Unconfigured Ad Widget

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

القصة الثالثة : نحن مختلفون و لكننا متساوون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القصة الثالثة : نحن مختلفون و لكننا متساوون

    في حصة موالية أخرى ، فوجئ التلامذة بمعلمهم يدخل قاعة الدرس مهرولا ، و بدل أن تكون في يده محفظته الثقيلة المعهودة كان يحمل كيسا أسود يبدو أن في داخله أية أشياء أخرى إلا أن تكون كتبا أو أوراق فروض مصححة أو بطائق جذاذات تحضير دروس جديدة . و حين اتسعت ابتسامته الرقيقة لتشع لامعة كشمس ربيعية فهموا أنه ، كما هي عادته ، سيحييهم . فبادروه بنبرات كالشدو : صباح الخير يا أستاذ. فرد عليهم : صباحكم كله الخير يا أصدقائي . و بنوع من العتاب الخفيف أضاف : كان أملي أن أكون أنا البادئ بالتحية . ثم وسع من فتحة الكيس و قال : لنتابع عملنا السابق من أجل فهم مشترك للمساواة . أنظروا معي ، و سموا ما ترونه . أسســ ... أســ.. تاذ ... إن ما أراه .... أسسسســـ ... هو بط.... بطا..... أسسســـ طس ، بطاطس ، البطاطس . رددها التلامذة و هم يدفعون بأصبعهم نحو وجهه .
    التمس منهم أن يهدأوا و أن تكون إجاباتهم فردية . و قال : أجل إنها بطاطس . لكن عودوا إلى النظر فيها . تمعنوا في حباتها و أجيبوا ، من فضلكم ، هل هي متشابهة أم مختلفة ؟
    انقسم التلامذة إلى ثلاثة أرباع قالوا عنها إنها متشابهة و ربع خالفهم الرأي ملحا على أنها مختلفة . تدخل المعلم و قال : بعد قليل سنتأكد من ذلك . لكن و إلى حينه أرجو أن يساعدنا أصدقاؤنا الذين قالوا إنها مختلفة على فهم قولهم هذا .
    رفعت فتيحة أصبعها و قالت : أنا مثلا أطول أفراد هذا القسم و أجمل بناته . تهامست البنات المتجاورات و أعلنت إحداهن : أنا جد متفقة ، لكن شريطة أن يكون وصفك لنفسك نسبة إلى ذكر الناقة . ضحك الجميع و معهم ضحكت فتيحة . و قال أحمد : نحن مثلا يسموننا في هذه الثانوية التأهيلية تلامذة الجذع المشترك رقم 5 و ينسون أنه داخل مجموعتنا يوجد أفراد بعضهم ذكور و البعض إناث ، و أنه لكل واحد (ة) منا خاصيات و ميزات خاصة . و قال إدريس : كثيرا ما نسمع بأن أناسا تطلق عليهم تسمية الاتحاديين ، نسبة إلى الحزب الذي ينتمون إليه، و واقع الحال أني كلما تتبعت أحاديث و طلبات و تصرفات جماعة منهم ، دأب أبي على استقبالهم في بيتنا ، إلا و تأكدت من أن هناك كل اتحادي . و قالت نعيمة : أثمن توضيحات صديقاي و أخلص إلى أنه في مقابل الجميع هناك كل واحد ... أي في مقابل الاستقلاليين ، كمثال آخر ، هناك كل استقلالي . و نفس الحال بالنسبة للتجمعيين أو العدليين أو الديمقراطيين الوطنيين، أو الحركيين ، أو التقدميين الاشتراكيين أو الدستوريين أو اليساريين الاشتراكيين ... الخ .
    و قال إسماعيل ، إن من خطورة تنميط الناس أنهم ينعتوننا بالعالم الإسلامي المتطرف ، و أننا في المقابل نصفهم بالعالم الكافر الإباحي ، و الحال أنه سواء هنا أو هناك يوجد إرهابيون و إباحيون كما يوجد مسالمون و مؤمنون و كذا أصوليون و حداثيون ... و لنتذكر دائما أنه في ساحة محمد الخامس بالدار البيضاء ، الساحة التي أصبح بعضنا يسميها ساحة جنين كان يتجمع خلال السنة ما قبل السابقة في كل يوم جمعة ابتداء من الساعة السادسة و النصف مساء صفوة من ممثلي فعاليات بلادنا للإعلان عن مساندة شعبنا للفلسطينيين ضد جرائم الدولة الصهيونية المسنودة من قبل الإدارة الأمريكية ، و أن من كان يسبق دائما إلى هذه التجمعات و ينكب على تهيئ أجوائها هو أحد مواطنينا اليهود .
    لم يعلن المعلم رأيه في ما قيل . فقط اكتفى بأن قال : حسنا ، لنكتف بهذا القدر من التوضيحات . و لكي نتقدم أكثر في معالجة الموضوع ، أقترح عليكم أن نشتغل في إطار أزواج . ثم وزع على كل زوج حبة بطاطس . و قال : أنتما ، الزوج الأول ، سعيد و أحمد ، أمعنا النظر جيدا في الحبة التي أعطيتها لكما كما هي في هيئتها الطبيعية و تجاذبا النقاش حول شكلها و لونها و حجمها و نتوءاتها ... الخ ، ثم حررا وصفا مركزا بناء على ذلك . و أنتما ، الزوج الثاني ، عائشة و محمد ، اعتبرا الحبة التي بين أيديكما بشرا ، و بالتالي أطلقا عليها اسم شخص ذكر و اكتبا وصفا له كما توحي لكما به مع عدم إغفال التحدث عن آماله و تطلعاته و غيرهما . أما أنتما الزوج الثالث ، سناء و بشرى ، فاعتبرا حبتكما هي أيضا بمثابة بشر ، لكن أطلقا عليها اسم أنثى ، و على نفس المنوال هيئا الوصف الذي تريان أنه يناسبها . و أنتما الزوج الرابع، و الزوج الخامس و السادس و ... فافعلوا ، و على التوالي ، مثل زملائكم في الأزواج السابقة .
    بعد خمسة دقائق ، و قبل أن يشرع التلامذة في استعراض إنشاءاتهم دعا المعلم أربعة منهم إلى تتبع العملية بكل ما تتطلبه من إصغاء نشيط و إعمال فعال لتقنية أخذ النقط و إلى تتويج ذلك بصياغة تقرير مركز حول أهم الخلاصات التي تم التوصل إليها بخصوص الموضوع قيد المعالجة .
    توالت عروض الأزواج و كان عددها عشرون زوجا . و عن سابع زوج قال إبراهيم و هو يرى علامات المتعة تعلو وجوه أقرانه : هذه هي التي كانت من حظنا ، هي حبة بطاطس طبيعية ، لونها قريب من الأصفر المشوب بالأخضر ، قشرتها ملساء تتخللها أفنان مجتثة ، شكلها بيضوي ، و رغم أنها تبدو فتية فإنها سميكة و غنية ، لكنها قد لا تخلو من تسوس في قلبها . و عن الزوج الثامن قالت نبيلة و كان زميلها يحمل عاليا حبتهما و هو يحاول جاهدا التكتم عن ضحكة كانت تغالبه : أما هذه فسميناها كريم ، و هو كما ترونه يافع لا يتجاوز العشرين من عمره ، و هو من فرط تخمته يصعب التمييز بين مفاصل جسمه . عيناه صغيرتان ، غائرتان بدون أهداب و لا حاجبين ، أصلع القفا و القنة ، لا يتابع دراسة و لا يشتغل ، و ذلك ربما لأن أملاك أسرته لا تحصى و لا تعد . من مشاكله أن صديقاته العديدات ترفضن الخروج معه إلى الشارع العام . هو طيب ، و يهوى سباق الدراجات لكنه لا يمتطيها .
    قاطعها المعلم و تساءل ملوحا برأسه : ألا تكونين أيتها العفريتة المشاغبة تقصدينني أنا بالضبط من هذا الوصف ؟ فضحك الجميع ببراءة و تعالت أصواتهم بالنفي . و عن الزوج التاسع قالت رحمة : و أما هذه فسميناها غيثة ، مهنتها مربية ، طويلة القامة ، رشيقة القد ، واسعة العينين ، كثيفة الأهداب ، دقيقة الحاجبين ، وردية الخدين بدون مساحيق ، ناعمة الملمس ، حنونة ، تعشق السياحة و الأسفار .... و لأنها تقارب الثلاثين يؤرقها أنها لم يتقدم ، بعد ، أي واحد لطلب يدها بغرض الزواج .
    تأسف بعض الأطفال لحال غيثة ، و قال أحدهم : امرأة بكل هذا الجمال ؟ هاتوها لي ، فأنا مستعد ليس لتزوجها بل و حتى لقليها و أكلها أكلا.....
    تابعت الأزواج الاخرى إلقاء عروضها . و حين انتهى دور الزوج العشرين ، قال المعلم : و الآن ، و بعد أن استمعنا إلى سبعة أوصاف لسبعة حبات من البطاطس كما هي عليه ، و لسبعة أوصاف لها منظور إليها كبشر ذكور ، و لستة أخرى منظور إليها كبشر إناث ، كيف هي البطاطس إذن ؟ متشابهة أم مختلفة ؟ فرد معظم الأطفال دفعة واحدة : هي مختلفة يا أستاذ . عندها تقافز المقررون الأربعة إلى المنصة و أنشدوا :
    ..... نحن مختلفون .....
    لكل شخص اسم و هوية تكونت خلال تاريخه و مشاركته في ثقافة معينة .
    كل شخص هو فريد و لا يتكرر .
    كل فرد يمتلك تجارب شخصية و ينمي عواطفه و أفكاره بطريقته الخاصة .
    كل فرد يترك أثرا في العالم و يجد الآثار التي خلفها آخرون قبله .
    كل فرد يمتلك الحق في بناء هويته الخاصة و الحفاظ عليها .
    ..... و لكننا متساوون.....
    كل البشر متساوون .
    كلنا لنا نفس الكرامة و نفس الحقوق . لنا حقوق يعني أننا جميعا نستحق العيش فوق الأرض ، و لكل واحد مكان فيها ليسعد بحسب مشاريعه الخاصة .
    كلنا مسؤولون عن حقوق كل واحد .
    كل واحد يستطيع و هو ملزم بصيانة حقوق الآخرين .

  • #2
    القصص الثلاث هي للأستاذ المصطفى صولـــــيح

    أستاذ باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق الإنسان و المواطنة

    القصة الاولى

    القصة الثانية

    أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيدة

    تعليق


    • #3
      جزاك الله يا اخانا الفاضل
      ابن المهندس مهندس .. وابن الدكتور دكتور .. يبقى ابن الريس متقال الريس حجازي متقال
      S.Badr = Samy Pasha = Samy Badr

      تعليق


      • #4
        شكرا لمرورك أخي سامي

        تعليق

        يعمل...
        X