مفكرة الإسلام: مثل ما أثاره البعض مؤخرًا من أن حالة من السعار انتابت العشرات من الشباب المصري خلال وجودهم بوسط العاصمة المصرية "القاهرة" في أول أيام عيد الفطر المبارك, والتي دفعتهم إلى التحرش الجنسي بالفتيات والسيدات اللاتي تصادف مرورهن أمام إحدى دور العرض السينمائي, حيث كانت تعرض وقتها فيلمًا سينمائيًا تشارك في بطولته راقصة قامت بالرقص في الشارع قبل افتتاح الفيلم, ما سبب حالة هياج لهؤلاء الشباب ففعلوا ما فعلوا.. مثّل ذلك للكثيرين من المصريين والمسلمين حالة من الضيق الممتزج بالخوف والتوجس على ما آلت إليه الأوضاع وانهيار المنظومة القيمية.
فقد جاءت طبيعة الحادث - فضلاً عن توقيته وطريقة الكشف عنه - صادمة إلى الدرجة التي دفعت العديد من الكتاب والصحافيين - المحسوب بعضهم على النظام الحاكم - إلى شن هجوم حاد وشرس ضد الذين قاموا بنشر مثل هذه الأحداث, سواء كان ذلك عبر الصحف أم المواقع الإلكترونية بحجة أن في ذلك إساءة بالغة لسمعة مصر, وإظهارًا لشبابها وكأنهم وصلوا إلى درجة دنيا من الانحطاط واللهث وراء الرغبة الجنسية جعلتهم يتجاوزون كل حدود القيم والأعراف التي عرف بها الشعب المصري.
غير أنه - وبعيدًا عن مدى الصدق أو المبالغة في الروايات التي نقلت تفاصيل الحدث - فإن ثمة دلالات سيئة وسلبية حملتها هذه القضية تمثل في ذاتها جرس إنذار ومؤشرًا خطيرًا يدفع كل المهمومين من الدعاة والمفكرين إلى إعادة النظر في الوسائل والطرق الدعوية التي يستخدمونها, فضلاً عن الشرائح المستهدفة من هذه الدعوة, ولهذا سببان:
· الأول: أن الحادث وقع في بلد عربي مسلم تنتشر في شوارعه وحواريه الكثير من المساجد, في حين يعمل بين جماهيره آلاف الدعاة.
· والثاني: أن من قام بالفعل في هذه الحادثة هم مجموعة كبيرة من الشباب, ولم يقتصر الفعل على فرد يمكن أن نضع سلوكه وتصرفه تحت عنوان "المعصية الفردية".
وهو ما يفرض منطقية عدم الاقتصار في النظر إلى الحدث على زاوية واحدة فحسب, حيث تتشابك وتتداخل الكثير من العوامل الأخلاقية والاقتصادية والسياسية في وقوع الحدث الذي جسّد وعكس مدى ما تعاني منه المجتمعات العربية والإسلامية من مشكلات باتت في حاجة إلى معالجة فورية بعيدًا عن عبارات التجميل وتزييف الواقع.
لا يمكن إذن غض الطرف عن ربط الحادث بأزمة "العنوسة" في الجنسين, والتي وصلت بحسب الإحصاءات الرسمية إلى معدلات رهيبة – 9 ملايين شاب وفتاة مصرية - رسخت وعبر سنوات لقيم جديدة تتعارض كلية مع طبيعة الغرائز والفطرة البشرية التي تدفع أحد الجنسين إلى التقرب من الجنس الآخر.. وكان كل ذلك تحت دعاوى ومزاعم أصبح لها اعتباراتها بعد أن تجاهلت الكثير من الوقائع التي تدلل على زيفها وتهاويها..
كما لا يمكن النظر إلى عمق الحدث دون تجاهل القول بأن ما تم وقع تحت عين وبصر رجال الشرطة الذين تجاهلوا ما قامت به الراقصة ولم يمنعوه, مع أن فعلها يعد مخالفًا للقانون أو الاعتبارات العرفية على أقل تقدير, في حين وقفوا كذلك مكتوفي الأيدي إزاء الحدث عند وقوعه إن لم يكن تعبيرًا عن الرضا به وقانونيته, فربما يكون انعكاسًا للعجز عن التصرف إزاءه, خاصة أن قدرات الشرطة آنذاك لم تكن لتستطيع مواجهة هذه الجموع المحتشدة.
وقد رسخ ذلك لدى تلك الجموع وغيرها أن جلّ هم وشغل رجال الشرطة أصبح يركز على ما يقع تحت عنوان "تكدير الأمن العام", الذي يحمل ضمنيًا كل ما يتعلق بالنشاط السياسي والعمل العام من مثل التظاهرات والاعتصامات والإضرابات وغيرها مما شهدته الساحة السياسية المصرية مؤخرًا نتيجة الحراك السياسي خلال الانتخابات البرلمانية ومن قبلها الانتخابات الرئاسية, وهو ما شجع هذه الجموع اللاهثة وراء الرغبة إلى هذا السلوك ظنًا منها أن آليات مراقبة القانون تغمض العينين ولا تلتفت إلى مثل هذه الأعمال.
ويمتد آثر الجانب السياسي إلى ما هو أسوأ من ذلك, حيث كانت الملاحقات والمتابعات الأمنية للعناصر الناشطة سياسيًا أو المتدينة سببًا قويًا إلى ابتعاد قطاعات عريضة من الشباب وغيرهم عن الاهتمام بالشأن العام الداخلي والخارجي والاقتصار لدى آخرين على مجرد المتابعة بعيدًا عن المشاركة أو محاولات التعبير, ما عمل على إيجاد حالة من الخواء السياسي والفكري دفعت الكثيرين إلى صب اهتماماتهم على كل ما هو تافه وسطحي وربما مخالف للتعاليم والقيم الإسلامية.
ولعل ما أورده أحد الكتاب الصحافيين في عموده اليومي وفي أعقاب إعلان وزارة الداخلية المصرية القبض على تنظيم جديدة لعبادة "الشيطان" من أن أم أحد الشباب الذين تم إلقاء القبض عليهم في القضية قالت لرجال الشرطة الذين اقتحموا منزل الشاب لاعتقاله وبسرعة شديدة: ماذا تريدون؟! قالوا لها: إننا نريد ابنك, فقالت لهم: "والله إن ابني لا يصلي ولا يصوم ويسهر طوال الليل يرقص ويغني مع أصدقائه". ظنًا منها أن هذه الجحافل من رجال الأمن ما جاءت إلا لاعتقادها بأن ابنها من المتطرفين دينيًا, ففاجأوها بأنهم ما جاءوا إلا لقيام ابنها بفعل ما ذكرته هي عن ابنها.
وأمر آخر لا يقل أهمية عن تلك الأسباب سالفة الذكر, وهو ذلك الكبت الذي يعاني منه الشباب نتيجة هذه المحاصرة – إن جاز التعبير – والتي تلاحقه في الشارع من خلال الفتيات اللاتي يرتدين الملابس المثيرة والإعلانات المرفوعة فوق البنايات وفي التليفزيونات, حيث الفيديو كليب وأفلام البورنو وعبر أجهزة الكمبيوتر وفي الصحف والمجلات.. كل ذلك يتم في لحظة عجز يعانيها هؤلاء الشباب, وفي ظل غيبة إرشادية دينية شرعية تربوية من الدعاة والمربين.
وعليه فإن النظر إلى تلك الزوايا المتعددة أمر في غاية الأهمية ولا يمكن تغافله, حتى إذا ما جاء من يضع الحلول لا تأتي أطروحاته قاصرة ومبتورة لا تحقق الهدف.. وإن بدت ظاهريًا محققة لبعض النجاحات فإنها نجاحات جزئية مؤقتة سرعان ما يتلاشى أثرها وتبقى المشكلة وقد تضخمت, ما يستدعي البدء مجددًا من نقطة الصفر, وهو ما يحتم على أجهزة الدولة ومؤسساتها أن تعتزم مسبقًا التوصل إلى حلول حقيقية دون الرضوخ لقناعات خاطئة ربما باعدت بينها وبين تطلعات الجماهير التي تستشعر ثمة تباينات جمة بين عقيدتها ودينها وبين ما تقرّه المؤسسات وتسمح به أو حتى تمرره بالصمت والسكوت.
مرة أخرى فإن القضية يجب أن لا تمر مر الكرام دون أن تكون لنا معها وقفة, وأن نحولها إلى فرصة يمكن أن نفجر بها في داخلنا حوارًا داخليًا نطرح خلاله طبيعة المشكلة وأسبابها ووسائل الحل دون أن يكون موقفنا منها كالنعام تدفن الرءوس في الرمال عند الخطر.
أسامة الهتيمي
فقد جاءت طبيعة الحادث - فضلاً عن توقيته وطريقة الكشف عنه - صادمة إلى الدرجة التي دفعت العديد من الكتاب والصحافيين - المحسوب بعضهم على النظام الحاكم - إلى شن هجوم حاد وشرس ضد الذين قاموا بنشر مثل هذه الأحداث, سواء كان ذلك عبر الصحف أم المواقع الإلكترونية بحجة أن في ذلك إساءة بالغة لسمعة مصر, وإظهارًا لشبابها وكأنهم وصلوا إلى درجة دنيا من الانحطاط واللهث وراء الرغبة الجنسية جعلتهم يتجاوزون كل حدود القيم والأعراف التي عرف بها الشعب المصري.
غير أنه - وبعيدًا عن مدى الصدق أو المبالغة في الروايات التي نقلت تفاصيل الحدث - فإن ثمة دلالات سيئة وسلبية حملتها هذه القضية تمثل في ذاتها جرس إنذار ومؤشرًا خطيرًا يدفع كل المهمومين من الدعاة والمفكرين إلى إعادة النظر في الوسائل والطرق الدعوية التي يستخدمونها, فضلاً عن الشرائح المستهدفة من هذه الدعوة, ولهذا سببان:
· الأول: أن الحادث وقع في بلد عربي مسلم تنتشر في شوارعه وحواريه الكثير من المساجد, في حين يعمل بين جماهيره آلاف الدعاة.
· والثاني: أن من قام بالفعل في هذه الحادثة هم مجموعة كبيرة من الشباب, ولم يقتصر الفعل على فرد يمكن أن نضع سلوكه وتصرفه تحت عنوان "المعصية الفردية".
وهو ما يفرض منطقية عدم الاقتصار في النظر إلى الحدث على زاوية واحدة فحسب, حيث تتشابك وتتداخل الكثير من العوامل الأخلاقية والاقتصادية والسياسية في وقوع الحدث الذي جسّد وعكس مدى ما تعاني منه المجتمعات العربية والإسلامية من مشكلات باتت في حاجة إلى معالجة فورية بعيدًا عن عبارات التجميل وتزييف الواقع.
لا يمكن إذن غض الطرف عن ربط الحادث بأزمة "العنوسة" في الجنسين, والتي وصلت بحسب الإحصاءات الرسمية إلى معدلات رهيبة – 9 ملايين شاب وفتاة مصرية - رسخت وعبر سنوات لقيم جديدة تتعارض كلية مع طبيعة الغرائز والفطرة البشرية التي تدفع أحد الجنسين إلى التقرب من الجنس الآخر.. وكان كل ذلك تحت دعاوى ومزاعم أصبح لها اعتباراتها بعد أن تجاهلت الكثير من الوقائع التي تدلل على زيفها وتهاويها..
كما لا يمكن النظر إلى عمق الحدث دون تجاهل القول بأن ما تم وقع تحت عين وبصر رجال الشرطة الذين تجاهلوا ما قامت به الراقصة ولم يمنعوه, مع أن فعلها يعد مخالفًا للقانون أو الاعتبارات العرفية على أقل تقدير, في حين وقفوا كذلك مكتوفي الأيدي إزاء الحدث عند وقوعه إن لم يكن تعبيرًا عن الرضا به وقانونيته, فربما يكون انعكاسًا للعجز عن التصرف إزاءه, خاصة أن قدرات الشرطة آنذاك لم تكن لتستطيع مواجهة هذه الجموع المحتشدة.
وقد رسخ ذلك لدى تلك الجموع وغيرها أن جلّ هم وشغل رجال الشرطة أصبح يركز على ما يقع تحت عنوان "تكدير الأمن العام", الذي يحمل ضمنيًا كل ما يتعلق بالنشاط السياسي والعمل العام من مثل التظاهرات والاعتصامات والإضرابات وغيرها مما شهدته الساحة السياسية المصرية مؤخرًا نتيجة الحراك السياسي خلال الانتخابات البرلمانية ومن قبلها الانتخابات الرئاسية, وهو ما شجع هذه الجموع اللاهثة وراء الرغبة إلى هذا السلوك ظنًا منها أن آليات مراقبة القانون تغمض العينين ولا تلتفت إلى مثل هذه الأعمال.
ويمتد آثر الجانب السياسي إلى ما هو أسوأ من ذلك, حيث كانت الملاحقات والمتابعات الأمنية للعناصر الناشطة سياسيًا أو المتدينة سببًا قويًا إلى ابتعاد قطاعات عريضة من الشباب وغيرهم عن الاهتمام بالشأن العام الداخلي والخارجي والاقتصار لدى آخرين على مجرد المتابعة بعيدًا عن المشاركة أو محاولات التعبير, ما عمل على إيجاد حالة من الخواء السياسي والفكري دفعت الكثيرين إلى صب اهتماماتهم على كل ما هو تافه وسطحي وربما مخالف للتعاليم والقيم الإسلامية.
ولعل ما أورده أحد الكتاب الصحافيين في عموده اليومي وفي أعقاب إعلان وزارة الداخلية المصرية القبض على تنظيم جديدة لعبادة "الشيطان" من أن أم أحد الشباب الذين تم إلقاء القبض عليهم في القضية قالت لرجال الشرطة الذين اقتحموا منزل الشاب لاعتقاله وبسرعة شديدة: ماذا تريدون؟! قالوا لها: إننا نريد ابنك, فقالت لهم: "والله إن ابني لا يصلي ولا يصوم ويسهر طوال الليل يرقص ويغني مع أصدقائه". ظنًا منها أن هذه الجحافل من رجال الأمن ما جاءت إلا لاعتقادها بأن ابنها من المتطرفين دينيًا, ففاجأوها بأنهم ما جاءوا إلا لقيام ابنها بفعل ما ذكرته هي عن ابنها.
وأمر آخر لا يقل أهمية عن تلك الأسباب سالفة الذكر, وهو ذلك الكبت الذي يعاني منه الشباب نتيجة هذه المحاصرة – إن جاز التعبير – والتي تلاحقه في الشارع من خلال الفتيات اللاتي يرتدين الملابس المثيرة والإعلانات المرفوعة فوق البنايات وفي التليفزيونات, حيث الفيديو كليب وأفلام البورنو وعبر أجهزة الكمبيوتر وفي الصحف والمجلات.. كل ذلك يتم في لحظة عجز يعانيها هؤلاء الشباب, وفي ظل غيبة إرشادية دينية شرعية تربوية من الدعاة والمربين.
وعليه فإن النظر إلى تلك الزوايا المتعددة أمر في غاية الأهمية ولا يمكن تغافله, حتى إذا ما جاء من يضع الحلول لا تأتي أطروحاته قاصرة ومبتورة لا تحقق الهدف.. وإن بدت ظاهريًا محققة لبعض النجاحات فإنها نجاحات جزئية مؤقتة سرعان ما يتلاشى أثرها وتبقى المشكلة وقد تضخمت, ما يستدعي البدء مجددًا من نقطة الصفر, وهو ما يحتم على أجهزة الدولة ومؤسساتها أن تعتزم مسبقًا التوصل إلى حلول حقيقية دون الرضوخ لقناعات خاطئة ربما باعدت بينها وبين تطلعات الجماهير التي تستشعر ثمة تباينات جمة بين عقيدتها ودينها وبين ما تقرّه المؤسسات وتسمح به أو حتى تمرره بالصمت والسكوت.
مرة أخرى فإن القضية يجب أن لا تمر مر الكرام دون أن تكون لنا معها وقفة, وأن نحولها إلى فرصة يمكن أن نفجر بها في داخلنا حوارًا داخليًا نطرح خلاله طبيعة المشكلة وأسبابها ووسائل الحل دون أن يكون موقفنا منها كالنعام تدفن الرءوس في الرمال عند الخطر.
أسامة الهتيمي
تعليق