إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، يقول – تعالى – في محكم تنزيله : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [سورة آل عمران ، الآية :102 ] .
ويقول – جل ثناؤه :- { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } . [سورة النساء الآية : 1 ]
وقال عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيمًا } [سورة الأحزاب ، الآية 70 ] .
وبعد
نتقدم للقراء الكرام بهذه النصيحة القيمة المباركة، من فضيلة شيخنا وأستاذنا الشيخ عبدالله بن محمد الغنيمان .. أستاذ الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة على ساكنها صلوات ربي وتسليمه ، في موضوع يشغل بال كل مسلم، وكل طالب علم على الخصوص، ألا وهو موضوع الأهواء والمنازعات والخلافات التي تحدث بين آونة وأخرى بين فئات من المسلمين، وما ينتج عن هذه الخلافات من العدوان والظلم والتجني من بعض من ينتسبون للعلم .
وكان هذا الموضوع في أصله عبارة عن محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ عبدالله الغنيمان، بعنوان : "الهوي وأثره في الخلاف " .
وقد عالج فضيلته هذه المسائل وجزئياتها بأسلوب علمي منهجي رصين، جمع بين الأصالة في حشد النصوص والآثار، وبين الرصانة والموضوعية في عرض المسائل، بأسلوب واضح، وسياق سلس، وبروح العالم الناصح المشفق، مقتفيا نهج السلف الصالح في العرض والاستدلال والمناقشة، بعيدا عن التكلف والعمق والتميع الذي وقع فيه كثير من الكتاب الإسلاميين المحدثين، وأنصح كل طالب علم ومن تصدى للدعوة بصفة خاصة أن يقرأ هذا الكتاب بتمتعن وروية فسيجد فيه بغيته - إن شاء الله - .
وفق الله الجميع للسداد والرشاد وجزى الله شيخنا خير الجزاء، وأحسن له في الدنيا والاخرة .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وآله وصحبه وسلم .
إن من أعظم دواعي الضلال وأسباب الهلاك اتباع الهوى، فإنه يهوي بصاحبه إلى المهالك حتى يورده النار .
قال الشاطبي: " سمى الهوى هوى، لأنه يهوي بصاحبه إلى النار " . وروي هذا عن الشعبي .
وقال ابن عباس : ما ذكر الله – عز وجل – الهوى في كتابه إلا ذمه !!
" وأصل الضلال : اتباع الظن والهوى، كما قال تعالى فيمن ذمهم : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } [سورة النجم الآية :23 ] .
وهذا وصف للكفار فكل من له نصيب من هذا الوصف فله نصيب من متابعة الكفار بقدر ذلك النصيب .
وقال – تعالى – في حق نبيه، صلى الله عليه وسلم، { والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحى يوحى } [سورة النجم الآيات1-4]
فنزهه عن الضلال والغواية، الذين هما : الجهل والظلم، فالضال هو الذي لا يعمل الحق، والغاوي الذي يتبع هواه .
وأخبر أنه لا ينطق عن هوى النفس، بل هو وحى أوحاه الله إليه. فوصفه بالعلم ونزهه عن الهوي " .
ومتبع الهوى لا بد أن يضل، سواء عن علم أو عن جهل، فإنه كثيراً ما يترك العلم اتباعاً لهواه، ولا بد أن يظلم إما بالقول أو بالفعل، لأن هواه قد أعماه .
ولهذا حذر السلف عن مجالسة من هذه صفته، كما قال أبو قلابة : " لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون " .
وقال أيضا: "لا تجالسوا أهل الأهواء فإنكم إن لم تدخلوا فيما دخلوا فيه لبسوا عليكم ما تعرفون " . يعني أن مجلس صاحب الهوى لا يسلم من الشر . فإما أن يتابع صاحب الهوى على هواه وباطله، أو يدخل عليه شبهة في دينه الذي يعرف أنه حق .
وقال ابن عباس : " لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب " .
وقال ابراهيم النخعي : " لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في قلوب المؤمنين " .
وقال مجاهد : " لا تجالسوا أهل الأهواء فإن لهم عرة كعرة الجرب " .
يعني أنهم يعدون من قرب منهم، كما أن من قارب الأجرب جرب .
وقال محمد بن علي : " لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله " .
يقصد قوله – تعالى : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا } [ سورة النساء ، الآية : 140 ] .
وقال مصعب بن سعد : " لا تجالس مفتونا فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين إما أن يفتنك فتتابعه ! وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه " !!
وقال يونس بن عبيد : " أوصيكم بثلاث : لا تمكنن سمعك من صاحب هوى ، ولا تخل بامرأة ليست لك بمحرم ، ولو أن تقرأ عليها القرآن، ولا تدخلن على أمير ولو أن تعظه ".
وقال أبو قلابة يوصي أيوب السختياني : " يا أيوب احفظ عني أربعاً : لا تقل في القرآن برأيك، وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأمسك، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك فينبذوا فيه ما شاءوا " .
وقال أبو الجوزاء: "لئن تجاورني القردة والخنازير في دار أحب إلي من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء". وقد دخلوا في هذه الآية : {وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور }. [سورة آل عمران ، الآية :119] .
وقد دل على هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال، فإنه قال : " من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات " .
والمتعين على العبد – ولا سيما المبتدئ والشاب – أن يبتعد عن الشبه والجدال في الدين، فإن ذلك يجر الى الردى .
قال ابن بطة : قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، :" من سمع منكم بخروج الدجال فلينأ عنه ما استطاع فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فما يزال به حتى يتبعه لما يرى من الشبهات " .
قال : هذا قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق، فلا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينة في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء فيقول : أداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه فإنهم أشد فتنة من الدجال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا عليهم .
وذكر أن محمد بن السائب كان من أهل السنة، فقال : نذهب نسمع من هؤلاء فما رجع حتى أخذ بها وعلقت في قلبه . أ . هـ ومثله كثير .
والهوى : كل ما خالف الحق، وللنفس فيه حظ ورغبة من الأقوال والأفعال والمقاصد، فالهوى ميل النفس إلى الشهوة، ثم يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية !!
فميل النفس إلى الثناء ومدح الناس وتعظيمهم إياه وطلب الرفعة عليهم في رئاسة أو صفة هو الهوى .
وقد ذم الله اليهود لاتباعهم لأهوائهم، حيث قادهم ذلك إلى تبديل شرع الله والكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الوحي .
وسبب ذلك اتباعهم لأهوائهم، قال تعالى : { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتهم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} [سورة البقرة الآية 87] . وقال تعالى : { لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون } [ المائدة ، الآية : 70]
فاتباع الهوى هو أصل الضلال والكفر، ومعلوم أن ذلك يتفاوت تفاوتاً عظيماً، فمن اتباع الهوى ما يوصل إلى ما ذكر، ومنه ما هو أقل من ذلك، وكل من خالف الحق لا يخرج عن اتباعه للهوى أو الاعتماد على الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، كما قال تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } [سورة النجم ، الآية :23] . فإن كان يعتقد أن قوله صحيحاً وله فيه حجة يتمسك بها فغايته اتباع الظن الذي لا يغني من الحق شيئا وتكون حجته شبهات فاسدة مركبة من ألفاظ مجملة ومعان متشابهة لم يميز بين حقها وباطلها، فإذا ميز الحق فيها عن الباطل زال الاشتباه .
ومما يجب أن يعلم أن الله – تعالى – لم يقص علينا في القرآن الكريم قصص السابقين إلا لنعتبر بها لما فينا من الحاجة إلى ذلك، ولما فيه من المصلحة، وإنما يكون الاعتبار إذا قسنا ما يقع لنا وما يكون فينا على ما وقع من السابقين وحصل لهم من جراء ذلك .
ولولا أن في نفوس كثير من الناس أو أكثرهم ما كان في نفوس المكذبين للرسل لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه بقول أو فعل أو سجية كامنة في النفس تنتظر الخروج، ولكن الواقع مثل ما قال الله تعالى : {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم } [ سورة البقرة ، الآية 118] وقوله تعالى : {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} [ سورة الذاريات الآية :52 ] وقال تعالى : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } [سورة فصلت ، الآية :43] وقوله : { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } [ سورة التوبة الآية :30 ] ، أي قولهم يماثل قول من سبقهم بالكفر ويشابهه .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ " . والقذة : ريشة السهم، وهي ما يشبه رصاصة البندقية (اليوم)، فكل واحدة تكون مساوية للأخرى، فالمعنى أنكم تكونون مثلهم بأفعالهم سواء بسواء .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، يقول – تعالى – في محكم تنزيله : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [سورة آل عمران ، الآية :102 ] .
ويقول – جل ثناؤه :- { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } . [سورة النساء الآية : 1 ]
وقال عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيمًا } [سورة الأحزاب ، الآية 70 ] .
وبعد
نتقدم للقراء الكرام بهذه النصيحة القيمة المباركة، من فضيلة شيخنا وأستاذنا الشيخ عبدالله بن محمد الغنيمان .. أستاذ الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة على ساكنها صلوات ربي وتسليمه ، في موضوع يشغل بال كل مسلم، وكل طالب علم على الخصوص، ألا وهو موضوع الأهواء والمنازعات والخلافات التي تحدث بين آونة وأخرى بين فئات من المسلمين، وما ينتج عن هذه الخلافات من العدوان والظلم والتجني من بعض من ينتسبون للعلم .
وكان هذا الموضوع في أصله عبارة عن محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ عبدالله الغنيمان، بعنوان : "الهوي وأثره في الخلاف " .
وقد عالج فضيلته هذه المسائل وجزئياتها بأسلوب علمي منهجي رصين، جمع بين الأصالة في حشد النصوص والآثار، وبين الرصانة والموضوعية في عرض المسائل، بأسلوب واضح، وسياق سلس، وبروح العالم الناصح المشفق، مقتفيا نهج السلف الصالح في العرض والاستدلال والمناقشة، بعيدا عن التكلف والعمق والتميع الذي وقع فيه كثير من الكتاب الإسلاميين المحدثين، وأنصح كل طالب علم ومن تصدى للدعوة بصفة خاصة أن يقرأ هذا الكتاب بتمتعن وروية فسيجد فيه بغيته - إن شاء الله - .
وفق الله الجميع للسداد والرشاد وجزى الله شيخنا خير الجزاء، وأحسن له في الدنيا والاخرة .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وآله وصحبه وسلم .
وكتبه : ناصر بن عبدالكريم العقل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين . إن من أعظم دواعي الضلال وأسباب الهلاك اتباع الهوى، فإنه يهوي بصاحبه إلى المهالك حتى يورده النار .
قال الشاطبي: " سمى الهوى هوى، لأنه يهوي بصاحبه إلى النار " . وروي هذا عن الشعبي .
وقال ابن عباس : ما ذكر الله – عز وجل – الهوى في كتابه إلا ذمه !!
" وأصل الضلال : اتباع الظن والهوى، كما قال تعالى فيمن ذمهم : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } [سورة النجم الآية :23 ] .
وهذا وصف للكفار فكل من له نصيب من هذا الوصف فله نصيب من متابعة الكفار بقدر ذلك النصيب .
وقال – تعالى – في حق نبيه، صلى الله عليه وسلم، { والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحى يوحى } [سورة النجم الآيات1-4]
فنزهه عن الضلال والغواية، الذين هما : الجهل والظلم، فالضال هو الذي لا يعمل الحق، والغاوي الذي يتبع هواه .
وأخبر أنه لا ينطق عن هوى النفس، بل هو وحى أوحاه الله إليه. فوصفه بالعلم ونزهه عن الهوي " .
ومتبع الهوى لا بد أن يضل، سواء عن علم أو عن جهل، فإنه كثيراً ما يترك العلم اتباعاً لهواه، ولا بد أن يظلم إما بالقول أو بالفعل، لأن هواه قد أعماه .
ولهذا حذر السلف عن مجالسة من هذه صفته، كما قال أبو قلابة : " لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون " .
وقال أيضا: "لا تجالسوا أهل الأهواء فإنكم إن لم تدخلوا فيما دخلوا فيه لبسوا عليكم ما تعرفون " . يعني أن مجلس صاحب الهوى لا يسلم من الشر . فإما أن يتابع صاحب الهوى على هواه وباطله، أو يدخل عليه شبهة في دينه الذي يعرف أنه حق .
وقال ابن عباس : " لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب " .
وقال ابراهيم النخعي : " لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في قلوب المؤمنين " .
وقال مجاهد : " لا تجالسوا أهل الأهواء فإن لهم عرة كعرة الجرب " .
يعني أنهم يعدون من قرب منهم، كما أن من قارب الأجرب جرب .
وقال محمد بن علي : " لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله " .
يقصد قوله – تعالى : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا } [ سورة النساء ، الآية : 140 ] .
وقال مصعب بن سعد : " لا تجالس مفتونا فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين إما أن يفتنك فتتابعه ! وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه " !!
وقال يونس بن عبيد : " أوصيكم بثلاث : لا تمكنن سمعك من صاحب هوى ، ولا تخل بامرأة ليست لك بمحرم ، ولو أن تقرأ عليها القرآن، ولا تدخلن على أمير ولو أن تعظه ".
وقال أبو قلابة يوصي أيوب السختياني : " يا أيوب احفظ عني أربعاً : لا تقل في القرآن برأيك، وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأمسك، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك فينبذوا فيه ما شاءوا " .
وقال أبو الجوزاء: "لئن تجاورني القردة والخنازير في دار أحب إلي من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء". وقد دخلوا في هذه الآية : {وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور }. [سورة آل عمران ، الآية :119] .
وقد دل على هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال، فإنه قال : " من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات " .
والمتعين على العبد – ولا سيما المبتدئ والشاب – أن يبتعد عن الشبه والجدال في الدين، فإن ذلك يجر الى الردى .
قال ابن بطة : قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، :" من سمع منكم بخروج الدجال فلينأ عنه ما استطاع فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فما يزال به حتى يتبعه لما يرى من الشبهات " .
قال : هذا قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق، فلا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينة في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء فيقول : أداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه فإنهم أشد فتنة من الدجال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا عليهم .
وذكر أن محمد بن السائب كان من أهل السنة، فقال : نذهب نسمع من هؤلاء فما رجع حتى أخذ بها وعلقت في قلبه . أ . هـ ومثله كثير .
والهوى : كل ما خالف الحق، وللنفس فيه حظ ورغبة من الأقوال والأفعال والمقاصد، فالهوى ميل النفس إلى الشهوة، ثم يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية !!
فميل النفس إلى الثناء ومدح الناس وتعظيمهم إياه وطلب الرفعة عليهم في رئاسة أو صفة هو الهوى .
وقد ذم الله اليهود لاتباعهم لأهوائهم، حيث قادهم ذلك إلى تبديل شرع الله والكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الوحي .
وسبب ذلك اتباعهم لأهوائهم، قال تعالى : { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتهم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} [سورة البقرة الآية 87] . وقال تعالى : { لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون } [ المائدة ، الآية : 70]
فاتباع الهوى هو أصل الضلال والكفر، ومعلوم أن ذلك يتفاوت تفاوتاً عظيماً، فمن اتباع الهوى ما يوصل إلى ما ذكر، ومنه ما هو أقل من ذلك، وكل من خالف الحق لا يخرج عن اتباعه للهوى أو الاعتماد على الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، كما قال تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } [سورة النجم ، الآية :23] . فإن كان يعتقد أن قوله صحيحاً وله فيه حجة يتمسك بها فغايته اتباع الظن الذي لا يغني من الحق شيئا وتكون حجته شبهات فاسدة مركبة من ألفاظ مجملة ومعان متشابهة لم يميز بين حقها وباطلها، فإذا ميز الحق فيها عن الباطل زال الاشتباه .
ومما يجب أن يعلم أن الله – تعالى – لم يقص علينا في القرآن الكريم قصص السابقين إلا لنعتبر بها لما فينا من الحاجة إلى ذلك، ولما فيه من المصلحة، وإنما يكون الاعتبار إذا قسنا ما يقع لنا وما يكون فينا على ما وقع من السابقين وحصل لهم من جراء ذلك .
ولولا أن في نفوس كثير من الناس أو أكثرهم ما كان في نفوس المكذبين للرسل لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه بقول أو فعل أو سجية كامنة في النفس تنتظر الخروج، ولكن الواقع مثل ما قال الله تعالى : {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم } [ سورة البقرة ، الآية 118] وقوله تعالى : {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} [ سورة الذاريات الآية :52 ] وقال تعالى : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } [سورة فصلت ، الآية :43] وقوله : { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } [ سورة التوبة الآية :30 ] ، أي قولهم يماثل قول من سبقهم بالكفر ويشابهه .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ " . والقذة : ريشة السهم، وهي ما يشبه رصاصة البندقية (اليوم)، فكل واحدة تكون مساوية للأخرى، فالمعنى أنكم تكونون مثلهم بأفعالهم سواء بسواء .
تعليق