بسم الله الرحمن الرحيم
منقول من ناقللماذا رفض (آينشتاين) الصهيونية ؟
هذه المقابلة منقووووووووووووووولة
هذه المقالة المنشورة هنا هي جزء من فصل بعناون : (ألبرت آينشتاين..النسبية ، القنبلة ، وإسرائيل)...من كتاب بعنوان (زيارة جديدة للتاريخ) للأستاذ محمد حسنين هيكل...
قمت بنسخ هذا الجزء بتصرف بسيط بسيط جداً...
أثناء لقاء الأستاذ "هيكل" بالبروفيسور "ألبرت آينشتاين" تضمن اللقاء الكثير من المناقشات حول النظرية النسبية والقنبلة الذرية...وإسرائيل...وسنقوم هنا بنقل الجزء الخاص بإسرائيل والذي يتضح منه موقف "آينشتاين" من إسرائيل والصهيونية...ويبدأ هذا الجزء بسؤال مهم سأله "آينشتاين للأستاذ "هيكل" أثناء سيرهما في الحديقة حول ما ينتويه النظام في مصر نحو إسرائيل...
يقول الأستاذ هيكل :
وقال "آينشتاين" : " هذا ما أريد أن أسألك فيه . هل تعرف ما الذي ينوون عمله بأهلي " ؟
ومرة أخرى كانت دهشتي حقيقية . ولاحظ . وأضاف مفسراً : " أهلي من اليهود…هؤلاء الذين يعيشون في إسرائيل ".
وتذكرت لحظتها فقط – حقيقة ! – أنه يهودي . كان في وعيي وفهمي وتقديري بإستمرار أنه "العالِم" ، ولم أصنفه في خواطري على أساس ديني أو عرقي – وهاهو الآن يسألني عن " أهله في إسرائيل " . وأول سؤال !
***
ولما لاحظ (آينشتين) دهشة (هيكل) أوضح له أكثر…
يقول الأستاذ (هيكل) :-
وأعتقد أنني لم أخطيء الظن كثيراً عندما تصورت أنه يشعر بحرج هو بالتأكيد رد فعل لما لاحظه من دهشتي لسؤاله الأول . بعد مسافة قصيرة من سيرنا تغلب على شعوره بالحرج وقال :-
" يظهر أنني أقلقتك بما قلت ، وتعجلت اللحظة المناسبة له . ويستحسن الآن أن أعود إليه موضحاً . إنني كنت على وشك أن أطلب إليك أن تنسى سؤالي مؤقتاً وتدخل في أسئلتك على أن أحتفظ أنا بسؤالي إلى النهاية ، لكن أتصور الآن أن سؤالي سيظل معلقاً فوق حديثنا ما لم نواجهه صراحة ثم نضعه في مكانه الصحيح.
سوف أقول لك…
اهتمامي باليهود إنساني ، وكذلك اهتمامي بإسرائيل إنساني . إنني عشت معهم ما تعرضوا له في ألمانيا قبل الحرب . عشت معهم بدايته لكني تركتهم مبكراً وخرجت قاصداً هذه البلاد ( يقصد أمريكا) . إنني جئت إلى أمريكا أول مرة في صحبة (حاييم وايزمان) . كان وقتها رئيساً للوكالة اليهودية وأصبح بعدها أول رئيس لدولة إسرائيل. مجيئي هنا لأول مرة سنة 1921 كان مع (وايزمان).
لقد أراد أن أشارك في حملة لجمع تبرعات لصالح الجامعة العبرية في القدس ، ووافقت . هم أهلي وأنا أعرف الناس بما تعرضوا له ، وكنت أشاركهم حلم الوطن .أن يكون لهم وطن لا يضطهدهم فيه أحد – هل أنا واضح ؟.. دعني أستكمل جملتي . بنفس الوضوح أقول لك أنني لا أريدهم بدورهم أن يضطهدوا أحد . فعرب فلسطين لهم الحق في الوطن الوحيد الذي عرفوه ، لا يستطيع أحد أن ينكره عليهم . ما كان يحزنني فيما جرى في ناحيتكم من العالم سنة 1948 أنه بدا لي صراعاً بين حقين . ما حدث سبب لي أزمة ضمير . أنا أحدثك بما أعتقد . لقد أسعدني قيام دولة يهودية في فلسطين . وأحزنتني المأساة التي تعرض لها العرب في فلسطين . وكان في ظني أن القوى الدولية المعنية تستطيع أن تعالج هذه المحنة . ولكن هذه القوى لم تستطع ، ولعلها أرادت - لمصالحها – تعميق المشكلة بدلاً من محاولة حلها .
هل قرأت الخطاب الذي شاركت في توقيعه إلى محرر الـ " نيويورك تايمس" احتجاجاً على زيارة "مناحم بيجن" لهذه البلاد في نهاية سنة 1948 ؟ لقد وصفناه بأنه سفاح وإرهابي ولا يصح أن يسمح له بزيارة أمريكا . إنه جاء وقد قاطعت كل المناسبات التي أقيمت أثناء زيارته واعتذرت عن استقباله في بيتي عندما أراد أن يجيء ، ومع أنه بعث إلي خطاباً يقول فيه أنه يريد أن يسمع مني ويتعلم كتلميذ – فإنني كنت أدرك أنه لا درس يجدي مع هؤلاء الذين يؤمنون بالعنف . لا أحد يستطيع أن يشفيهم .
باختصار ..موقفي إزاء اليهود إنساني . موقفي إزاء إسرائيل إنساني . نفس موقفي إزاء العرب وإزاء فلسطين . إذا أردت أن تناقش هذا الموضوع بتوسع فأنا على استعداد عندما نفرغ من المشي ونعود إلى البيت . وربما كان في استطاعتي لحظتها أن أطلعك على بعض "الأشياء" . ربما كان فيها بعض ما يهمك أن تطلع عليه ".
وكنا مازلنا نمشي على الطريق . وحين سكت عن الكلام لم يعد مسموعاً إلا وقع خطانا فوق الأوراق الطرية والجافة التي تفرشه بألوانها المتنوعة المتداخلة . وعاد إلى الكلام من تلقاء نفسه ودون سؤال مني :
- " الحقيقة أنني لا أريد لليهود أن يقعوا في إسار الوطنية الضيقة . أخشى عليهم من ذلك . طوال تاريخهم كانت حياتهم وأفكارهم عالمية . تعرضوا للإضطهاد بسبب الجهل والتعصب وربما لظروف إقتصادية وثقافية ، وأحياناً حصروا أنفسهم في أحياء خاصة بهم (الجيتو) ، لكن ذلك كان ضرورة حماية وليس ضرورة حياة . إنهم أحسوا بحاجتهم إلى وطن يحميهم وكان هذا الحلم القديم – أو الوعد القديم – بفلسطين ، وقد ذهبوا إليه . الذين ذهبوا أقلية بين اليهود .
الذين ذهبوا هم الذين قرروا أن الإنسانية ليست قادرة بعد على حمايتهم وأن الوطن قد يقدر . هناك منطق معين في هذا الكلام لكن وراء المنطق مشكلة الوطن اليهودي محصور والعرب لا يريدونه بينهم . لاحظ أن هناك يهوداً كثيرين لا يريدونه أيضاً لا في فلسطين ولا في غيرها . مشكلة منطق الوطن – كما أراها ، وفي حالة الحصار والرفض – أنها تستدعي حالة من "الوطنية الضيقة" عادة تصاب بما يمكن أن نسميه "اختناق المكان" ، وهذا يخلق نزعات عدوانية تعيش على العنف وبه ، وهذا يفسد روح أي شعب ويفسد بالتالي سياسته – منهجاً وأسلوباً . لا أريدك أن تنشر هذا الكلام الآن على الأقل . قد يثير مشاكل لا لزوم لها ويعقد ما لا داعي لتعقيده الآن . سوف نتكلم عن ذلك فيما بعد . لقد أردت أن يكون موقفي في إطاره الحقيقي لكي لا يحدث لبس في حديثنا من أول لحظة ….
يهودي…نعم أنا يهودي بالطبع…وبالمعنى الإنساني.
صهيوني…لا أعرف ؟ أظنني أوافق على أن يكون لليهود بيت ووطن يذهب إليه من يريد منهم . من يجد أن سلامه الحقيقي هناك . كنت معجباً بـ " وايزمان" ، و "بن جوريون" يحيرني أحياناً ، لكن "مناحم بيجن" يستفزني إلى أقصى الحدود لأنه يذكرني بالنازيين .
إسرائيلي…لا أظن. إني أتعاطف مع الفكرة إنسانياً وأخشى من عواقب تنفيذها عملياً لأن "الوطنية الضيقة" – كما قلت لك – قد تحولها إلى بؤرة عنف تتناقض مع الفكرة . عندما تتصادم أسس أي فكرة مع عملية تجسيدها فإن هذا التصادم في حد ذاته يجب أن يدلنا على أن هناك خللاً ما في مكان ما . لابد أن نبحث عنه . وأن نكتشف موضعه . ثم نحاول إصلاح الخلل . هل هو "عندنا" . هل هو "عندكم" . أو هو "عضوي" في الفكرة ذاتها ؟
هذا هو موقفي . هذه هي مخاوفي !
ربما تختلف معي . أعرف أنك سوف تختلف معي . دع موضوع اليهود وإسرائيل كله إلى آخر حديثنا . دعني أسمعك فيما كنت تريد أن تسألني فيه " .
***
واسأنفا الحديث في مواضيع شتى ، وأخذ الأستاذ (هيكل) يسأل العالِم الكبير في مواضيع مختلفة ، إلى أن عادا مرة أخرى إلى البيت…
هنا عاد (آينشتين) إلى النقطة السابقة…
يقول الأستاذ (هيكل) :-
وظللت صامتاً أنتظره هو ليفتح الموضوع من أي نقطة يشاء ، ولم يطل انتظاري .
قال :- - " أريد أن أعود بك إلى موضوع اليهود وإسرائيل . لكني أريدك أن تعرف أن اهتمامي "إنساني" . إنني قلت لـ "وايزمان" (يقصد "حاييم وايزمان") حتى من قبل سنة 1948 "إنني أريد بيتاً لليهود ولكني لا أتمنى ذلك على حساب شقاء العرب الفلسطينيين" . وحين أجابني "وايزمان" بأن "الله وعد اليهود بهذه الأرض" – كان ردي عليه "أننا يجب أن نترك"الله" خارج هذه المناقشة ، فالكل يرى أن "الله" معه . إذا كان "الله" قد أعطى اليهود وعداً في فلسطين فإن "الله" هو الذي أسكن الفلسطينيين فيها" "
ولم أعلق بشيء . وواصل حديثه بسؤال :-
- " إنك قلت لي أنك تعرف الجنرال "نجيب"…فهل تعرفه جيداً ؟..الصحف تقول أنك قريب من الجنرال وضباطه…فهل هذا صحيح ؟ وإلى أي حد ؟ "
ورددت بأن كل ما أستطيع قوله الآن هو ما قلته في بداية لقائنا وهو "أنني أعرف الجنرال "نجيب" إلى حدٍ ما . كما أنني أعرف عدداً من الضباط الذين قاموا بالثورة في مصر".
وقال (آينشتين ) :-
إنني قرأت في إحدى الصحف أن الجنرال هو "واجهة" ، وأما السلطة الحقيقية فإنها في يد شباب الضباط . فهل هذا صحيح ؟ "
قلت " إنه ليس هناك سر في ذلك ، فالجنرال فعلاً هو واجهة وقع عليها الإختيار ، وأما قائد الثورة الحقيقي فهو كولونيل شاب اسمه "جمال عبدالناصر" "
وقال (آينشتين) :-
- " لم أسمع به من قبل . لم أقرأه . هل تعرفه " ؟
قلت مكرراً تعبيري السابق " نعم…إلى حدٍ ما "
وعاد يسألني :
- " ماذا يريد هذا الكولونيل الذي ذكرت اسمه" ؟
ورحت أشرح له باختصار أوضاع مصر وقصة الثورة ودور شباب الضباط من الثوار . ثم شخصية "جمال عبدالناصر" .
وقال :
- " من كلامك يظهر أنك تعرفه جيداً . لكنك لم تقل لي ماذا يريد من اليهود وإسرائيل؟ "
وقلت " إنني لا أظن أن الكولونيل "عبدالناصر" أو الجنرال "نجيب" أو غيرهما من شباب الضباط لديهم مشكلة مع اليهود كيهود . المشكلة مع إسرائيل الدولة وخططها العدوانية ضد الفلسطينيين والتوسعية ضد بقية العرب . هنا المشكلة ".
وقال (آينشتين) :-
- مع "ناس" مثل مناحم بيجين وما فعله في دير ياسين معك حق . لكن هؤلاء الناس ليسوا اليهود وليسوا فكرة إسرائيل . هؤلاء "الناس" نازيون في فكرهم وتصرفاتهم . أنا أتحدث عن غيرهم .
- وقلت ما معناه " أن بن جوريون ليس أقل نازية من مناحم بيجين "
وقاطعني "آينشتين" قائلاً :
لا . لا. إن بن جوريون يختلف عن بيجين ، ثم إن هناك ناساً كثيرين "طيبين" في إسرائيل .
وقلت ما معناه "إننا لم نستطع حتى الآن أن نعثر على هؤلاء "الطيبين" !"
وقال :
ربما أنتم لا تستطيعون ، ولكن أنا أستطيع إذا كانت هناك فرصة .
ثم دخل مباشرة إلى ما ظهر لي أنه شاغله الحقيقي .
سألني :
هل تستطيع أن تنقل رسالة إلى الجنرال "نجيب" أو إلى هذا الكولونيل الذي كنت تتحدث عنه ؟ ماهو اسمه الذي ذكرته لي ؟
قلت :
جمال عبد الناصر .
قال:
نعم..نعم..هل تستطيع أن تنقل إلى الاثنين – الجنرال والكولونيل – رسالة مني ؟
قلت ما معناه "أنه يشرفني أن أحمل رسالة من "ألبرت آينشتاين" كما أنني أظن أن "الجنرال والكولونيل" كلاهما يسعده أن يتلقى منه رسالة . وإن كان لابد أن أضع أمامه مقدماً أن الأمر كله يتوقف على طبيعة الرسالة وفحواها ".
ولمحت على وجه البروفيسور علامات تردد ، ثم وجدته ينهض فجأة ويتجه نحو مكتبه ثم يعود – وفي يده مظروف كبير – إلى مجلسه أمامي بينما كنت أتابع حركاته وخلجات وجهه بإحساس مشحون بالترقب والفضول .
أمسك المظروف الذي أتى به في يده ثم قال :
طبعاً تعرف أن "وايزمان" ("حاييم وايزمان" أول رئيس لدولة إسرائيل) مات في أوائل الشهر الماضي "
وهززت رأسي علامة أنني "بالطبع أعرف" .وواصلت النظر إليه وكانت أصابعه قد راحت تفتح المظروف وتخرج ما فيه من أوراق . وراح يرتبها فيما بدا ثم ناولني واحدة منها وقال :"اقرأ أولاً هذه البرقية"
وناولني برقية أسرعت أولاً إلى نهايتها أستكشف شخصية مرسلها . كان التوقيع "آبا أيبان" سفير إسرائيل في واشنطن.
يتبع.................
تعليق