مفتي مصر.. والبيت بيتك !!
أبو محمد الأزهري
أضيفت بتاريخ : 19 - 04 - 2007 نقلا عن : خاص بإذاعة طريق الإسلام نسخة للطباعة القراء : 671 أبو محمد الأزهري
جاء في جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 24 مارس 2007م، في بريد الأهرام - رسالة من قارئ، وتعقيب المحرر عليها، الرسالة بعنوان: "حلال.. مئة في المئة!"..
"فتح فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة في لقائه مع برنامج البيت بيتك أبواب البنوك باقتدار أمام جموع المترددين والخائفين من الاقتراب من المعاملات البنكية, باعتبارها محرمة - في زعم بعض الفتاوى - ففي دقائق معدودة شرح الدور الهائل الذي تلعبه البنوك بين المستثمر أو المدخر والمشروعات التنموية التي تصب فيها هذه المدخرات, وقيام البنوك بدور الضامن لحقوق الطرفين بعقود تمويل موثَّقة تتسم بالدقة ومسؤولية كلا الطرفين.
وقد أجاز هذه النوعية من المعاملات التي تقوم فيها البنوك بصفتها الخبيرة في تحريك الاستثمار في اتجاهات مختلفة بإيقاع منضبط مثل المايسترو, وأوضح فضيلته أن الادعاء بأن التعامل مع البنوك حرام هو إجهاض لاقتصاد الأمة وتخريب لمشاريعها التي تعتمد أساساً علي المدخرات العائلية التي اتجهت إلى البنوك طواعية وبدون إلزام ولا إجبار, وانتقاء الأوعية الادخارية المختلفة التي تتناسب مع ظروف كل مدخر, وقال إن أهم ما تتسم به هذه المنظومة هو الرضا والقبول فأين الحرام؟
وأعتقد أن مجمع البحوث الإسلامية انتهى بالإجماع إلا صوتاً واحداً علي جواز أرباح شهادات الاستثمار".
وعقب محرر بريد الأهرام بقوله:
"لعل شيوخ الفضائيات يقتنعون بفتوى الدكتور علي جمعة ويتوقفون عن التحريض اليومي للمواطنين لنقل أموالهم إلى بنك بعينه بدعوى أنه بنك إسلامي.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقبل الشروع في الجواب المفصل على ما ورد في هذا التصريح من أباطيل، أحب أن أنبه القارئ الكريم إلى أن ما ذُكر فيها من فتاوى رسمية بإباحة ربا البنوك يعلم الجميع - إلا ما نَدُر - أن فضيلة الشيخ كان يفتي قبل توليه لهذا المنصب بحرمة التعامل مع البنوك الربوية، سواء أيام كان يعمل في السعودية أو في مصر، ثم أصدرت تلك الفتاوى مؤخراً واتهم فيها من يحرم ربا البنوك بالجهل!! - في تصريح له - وهم عامة علماء الأمة المعتبرين من الأحياء والأموات من فقهاء الشريعة، وفقهاء الاقتصاد، بل ورجال القانون الذين يُوَصِفون تعامل البنوك بأنه قرض ولكن يبيحونه من جهة القانون الوضعي لا من جهة الشرع الإسلامي الحنيف!!
ولو أن الشيخ كلف نفسه بالرجوع لأهل التخصص من الفقهاء أو خبراء الاقتصاد لمعرفة التوصيف العلمي لعمل البنك، ولمعرفة الجانب المدمر للاقتصاد الربوي، الذي لا يتصور ألبته موافقته للشرع؛ لأنه من صنع اليهود ونشأ في غير بلاد المسلمين؛ ولذلك لا يتصور عقلاً أن تراعى فيه الحدود الشرعية.
فلا عجب ولا غرابة أن يتفق العلماء على أنه من الحرام البيِّن وليس من الشبهات فقط منذ زمن بعيد - إلا من شذَّ منهم - وهو قول جميع المجامع الفقهية، ولجان الفتوى في العالم العربي والإسلامي؛ ومنها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي يضم علماء (55) دولة، وفيه أكثر من مئة خبير في جميع التخصصات مثل الدكتور على السالوس، والدكتور وهبة الزحيلي وغيرهم من خبراء الاقتصاد والقانون والفقه.
والمجمع الفقهي بمكة المكرمة، الذي يضم خيرة العلماء والفقهاء في العالم، ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية، وهيئة كبار العلماء بالسعودية، وعلى رأسهم الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، وابن عثيمين... وغيرهم كثير من علماء الأمة، وإليكم أولاً مجموعة من القرارات المعتمدة:
قرار المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة:
انعقد المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، بالقاهرة في شهر المحرم سنة 1385هـ - الموافق مايو 1965م، والذي ضم ممثلين ومندوبين عن خمس وثلاثين دولة إسلامية في عهد العلامة حسن مأمون شيخ الأزهر.
وقد قرر المؤتمر بالإجماع بشأن المعاملات المصرفية ما يلي:
أولاً - الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين.
ثانياً - كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: { فتوى د. علي جمعة وهو يشغل منصب مفتي الجمهورية تقطع الطريق على ما يروجه بعض الشيوخ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران:130].
ثالثاً - الإقراض بالربا محرَّم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة.
رابعاً- أعمال البنوك من الحسابات الجارية، وصرف الشيكات، وخطابات الاعتماد، والكمبيالات الداخلية، التي يقوم عليها العمل بين التُّجَّار والبنوك في الداخل - كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من الربا.
خامساً- الحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة.
قرار مجمع رابطة العالم الإسلامي:
إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12رجب 1406هـ- إلى يوم السبت 19رجب 1406هـ- قد نظر في موضوع (تفشي المصارف الربوية، وتعامل الناس معها، وعدم توافر البدائل عنها).
قد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته، وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم، وألا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي هو الربا من جسم العالم؛ ومن هنا يقرر المجلس ما يلي:
أولاً: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله تعالى عنه من التعامل بالربا، أخذاً أو عطاءً، والمعاونة عليه بأي صورة من الصور، حتى لا يحل بهم عذاب الله، ولا يأذنوا بحرب من الله ورسوله.
ثانياً: ينظر المجلس بعين الارتياح والرضا إلى قيام المصارف الإسلامية، التي هي البديل الشرعي للمصارف الربوية، ويعني بالمصارف الإسلامية: كل مصرف ينص نظامه الأساسي على وجوب الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء في جميع معاملاته ويُلزم إدارته بوجوب وجود رقابة شرعية مُلزمة.
ثالثاً: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام.
رابعاً: يدعو المجلس المسؤولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا؛ استجابة لنداء الله تعالى: { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [البقرة:278].
خامساً: كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً، لا يجوز أن ينتفع به المسلم - مودع المال - لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة.
قرار مجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 - 16 ربيع الثاني 1406هـ- الموافق 22 - 28ديسمبر 1985م - قرر ما يلي:
أولاً: إن كل زيادة (أو فائدة) على الدَّين الذي حل أجله، وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة (أو الفائدة) على القرض منذ بداية العقد: هاتان الصورتان رباً محرم شرعاً.
ثانياً: إن البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام - هي التعامل وفقاً للأحكام الشرعية ولاسيما ما صدر عن هيئات الفتوى المعنية بالنظر في جميع أحوال التعامل التي تمارسها المصارف الإسلامية في الواقع العملي.
ثالثاً: قرَّر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات الإسلامية إلى تشجيع المصارف الإسلامية القائمة، والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي؛ لتغطي حاجة المسلمين كيلا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته.
هذا؛ وليُعلم أن ودائع البنوك هي عقد قرض شرعاً – كما تقدم – وقانوناً، وعند علماء الاقتصاد؛ فالمصرف أو البنك: هو مؤسسة تتخصص في إقراض واقتراض النقود، كما في "الموسوعة العربية الميسرة"، وقد اتفق أساتذة الاقتصاد وعلماء القانون وفقهاء الشريعة على هذا التعريف.
فالوظيفة الأولى للبنوك هي الاتجار في الديون، بأن تقوم بإقراض ما أودع لديها، أو ما اقترضته من المودعين مقابل زيادة محددة على أصل المال، ووظيفتها الثانية هي: خلق الديون أو الائتمان يعني: إقراض ما لم تملكه بالفعل؛ فتَخْلُق النقود وتقرضها! وذلك بوضع مبلغ معين تحت تصرف شخص ما – فتح الاعتماد – وهو في الحقيقة لن يسحب جميع المبلغ وإنما يأخذ مقداراً منه، أما البنك فيأخذ الربا – الفائدة - على جميع المبلغ المخصص له، والبنك في هذا أسوأ من ربا الجاهلية بكثير.
يقول الأستاذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري في كتابه "الوسيط في شرح القانون المدني" (5/435): "... فالعميل الذي أودع النقود هو المقرض، والمصرف هو المقترض، وقد قدمنا أن هذه وديعة ناقصة وتعتبر قرضاً".
ويقول الدكتور على جمال الدين عوض في كتابه: "عمليات البنوك من الوجهة القانونية": إن الوديعة النقدية المصرفية في صورتها الغالبة تعد قرضاً، وهو ما يتفق مع القانون المصري، حيث تنص المادة 726 منه على ما يأتي: إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك باستعماله، وكان المودع عنده مأذوناً له في استعماله اعتبر العقد قرضاً. ويأخذ كثير من تشريعات البلاد العربية بهذه القرينة، أي ينص على أن البنك يمتلك النقود المودعة لديه، ويلتزم بمجرد رد مثلها من نفس النوع".
فودائع البنوك تعتبر قرضاً في نظر الشرع والقانون، إلا أن الشرع حرم ربا الديون مطلقاً وأما القانون الوضعي فينص على إباحة هذا الربا ويسميه فوائد.
وسنشير في آخر المقالة إلى باقة من الفتاوى العتيقة، لعلماء الأزهر وغيرهم تجاه هذه البنوك منذ نشأتها، وحتى وقتنا هذا، فلتنظر بعدُ.
أما قوله: "الدور الهائل الذي تلعبه البنوك بين المستثمر أو المدخر والمشروعات التنموية التي تصب فيها هذه المدخرات... إلى آخره"؛ فهو كلام من لا يعرف قليلاً ولا كثيراً عن المعاملات البنكية".
فإن استثمارات البنوك - التي تهدف إلى تحقيق أقصى ربح ممكن - تتمثل في التعامل في الديون والائتمان؛ إذ تقدم هذه البنوك خدمات ائتمانية معينة لعملائها المودعين - أي المقرضين لها - والمستثمرين لأموالها - أي المقترضين منها - وتحصل في مقابل ذلك على مدفوعات من هؤلاء العملاء، ومن هذا التعامل تحاول تحقيق أقصى ربح ممكن، ويتكون هذا التعامل أساساً من نوعين:
النوع الأول: الاتجار في الديون أو الائتمان.
والنوع الثاني: هو خلق أو صناعة الديون أو الائتمان؛ فهل هذا يعد استثماراً من الجهة الشرعية؟!
فالبنوك مؤسسات للوساطة المالية، ولا تتدخل بطريقة مباشرة في العملية الإنتاجية، وإنما تتوسط بين المقرضين والمقترضين، فتقوم بتحويل الفوائض المالية من القطاعات ذات الطاقة التمويلية الفائضة ـ المقرضين أو المودعين ـ إلى القطاعات ذات العجز في الموارد المالية (المقترضين)، ويتمثل دخل هذه البنوك في الفرق بين ما تحصل عليه من فوائد من المقترضين، وما تدفعه من فوائد للمقرضين.
يقول الأستاذ الدكتور رفعت العوضي أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر في " دراسة له عن البنوك الربوية": "إن الاقتصاد الربوي شر، وليست هذا مقولة الاقتصاديين المرتبطين بالاقتصاد الإسلامي وحدهم، وإنما هي أيضاً مقولة من يرتبط بالاقتصاديات الوضعية إن أهم النتائج التي تسجل دراستي هي:
1- أن التحليل الاقتصادي قد تخلى عن الفائدة. ويعني ذلك أننا في مجال التحليل الاقتصادي النظري لا نرتبط بالفائدة.
2- أن الاقتصاديات حين تواجه أزمة اقتصادية، فإن الاقتصاديين لا يزيدون في المطالبة بإلغاء دور الفائدة.
3- أنه ثبت أن اقتصاديات البلاد لا تستجيب فيها المتغيرات الاقتصادية للمتغيرات في الفائدة، ويعني ذلك عدم فعالية الفائدة في هذه الاقتصاديات.
4- أثبت الدراسات التطبيقية أن رؤوس الأموال التي تتعامل بالربا تنقص قيمتها الحقيقية، وقد اقترح الاقتصاديون أنفسهم أنه لضمان عدم تناقص القيمة الحقيقية لرؤوس الأموال هذه أن يكون أسلوب استثمارها هو المشاركة، وهم ـ بذلك ـ وصولاً إلى ما قال به الإسلام خمسة عشر قرناً.
5- استنتجنا في الدراسة عناصر اقتصادية للمنهج الإسلامي في تشغيل رأس المال. وهي عناصر تجعل الاقتصاديات التي تدار وفق المنهج الإسلامي في تشغيل رأس المال تتقدم تقدماً اقتصادياً حقيقياً.
الدراسة السابقة تثبت أن إلغاء الاقتصاد الربوي ليس فيه خطر بل إن الدراسة الاقتصادية تقول: إن إلغاء الاقتصاد الربوي هو ضرورة اقتصادية وهو علاج اقتصادي حتمي". اهـ.
أما قوله: " إن الادعاء بان التعامل مع البنوك حرام هو إجهاض لاقتصاد الأمة وتخريب لمشاريعه..."؛ فهي دعوة قديمة أطلقها قبله نفر قليلون من الذين أباحوا ربا البنوك.
وقد أجاب عنها الدكتور رفعت في دراسته - المشار إليها آنفاً – قال: وفي رأيي أن هذه مغالطة، بل ومغالطة خطيرة؛ ذلك أن إلغاء التعامل بالربا لا يعني إلغاء الجهاز المصرفي؛ على سبيل المثال، والتجربة تقول لنا ذلك لقد قامت الآن بنوك إسلامية تؤدي جميع الوظائف التي تؤديها البنوك ولكنها ألغت التعامل بالربا لذاك أرى أنه يجب أن نحثو التراب في وجه من يقول إن إلغاء الربا يعني توقف الحياة الاقتصادية؛ لأنه بذلك يكون مغالطاً. اهـ.
"فتح فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة في لقائه مع برنامج البيت بيتك أبواب البنوك باقتدار أمام جموع المترددين والخائفين من الاقتراب من المعاملات البنكية, باعتبارها محرمة - في زعم بعض الفتاوى - ففي دقائق معدودة شرح الدور الهائل الذي تلعبه البنوك بين المستثمر أو المدخر والمشروعات التنموية التي تصب فيها هذه المدخرات, وقيام البنوك بدور الضامن لحقوق الطرفين بعقود تمويل موثَّقة تتسم بالدقة ومسؤولية كلا الطرفين.
وقد أجاز هذه النوعية من المعاملات التي تقوم فيها البنوك بصفتها الخبيرة في تحريك الاستثمار في اتجاهات مختلفة بإيقاع منضبط مثل المايسترو, وأوضح فضيلته أن الادعاء بأن التعامل مع البنوك حرام هو إجهاض لاقتصاد الأمة وتخريب لمشاريعها التي تعتمد أساساً علي المدخرات العائلية التي اتجهت إلى البنوك طواعية وبدون إلزام ولا إجبار, وانتقاء الأوعية الادخارية المختلفة التي تتناسب مع ظروف كل مدخر, وقال إن أهم ما تتسم به هذه المنظومة هو الرضا والقبول فأين الحرام؟
وأعتقد أن مجمع البحوث الإسلامية انتهى بالإجماع إلا صوتاً واحداً علي جواز أرباح شهادات الاستثمار".
وعقب محرر بريد الأهرام بقوله:
"لعل شيوخ الفضائيات يقتنعون بفتوى الدكتور علي جمعة ويتوقفون عن التحريض اليومي للمواطنين لنقل أموالهم إلى بنك بعينه بدعوى أنه بنك إسلامي.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقبل الشروع في الجواب المفصل على ما ورد في هذا التصريح من أباطيل، أحب أن أنبه القارئ الكريم إلى أن ما ذُكر فيها من فتاوى رسمية بإباحة ربا البنوك يعلم الجميع - إلا ما نَدُر - أن فضيلة الشيخ كان يفتي قبل توليه لهذا المنصب بحرمة التعامل مع البنوك الربوية، سواء أيام كان يعمل في السعودية أو في مصر، ثم أصدرت تلك الفتاوى مؤخراً واتهم فيها من يحرم ربا البنوك بالجهل!! - في تصريح له - وهم عامة علماء الأمة المعتبرين من الأحياء والأموات من فقهاء الشريعة، وفقهاء الاقتصاد، بل ورجال القانون الذين يُوَصِفون تعامل البنوك بأنه قرض ولكن يبيحونه من جهة القانون الوضعي لا من جهة الشرع الإسلامي الحنيف!!
ولو أن الشيخ كلف نفسه بالرجوع لأهل التخصص من الفقهاء أو خبراء الاقتصاد لمعرفة التوصيف العلمي لعمل البنك، ولمعرفة الجانب المدمر للاقتصاد الربوي، الذي لا يتصور ألبته موافقته للشرع؛ لأنه من صنع اليهود ونشأ في غير بلاد المسلمين؛ ولذلك لا يتصور عقلاً أن تراعى فيه الحدود الشرعية.
فلا عجب ولا غرابة أن يتفق العلماء على أنه من الحرام البيِّن وليس من الشبهات فقط منذ زمن بعيد - إلا من شذَّ منهم - وهو قول جميع المجامع الفقهية، ولجان الفتوى في العالم العربي والإسلامي؛ ومنها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي يضم علماء (55) دولة، وفيه أكثر من مئة خبير في جميع التخصصات مثل الدكتور على السالوس، والدكتور وهبة الزحيلي وغيرهم من خبراء الاقتصاد والقانون والفقه.
والمجمع الفقهي بمكة المكرمة، الذي يضم خيرة العلماء والفقهاء في العالم، ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية، وهيئة كبار العلماء بالسعودية، وعلى رأسهم الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، وابن عثيمين... وغيرهم كثير من علماء الأمة، وإليكم أولاً مجموعة من القرارات المعتمدة:
قرار المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة:
انعقد المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، بالقاهرة في شهر المحرم سنة 1385هـ - الموافق مايو 1965م، والذي ضم ممثلين ومندوبين عن خمس وثلاثين دولة إسلامية في عهد العلامة حسن مأمون شيخ الأزهر.
وقد قرر المؤتمر بالإجماع بشأن المعاملات المصرفية ما يلي:
أولاً - الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين.
ثانياً - كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: { فتوى د. علي جمعة وهو يشغل منصب مفتي الجمهورية تقطع الطريق على ما يروجه بعض الشيوخ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران:130].
ثالثاً - الإقراض بالربا محرَّم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة.
رابعاً- أعمال البنوك من الحسابات الجارية، وصرف الشيكات، وخطابات الاعتماد، والكمبيالات الداخلية، التي يقوم عليها العمل بين التُّجَّار والبنوك في الداخل - كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من الربا.
خامساً- الحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة.
قرار مجمع رابطة العالم الإسلامي:
إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12رجب 1406هـ- إلى يوم السبت 19رجب 1406هـ- قد نظر في موضوع (تفشي المصارف الربوية، وتعامل الناس معها، وعدم توافر البدائل عنها).
قد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته، وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم، وألا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي هو الربا من جسم العالم؛ ومن هنا يقرر المجلس ما يلي:
أولاً: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله تعالى عنه من التعامل بالربا، أخذاً أو عطاءً، والمعاونة عليه بأي صورة من الصور، حتى لا يحل بهم عذاب الله، ولا يأذنوا بحرب من الله ورسوله.
ثانياً: ينظر المجلس بعين الارتياح والرضا إلى قيام المصارف الإسلامية، التي هي البديل الشرعي للمصارف الربوية، ويعني بالمصارف الإسلامية: كل مصرف ينص نظامه الأساسي على وجوب الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء في جميع معاملاته ويُلزم إدارته بوجوب وجود رقابة شرعية مُلزمة.
ثالثاً: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام.
رابعاً: يدعو المجلس المسؤولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا؛ استجابة لنداء الله تعالى: { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [البقرة:278].
خامساً: كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً، لا يجوز أن ينتفع به المسلم - مودع المال - لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة.
قرار مجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 - 16 ربيع الثاني 1406هـ- الموافق 22 - 28ديسمبر 1985م - قرر ما يلي:
أولاً: إن كل زيادة (أو فائدة) على الدَّين الذي حل أجله، وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة (أو الفائدة) على القرض منذ بداية العقد: هاتان الصورتان رباً محرم شرعاً.
ثانياً: إن البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام - هي التعامل وفقاً للأحكام الشرعية ولاسيما ما صدر عن هيئات الفتوى المعنية بالنظر في جميع أحوال التعامل التي تمارسها المصارف الإسلامية في الواقع العملي.
ثالثاً: قرَّر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات الإسلامية إلى تشجيع المصارف الإسلامية القائمة، والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي؛ لتغطي حاجة المسلمين كيلا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته.
هذا؛ وليُعلم أن ودائع البنوك هي عقد قرض شرعاً – كما تقدم – وقانوناً، وعند علماء الاقتصاد؛ فالمصرف أو البنك: هو مؤسسة تتخصص في إقراض واقتراض النقود، كما في "الموسوعة العربية الميسرة"، وقد اتفق أساتذة الاقتصاد وعلماء القانون وفقهاء الشريعة على هذا التعريف.
فالوظيفة الأولى للبنوك هي الاتجار في الديون، بأن تقوم بإقراض ما أودع لديها، أو ما اقترضته من المودعين مقابل زيادة محددة على أصل المال، ووظيفتها الثانية هي: خلق الديون أو الائتمان يعني: إقراض ما لم تملكه بالفعل؛ فتَخْلُق النقود وتقرضها! وذلك بوضع مبلغ معين تحت تصرف شخص ما – فتح الاعتماد – وهو في الحقيقة لن يسحب جميع المبلغ وإنما يأخذ مقداراً منه، أما البنك فيأخذ الربا – الفائدة - على جميع المبلغ المخصص له، والبنك في هذا أسوأ من ربا الجاهلية بكثير.
يقول الأستاذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري في كتابه "الوسيط في شرح القانون المدني" (5/435): "... فالعميل الذي أودع النقود هو المقرض، والمصرف هو المقترض، وقد قدمنا أن هذه وديعة ناقصة وتعتبر قرضاً".
ويقول الدكتور على جمال الدين عوض في كتابه: "عمليات البنوك من الوجهة القانونية": إن الوديعة النقدية المصرفية في صورتها الغالبة تعد قرضاً، وهو ما يتفق مع القانون المصري، حيث تنص المادة 726 منه على ما يأتي: إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك باستعماله، وكان المودع عنده مأذوناً له في استعماله اعتبر العقد قرضاً. ويأخذ كثير من تشريعات البلاد العربية بهذه القرينة، أي ينص على أن البنك يمتلك النقود المودعة لديه، ويلتزم بمجرد رد مثلها من نفس النوع".
فودائع البنوك تعتبر قرضاً في نظر الشرع والقانون، إلا أن الشرع حرم ربا الديون مطلقاً وأما القانون الوضعي فينص على إباحة هذا الربا ويسميه فوائد.
وسنشير في آخر المقالة إلى باقة من الفتاوى العتيقة، لعلماء الأزهر وغيرهم تجاه هذه البنوك منذ نشأتها، وحتى وقتنا هذا، فلتنظر بعدُ.
أما قوله: "الدور الهائل الذي تلعبه البنوك بين المستثمر أو المدخر والمشروعات التنموية التي تصب فيها هذه المدخرات... إلى آخره"؛ فهو كلام من لا يعرف قليلاً ولا كثيراً عن المعاملات البنكية".
فإن استثمارات البنوك - التي تهدف إلى تحقيق أقصى ربح ممكن - تتمثل في التعامل في الديون والائتمان؛ إذ تقدم هذه البنوك خدمات ائتمانية معينة لعملائها المودعين - أي المقرضين لها - والمستثمرين لأموالها - أي المقترضين منها - وتحصل في مقابل ذلك على مدفوعات من هؤلاء العملاء، ومن هذا التعامل تحاول تحقيق أقصى ربح ممكن، ويتكون هذا التعامل أساساً من نوعين:
النوع الأول: الاتجار في الديون أو الائتمان.
والنوع الثاني: هو خلق أو صناعة الديون أو الائتمان؛ فهل هذا يعد استثماراً من الجهة الشرعية؟!
فالبنوك مؤسسات للوساطة المالية، ولا تتدخل بطريقة مباشرة في العملية الإنتاجية، وإنما تتوسط بين المقرضين والمقترضين، فتقوم بتحويل الفوائض المالية من القطاعات ذات الطاقة التمويلية الفائضة ـ المقرضين أو المودعين ـ إلى القطاعات ذات العجز في الموارد المالية (المقترضين)، ويتمثل دخل هذه البنوك في الفرق بين ما تحصل عليه من فوائد من المقترضين، وما تدفعه من فوائد للمقرضين.
يقول الأستاذ الدكتور رفعت العوضي أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر في " دراسة له عن البنوك الربوية": "إن الاقتصاد الربوي شر، وليست هذا مقولة الاقتصاديين المرتبطين بالاقتصاد الإسلامي وحدهم، وإنما هي أيضاً مقولة من يرتبط بالاقتصاديات الوضعية إن أهم النتائج التي تسجل دراستي هي:
1- أن التحليل الاقتصادي قد تخلى عن الفائدة. ويعني ذلك أننا في مجال التحليل الاقتصادي النظري لا نرتبط بالفائدة.
2- أن الاقتصاديات حين تواجه أزمة اقتصادية، فإن الاقتصاديين لا يزيدون في المطالبة بإلغاء دور الفائدة.
3- أنه ثبت أن اقتصاديات البلاد لا تستجيب فيها المتغيرات الاقتصادية للمتغيرات في الفائدة، ويعني ذلك عدم فعالية الفائدة في هذه الاقتصاديات.
4- أثبت الدراسات التطبيقية أن رؤوس الأموال التي تتعامل بالربا تنقص قيمتها الحقيقية، وقد اقترح الاقتصاديون أنفسهم أنه لضمان عدم تناقص القيمة الحقيقية لرؤوس الأموال هذه أن يكون أسلوب استثمارها هو المشاركة، وهم ـ بذلك ـ وصولاً إلى ما قال به الإسلام خمسة عشر قرناً.
5- استنتجنا في الدراسة عناصر اقتصادية للمنهج الإسلامي في تشغيل رأس المال. وهي عناصر تجعل الاقتصاديات التي تدار وفق المنهج الإسلامي في تشغيل رأس المال تتقدم تقدماً اقتصادياً حقيقياً.
الدراسة السابقة تثبت أن إلغاء الاقتصاد الربوي ليس فيه خطر بل إن الدراسة الاقتصادية تقول: إن إلغاء الاقتصاد الربوي هو ضرورة اقتصادية وهو علاج اقتصادي حتمي". اهـ.
أما قوله: " إن الادعاء بان التعامل مع البنوك حرام هو إجهاض لاقتصاد الأمة وتخريب لمشاريعه..."؛ فهي دعوة قديمة أطلقها قبله نفر قليلون من الذين أباحوا ربا البنوك.
وقد أجاب عنها الدكتور رفعت في دراسته - المشار إليها آنفاً – قال: وفي رأيي أن هذه مغالطة، بل ومغالطة خطيرة؛ ذلك أن إلغاء التعامل بالربا لا يعني إلغاء الجهاز المصرفي؛ على سبيل المثال، والتجربة تقول لنا ذلك لقد قامت الآن بنوك إسلامية تؤدي جميع الوظائف التي تؤديها البنوك ولكنها ألغت التعامل بالربا لذاك أرى أنه يجب أن نحثو التراب في وجه من يقول إن إلغاء الربا يعني توقف الحياة الاقتصادية؛ لأنه بذلك يكون مغالطاً. اهـ.
تعليق