بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، قال في كتابه المبين: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين. وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فان المؤتمرات والندوات تعقد الآن لجمع كلمة المسلمين ونبذ الخلاف بينهم وهذا شيء طيب دعا الله ورسوله إليه وأجمع المسلمون عليه. ولكن ما هي الوسيلة التي تحققه؟ إنها الوسيلة الوحيدة التي نص الله عليها بقوله :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد. فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة) فدلت الآية الكريمة والحديث النبوي الشريف على أنه سيكون هناك اختلاف بين الأمة وان هذا الاختلاف لا يحسم إلا بثلاثة أمور:
الأمر الأول: اجتماع الكلمة تحت طاعة ولي أمر المسلمين وعدم الخروج عليه الا إذا ارتكب كفرا بواحا عندنا عليه من الله سلطان أي حجة قاطعة.
الأمر الثاني: ان نرد ما اختلفنا فيه إلى كتاب الله وسنة ورسوله فما شهد له الكتاب والسنة من الأقوال والآراء فهو الحق الذي يجب اتباعه. وما خالف الكتاب والسنة من الأقوال والآراء فهو الباطل الذي يجب نبذه وتجنبه.
الأمر الثالث: ان نعمل بالسنة لأنها هداية، ونترك البدع لأنها ضلالة.
الأمر الرابع: ما لم تتبين مخالفته ولا موافقته من الآراء الفقهية الاجتهادية فلنا معه حالات:
الأولى: أن يأخذ به ولي أمر المسلمين ويفتي به العلماء المعتبرون فإنه يؤخذ به لأن القاعدة: أن حكم الحاكم يرفع الخلاف ولأن جمع الكلمة مطلوب.
الثانية: إذا لم يؤخذ به من قبل ولي الأمر وأهل الفتوى ان نتوقف فيه عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) وقوله صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
الثالثة: إذا ما اخذ بأحد الأقوال في هذه المسألة بعض العلماء فإنه لا ينكر عليه كما هي القاعدة: (لا إنكار في مسائل الاجتهاد).
وأما من يزعمون بأن جمع الكلمة يتحقق بترك الناس على مذاهبهم وأقوالهم ولو كانت مخالفة للكتاب والسنة فهؤلاء في الحقيقة يدعون إلى الفرقة والتناحر بين الأمة. لأنه لا يجمع المسلمين الا اتباع الكتاب والسنة كما قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) إن الواجب على هذه الندوات والمؤتمرات التي تقعد لجمع كلمة المسلمين أن تبحث عن سبب الاختلاف فتزيله لأنه إذا زال السبب زال المسبب أما ان يحاولوا ولو جمع المسلمين على خلاف القضاء بينهم فهذا لا يمكن .
وشر من هؤلاء ينادون بنبذ الإسلام عقيدة وشريعة والإبقاء على اسمه فقط والرجوع بالمسلمين إلى أخذ ما عليه الكفار من الكفر والإلحاد بحجة الحرية في الرأي. وهؤلاء في الحقيقة يريدون الرجوع بالناس إلى أمر الجاهلية التي كان عليها الناس قبل الإسلام. وهم ينفذون رغبة الكفار الذين قال الله تعالى فيهم: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) هذه كلمات أحببت إبداءها لعلها تكون إضاءات في الطريق إلى التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا حتى تعود لنا عزتنا فنحن كما قال عمر رضي الله عنه (نحن أمة أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله) وكما قال الإمام مالك رحمه الله: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
تعليق