قصيدةٌ جاءتْ كَنظمِ الدر بل هي أعجبُ
اخترت لكم منها هذه الأبيات
.
يقولُ الشاعرُ العباسي صالح عبد القدوس :
ذهبَ الشبابُ فما لهُ من عودةٍ = وأتى المشيبُ فأينَ مِنه المَهْرَبُ
ضيفٌ ألمَّ إليكَ لم تحفلْ بِهِ = فَتَرى له أَسَفا ودمعاً يُسْكَبُ
دعْ عنكَ ما قد فات في زمنِ الصبا = واذكر ذُنُوبَك وابكِها يا مُذْنِبُ
واخشَ مناقشةَ الحسابِ فإنه = لا بُدَّ يُحْصى ما جنيت ويُكتَبُ
لم ينسَهُ المَلِكانِ حين نسيتَه = بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعبُ
والروحُ فيك وديعةٌ أُودِعتَها = سترُدها بالرغمِ منك وتُسلبُ
وغرور دنياك التي تسعى لها = دارٌ حقيقتُها متاعٌ يذهبُ
والليل فاعلم والنهار كلاهما = أنفاسُنا فيها تُعدُ وتُحسبُ
وجميعُ ما حصلتَهُ وجمعتَهُ = حقاً يقيناً بعد موتِكَ يُنهبُ
تباً لدارٍ لا يدومُ نعيمُها = ومشيدُها عما قليلٍ يُخربُ
فاسمع هُديتَ نصائحاً أولاكها = برٌ لبيبٌ عاقلٌ متأدبُ
صَحِبَ الزمانَ وأهله مستبصراً = ورأى الأمورَ بما تؤوب وتعقبُ
أهدى النصيحةَ فاتعظ بمقالهِ = فهو التقيُّ اللوذعي الأدربُ
لا تأمنِ الدهرَ الصَّروفَ فإنهُ = لا زالَ قِدْماً للرجالِ يُهذبُ
وكذلك الأيامُ في غدواتها = مرت يُذلُّ لها الأعزُّ الأنجبُ
فعليك تقوى اللهِ فالزمها تفُز = إن التقيَّ هو البهيُّ الأهيبُ
واعمل لطاعته تنل منه الرضا = إن المطيعَ لربِهِ لَمُقرَّبُ
فاقنع ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ = واليأسُ مما فات فهو المطلبُ
وتوقَّ من غدرِ النساء خيانةً = فجميعهن مكائدٌ لك تُنصبُ
لا تأمن الأنثى حياتك إنها = كالأفعوانِ يُراعُ منه الأنيبُ
لا تأمن الأنثى زمانك كله = يوماً ولو خلفت يميناً تكذِبُ
تُغري بطيب حديثِها وكلامِها = وإذا سطت فهي الثقيلُ الأشطبُ
والقَ عدُوكَ بالتحيةِ لا تكن = مِنهُ زمانك خائفاً تترقبُ
واحذرهُ يوماً إنْ أتى لك باسماً = فالليث يبدو نابه إذ يغضبُ
إن الحقودَ وإنْ تقادمَ عهدُهُ = فالحقدُ باقٍ في الصدور مُغيَّبُ
وإذا الصديقُ رأيتَهُ مُتملِقاً = فهو العدوُّ وحقُه يُتَجنبُ
لا خير في ود امرئ مُتملقٍ = حُلو اللسانِ وقلبُهُ يتلهبُ
يلقاكَ يحلفُ أنهُ بِكَ واثقٌ = وإذا توارى عنك فهو العقربُ
يُعطيك من طرفِ لسانِهِ حلاوةً = ويرُوغُ مِنكَ كما يروغُ الثعلبُ
واختر قرينك واصطفيه مُفاخراً = إن القرينَ إلى المُقارنِ يُنسَبُ
إن الغنيَّ من الرجالِ مُكَرَمٌ = وتراه يُرجى ما لديهِ ويُرهَبُ
ويُبَشُّ بالترحيبِ عند قدومِهِ = ويُقامُ عند سلامِهِ ويُقرَّبُ
والفقرُ شينٌ للرجالِ فإنهُ = يُزرى به الشهمُ الأديبُ الأنسبُ
واخفض جناحك للأقربِ كُلِّهم = بتذللٍ واسمح لهم إن أذنبوا
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً = إن الكذوب لبئس خِلٌّ يُصحبُ
وذر الحسود ولو صفا لك مرةً = أبعِدْهُ عن رُؤيَاكَ لا يُستجلبُ
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن = ثرثارة في كل نادٍ تخطبُ
واحفظ لسانك واحترِز من لفظِهِ = فالمرءُ يسلمُ باللسانِ ويُعْطَبُ
والسِّر فاكتمه ولا تنطِق به = فهو الأسيرُ لديك إذْ لا يُنشبُ
واحرص على حفظ القلوب من الأذى = فرجوعها بعد التنافرِ يصعبُ
إن القلوب إذا تنافر ودُّها = شِبهُ الزجاجةِ كَسرُها لا يُشْعَبُ
وكذاك سر المرء إنْ لم يطوه = نشرته ألسنةٌ تزيدُ وتكذبُ
لا تحرصن فالحرصُ ليس بزائدٍ = في الرزقِ بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
كم عاجزٍ في الناسِ يُؤتى رزقَهُ = رغداً ويُحرمُ كيسٌ ويُخيَّبُ
أدِّ الأمانةَ والخيانة فاجتنب = واعدل ولا تظلم يطب لك مكسبُ
وإذا بُليت بنكبةٍ فاصبر لها = من ذا رأيت مُسَلَّماً لا يُنكبُ
وإذا أصابك في زمانك شدةٌ = وأصابك الخطبُ الكريهُ الأصعبُ
فادعُ لربك إنه أدنى لمن = يدعوه من حبلِ الوريدِ وأقربُ
كن ما استطعت عن الأنامِ بمعزلٍ = إن الكثيرَ من الورى لا يُصحبُ
واجعل جليسك سيداً تحظى به = حبرٌ لبيبٌ عاقلٌ متأدبُ
واحذر من المظلوم سهماً صائباً = واعلم بأن دعاءه لا يُحْجَبُ
وإذا رأيت الرزقَ ضاق ببلدةٍ = وخشيتَ فيها أن يضيقَ المكسبُ
فارحل فأرضُ اللهِ واسعةُ الفضا = طولاً وعرضاً شرقُها والمَغْرِبُ
فلقد نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي = فالنصحُ أغلى ما يباعُ ويوهبُ
خُذْها إلَيْكَ قَصِيدَةً مَنْظُومَةً = جاءَتْ كَنَظْمِ الدُّرِّ بَلْ هِيَ أَعْجَبُ
حِكًمٌ وآدابٌ وجُلُّ مواعظٍ = أمثالُها لذوي البصائرِ تُكتبُ
فاصْغِ لوعظِ قصيدةٍ أولاكها = طودُ العلومِ الشامخاتِ الأهيبُ
أعني علياً وابنَ عمِّ محمدٍ = من نالَهُ الشرفُ الرفيعُ الأنسبُ
يا ربّ صلِّ على النبي وآله = عَدَدَ الخلائقِ حصرُها لا يُحسبُ
تعليق