د. محمد عمارة: الليبراليون العرب أكثر استبداداً من غيرهم
الخميس5 من صفر1428هـ 22-2-2007م الساعة 05:30 م مكة المكرمة 02:30 م جرينتش
الصفحة الرئيسة > حوارات
المفكرة الإسلامي الدكتور محمد عمارة
- منهج أهل السنة هو التحذير من التكفير.
- أمريكا بدأت بالعراق لإحداث تغيير في المنطقة يحقق مصالحها هي وإسرائيل.
- النموذج الأمريكي مرفوض إسلامياً وهذه هي الأسباب.
- مشكلتنا مع الغرب في مشروعه للاستعمار والهيمنة والاستغلال.
- لا أخاف التطرف الفكري لأن الأمة سترفضه.
- ليس هناك ارتباط بين الديمقراطية العلمانية.
- لن ينجح الحوار مع الغرب مادام الفاتيكان يسعى لتنصير المسلمين.
- الغطرسة الأمريكية جمعت بين القارونية والفرعونية.
حاورته/ د. ليلى بيومي
يعد الدكتور محمد عمارة من أبرز المفكرين الإسلاميين الذين ينتهجون المنهج الإسلامي الوسطى المعتدل، وهو قيمة فكرية كبيرة حيث قدم للمكتبة الإسلامية العديد من الكتابات التي أثرت الفكر الإسلامي المعاصر، فقدم لنا الأعمال الكاملة للشيخ رشيد رضا، والإمام محمد عبده، والكواكبي، كما اشتبك مع أفكار قاسم أمين وعلي عبد الرازق وطه حسين، وكتب عن أبو الأعلى المودودي، والطريق إلى اليقظة الإسلامية، ومسلمون ثوار .. إلى غير ذلك من المؤلفات القيمة والثرية.
وهو من أبرز من سبروا أغوار الفكر العلماني، ولذلك فهو فارس مغوار في دمغ حجج العلمانيين والمعادين للفكرة الإسلامية، وفي كتاب أخير صدر له يناقش قضية التكفير انتهز المتربصون به جملة وردت في الكتاب فأقاموا الدنيا على الرجل وطالبوا بمحاكمته.
عن كل هذه القضايا، وعن بعض ما يتصل بهموم الحركة الإسلامية والفكر الإسلامي كان هذا الحوار مع د. محمد عمارة.
* كتابكم "فتنة التكفير" سبب لكم مشكلات كثيرة، طالب الأقباط على أثرها بمحاكمتكم، ما هي قصة هذا الكتاب؟.
** أردت أن أقول في هذا الكتاب، أصدرته وزارة الأوقاف، إن منهج أهل السنة هو التحذير من التكفير ويقول في ذلك أبو حامد الغزالي: "لا يسارع إلي التكفير إلا الجهلاء، وأن الخطأ في ترك ألف كافر أهون من إراقة دم مسلم"، ويقول "نحن لا نكفر أهل السنة"، ومع ذلك وافق الغزالي علي تكفير غير المسلم؟. والمشكلة جاءت من مجرد كلمتين فقط وهما "إباحة الدماء" في مضمون اقتبسته من كتاب لأبي حامد الغزالي اسمه "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة"، وقد قررت إحقاقا للحق حذفهما، ولا أعرف كيف ضمنهما أبو حامد كتابه، فأنا أقرأ له وأخذ منه في ثقة ولا أفتش وراءه، لكن هذا ليس موقف الإسلام الذي لا يبيح دماء الآخرين.
لقد خلصت في كتابي إلي تحديد موقع بؤر وألغام الخلاف الموجود في التراث وهي فكرة التكفير داخل مذاهب المسلمين.
وفي أحد فصول الكتاب جاء عنوان "ما العمل" وذكرت تحت هذا مطلبين، الأول هو إصدار فتوى جماعية بين السنة والشيعة والسلفية بعدم تكفير أي من المذاهب الأخرى لكل من ينطق بالشهادتين، أما المطلب الثاني فهو تهذيب كتب التراث بتطهيرها من أحكام التكفير.
وطالبت بأشياء عدة أهمها، دعوت منظمة المؤتمر الإسلامي بعقد مؤتمر لكل مفتيي العالم الإسلامي بإصدار فتوى "لا للتكفير"، أما المطلب الثاني وهو تهذيب التراث كما يحدث في تهذيب "ألف ليلة وليلة" من الفحش والأدب المكشوف وفقاً لحكم قضائي يقضي بحذف ما يتعارض مع الآداب كي نتمكن من تدريسها بالمدارس.
* كيف تنظرون إلى الاحتلال الأمريكي للعراق؟.
** الحرب التي شنتها أمريكا وحلفاؤها على العراق هي حرب مقاصدها معلنه من قبل الأمريكان أنفسهم، فعلى لسان وزير الخارجية الأمريكي السبق قال: إنها حرب تبدأ بالعراق لأحداث تغيير شامل في المنطقة على النحو الذي يحقق مصالح أمريكا وينهى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومنذ عقود كتب نيكسون في كتابه "انتهزوا الفرصة" يقول: إن أمريكا ليس لها في الشرق العربي إلا النفط وإسرائيل، وأمريكا بعد سقوط المنظومة الشيوعية أعلنت أن القرن الحالي هو قرن الإمبراطورية الأمريكية التي لا تريد قطباً آخر ولا شريكاً ولا منافساً في الهيمنة الامبريالية على العالم، وحتى تحقق هذا خطط مفكرو اليمين الديني في الحزب الجمهوري منذ سنوات للسيطرة على منابع الطاقة في العالم حتى تستطيع أمريكا التحكم في القوة الصناعية في العالم فتمنع قيام قطب منافس أو شريك في النظام الدولي، ولهذا ذهبت إلى أفغانستان وأقامت أكثر من 10 قواعد عسكرية في جمهوريات آسيا الوسطى للهيمنة على بترول بحر قزوين، وحتى تكون على حدود القوى المرشحة للنمو مثل الصين والهند وروسيا. وهى تلعب نفس الدور في منطقة البحيرات الأفريقية عبر ورقة الأقليات في السودان، من أجل السيطرة على النفط هناك.
* لماذا ترفض النموذج الأمريكي؟.
** النموذج الأمريكي مرفوض رفضًا كاملاً من وجهة النظر الإسلامية لثلاثة أسباب أساسية:
السبب الأول: أن النموذج الأمريكي توءم للنموذج الصهيوني، فالولايات المتحدة تأسست على إبادة شعب وحضارة، وإحلال مستوطنين غرباء محلهما أتوا بهم من أوروبا إلى أمريكا. ففلسفة إقامة وتكوين هذا النموذج هي نفس الفلسفة الصهيونية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
والسبب الثاني: أن من سمات هذا النموذج المرفوض هو تمثيله للرأسمالية الليبرالية المتوشحة. والولايات المتحدة ترى أنها يجب أن تسود العالم إما حربًا أو سلمًا، من خلال صراع أو صدام الحضارات. ولقد لفرض هذا النموذج عبر استغلال برامج التنمية في مؤسسات التمويل الدولية، مستغلة حاجة الشعوب الفقيرة للقروض لتمويل عمليات التنمية. وقد فرضت تطبيق هذا النموذج عبر وصفة إجبارية لم تكن مناسبة لكثير من المجتمعات التي فُرِضت عليها، أو كانت قد تم تطبيقها في مجتمعات مشابهة فجرَّت الخراب والدمار.
والسبب الثالث: أن النموذج الأمريكي يمثل في هذا الوضع الراهن جنون القوة في تعامله مع العالم وخاصة العالم الإسلامي. فلقد تطورت علاقة أمريكا بالشعوب الطامحة للاستقلال والحرية من مرحلة سياسة القوة إلى مرحلة غطرسة القوة إلى المرحلة الحالية وهي جنون القوة. وهذا النموذج في وضعه الراهن يجمع ما بين القارونية من ناحية، والفرعونية من ناحية ثانية؛ ولذلك لا يمكن أن يكون مقبولاً من وجهة النظر الإسلامية بل ولا حتى من وجهه النظر الإنسانية المتحرر.
* هل الغرب كله شيء واحد؟.
** إنني أدعو إلي توخي الحذر عند رؤيتنا للغرب، فنحن يجب أن نميز بين الإنسان الغربي، وهذا لا مشكلة لنا معه بل إنه يفتح عقله وقلبه للإسلام ولقضايانا العادلة إذا نحن أحسنّا عرضها عليه وهذا الإنسان الغربي هو في الحقيقة ضحية للإعلام الغربي وللموروث الثقافي الغربي المليء بالمغالطات في ما يتعلق بالإسلام فهو أي الإنسان الغربي ضحية أكثر منه جانياً.
الشريحة الثانية في الغرب هي العلم الغربي وهذا لا مشكلة لنا معه بل إننا مدعون إلى طلبه وتعلمه والتلمذة علي أهله فهو مشترك إنساني عام.
أما المشكلة في ما يتعلق بالغرب فهي المشروع الغربي مشروع الاستعمار والهيمنة والاستغلال وهذا المشروع يمثل بالنسبة لنا مشكلة ليس لأنه غربي فنحن انطلاقا من الإسلام نؤمن بالتعددية الدينية والثقافية والقومية والحضارية ونؤمن أن العالم يجب أن يكون منتدى حضارات تتعايش وتتفاعل وتتمايز في الخصوصيات الثقافية، لكن الذي يجعل المشروع الغربي مشكلة لنا هو أن الحضارة الغربية ذات نزعة مركزية تجعلها تؤمن بأن الحضارة بدأت بالإغريق والرومان وانتهت بالنهضة الأوروبية وأن النموذج الغربي الحضاري هو الحضارة الإنسانية والعالمية الوحيدة وعلي الآخرين تقليدها والتبعية لها والذوبان فيها، أي أن المشروع الغربي هو بحكم نزعته المركزية ينفي المشاريع الحضارية الأخرى وفي مقدمتها المشروع الحضاري الإسلامي.
* الحركة الإسلامية متهمة بممارسة الديكتاتورية عندما تصل إلى الحكم، كما حدث في السودان، وأفغانستان، وحتى قبل الوصول إلى الحكم أو حال الوصول إليه كما حدث في الجزائر عندما هاجم نائب رئيس جبهة الإنقاذ الديمقراطية، وأيضا في مصر انتقد الكثيرون تجربة الإخوان في النقابات المهنية وقالوا إنها كانت غير مشجعة، حيث كانوا يرفضون أن يشاركهم غيرهم إدارة النقابات ... كيف تردون على هذه الاتهامات؟.
أنا أولاً لي ملاحظات على التيارات الفكرية جميعها من حيث الموقف من الشورى والديمقراطية، وأنا أيضا أتساءل: هل الليبراليون عندما حكموا في بلادنا كانوا ديمقراطيين؟! هذا لم يحدث، التطبيقات الديمقراطية عند من يدعون الليبرالية كانت حكماً لفئة من الإقطاعيين أو الرأسماليين، بينما كانت جماهير الشعب محرومة، ولو نظرنا إلى الأحزاب الليبرالية فسوف نجد أن زعامتها وقيادتها كانت احتكاراً لفئة من الناس.
والأحزاب والتيارات القومية هي التي أقامت الديكتاتوريات والنظم الشمولية على مساحة العالم العربي بأكمله، فالمناخ الذي نعيشه يعاني من سلبيات كثيرة فيما يتعلق بالديمقراطية والتوجهات الشورية. نأتي إلى قضية الإسلاميين وأنا لا أبرئ التيارات الإسلامية أن لديها أيضا هذه المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بالديمقراطية والشورى، لكنها قد تكون أفضل من غيرها في هذا المجال، أنا لا أدري ماذا ستفعل إذا وصلت إلى الحكم، لأن هذا في علم الغيب، لكني أتصور أن كثيراً من الحركات والجماعات الإسلامية لها في تنظيماتها مجالس شورى، وتتحدث كثيرا عن موضوع الشورى.
أما فيما يتعلق بالتطبيقات فبخصوص التجربة السودانية فإن لها ظروفا وملابسات تجعلني أتروي في الحكم عليها، لأن الحركة السياسية في السودان كانت حركات صوفية قبلية ذات طابع إقطاعي، وهذا واضح عند الختمية والأنصار، وكانت حركات حديثة أغلبها أحزاب يسارية محدودة التأثير والعدد. أما الحركة الإسلامية في السودان فهي الحركة الحديثة القائمة على تنظيم غير قبلي وغير إقطاعي، فهي تجمع ما بين التوجهات الحديثة وبين المرجعية الإسلامية. ثم إن السودان له خصوصية، فلديه عدد من الثقافات وليس ثقافة واحدة، وليس شعبا واحداً ولا ديانة واحدة، ولا عرقاً واحداً، ولا لغة واحدة، وهذا يجعل للسودان خصوصية تجعلنا نحبذ أن تعطى له فرصة قبل الحكم على هذه التجربة مع التسليم بأنه ليس هناك نظام حكم، سواء كان إسلاميا أم غير إسلامي، يمكن أن يمثل المثال الذي نريده، فدائما هناك فارق بين المثال والواقع، فنحن حينما نتحدث عن الشورى والديمقراطية فإن القضية ليست مثلاً وأحلاماً.
أما بخصوص التصريحات التي صدرت عن بعض الإسلاميين في جبهة الإنقاذ في الجزائر، فجبهة الإنقاذ جبهة وليست تنظيما متحداً، وهي لها من اسمها نصيب فهي تيارات مختلفة ومستنيرة، ومن هنا فطبيعي أن يكون داخلها وجهات نظر مختلفة، وأن نسمع بعض التصريحات السلبية عن الديمقراطية.
وأحيانا فإن الإعلام المعادي يركز على خطبة قالها خطيب مجهول أو تصريح قد يكون لصاحبه تفسيرات معينة، وحتى لو قال "على بلحاج" نائب رئيس الجبهة إن (الديمقراطية كفر) فهو يقصد أنها تعطي الأمة سلطة التشريع حتى أنها تحرم الحلال وتحلل الحرام، وهذا موجود في بعض الدول الأوروبية كأن يكون للشذوذ الجنسي قانون، وللزنا بالتراضي قانون.. الخ، لأن فلسفة الديمقراطية في النظام الغربي هي أن الأمة مصدر السلطات بشكل مطلق وليس هناك سقف على سلطة الأمة، لكن الديمقراطية كمؤسسات وآليات وتجربة إنسانية فيها النظام النيابي، والانتخابات، والرأي العام، وتبادل السلطة. كل هذا لا يختلف مع الإسلام ولا مع الشورى الإسلامية، وهنا يجب ألا يعزل التصريح عن سياقه وملابساته ومقاصده، وألا يعمم.
أما قضية الإخوان فهم لهم أدبيات معينة تلتزم بالديمقراطية، وتبادل السلطة، والتعددية، والشورى، والاقتراع، بل إن لهم تصريحات كثيرة تتحدث حتى عن قبولهم لأحزاب شيوعية، وأن الحكم هو الأمة، وأنا بالنسبة لأي حزب أو جماعة أحاكمها بناء على أدبياتها ولا أتحدث عن النوايا لأن بعض الناس يريد أن يحاكم الناس ولو فعلنا ذلك نستطيع أن نرفض كل الناس، لأنه لا يعلم النوايا إلا الله، ونحن نتعامل مع الناس فيما يتعلق بالحياة الدنيا بالظاهر والمعلن، وأنا أقول إنه ليس هناك تيار سياسي في عالمنا العربي والإسلامي يستطيع أن يكون نموذجا للحكم والمثال الذي نتحدث عنه.
لكن على مستوى الواقع "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"، فأين هو التيار الديمقراطي الحقيقي الذي من حقه أن يحاكم الآخرين على سلبياتهم الديمقراطية.
الخميس5 من صفر1428هـ 22-2-2007م الساعة 05:30 م مكة المكرمة 02:30 م جرينتش
الصفحة الرئيسة > حوارات
المفكرة الإسلامي الدكتور محمد عمارة
- منهج أهل السنة هو التحذير من التكفير.
- أمريكا بدأت بالعراق لإحداث تغيير في المنطقة يحقق مصالحها هي وإسرائيل.
- النموذج الأمريكي مرفوض إسلامياً وهذه هي الأسباب.
- مشكلتنا مع الغرب في مشروعه للاستعمار والهيمنة والاستغلال.
- لا أخاف التطرف الفكري لأن الأمة سترفضه.
- ليس هناك ارتباط بين الديمقراطية العلمانية.
- لن ينجح الحوار مع الغرب مادام الفاتيكان يسعى لتنصير المسلمين.
- الغطرسة الأمريكية جمعت بين القارونية والفرعونية.
حاورته/ د. ليلى بيومي
يعد الدكتور محمد عمارة من أبرز المفكرين الإسلاميين الذين ينتهجون المنهج الإسلامي الوسطى المعتدل، وهو قيمة فكرية كبيرة حيث قدم للمكتبة الإسلامية العديد من الكتابات التي أثرت الفكر الإسلامي المعاصر، فقدم لنا الأعمال الكاملة للشيخ رشيد رضا، والإمام محمد عبده، والكواكبي، كما اشتبك مع أفكار قاسم أمين وعلي عبد الرازق وطه حسين، وكتب عن أبو الأعلى المودودي، والطريق إلى اليقظة الإسلامية، ومسلمون ثوار .. إلى غير ذلك من المؤلفات القيمة والثرية.
وهو من أبرز من سبروا أغوار الفكر العلماني، ولذلك فهو فارس مغوار في دمغ حجج العلمانيين والمعادين للفكرة الإسلامية، وفي كتاب أخير صدر له يناقش قضية التكفير انتهز المتربصون به جملة وردت في الكتاب فأقاموا الدنيا على الرجل وطالبوا بمحاكمته.
عن كل هذه القضايا، وعن بعض ما يتصل بهموم الحركة الإسلامية والفكر الإسلامي كان هذا الحوار مع د. محمد عمارة.
* كتابكم "فتنة التكفير" سبب لكم مشكلات كثيرة، طالب الأقباط على أثرها بمحاكمتكم، ما هي قصة هذا الكتاب؟.
** أردت أن أقول في هذا الكتاب، أصدرته وزارة الأوقاف، إن منهج أهل السنة هو التحذير من التكفير ويقول في ذلك أبو حامد الغزالي: "لا يسارع إلي التكفير إلا الجهلاء، وأن الخطأ في ترك ألف كافر أهون من إراقة دم مسلم"، ويقول "نحن لا نكفر أهل السنة"، ومع ذلك وافق الغزالي علي تكفير غير المسلم؟. والمشكلة جاءت من مجرد كلمتين فقط وهما "إباحة الدماء" في مضمون اقتبسته من كتاب لأبي حامد الغزالي اسمه "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة"، وقد قررت إحقاقا للحق حذفهما، ولا أعرف كيف ضمنهما أبو حامد كتابه، فأنا أقرأ له وأخذ منه في ثقة ولا أفتش وراءه، لكن هذا ليس موقف الإسلام الذي لا يبيح دماء الآخرين.
لقد خلصت في كتابي إلي تحديد موقع بؤر وألغام الخلاف الموجود في التراث وهي فكرة التكفير داخل مذاهب المسلمين.
وفي أحد فصول الكتاب جاء عنوان "ما العمل" وذكرت تحت هذا مطلبين، الأول هو إصدار فتوى جماعية بين السنة والشيعة والسلفية بعدم تكفير أي من المذاهب الأخرى لكل من ينطق بالشهادتين، أما المطلب الثاني فهو تهذيب كتب التراث بتطهيرها من أحكام التكفير.
وطالبت بأشياء عدة أهمها، دعوت منظمة المؤتمر الإسلامي بعقد مؤتمر لكل مفتيي العالم الإسلامي بإصدار فتوى "لا للتكفير"، أما المطلب الثاني وهو تهذيب التراث كما يحدث في تهذيب "ألف ليلة وليلة" من الفحش والأدب المكشوف وفقاً لحكم قضائي يقضي بحذف ما يتعارض مع الآداب كي نتمكن من تدريسها بالمدارس.
* كيف تنظرون إلى الاحتلال الأمريكي للعراق؟.
** الحرب التي شنتها أمريكا وحلفاؤها على العراق هي حرب مقاصدها معلنه من قبل الأمريكان أنفسهم، فعلى لسان وزير الخارجية الأمريكي السبق قال: إنها حرب تبدأ بالعراق لأحداث تغيير شامل في المنطقة على النحو الذي يحقق مصالح أمريكا وينهى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومنذ عقود كتب نيكسون في كتابه "انتهزوا الفرصة" يقول: إن أمريكا ليس لها في الشرق العربي إلا النفط وإسرائيل، وأمريكا بعد سقوط المنظومة الشيوعية أعلنت أن القرن الحالي هو قرن الإمبراطورية الأمريكية التي لا تريد قطباً آخر ولا شريكاً ولا منافساً في الهيمنة الامبريالية على العالم، وحتى تحقق هذا خطط مفكرو اليمين الديني في الحزب الجمهوري منذ سنوات للسيطرة على منابع الطاقة في العالم حتى تستطيع أمريكا التحكم في القوة الصناعية في العالم فتمنع قيام قطب منافس أو شريك في النظام الدولي، ولهذا ذهبت إلى أفغانستان وأقامت أكثر من 10 قواعد عسكرية في جمهوريات آسيا الوسطى للهيمنة على بترول بحر قزوين، وحتى تكون على حدود القوى المرشحة للنمو مثل الصين والهند وروسيا. وهى تلعب نفس الدور في منطقة البحيرات الأفريقية عبر ورقة الأقليات في السودان، من أجل السيطرة على النفط هناك.
* لماذا ترفض النموذج الأمريكي؟.
** النموذج الأمريكي مرفوض رفضًا كاملاً من وجهة النظر الإسلامية لثلاثة أسباب أساسية:
السبب الأول: أن النموذج الأمريكي توءم للنموذج الصهيوني، فالولايات المتحدة تأسست على إبادة شعب وحضارة، وإحلال مستوطنين غرباء محلهما أتوا بهم من أوروبا إلى أمريكا. ففلسفة إقامة وتكوين هذا النموذج هي نفس الفلسفة الصهيونية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
والسبب الثاني: أن من سمات هذا النموذج المرفوض هو تمثيله للرأسمالية الليبرالية المتوشحة. والولايات المتحدة ترى أنها يجب أن تسود العالم إما حربًا أو سلمًا، من خلال صراع أو صدام الحضارات. ولقد لفرض هذا النموذج عبر استغلال برامج التنمية في مؤسسات التمويل الدولية، مستغلة حاجة الشعوب الفقيرة للقروض لتمويل عمليات التنمية. وقد فرضت تطبيق هذا النموذج عبر وصفة إجبارية لم تكن مناسبة لكثير من المجتمعات التي فُرِضت عليها، أو كانت قد تم تطبيقها في مجتمعات مشابهة فجرَّت الخراب والدمار.
والسبب الثالث: أن النموذج الأمريكي يمثل في هذا الوضع الراهن جنون القوة في تعامله مع العالم وخاصة العالم الإسلامي. فلقد تطورت علاقة أمريكا بالشعوب الطامحة للاستقلال والحرية من مرحلة سياسة القوة إلى مرحلة غطرسة القوة إلى المرحلة الحالية وهي جنون القوة. وهذا النموذج في وضعه الراهن يجمع ما بين القارونية من ناحية، والفرعونية من ناحية ثانية؛ ولذلك لا يمكن أن يكون مقبولاً من وجهة النظر الإسلامية بل ولا حتى من وجهه النظر الإنسانية المتحرر.
* هل الغرب كله شيء واحد؟.
** إنني أدعو إلي توخي الحذر عند رؤيتنا للغرب، فنحن يجب أن نميز بين الإنسان الغربي، وهذا لا مشكلة لنا معه بل إنه يفتح عقله وقلبه للإسلام ولقضايانا العادلة إذا نحن أحسنّا عرضها عليه وهذا الإنسان الغربي هو في الحقيقة ضحية للإعلام الغربي وللموروث الثقافي الغربي المليء بالمغالطات في ما يتعلق بالإسلام فهو أي الإنسان الغربي ضحية أكثر منه جانياً.
الشريحة الثانية في الغرب هي العلم الغربي وهذا لا مشكلة لنا معه بل إننا مدعون إلى طلبه وتعلمه والتلمذة علي أهله فهو مشترك إنساني عام.
أما المشكلة في ما يتعلق بالغرب فهي المشروع الغربي مشروع الاستعمار والهيمنة والاستغلال وهذا المشروع يمثل بالنسبة لنا مشكلة ليس لأنه غربي فنحن انطلاقا من الإسلام نؤمن بالتعددية الدينية والثقافية والقومية والحضارية ونؤمن أن العالم يجب أن يكون منتدى حضارات تتعايش وتتفاعل وتتمايز في الخصوصيات الثقافية، لكن الذي يجعل المشروع الغربي مشكلة لنا هو أن الحضارة الغربية ذات نزعة مركزية تجعلها تؤمن بأن الحضارة بدأت بالإغريق والرومان وانتهت بالنهضة الأوروبية وأن النموذج الغربي الحضاري هو الحضارة الإنسانية والعالمية الوحيدة وعلي الآخرين تقليدها والتبعية لها والذوبان فيها، أي أن المشروع الغربي هو بحكم نزعته المركزية ينفي المشاريع الحضارية الأخرى وفي مقدمتها المشروع الحضاري الإسلامي.
* الحركة الإسلامية متهمة بممارسة الديكتاتورية عندما تصل إلى الحكم، كما حدث في السودان، وأفغانستان، وحتى قبل الوصول إلى الحكم أو حال الوصول إليه كما حدث في الجزائر عندما هاجم نائب رئيس جبهة الإنقاذ الديمقراطية، وأيضا في مصر انتقد الكثيرون تجربة الإخوان في النقابات المهنية وقالوا إنها كانت غير مشجعة، حيث كانوا يرفضون أن يشاركهم غيرهم إدارة النقابات ... كيف تردون على هذه الاتهامات؟.
أنا أولاً لي ملاحظات على التيارات الفكرية جميعها من حيث الموقف من الشورى والديمقراطية، وأنا أيضا أتساءل: هل الليبراليون عندما حكموا في بلادنا كانوا ديمقراطيين؟! هذا لم يحدث، التطبيقات الديمقراطية عند من يدعون الليبرالية كانت حكماً لفئة من الإقطاعيين أو الرأسماليين، بينما كانت جماهير الشعب محرومة، ولو نظرنا إلى الأحزاب الليبرالية فسوف نجد أن زعامتها وقيادتها كانت احتكاراً لفئة من الناس.
والأحزاب والتيارات القومية هي التي أقامت الديكتاتوريات والنظم الشمولية على مساحة العالم العربي بأكمله، فالمناخ الذي نعيشه يعاني من سلبيات كثيرة فيما يتعلق بالديمقراطية والتوجهات الشورية. نأتي إلى قضية الإسلاميين وأنا لا أبرئ التيارات الإسلامية أن لديها أيضا هذه المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بالديمقراطية والشورى، لكنها قد تكون أفضل من غيرها في هذا المجال، أنا لا أدري ماذا ستفعل إذا وصلت إلى الحكم، لأن هذا في علم الغيب، لكني أتصور أن كثيراً من الحركات والجماعات الإسلامية لها في تنظيماتها مجالس شورى، وتتحدث كثيرا عن موضوع الشورى.
أما فيما يتعلق بالتطبيقات فبخصوص التجربة السودانية فإن لها ظروفا وملابسات تجعلني أتروي في الحكم عليها، لأن الحركة السياسية في السودان كانت حركات صوفية قبلية ذات طابع إقطاعي، وهذا واضح عند الختمية والأنصار، وكانت حركات حديثة أغلبها أحزاب يسارية محدودة التأثير والعدد. أما الحركة الإسلامية في السودان فهي الحركة الحديثة القائمة على تنظيم غير قبلي وغير إقطاعي، فهي تجمع ما بين التوجهات الحديثة وبين المرجعية الإسلامية. ثم إن السودان له خصوصية، فلديه عدد من الثقافات وليس ثقافة واحدة، وليس شعبا واحداً ولا ديانة واحدة، ولا عرقاً واحداً، ولا لغة واحدة، وهذا يجعل للسودان خصوصية تجعلنا نحبذ أن تعطى له فرصة قبل الحكم على هذه التجربة مع التسليم بأنه ليس هناك نظام حكم، سواء كان إسلاميا أم غير إسلامي، يمكن أن يمثل المثال الذي نريده، فدائما هناك فارق بين المثال والواقع، فنحن حينما نتحدث عن الشورى والديمقراطية فإن القضية ليست مثلاً وأحلاماً.
أما بخصوص التصريحات التي صدرت عن بعض الإسلاميين في جبهة الإنقاذ في الجزائر، فجبهة الإنقاذ جبهة وليست تنظيما متحداً، وهي لها من اسمها نصيب فهي تيارات مختلفة ومستنيرة، ومن هنا فطبيعي أن يكون داخلها وجهات نظر مختلفة، وأن نسمع بعض التصريحات السلبية عن الديمقراطية.
وأحيانا فإن الإعلام المعادي يركز على خطبة قالها خطيب مجهول أو تصريح قد يكون لصاحبه تفسيرات معينة، وحتى لو قال "على بلحاج" نائب رئيس الجبهة إن (الديمقراطية كفر) فهو يقصد أنها تعطي الأمة سلطة التشريع حتى أنها تحرم الحلال وتحلل الحرام، وهذا موجود في بعض الدول الأوروبية كأن يكون للشذوذ الجنسي قانون، وللزنا بالتراضي قانون.. الخ، لأن فلسفة الديمقراطية في النظام الغربي هي أن الأمة مصدر السلطات بشكل مطلق وليس هناك سقف على سلطة الأمة، لكن الديمقراطية كمؤسسات وآليات وتجربة إنسانية فيها النظام النيابي، والانتخابات، والرأي العام، وتبادل السلطة. كل هذا لا يختلف مع الإسلام ولا مع الشورى الإسلامية، وهنا يجب ألا يعزل التصريح عن سياقه وملابساته ومقاصده، وألا يعمم.
أما قضية الإخوان فهم لهم أدبيات معينة تلتزم بالديمقراطية، وتبادل السلطة، والتعددية، والشورى، والاقتراع، بل إن لهم تصريحات كثيرة تتحدث حتى عن قبولهم لأحزاب شيوعية، وأن الحكم هو الأمة، وأنا بالنسبة لأي حزب أو جماعة أحاكمها بناء على أدبياتها ولا أتحدث عن النوايا لأن بعض الناس يريد أن يحاكم الناس ولو فعلنا ذلك نستطيع أن نرفض كل الناس، لأنه لا يعلم النوايا إلا الله، ونحن نتعامل مع الناس فيما يتعلق بالحياة الدنيا بالظاهر والمعلن، وأنا أقول إنه ليس هناك تيار سياسي في عالمنا العربي والإسلامي يستطيع أن يكون نموذجا للحكم والمثال الذي نتحدث عنه.
لكن على مستوى الواقع "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"، فأين هو التيار الديمقراطي الحقيقي الذي من حقه أن يحاكم الآخرين على سلبياتهم الديمقراطية.
تعليق