقل شيئا سواه . مات في طلبه و كان آثر الأشياء عنده . فهما عاشقان طالبان مجتهدان :
فعاشق قد ظفر منها بحاجته . فاغتر و طغى و نسي و لها . فغفل عن مبتدإ خلقه . و ضيع ما إليه معاده . فقلَّ في الدنيا لبثه. حتى زالت عنه قدمه . و جاءت منيته على شر ما كان حالا . و أطول ما كان فيها أملا . فعظم ندمه . و كثرت حسرته مع ما عالج من سكرته . فاجتمعت عليه سكرة الموت بكربته . و حسرة الفوت بغصته . فغير موصوف ما نزل به .
و آخر ميت مات من قبل أن يظفر منها بحاجته . فمات بغمه و كمده . و لم يدرك فيها ما طلب . و لم يرح نفسه عن التعب و النصب و اللعب .
فخرجا جميعا بغير زاد . و قدما على غير مهاد . فاحذرها الحذر كله . فإنما مثلها كمثل الحية لين مسها تقتل بسمها . فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها . و ضع عنك همومها لما قد أيقنت به من فراقها . و اجعل شدة ما اشتد منها رجاء ما ترجو بعدها . و كن عند أسرِّ ما تكون منها أحذر ما تكون لها . فإن صاحب الدنيا ...
تعليق