Unconfigured Ad Widget

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

متي يطلق علي المرء أنه صاحب بدعة ؟ مرجع لكل مسلم من تجميع العدنانى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • متي يطلق علي المرء أنه صاحب بدعة ؟ مرجع لكل مسلم من تجميع العدنانى

    بسم الله الرحمن الرحيم

    هذا الموضوع جمعه لكم اخوكم العدنانى و هو تحصيل لما جاء فى كتب العلماء

    ( الحلقة الاولى )

    متي يطلق علي المرء أنه صاحب بدعة ؟

    ما هي الأخطاء التي يعذر فيها العالم ؟

    ذكر أعذار العلماء لابن تيمية

    نماذج من علماء السلف وقعوا في أخطاء ولم يبدعهم الآخرين وبيان هل الخطأ وارد علي العالم أم لا ؟

    أولا: هل كل مجتهد مصيب ؟ وهل اختلاف العلماء رحمة ؟





    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و اشهد ان محمدا عبده ورسوله أما بعد :

    لقد اثني الله علي عباده العاملين بعلمهم فقال

    )شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) آل عمران18

    {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً }الإسراء107

    {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الحج54

    {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ }القصص80

    {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ }العنكبوت49

    {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }الروم56

    {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }سبأ6

    {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ }النحل27

    " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }المجادلة

    {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر9

    وقد بين النبي صلي الله عليه وسلم فضل العلم وأهله فقال :

    من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر . تخريج السيوطي : (حم 4 حب) عن أبي الدرداء.

    تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 6297 في صحيح الجامع.

    وقال " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ( صحيح لغيره )

    وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فرب حامل فقه ليس بفقيه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرىء مؤمن إخلاص العمل لله والمناصحة لائمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعاءهم يحيط من ورائهم رواه البزار بإسناد حسن

    وهذه المكانة العالية للعلماء لم تجعلهم معصومين بل كل منهم يؤخذ من كلامه ويرد والخطأ وارد عليهم ولكن يستبعد تعمدهم الخطأ ( خاصة العلماء الربانيين )وإذا وقع أحدهم في الخطأ فقد يكون ذلك لأسباب يُعذر فيها ذكرها العلماء في مواضعها وسنذكرها إن شاء الله

    فمالمقصود بالخطأ ؟

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات :

    الخطأ هو العدول عن الجهة وذلك أضرب أحدها أنه يريد غير ما تحسن إرادته فيفعله وهذا هو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان يقال خطئ يخطأ خِطأ وخِطأةً قال تعالي " إن قتلهم كان خِطأ كبيرا " وقال : " و إن كنا لخاطئين "

    والثاني : أن يريد ما يحسن فعله ولكن يقع منه خلاف ما يريد فيقال أخطأ إخطاء فهو مخطئ وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل وهذا المعني بقوله صلي الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " وبقوله " من إجتهد فأخطأ فله أجر " وقوله "ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة " والثالث :أن يريد من لا يحسن فعله ويتفِق منه خلافه ، فهذا مخطئ في الإرادة ومصيب في الفعل فهو مذموم بقصده وغير محمود علي فعله . المفردات للراغب الأصفهاني ص156 ،157

    موسوعة الفقه الإسلامي " و-الخطأ :

    42 - الخطأ في اللّغة يطلق ويراد به : ما قابل الصّواب ، ويطلق ويراد به : ما قابل العمد ، وهذا المعنى هو المراد به في عوارض الأهليّة .

    وفي الاصطلاح : فعل يصدر من الإنسان بلا قصدٍ إليه عند مباشرة أمرٍ مقصودٍ سواه . والخطأ لا ينافي الأهليّة بنوعيها ، لأنّ العقل موجود معه ، والجناية فيه من جهة عدم التّثبّت ، ولذا يؤاخذ به من هذه الجهة ، فلا تقدّر العقوبة فيه بقدر الجناية نفسها ، وإنّما بقدر عدم التّثبّت الّذي أدّى إلى حصولها .

    والخطأ يعذر به في حقوق اللّه سبحانه وتعالى إذا اجتهد ، كما في مسألة جهة القبلة في الصّلاة ، واعتبره الشّارع شبهةً تدرأ العقوبة عن المخطئ ، وأمّا حقوق العباد فلا يعتبر الخطأ عذراً فيها ، ولذا فإنّ المخطئ يضمن ما ترتّب على خطئه من ضررٍ أو تلفٍ .

    وفي ذلك تفصيل محلّه مصطلح : ( خطأ ) .

    إذا أخطأ العالم في مسالة " أي قال فيها خلاف النص " فما حكمه وماموقف العلماء منه ؟؟ يسبق الإجابة علي هذا السؤال ذكر أمور لابد منها :

    جواز الخطأ في حق العلماء:

    لقوله تعالي لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286



    ولحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم المتفق عليه : عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب ، فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر "

    ولورود ذلك من اصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم

    وقد أورد بن عبد البر بابا في ذلك

    باب في خطأ المجتهدين من المفتيين والحكام
    قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ }
    { إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ . فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا }

  • #2
    الحلقة الثانية


    وقد أورد بن عبد البر بابا في ذلك

    باب في خطأ المجتهدين من المفتيين والحكام
    عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فاخطأ فله أجر

    قال البخاري لم يرو هذا الحديث عن معمر غير عبد الرزاق وأخشى أن يكون وهم فيه يعني في اسناده

    قال أبو عمر اختلف الفقهاء في تأويل هذا الحديث فقال قوم لا يؤجر من أخطأ لأن الخطأ لا يؤجر أحد عليه وحسبه أن يرفع عنه المأثم وردوا هذا الحديث بحديث بريدة المذكور في هذا الباب وبقوله تجاوز الله لأمتي عن خطائها ونسيانها وبقول الله ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ونحو هذا وقال آخرون يؤجر في الخطأ أجرا واحدا على ظاهر حديث عمرو بن العاصي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرق بين أجر المخطئ والمصيب فدل أن المخطئ يؤجر وهذا نص ليس لأحد أن يرده وقال الشافعي ومن قال بقوله يؤجر ولكنه لا يؤجر على الخطأ لأن الخطأ في الدين لم يؤمر به أحد وإنما يؤجر لإرادته الحق الذي أخطأه قال المزني فقد أثبت الشافعي في قوله هذا أن المجتهد المخطئ أحدث في الدين مالم يؤمر به ولم يكلفه وإنما أجر في نيته لا في خطئه

    قال أبو عمر لم نجد لمالك في هذا الباب شيئا منصوصا إلا أن ابن وهب ذكر عنه في كتاب العلم من جامعه قال سمعت مالكا يقول من سعادة المرء أن يوفق للصواب والخير ومن شقوة المرء أن لا يزال يخطئ وفي هذا دليل أن المخطئ عنده وإن اجتهد فليس بمرضى الحال والله أعلم

    وذكر اسماعيل القاضي في المبسوط قال قال محمد بن مسلمة إنما على الحاكم الاجتهاد فيما يجوز فيه الرأي فإذا اجتهد أراد الصواب يجهد نفسه قد أدى ما عليه أخطأ أو أصاب قال وليس أجد في رأي علي حقيقته أنه الحق وإنما حقيقته الاجتهاد فإن اجتهد وأخطأ في عقوبة إنسان فمات لم يكن عليه كفارة ولا دية لأنه قد عمل بالذي أمر به قال وليس يجوز لمن لا يعلم الكتاب والسنة ولا ماضي عليه أولو الأمر أن يجتهد رأيه فيكون اجتهاده مخالفا للقرآن والسنة والأمر المجمع عليه هذا كله قول محمد بن مسلمة علي ما ذكره عنه اسماعيل القاضي وذكر عبيد الله بن عمر بن أحمد الشافعي البغدادي في كتابه في القياس جملا مما ذكر الشافعي رحمه الله في كتابه في الرسالة البغدادية وفي الرسالة المصرية في كتاب جماع العلم وفي كتاب اختلاف الحديث في القياس وفي الاجتهاد وقال في هذا من قول الشافعي دليل على ترك تخطئة المجتهدين بعضهم لبعض إذ كل واحد منهم قد أدى ما كلف باجتهاده إذا كان ممن اجتمعت فيه آلة القياس وكان ممن له أن يجتهد ويقيس قال وقد اختلف أصحابنا في ذلك فذكر مذهب المزني قال وقد خالفه غيره من أصحابنا قال ولا أعلم خلافا بين الحذاق من شيوخ المالكيين ونظارهم من البغداديين مثل اسماعيل ابن اسحاق القاضي وابن بكير وأبي العباس الطيالسي ومن دونهم مثل شيخنا عمرو بن محمد أبي الفرج المالكي وأبي الطيب محمد بن محمد بن اسحاق بن راهوية وأبي الحسن ابن المنتاب وغيرهم من الشيوخ البغداديين والمصريين المالكيين كل يحكي أن مذهب مالك رحمه الله في اجتهاد المجتهدين والقائسين إذا اختلفوا فيما يجوز فيه التأويل من نوازل الأحكام أن الحق من ذلك عند الله واحد من أقوالهم واختلافهم إن أن كل مجتهد إذا اجتهد كما أمر وبالغ ولم يأل وكان من أهل الصناعة ومعه آلة الاجتهاد فقد أدى ما عليه وليس عله غير ذلك وهو مأجور على قصده الصواب وإن كان الحق عند الله من ذلك واحدا قال وهذا القول هو الذي عليه عمل أكثر أصحاب الشافعي قال وهو المشهور من قول أبي حنيفة فيما حكاه محمد بن الحسن وأبو يوسف وفيما حكاه الحذاق من أصحابهم مثل عيسى بن أبان ومحمد بن شجاع البلخي ومن تاخر عنهم مثل أبي سعيد البرذعي ويحيى بن سعيد الجرجاني وشيخنا أبي الحسن الكرخي وابي بكر البخاري المعروف بحد الجسم وغيرهم ممن رأينا وشاهدنا حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا الخثني حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن مسعود بن الحكم قال :-
    أتي عمر في زوج وأم وأخوة لأم وأخوة لأب وأم فأعطي الزوج النصف وأعطي الأم السدس وأعطي الثلث الباقي للأخوة للأم دون بني الأب والأم فلما كان من قابل أتى فيها فأعطى الزوج النصف والأم السدس وشرك بين بني الأم وبني الأب والأم في الثلث وقال أن لم يزدهم الأب قربا لم يزدهم بعدا فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين شهدتك عام الأول قضيت فيها بكذا وكذا فقال عمر تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا


    باب ذكر الدليل في أقاويل السلف على أن الاختلاف خطأ وصواب يلزم طالب الحجة عنده

    وذكر بعض ما خطأ فيه بعضهم بعضا وأنكره بعضهم على بعض عند اختلافهم


    وذكر معنى قوله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم

    حدثنا سعيد بن نصر وسعبد بن عثمان قالا حدثنا أحمد بن دحين قال حدثنا محمد بن ابراهيم الدبيلي قال حدثنا أبو عبيد الله المخزومي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار قال أخبرني سعيد بن جبير قال قلت لإبن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني اسرائيل فقال كذب حدثنا أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله.....

    قال أبو عمر قد رد أبو بكر الصديق رضي الله عنه قول الصحابة في الردة وقال والله لو منعوني عقالا مما أعطوه رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاهدتهم عليه

    وقطع عمر بن الخطاب اختلاف أصحاب رسول اله صلى الله عليه وسلم في التكبير على الجنائز وردهم إلى أربع وسمع سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان الضبي بن معبد مهلا بالحج والعمرة معا فقال أحدهما لصاحبه لهذا أضل من بعير أهله فأخبر بذلك عمر فقال لو لم يقولا شيئا هديت لسنة نبيك

    وردت عائشة قول أبي هريرة تقطع المرأة الصلاة وقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بينه وبين القبلة وردت قول عمر الميت يعذب ببكاء أهله عليه وقالت وهم أبو عبد الرحمن أو أخطأ او نسى وكذلك قالت له في عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ زعم ابن عمر أنه اعتمر أربع عمر فقالت عائشة هذا وهم منه على أنه قد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمره كلها ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثا

    وأنكر ابن مسعود على أبي هريرة قوله من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ وقال فيه قولا شديدا وقال يا أيها الناس لا تنجسوا من موتاكم وقيل لابن مسعود إن سلمان بن ربيعة وأبا موسى الأشعري قالا في بنت وبنت ابن واخت إن المال بين البنت ولأخت نصفان ولا شيء لبنت الابن وقالا للسائل وائت ابن مسعود سيتابعنا فقال ابن مسعود لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين بل أقضى فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة للثلثين وما بقي فللأخت

    وأنكر جماعة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضاع الكبير ولم تأخذ واحدة منهن بقولها في ذلك وأنكر ذلك أيضا ابن مسعود على أبي موسى الأشعري وقال إنما الرضاعة ما أنبت اللحم والدم فرجع أبو موسى إلى قوله

    وأنكر ابن عباس على علي أنه أحرق المرتدين بعد قتلهم

    واحتج ابن مسعود بقوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاضربوا عنقه فبلغ ذلك عليا فأعجبه قوله قال أبو عمر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل فاضربوا عنقه ثم أحرقوه

    ورفع إلى علي بن أبي طالب أن شريحا قضى في رجل وجد آبقا فأخذه ثم ابق منه أنه يضمن العبد فقال علي أخطأ شريح وأساء القضاء بل يحلف بالله لابق منه وهو لا يعلم وليس عليه شيء وعن عمر في الجارية النوبية التي جاءت حاملا إلى عمر فقال لعلي وعبد الرحمن ما تقولان فقالا أقضاء غير قضاء الله تلتمس قد أقرت بالزنا فحدها وعثمان ساكت فقال عمر لعثمان ما تقول فقال أراها تستهل به وإنما الحد على من علمه فقال عمر القول ما قلت مالحد إلا على من علمه

    وقيل لابن عباس أن عليا يقول لا تؤكل ذبائح نصارى العرب لأنهم لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشرب الخمر فقال ابن عباس تؤكل ذبائحهم لأن الله يقول ومن يتولهم منكم فإنه منهم

    وعن ابن عمر في الذي توالى عليه رمضانان بدنتان مقلدتان فأخبر ابن عباس بقوله فقال وما للبدن وهذا يطعم ستين مسكينا فقال ابن عمر صدق ابن عباس امض لما أمرك به

    وقال على المكاتب يعتق إذا عجز يعتق منه بقدر ما أدى فقال زيد هو عبد ما بقى عليه درهم وقال عبد الله بن مسعود إذا أدى الثلث فهو غريم وعن عمر بن الخطاب إذا أدى الشطر فلا رق عليه وقال شريح إذا أدى قيمته فهو غريم وعن ابن مسعود أيضا مثله وقال زيد وابن عمر وعثمان وعائشة وأم سلمة هو عبد ما بقى عليه درهم

    وروى وكيع عن اسماعيل بن عبد الملك قال سألت سعيد ابن جبير عن ابنة وابن عم أحدهما أخ لام فقال للأبنة النصف وما بقى فلابن العم الذي ليس باخ لام قال وسألت عطاء فقال أخطأ سعيد بن جبير الابنة النصف وما بقى بينهما نصفان قال يحيى بن آدم القول عندنا قول عطاء لأن الابنة والأخت لا تحجب العصبة ولم تزده الأم إلا قربا

    قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ }
    { إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ . فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا }

    تعليق


    • #3

      قال أبو عمر هذا كثير في كتب العلماء وكذلك اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من المخالفين وما رد فيه بعضهم على بعض لا يكاد يحيط به كتاب فضلا عن أن يجمع في باب وفيما ذكرنا منه دليل على ما عنه سكتنا وفي رجوع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض ورد بعضهم على بعض دليل واضح على أن اختلافهم عندهم خطأ وصواب ولولا ذلك كان يقول كل واحد منهم جائز ما قلت أنت وجائز ما قلت أنا وكلانا نجم يهتدي به فلا علينا شيء من اختلافنا

      قال ابو عمر والصواب مما اختلف فيه وتدافع وجه واحد ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف بعضهم بعضا في اجتهادهم وقضاياهم وفتواهم والنظر يأبى أن يكون الشيء وضده صوابا كله

      ولقد أحسن القائل

      إثبات ضدين معا في حال أقبح ما يأتي من المحال

      ومن تدبر رجوع عمر إلى قول معاذ في المرأة الحامل وقوله لولا معاذ هلك عمر علم صحة ما قلنا وكذلك رجع عثمان في مثلها إلى قول على وروي أنه رجع في مثلها إلى قول ابن عباس وروي أن عمر إنما رجع فيها إلى قول علي وليس كذلك إنما رجع عمر إلى قول معاذ في التي أراد رجمها حاملا فقال له معاذ ليس لك على ما في بطنها سبيل ورجع إلى قول علي في التي وضعت لستة أشهر

      روى قتادة عن ابن أبي حرب ابن أبي الأسود عن أبيه أنه رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر فهم عمر برجمها فقال له علي ليس ذلك لك قال الله تبارك وتعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وقال وحمله وفصاله ثلاثون شهرا لا رجم عليها فخلى عمر عنها فولدت مرة أخرى لذلك الحد ذكره عفان عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة

      ورجع عثمان عن حجبة الجد بالأخ إلى قول علي ورجع عمر وابن مسعود عن مقاسمة الجد إلى السدس إلى قول زيد في المقاسمة إلى الثلث ورجع علي عن موافقته عمر في عتق امهات الأولاد وقال له عبيدة السلماني رأيك مع عمر أحب إلي من رأيك وحدك وتمادى علي على ذلك فأرقهن ورجع ابن عمر إلى قول ابن عباس فيمن توالي عليه رمضانان وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ردوا الجهالات إلى السنة

      وفي كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجح فيه إلى الحق فإن الحق قديم والرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل

      وروي عن مطرف بن الشخير أنه قال لو كانت الأهواء كلها واحدا لقال القائل لعل الحق فيه فلما تشعبت وتفرقت عرف كل ذي عقل أن الحق لا يتفرق وعن مجاهد ولا يزالون مختلفين قال أهل الباطل إلا من رحم ربك قال أهل الحق ليس بينهم اختلاف وقال أشهب سمعت مالكا يقول ما الحق إلا واحد قولان مختلفان لا يكونان صوابا جميعا ما الحق والصواب إلا واحد قال أشهب وبه يقول الليث ،

      قال أبو عمر الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله

      قال المزني يقال لمن جوز الاختلاف وزعم أن العالمين إذا اجتهدا في الحادثة فقال أحدهما حلال والأخر حرام فقد أدى كل واحد منهما جهده وما كلف وهو في اجتهاده مصيب الحق أبأصل قلت هذا أم بقياس فإن قال بأصل قيل كيف يكون أصلا والكتاب أصل ينفي الخلاف وإن قال بقياس قيل كيف تكون الأصول تنفي الخلاف ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف هذا ما لا يجوزه عاقل فضلا عن عالم ويقال له أليس إذا ثبت حديثان مختلفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى واحد أحله أحدهما وحرمه الآخر وفي كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على اثبات أحدهما ونفى الآخر أليس يئبت الذي يثبته الدليل ويبطل الآخر ويبطل الحكم به فإن خفي الدليل على أحدهما واشكل الأمر فيهما وجب الوقوف فإذا قال نعم ولا بد من نعم وإلا خالف جماعة العلماء قيل له فلم لا تصنع هذا برأي العالمين المختلفين فيثبت منهما ما يثبته الدليل ويبطل ما أبطله الدليل

      قال أبو عمر ما الزمه المزني عندي لازم فلذلك ذكرته وأضفته إلى قائله لأنه يقال إن من بركة العلم أن تضيف الشيء إلى قائله وهذا باب يتصل فيه القول وقد جمع الفقهاء من أهل النظر في هذا وطولوا وفيما لوحنا مقنع ونصاب كاف لمن فهمه وأنصف نفسه ولم يخادعها بتقليد الرجال

      حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال سمعت سحنون يقول قال ابن القاسم من صلى خلف أهل الأهواء يعيد في الوقت قلت لسحنون ما تقول أنت قال أقول إن الإعادة ضعيفة قلت له إن أصبغ بن الفرج يقول يعيد أبدا في الوقت وبعده إذا صلى خلف أحد من أهل الأهواء والبدع فقال سحنون لقد جاء من راى الإعادة عليهم في الوقت وبعده ببدعة أشد من بدعة صاحب البدعة قال أبو عمر لاصحابنا من رد بعضهم لقول بعض بدليل وبغير دليل شيء لا يكاد يحصى كثرة ولو تقصيته لقام منه كتاب كبير أكبر من كتابنا هذا ولكني رأيت القصد إلى ما يلزم أولى وأوجب فاقتصرنا على الحجة عندنا وبالله عصمتنا وتوفيقنا وهو نعم المولى ونعم المستعان قال المزني رحمه الله في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم قال إن صح هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليهم فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به لا يجوز عندي غير هذا وأما ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضا ولا أنكر بعضهم على بعض ولا رجع منهم أحد إلى قول صاحبه فتدبر أخبرنا محمد بن ابراهيم ابن سعد قراءة مني عليه أن محمد بن أحمد بن يحيى حدثهم
      قال حدثنا أبو الحسن محمد بن أيوب الرقي قال قال لنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار سألتهم عما يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما في أيدي العامة يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما مثل أصحابي كمثل النجوم أو أصحابي كالنجوم فبأيها اقتدوا اهتدوا وهذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما رواه عبد الرحيم عن أبيه عن ابن عمر وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم ابن زيد لأن أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه والكلام ايضا منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فعضوا عليها بالنواجذ وهذا الكلام يعارض حديث عبد الرحيم لو ثبت فكيف ولم يثبت والنبي صلى الله عليه وسلم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه والله أعلم هذا آخر كلام البزار قال أبو عمر قد روي أبو شهاب الحناط عن حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم

      وهذا إسناد لا يصح ولا يرويه عن نافع من يحتج به وليس كلام البزار بصحيح على كل حال لأن الآقتداء بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منفردين إنما هو لمن جهل ما يسئل عنه ومن كانت هذه حاله فالتقليد لازم له ولم يأمر أصحابه أن يقتدي بعضهم ببعض إذا تأولوا تأويلا سائغا جائزا ممكنا في الأصول وإنما كل واحد منهم نجم جائز أن يقتدي به العامي الجاهل بمعنى ما يحتاج إليه من دينه وكذلك سائر العلماء مع العامة والله أعلم وقد روي في هذا الحديث اسناد غير ما ذكر البزار حدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد بن أحمد قال حدثنا علي بن عمر قال حدثنا القاضي أحمد بن كامل قال حدثنا عبد الله بن روح قال حدثنا سلام بن سليم قال حدثنا الحارث بن غصين عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم قال أبو عمر هذا اسناد لا تقوم به حجة لأن الحرث بن غصين مجهول حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد ابن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا سعيد بن عامر قال حدثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة قال ليس أحد من خلق الله ألا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم

      قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ }
      { إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ . فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا }

      تعليق


      • #4
        الحلقة الثالثة الموقف من خطأ العالم :


        قبل النظر في الموقف من خطأ العالم نرجع لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم في بيان ذلك

        حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم المتفق عليه : عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب ، فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " البخاري رقم 7352 ومسلم رقم 1716

        قال النووي في شرح مسلم " قال العلماء : أجمع المسلمون علي أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم فإن أصاب فله أجران أجر باجتهاده وأجر بإصابته ، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده وفي الحديث محذوف تقديره إذا أراد الحاكم فاجتهد ، قالوا فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم فإن حكم فلا أجر له بل هو آثم ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا ؛ لأن إصابته إتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي ، فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا .

        وهي مردودة كلها ولا يُعذر في شئ من ذلك ، وقد جاء في الحديث في السنن القضاة ثلاثة قاض في الجنة واثنان في النار ، قاض عرف الحق فقضي به فهو في الجنة وقاض عرف الحق فقضي بخلافه فهو في النار ، وقد اختلف العلماء في أن كل مجتهد مصيب أم المصيب واحد ؟ وهو من وافق الحكم الذي عند الله تعالي ، والآخر مخطئ لا إثم عليه لعذره ، والأصح عند الشافعي وأصحابه أن المصيب واحد ، وقد احتجت الطائفتان بهذا الحديث ، واما الأولون القائلون كل مجتهد مصيب فقالوا : قد جعل للمجتهد أجر فلولا إصابته لم يكن له أجر ، وأما الأخرون فقالوا سماه مخطئا ، ولوكان مصيبا لم يسمه مخطئا ، وأما الأجر فإنه حصل له علي تعبه في الإجتهاد ، قال الأولون : إنما سماه مخطئا لأنه محمول علي من أخطأ النص أو إجتهد فيما لايسوغ فيه الاجتهاد كالمجمع عليه وغيره ، وهذا الإختلاف إنما هو اجتهاد في الفروع ، فأما التوحيد فالمصيب فيها واحد بإجماع من يعتد به ، ولم يخالف إلا عبدالله بن الحسن العبتري وداود الظاهري ، فصوبا المجتهدين في ذلك أيضا ، قال العلماء : الظاهر أنهما أرادا المجتهدين من المسلمين دون الكفار . والله أعلم " شرح مسلم ج12 صـ20 -21 ــ


        وقال شيخ الإسلام بن تيمية في كتاب أُصول الفقه :


        لفظ الخطأ قد يراد به الإثم؛ وقد يراد به عدم العلم‏.‏ فإن أريد الأول فكل مجتهد اتقى الله ما استطاع فهو مصيب؛ فإنه مطيع لله ليس بآثم ولا مذموم‏.‏ وإن أريد الثاني فقد يخص بعض المجتهدين بعلم خفي على غيره؛ ويكون ذلك علما بحقيقة الأمر لو اطلع عليه الآخر لوجب عليه اتباعه؛ لكن سقط عنه وجوب اتباعه لعجزه عنه وله أجر على اجتهاده ولكن الواصل إلى الصواب له أجران


        11ومن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنة، وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف، أن خير قرون هذه الأمة ـ في الأعمال والأقوال، والاعتقاد وغيرها من كل فضيلة أن خيرها ـ القرن الأول، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة من علم، وعمل، وإيمان، وعقل، ودين، وبيان، وعبادة، وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل‏.‏ هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، وأضله الله على عِلْم، كما قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه‏:‏ من كان منكم مُسْتَنَّا فَلْيَسْتَنَّ بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد، أبرّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم‏.‏ وقال غيره‏:‏ عليكم بآثار من سلف فإنهم جاؤوا بما يكفي وما يشفى، ولم يحدث بعدهم خير كامن لم يعلموه‏.‏

        هذا، وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏‏ (‏لا يأتي زمان إلا والذي بعده شَرٌّ منه حتى تلقوا ربكم‏)‏، فكيف يحدث لنا زمان فيه الخير في أعظم المعلومات وهو معرفة الله تعالى ‏؟‏ هذا لا يكون أبدًا‏.‏
        وما أحسن ما قال الشافعي ـ رحمه الله ـ في رسالته‏:‏ هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل، وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا‏!‏

        فإن عامة ما عند السلف من العلم والإيمان، هو ما استفادوه من نبيهم صلى الله عليه وسلم، الذي أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد، الذي قال الله فيه‏:‏‏{‏هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏9‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 28،29‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏164‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الشورى52 ،53‏]‏‏.‏ ‏.‏


        فإن الله سبحانه وتعالي ـ قد أوجب موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأوجب عليهم معاداة الكافرين، فقال تعالى‏:‏‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏51-56‏]‏‏.‏

        فقد أخبر ـ سبحانه ـ أن ولى المؤمن هو الله ورسوله وعباده المؤمنين، وهذا عام في كل مؤمن موصوف بهذه الصفة، سواء كان من أهل نسبة أو بلدة أو مذهب أو طريقة أو لم يكن، وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏71‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 72ـ75‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏‏{‏ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين َإِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 9، 10‏]‏‏.‏

        وفي الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر‏)‏، وفي الصحاح ـ أيضًا ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا‏)‏، وشبك بين أصابعه، وفي الصحاح ـ أيضًا ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏)‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏المسلم أخو المسلم، لا يسلمه ولا يظلمه‏)‏ وأمثال هذه النصوص في الكتاب والسنة كثيرة‏.‏

        وقد جعل الله فيها عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وجعلهم إخوة، وجعلهم متناصرين متراحمين متعاطفين، وأمرهم سبحانه بالائتلاف ونهاهم عن الافتراق والاختلاف، فقال‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 103‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 159‏]‏‏.‏

        فكيف يجوز مع هذا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تفترق وتختلف، حتى يوالي الرجل طائفة ويعادي طائفة أخرى بالظن والهوى، بلا برهان من الله تعالى‏.‏ وقد برأ الله نبيه صلى الله عليه وسلم ممن كان هكذا‏.‏

        فهذا فعل أهل البدع؛ كالخوارج الذين فارقوا جماعة المسلمين واستحلوا دماء من خالفهم‏.‏
        وأما أهل السنة والجماعة فهم معتصمون بحبل الله‏.‏ وأقل ما في ذلك أن يفضل الرجل من يوافقه على هواه، وإن كان غيره أتقى لله منه‏.‏
        وإنما الواجب أن يقدم من قدمه الله ورسوله، ويؤخر من أخره الله ورسوله، ويحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، وينهى عما نهى الله عنه ورسوله، وأن يرضى بما رضى الله به ورسوله، وأن يكون المسلمون يدًا واحدة، فكيف إذا بلغ الأمر ببعض الناس إلى أن يضلل غيره ويكفره، وقد يكون الصواب معه وهو الموافق للكتاب والسنة‏؟‏‏!‏ ولو كان أخوه المسلم قد أخطأ في شيء من أمور الدين، فليس كل من أخطأ يكون كافرًا ولا فاسقًا، بل قد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، وقد قال تعالى في كتابه في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 286‏]‏، وثبت في الصحيح أن الله قال‏:‏ ‏(‏قد فعلت‏)
        قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ }
        { إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ . فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا }

        تعليق


        • #5
          وسئل ‏:شيخ الإسلام بن تيمية‏

          هل كل مجتهد مصيب ‏؟‏ أو المصيب واحد والباقي مخطئون ‏؟‏ ‏.‏

          ‏[‏فأجاب‏]‏‏:‏ قد بسط الكلام في هذه المسألة في غير موضع وذكر نزاع الناس فيها وذكر أن لفظ الخطأ قد يراد به الإثم؛ وقد يراد به عدم العلم‏.‏
          فإن أريد الأول فكل مجتهد اتقى الله ما استطاع فهو مصيب؛ فإنه مطيع لله ليس بآثم ولا مذموم‏.‏ وإن أريد الثاني فقد يخص بعض المجتهدين بعلم خفي على غيره؛ ويكون ذلك علما بحقيقة الأمر لو اطلع عليه الآخر لوجب عليه اتباعه؛ لكن سقط عنه وجوب اتباعه لعجزه عنه وله أجر على اجتهاده ولكن الواصل إلى الصواب له أجران كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته‏:‏ ‏(‏إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر‏)‏‏.‏ ولفظ ‏[‏الخطأ‏]‏ يستعمل في العمد وفي غير العمد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 31‏]‏ والأكثرون يقرءون ‏[‏خطئا‏]‏ على وزن ردءا وعلما‏.‏ وقرأ ابن عامر ‏[‏خطأ‏]‏ على وزن عملا كلفظ الخطأ في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 92‏]‏‏.‏
          وقرأ ابن كثير ‏[‏خطاء‏]‏ على وزن هجاء‏.‏ وقرأ ابن رزين ‏[‏خطاء‏]‏ على وزن شرابا‏.‏ وقرأ الحسن وقتادة ‏[‏خطأ‏]‏ على وزن قتلا‏.‏ وقرأ الزهري ‏[‏خطا‏]‏ بلا همز على وزن عدى‏.‏
          قال الأخفش‏:‏ خطا يخطأ بمعنى‏:‏ أذنب وليس معنى أخطأ؛ لأن أخطأ في ما لم يصنعه عمدا يقول فيما أتيته عمدا خطيت؛ وفيما لم يتعمده‏:‏ أخطأت‏.‏ وكذلك قال أبو بكر ابن الأنباري الخطأ‏:‏ الإثم يقال‏:‏ قد خطا يخطأ إذا أثم وأخطأ يخطئ إذا فارق الصواب‏.‏
          وكذلك قال ابن الأنباري في قوله‏:‏ ‏{‏تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 91‏]‏
          فإن المفسرين كابن عباس وغيره‏:‏ ‏[‏قالوا‏]‏ لمذنبين آثمين في أمرك وهو كما قالوا فإنهم قالوا‏:‏ ‏{‏قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 97‏]‏ وكذلك قال العزيز لامرأته‏:‏ ‏{‏وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 29‏]‏ قال ابن الأنباري‏:‏ ولهذا اختير خاطئين على مخطئين وإن كان أخطأ على ألسن الناس أكثر من خطا يخطي؛ لأن معنى خطا يخطي فهو خاطئ‏:‏ آثم ومعنى أخطأ يخطئ‏:‏ ترك الصواب ولم يأثم‏.‏ قال عبادك يخطئون وأنت رب تكفل المنايا والحتوم وقال الفراء‏:‏ الخطأ‏:‏ الإثم الخطا والخطا والخطاء ممدود‏.‏ ثلاث اللغات‏.‏
          قلت‏:‏ يقال في العمد‏:‏ خطأ كما يقال في غير العمد على قراءة ابن عامر فيقال لغير المتعمد‏:‏ أخطأت كما يقال له‏:‏ خطيت ولفظ الخطيئة من هذا‏.‏

          ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا‏}‏ ‏[‏نوح‏:‏ 25‏]‏ وقول السحرة‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 51‏]‏‏.‏ ومنه قوله في الحديث الصحيح الإلهي‏:‏ ‏(‏يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم‏)‏ وفي الصحيحين عن أبي موسى؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه‏:‏ ‏(‏اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي؛ وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي‏)‏‏.‏
          وفي الصحيحين ‏(‏عن أبي هريرة؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول ‏؟‏
          قال‏:‏ أقول‏:‏ اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد‏)‏‏.‏

          والذين قالوا‏:‏ كل مجتهد مصيب والمجتهد لا يكون على خطأ وكرهوا أن يقال للمجتهد‏:‏ إنه أخطأ هم وكثير من العامة يكره أن يقال عن إمام كبير‏:‏ إنه أخطأ وقوله أخطأ لأن هذا اللفظ يستعمل في الذنب كقراءة ابن عامر‏:‏ إنه كان خطئا كبيرا ولأنه يقال في العامد‏:‏ أخطأ يخطئ كما قال‏:‏ ‏(‏يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم‏)‏ فصار لفظ الخطأ وأخطأ قد يتناول النوعين كما يخص غير العامل وأما لفظ الخطيئة فلا يستعمل إلا في الإثم‏.‏

          والمشهور أن لفظ الخطأ يفارق العمد كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 92‏]‏ الآية ثم قال بعد ذلك‏:‏ ‏{‏وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 93‏]‏‏.‏ وقد بين الفقهاء أن الخطأ ينقسم إلى خطأ في الفعل؛ وإلى خطأ في القصد‏.‏

          فالأول‏:‏ أن يقصد الرمي إلى ما يجوز رميه من صيد وهدف فيخطئ بها وهذا فيه الكفارة والدية‏.‏

          والثاني‏:‏ أن يخطئ في قصده لعدم العلم؛ كما أخطأ هناك لضعف القوة وهو أن يرمي من يعتقده مباح الدم ويكون معصوم الدم كمن قتل رجلا في صفوف الكفار ثم تبين أنه كان مسلما والخطأ في العلم هو من هذا النوع؛ ولهذا قيل في أحد القولين‏:‏ إنه لا دية فيه لأنه مأمور به بخلاف الأول‏.‏
          وأيضا فقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ ففرق بين النوعين وقال تعالى‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 286‏]‏؛ وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى قال‏:‏ ‏"‏ قد فعلت ‏"‏‏.‏ فلفظ الخطأ وأخطأ عند الإطلاق يتناول غير العامد وإذا ذكر مع النسيان أو ذكر في مقابلة العامد كان نصا فيه وقد يراد به مع القرينة العمد أو العمد والخطأ جميعا كما في قراءة ابن عامر؛ وفي الحديث الإلهي - إن كان لفظه كما يرويه عامة المحدثين - ‏[‏تخطئون‏]‏ بالضم‏.‏
          وأما اسم الخاطئ فلم يجئ في القرآن إلا للإثم بمعنى الخطيئة كقوله‏:‏ ‏{‏وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 29‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 91‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 97‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ‏}‏ ‏[‏الحاقة‏:‏ 37‏]‏‏.‏

          وإذا تبين هذا فكل مجتهد مصيب غير خاطئ وغير مخطئ أيضا إذا أريد بالخطأ الإثم على قراءة ابن عامر ولا يكون من مجتهد خطأ وهذا هو الذي أراده من قال‏:‏ كل مجتهد مصيب وقالوا‏:‏ الخطأ والإثم متلازمان فعندهم لفظ الخطأ كلفظ الخطيئة على قراءة ابن عامر وهم يسلمون أنه يخفى عليه بعض العلم الذي عجز عنه لكن لا يسمونه خطأ؛ لأنه لم يؤمر به وقد يسمونه خطأ إضافيا بمعنى‏:‏ أنه أخطأ شيئا لو علمه لكان عليه أن يتبعه وكان هو حكم الله في حقه؛ ولكن الصحابة والأئمة الأربعة - رضي الله عنهم - وجمهور السلف يطلقون لفظ الخطأ على غير العمد؛ وإن لم يكن إثما كما نطق بذلك القرآن والسنة في غير موضع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر‏)‏‏.‏ وقال غير واحد من الصحابة كابن مسعود‏:‏ أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان؛ والله ورسوله بريئان منه‏
          التعديل الأخير تم بواسطة developer; 22 / 04 / 2006, 09:11 AM.
          قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ }
          { إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ . فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا }

          تعليق


          • #6
            جزاك الله أخى كل خير
            ولكن أعتقد أنه لو كل يوم حلقة يكون أفضل حتى لا يمل القارىء من طول الموضوع
            أبواسلام.
            كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
            رابطة الجرافيك الدعوى

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة أبواسلام
              جزاك الله أخى كل خير
              ولكن أعتقد أنه لو كل يوم حلقة يكون أفضل حتى لا يمل القارىء من طول الموضوع
              ان شاء الله يتم تجميعه فى ملف ورد فى القريب العاجل ان شاء الله
              قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ }
              { إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ . فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا }

              تعليق


              • #8
                جزاك الله خيرا أخى الكريم

                تعليق

                يعمل...
                X