بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الجلال والعزة ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره ، يتولى أهل التقى والعفة بلطفه ورحمته ويأخذ أهل الفسوق والمجون ببأسه ونقمته .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله جاء بكريم الخصال ومجامع الأخلاق فحفظ الأمانة وصان العفة ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يقول الله عز وجل :
(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور52
أيها الاحبه : لا يفاضل الناس في مراقي الشرف والمجد ولا تنزل الهمم وتسقط التطلعات إلا بمقدار ما تتمتع به النفوس من ضبط السلوك وقوة الإرادات.
فالرجل ذو العزيمة يتجلى فيه مظهر الكرامة الإنسانية مطبوعاً على أجمل صورة من الكمال والنبل ، وبسبب ضعفها وهوانها ينزل المرء من سماء الإنسانية العالي ليكون أشبه بالحيوان ساقطاً مهملاً.
قيمة المرء إباؤه وعزيمته ، وميزانه نزاهته وسمعته ، وشرفه في طهارة عرضه وبياض صفحته ونقاء نيته .
أيها الأحبة : أكتب لكم اليوم عن الغيرة . الغيرة على الأعراض وحماية حمى الحرمات.
(والغيرة) هي ما ركبه الله في العبد من قوة روحية تحمي المحارم والشرف والعفاف من كل مجرم وغادر .
إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه ، إن خسارة الدنيا هينه ، وذهاب المال والعيال يعوض بغيره ، لكن فقدان العرض قاصمة الظهر وعار لا يرتحل
أصون عرضي بمالي لا أدنســـه
لا بارك الله بعد العرض في المــــــال
بل إن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يرجم بشتيمة تلوث كرامته . وقد بلغ دينكم في ذلك الغاية حين أعلن نبيكم صلى الله عليه وسلم :
( من قتل دون أهله فهو شهيد)
أحبتي : بصيانة العرض وكرامته يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية ، يقول أبن القيم رحمه الله ( إذا ارتحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبة ، بل ترحل الدين كله ).
ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس غيرة على أعراضهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه
( إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه أشهد أربعاً ، فقام سعد بن معاذ متأثراً فقال يا رسول الله أأدخل على أهلي فأجد ما يريبني انتظر حتى أشهد أربعاً ؟ لا والذي بعثك بالحق إن ر أيت ما يريبني في أهلي لأيطحن بالرأس عن الجسد ولأضربن بالسيف غير مصفح (أي بحده لا بعرضه) وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء . فقال عليه الصلاة والسلام : أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه ، والله أغير مني.
ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ..)
والحديث أصله في الصحيحين.
من حرم الغيرة حرم طهر الحياة ، ومن حرم طهر الحياة فهو أحط من بهيمة الأنعام .
إن الحياة الطاهرة تحتاج إلى عزائم الأخيار ، وأما عيشة الدعارة فطريقها سهل الانحدار والانهيار ، وبالمكاره حفت الجنة وبالشهوات حفت النار .
أيها الأحبة : إن الأسف كل الأسف والأسى كل الأسى فيما جلبته مدنية هذا العصر من ذبح صارخ للأعراض ، ووأد كريه للغيرة تعرض تفاصيل الفحشاء من خلال رسائل نشر كثيرة.
إعلان للفحشاء بوقاحة وإغراق في المجون يتبجح أغان ساقطة وأفلام آثمة وسهرات فاضحه وقصص داعرة وملابس خالعة وعبارات مثيرة وحركات فاجرة مابين مسموع ومقروء ومشاهد في صور وأوضاع يندى لها الجبين في كثير من البلاد والأصقاع إلا ما رحم الله .
على الشواطئ والمتنزهات ، وفي الأسواق والطرقات ، فلا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
حسبنا الله من أناس يهشون للمنكر ويودون لو نبت الجيل كله في حمئة الرذيلة .
وحسبنا الله من فئات تود لو انهال التراب على الفطرة المستقيمة والحشمة الرفيعة .
ما هذا البلاء ؟
كيف يستسيغ ذوو الشهامة من الرجال ، والعفة من النساء لأنفسهم ولأطفالهم ، لفتيانهم وفتياتهم هذا الغثاء المدمر من إبتكارات البث المباشر وقنوات الفضاء الواسع التي تقتل الغيرة وتهدم الفضيلة.
إين ذهب الحياء ؟ وأين ضاعت المروءة ؟ أين الغيرة من بيوت هيأت لناشئها أجواء الفتنة ، وجرتها إلى مستنقعات التفسخ جراً ، وجلبت لها محرضات المنكر تدفعها إلى الإثم دفعاً ، وتدعها إلى الفحشاء دعاً.
هل غارت من النفوس الغيرة؟ وهل غاض ماؤها؟ وهل انطفأ بهاؤها؟ هل في الناس دياثة؟ هل فيهم من يقر الخبث في أهله؟
لا يدري الغيور من يخاطب ؟
ورحم الله تلك المرأة التي تقدمت إلى الطبيب لإجراء عملية في العين ولما أراد الطبيب المعالج أن يقترب منها .. فإذا بها تبكي وترتجف من الخوف ، فظن الطبيب أنها تتألم من المرض فسأل زوجها عن ذلك فقال وهو يغالب دموعه : إنها لا تبكي من الألم .. بل تبكي لأنها ستضطر لكشف وجهها لرجل أجنبي !
لم تنم ليلة البارحة من القلق والارتباك .. وكانت تعاتبني كثيراً ..
أو ترضى لي أن أكشف وجهي ؟
وما قبلت أن تأتي للعلاج إلا بعد أن أقسمت لها أيماناً مغلظة بأن الله تعالى أباح لها ذلك للاضطرار.
وأسمعوا ما قالت للطبيب عندما أقترب منها نفرت منه ثم قالت :
هل أنت مسلم ؟ قال نعم قالت إن كنت مسلماً فأسألك بالله ألا تهتك ستري ــ تعني غطا وجهها ــ إلا إذا كنت تعلم أن الله أباح لك ذلك.
أجريت لها العملية بنجاح وعاد إليها بصرها بفضل الله تعالى.
حدث عنها زوجها أنها قالت لولا اثنتان لأحببت أن أصبر على حالي ولا يمسني رجل أجنبي : قرأت القران .. وخدمتي لك ولأولادي.
( الله أكبر .. )
فأين النساء من هذه المرأة ؟
بل أين الرجال من غيرة هذه المرأة ؟
ليتها ترى النساء اللاتي يستعرض بالنقاب واللثام في الأسواق والشوارع والمستشفيات بل وفي السيارات بجانب الأزواج والمحارم.
أيه الأحبه : الغيرة الغيرة إن لم تغاروا فاعلموا أن ربكم يغار ، فلا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش.
يا أمة محمد ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أن تزني أمته وصدق الله
(وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً ) النساء27
تعليق