هذه ليست شعارات ولا أحلام, فلا التنظير بالشيء الذي أجيدة وكذلك الأحلام الحسنة تقاطعني منذ ستة أشهر. ولكنها إستنتاجات تستند على منهج التحليل العلمي للإشياء. حيث أن للتاريخ سنناًَ وقوانين, وإن إستقراء المستقبل عبر تمحيص تفاعلات الحاضر وفهم الماضي ممكن جداًَ بل هو علم قائم بحد ذاته ويدرس في معظم الجامعات العريقة.
فالتاريخ بشكل عام يسير على شكل دورات ولكل دورة خصائصها ومميزاتها. وهكذا لو أخذنا تاريخ أمتنا وأخضعناه للتمحيص لوجدنا أنه كان دوماًَ يمر بمرحلتين يمكن أن نطلق على أحدهما مرحلة الأوج وعلى الاخرى مرحلة الحضيض, غير أن تاريخنا لم يكن يتنقل بين هذه الدورات على شكل قفزات بل كانت أحداثه تتصاعد تدريجياًَ حتى تصل بالامة إلى مرحلة الأوج ثم تبدأ بالإنحدار تدريجياًَ حتى تصل بها لنقطة الحضيض ولتبدأ بالصعود مرة أخرى. ويمكن تبسيط ذلك بتخيل رجل يصعد جبلاًَ حتى يصل إلى قمته ثم يعاود النزول حتى يصل ألى مستوى الأرض من الجهة الأخرى و هكذا.
و يمكن تعين نقاط أوج و حضيض كثيرة في تاريخنا, فقبيل البعثة المحمدية كانت العرب تعيش في نقطة حضيضها, فهم قبائل وشيع شتى تتقاتل لأتفه الأسباب وجل أرضهم محتلة. الفرس أخذوا العراق وسواحل الخليج والروم في الشام ومصر, وكان هنالك أقسام كبيرة من العرب تتغنى بكونهم عملاء لهذا الطرف أو ذاك, ولم تكن هناك نهضة علمية أو عمرانية تذكر. ويعتبر مجيء الرسول الكريم عليه السلام عام 609 م بداية مرحلة الصعود وليس أوجها حيث بدأ بتوحيد العرب وبث القيم الحضارية فيهم حتى وصلواإلى نقطة الأوج الأول في عهد عمر بن الخطاب سنة 634 م ففي عهدة تم توحيد جميع الشعوب العربية و تحرير بلادهم بل و السيطرة على فارس و كسر شوكة الروم وفي عهدة أيضاَ نظمت الدواوين و أنتشر العدل و تحقق الرفاه الإجتماعيً وبدأت بوادر نهضة علمية عظيمة عمت البشرية كلها فيما بعد.
غير أن الأوج الأول أستمر حتى عام 655م وهي سنة مقتل عثمان وبدء الفتنة الطائفية, أي أن الأوج أستمر 21 سنة. ثم بدات دورة النزول إلى الحضيض من جديد, غير أن حركة النزول كانت تدريجية و بطيئة جداًَ, وهكذا أستمرت الامة في الأنحدار التدريجي من القمة طوال العهد الأموي و العهد العباسي الذهبي وما تلاه من ضعف السلطة المركزية لصالح الأطراف والأقاليم ثم إنفصال هذه الأطراف و تلك الاقليم الكلي ثم ما حدث من تفتت كل جزء إلى جزيئات أصغر وأصغر, أي رجوع الفرقة والتشتت ثم ما تلاه من عودة الاحتلال الأجنبي, وتعتبر سنة 1099 م وهي سنة سقوط القدس بأيدي الفرنجة الاوروبين نقطة الحضيض في تاريخ الدورة الثانية.
وهكذا كما نرى إستغرق النزول من نقطة الأوج عام 634 م إلى نقطة نقطة الحضيض عام 1099م 465 عاماَ.ً
ولكن الملاحظ دوماًَ أن نقطتي الأوج و الحضيض تعبران عن نهاية دورة, ولذلك فالوصول إلى نقطة الحضيض يعني البدء في دورة جديدة نحو الأوج, والملاحظ أيضاًَ أنه أثناء النزول نحو الحضيض كانت الامور دوماًَ تسير نحو الأسوأ وأن كانت هناك بعض الأنتصارات والأنجازات بينما أثناء الصعود نحو الأوج كان حال الامة في تحسن مستمر وان مرت ببعض الهزائم و الإنتكاسات. وهكذا فقد كان ظهور القائد عماد الدين زنكي وبدءه في مشروعه الوحدوي في العراق عام 1124م هو نقطة بداية الصعود نحو الأوج. فبعد أن و حد عماد الدين العراق والشام و حرر الرها من الفرنجة جاء أبنه نور لدين ليضم مصر و شمال إفريقيا واليمن و الحجاز إلى هذا الكيان الموحد القوي وليمهد الطريق لخليفته صلاح الدين والذي طهر ساحل الشام ولبنان وفلسطين من الإحتلال الفرنجي ولذلك يعتبر تحرير القدس عام 1187م تاريخ الوصول إلى نقطة الأوج الثاني.
وطبعاًَ حسب قوانين التاريخ الصارمة لا بد وأن يبدأ الإنحدار نحو الحضيض الثالث, وفعلاًَ بدأت الوحدة بالتفكك و تحول الكيان القوي إلى كيانات صغيرة ومتنازعة فيما بينها مرة أخرى ورجع الإحتلال الاجنبي ولكن من الشرق هذه المرة مع المغول, ويعتبر عام 1258 م وهو تاريخ سقوط بغداد وتدميرها وذبح ثمنانمائة ألف من أهلها على يد هولاكو نقطة الحضيض الثالثة في عمر أمتنا.
ومرة أخرى تتجه الامة نحو الأوج من جديد. وتتحالف الشعوب العربية مع قبيلة أرطغل القادمة من منغوليا والذين نجحوا بتأسيس إمارة صغيرة في بيتيينا شمال الأناضول وتتم بيعة السلطان سليم الأول بالخلافة في مصر عام 1517م وبعد أن تم توحد الاقطار العربية من جديد بدأت الدولة الجديدة بالتوسع بفضل الجيوش العربية المنضوية تحت لواء عائلة أرطغل, حيث قلنا اّل أرطغل لم يكن لهم غير إمارة صغيرة قبل مبايعة العرب لهم بالخلافة وإنضمامهم لدولتهم لما لمسوا فيهم من الشجاعة والنزاهة والتمسك بالقيم الإسلامية الأصيلة, وتستمر الدولة الفتية في التوسع على حساب دولة الروم في أسيا الوسطى او ما يعرف بتركيا اليوم و تتوج الإنتصارات بسقوط القسطنطينية عاصمة الروم والكنيسية الشرقية سنة 1453م و التي تعتبر نقطة الوصول إلى الأوج الثالث. وطبعاًَ يبدأ النزول مجدداًَ و لكن ببطئ شديد هذه المرة, فالدولة بدأت بالضعف و قد إستأثر الروم (حديثي الإسلام) والذين أصبحوا يعرفون بالأتراك بمقاليد الأمور في الدولة وخفت الحضور والتأثير العربي بصورة كبيرة للتحول هذه الدولة والتي قامت على أكتاف العرب كما أسلفنا إلى كيان تركي محتل للبلدان العربية. وهكذا إستمرالإنحدار ليبلغ ذروته عام 1917م وهو عام إستيلاء البرطانيين على القدس وبداية الموجة الإستعمارية الأوروبية الحديثة, و كما عبر سقوط القدس بيد الفرنجة عام 1099م عن الوصول إلى نقطة الحضيض الثانية يعبر إحتلال القدس عام 1917م عن نقطة الحضيض الرابعة في تاريخنا.
تابعوا بداية وإرهاصات الصعود نحو الاوج الرابع في الحلقة القادمة.
فالتاريخ بشكل عام يسير على شكل دورات ولكل دورة خصائصها ومميزاتها. وهكذا لو أخذنا تاريخ أمتنا وأخضعناه للتمحيص لوجدنا أنه كان دوماًَ يمر بمرحلتين يمكن أن نطلق على أحدهما مرحلة الأوج وعلى الاخرى مرحلة الحضيض, غير أن تاريخنا لم يكن يتنقل بين هذه الدورات على شكل قفزات بل كانت أحداثه تتصاعد تدريجياًَ حتى تصل بالامة إلى مرحلة الأوج ثم تبدأ بالإنحدار تدريجياًَ حتى تصل بها لنقطة الحضيض ولتبدأ بالصعود مرة أخرى. ويمكن تبسيط ذلك بتخيل رجل يصعد جبلاًَ حتى يصل إلى قمته ثم يعاود النزول حتى يصل ألى مستوى الأرض من الجهة الأخرى و هكذا.
و يمكن تعين نقاط أوج و حضيض كثيرة في تاريخنا, فقبيل البعثة المحمدية كانت العرب تعيش في نقطة حضيضها, فهم قبائل وشيع شتى تتقاتل لأتفه الأسباب وجل أرضهم محتلة. الفرس أخذوا العراق وسواحل الخليج والروم في الشام ومصر, وكان هنالك أقسام كبيرة من العرب تتغنى بكونهم عملاء لهذا الطرف أو ذاك, ولم تكن هناك نهضة علمية أو عمرانية تذكر. ويعتبر مجيء الرسول الكريم عليه السلام عام 609 م بداية مرحلة الصعود وليس أوجها حيث بدأ بتوحيد العرب وبث القيم الحضارية فيهم حتى وصلواإلى نقطة الأوج الأول في عهد عمر بن الخطاب سنة 634 م ففي عهدة تم توحيد جميع الشعوب العربية و تحرير بلادهم بل و السيطرة على فارس و كسر شوكة الروم وفي عهدة أيضاَ نظمت الدواوين و أنتشر العدل و تحقق الرفاه الإجتماعيً وبدأت بوادر نهضة علمية عظيمة عمت البشرية كلها فيما بعد.
غير أن الأوج الأول أستمر حتى عام 655م وهي سنة مقتل عثمان وبدء الفتنة الطائفية, أي أن الأوج أستمر 21 سنة. ثم بدات دورة النزول إلى الحضيض من جديد, غير أن حركة النزول كانت تدريجية و بطيئة جداًَ, وهكذا أستمرت الامة في الأنحدار التدريجي من القمة طوال العهد الأموي و العهد العباسي الذهبي وما تلاه من ضعف السلطة المركزية لصالح الأطراف والأقاليم ثم إنفصال هذه الأطراف و تلك الاقليم الكلي ثم ما حدث من تفتت كل جزء إلى جزيئات أصغر وأصغر, أي رجوع الفرقة والتشتت ثم ما تلاه من عودة الاحتلال الأجنبي, وتعتبر سنة 1099 م وهي سنة سقوط القدس بأيدي الفرنجة الاوروبين نقطة الحضيض في تاريخ الدورة الثانية.
وهكذا كما نرى إستغرق النزول من نقطة الأوج عام 634 م إلى نقطة نقطة الحضيض عام 1099م 465 عاماَ.ً
ولكن الملاحظ دوماًَ أن نقطتي الأوج و الحضيض تعبران عن نهاية دورة, ولذلك فالوصول إلى نقطة الحضيض يعني البدء في دورة جديدة نحو الأوج, والملاحظ أيضاًَ أنه أثناء النزول نحو الحضيض كانت الامور دوماًَ تسير نحو الأسوأ وأن كانت هناك بعض الأنتصارات والأنجازات بينما أثناء الصعود نحو الأوج كان حال الامة في تحسن مستمر وان مرت ببعض الهزائم و الإنتكاسات. وهكذا فقد كان ظهور القائد عماد الدين زنكي وبدءه في مشروعه الوحدوي في العراق عام 1124م هو نقطة بداية الصعود نحو الأوج. فبعد أن و حد عماد الدين العراق والشام و حرر الرها من الفرنجة جاء أبنه نور لدين ليضم مصر و شمال إفريقيا واليمن و الحجاز إلى هذا الكيان الموحد القوي وليمهد الطريق لخليفته صلاح الدين والذي طهر ساحل الشام ولبنان وفلسطين من الإحتلال الفرنجي ولذلك يعتبر تحرير القدس عام 1187م تاريخ الوصول إلى نقطة الأوج الثاني.
وطبعاًَ حسب قوانين التاريخ الصارمة لا بد وأن يبدأ الإنحدار نحو الحضيض الثالث, وفعلاًَ بدأت الوحدة بالتفكك و تحول الكيان القوي إلى كيانات صغيرة ومتنازعة فيما بينها مرة أخرى ورجع الإحتلال الاجنبي ولكن من الشرق هذه المرة مع المغول, ويعتبر عام 1258 م وهو تاريخ سقوط بغداد وتدميرها وذبح ثمنانمائة ألف من أهلها على يد هولاكو نقطة الحضيض الثالثة في عمر أمتنا.
ومرة أخرى تتجه الامة نحو الأوج من جديد. وتتحالف الشعوب العربية مع قبيلة أرطغل القادمة من منغوليا والذين نجحوا بتأسيس إمارة صغيرة في بيتيينا شمال الأناضول وتتم بيعة السلطان سليم الأول بالخلافة في مصر عام 1517م وبعد أن تم توحد الاقطار العربية من جديد بدأت الدولة الجديدة بالتوسع بفضل الجيوش العربية المنضوية تحت لواء عائلة أرطغل, حيث قلنا اّل أرطغل لم يكن لهم غير إمارة صغيرة قبل مبايعة العرب لهم بالخلافة وإنضمامهم لدولتهم لما لمسوا فيهم من الشجاعة والنزاهة والتمسك بالقيم الإسلامية الأصيلة, وتستمر الدولة الفتية في التوسع على حساب دولة الروم في أسيا الوسطى او ما يعرف بتركيا اليوم و تتوج الإنتصارات بسقوط القسطنطينية عاصمة الروم والكنيسية الشرقية سنة 1453م و التي تعتبر نقطة الوصول إلى الأوج الثالث. وطبعاًَ يبدأ النزول مجدداًَ و لكن ببطئ شديد هذه المرة, فالدولة بدأت بالضعف و قد إستأثر الروم (حديثي الإسلام) والذين أصبحوا يعرفون بالأتراك بمقاليد الأمور في الدولة وخفت الحضور والتأثير العربي بصورة كبيرة للتحول هذه الدولة والتي قامت على أكتاف العرب كما أسلفنا إلى كيان تركي محتل للبلدان العربية. وهكذا إستمرالإنحدار ليبلغ ذروته عام 1917م وهو عام إستيلاء البرطانيين على القدس وبداية الموجة الإستعمارية الأوروبية الحديثة, و كما عبر سقوط القدس بيد الفرنجة عام 1099م عن الوصول إلى نقطة الحضيض الثانية يعبر إحتلال القدس عام 1917م عن نقطة الحضيض الرابعة في تاريخنا.
تابعوا بداية وإرهاصات الصعود نحو الاوج الرابع في الحلقة القادمة.
تعليق