بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم المسجد الحرام :
لست أدري كيف أكتب إليك بعد بلاء حزيران ؛
إن الأسى ليتغشاني من كل جانب ، وتفيض به من حولي جبال وأودية ، يتحدث الناس أنني لا أزال قائماً على وجه الأرض ، آخذاً بأسباب الحياة ، فيا لله من هؤلاء الناس ، ويا لله من هذا الحديث !
مئذنتي تكاد تخنقها العبرات وهي ترسل كلمات الأذان جشّاء تختلج ، وجنباتي الفسيحة في سبات عميق قلما تستيقظ منه على ذكر الله ، ومنبري يكاد ينقض بخطيبه وهو يستمع إليه يقول ؛ ويقول ثم لا يصدع بالحق ! ، أما محرابي فقابع حزين يتساءل في لهفة وألم : أين قرآن الفجر المشهود !؟ .
منذ آماد بعيدة وأنا أشكو إليك فقري في المصلّين ، وهوان الدّين على الناس ، وزهدهم في حضور الجماعة ، بيد أني كنت أجد شيئاً من عزاء في أوقات مسماة من كل عام ، كنت أحس الحياة وأذوق طعم العبادة في شهر رمضان ، فالناس يأتون إليّ بقلوب خاشعة ونفوس ضارعة ، وجنباتي تفيض بالمصلين كلما نادى المنادي : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، والواعظون منبثون في أرجاء الفسيحة ، يشرحون آيات الله ، ويحدّثون بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتنيب إلى الله أنفس كانت ضائعة ، وتبسط أيدي كانت مغلولة ، وتتواصل أرحام مزّقها الحسد ، وتتآخى نفوس أفسد ما بينها الهوى ، وتبتلّ حلوق كانت ظامئة ، وتمتلئ بطون كانت تبيت على الطوى ، وتريّش أجنحة كانت عاجزة عن الطيران .
ثم يمضي ذلك الشهر المضيء فينساني من كان ذاكراً ، وينأى بجانبه من كان حاضراً ، ويلمّ بأرجائي صمت الموتى ، وسنة النائمين كان لرمضان وحده إلهاً يُعبد ، ولبقيّة الأشهر آلهة لا تستحق العبادة ، لا أدري كيف يفعل هذا كثير من الناس وهم يعلمون أنّ إِلهَ رمضان هو إِلهَ كلّ شيء ، وأنّ عبادة الله حقّ في كلّ زمان ومكان .
ثم تأتي أيام الحجّ ، على فترة من الخمول والسكينة ، وتأتي معها إليّ الحياة ، وتستيقظ أرجائي مرة ثانية ، وتميس أعمدتي إعجاباً ومخيلة ؛
واسمح لي أيها الأخ الكريم أن أقول :
إنّ سروري بهؤلاء الحجيج لا يقل عن سرورك وأنت تستقبلهم من فجاج قاصية ودانية ، وإنّ أحناء صدري لتفيض بالحنوّ على هؤلاء الناس كما تفيض حناياك .
ولكن … ولكن … وماذا بعد لكن … !؟ .
أشياء تتلجلج في الصدر ، ويتمتم بها اللسان ، وأستشعر الخوف أن يفضي بها القلم ، أخشى ما أخشاه أن ترمي بك الظنون مراميها البعيدة ، وأن يوسوس إليك الشيطان أني ألمز حجيجك وأتهمهم بالتقصير في أداء المناسك ، وما أنا من هذا ولا ذاك في شيء قلّ أو كثر .
ما أكثر ما أسمعهم يتحدثون في أروقتي وتحت سمائي الدنيا والقاصية ، يتحدثون عما لاقوه من شدة الزّحام في الطواف ، وشقّ الطريق إلى الحجر الأسود ، والعراك المرير في جمرة العقبة ، وكثرة الضحايا في المنحر ، ما أكثر ما أسمعهم يتحدثون هذه الأحاديث فتمور الدموع في عيني وأنا أقول : يا بديع السموات والأرض !
متى أسمع إلى جانب هذه الأحاديث عن أحاديث أخرى عن شدة الزحام في طريق المعركة ، وعن كثرة ضحايا الأعداء وهم يولون الأدبار ثم لا ينصرون .
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم المسجد الحرام :
لست أدري كيف أكتب إليك بعد بلاء حزيران ؛
إن الأسى ليتغشاني من كل جانب ، وتفيض به من حولي جبال وأودية ، يتحدث الناس أنني لا أزال قائماً على وجه الأرض ، آخذاً بأسباب الحياة ، فيا لله من هؤلاء الناس ، ويا لله من هذا الحديث !
مئذنتي تكاد تخنقها العبرات وهي ترسل كلمات الأذان جشّاء تختلج ، وجنباتي الفسيحة في سبات عميق قلما تستيقظ منه على ذكر الله ، ومنبري يكاد ينقض بخطيبه وهو يستمع إليه يقول ؛ ويقول ثم لا يصدع بالحق ! ، أما محرابي فقابع حزين يتساءل في لهفة وألم : أين قرآن الفجر المشهود !؟ .
منذ آماد بعيدة وأنا أشكو إليك فقري في المصلّين ، وهوان الدّين على الناس ، وزهدهم في حضور الجماعة ، بيد أني كنت أجد شيئاً من عزاء في أوقات مسماة من كل عام ، كنت أحس الحياة وأذوق طعم العبادة في شهر رمضان ، فالناس يأتون إليّ بقلوب خاشعة ونفوس ضارعة ، وجنباتي تفيض بالمصلين كلما نادى المنادي : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، والواعظون منبثون في أرجاء الفسيحة ، يشرحون آيات الله ، ويحدّثون بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتنيب إلى الله أنفس كانت ضائعة ، وتبسط أيدي كانت مغلولة ، وتتواصل أرحام مزّقها الحسد ، وتتآخى نفوس أفسد ما بينها الهوى ، وتبتلّ حلوق كانت ظامئة ، وتمتلئ بطون كانت تبيت على الطوى ، وتريّش أجنحة كانت عاجزة عن الطيران .
ثم يمضي ذلك الشهر المضيء فينساني من كان ذاكراً ، وينأى بجانبه من كان حاضراً ، ويلمّ بأرجائي صمت الموتى ، وسنة النائمين كان لرمضان وحده إلهاً يُعبد ، ولبقيّة الأشهر آلهة لا تستحق العبادة ، لا أدري كيف يفعل هذا كثير من الناس وهم يعلمون أنّ إِلهَ رمضان هو إِلهَ كلّ شيء ، وأنّ عبادة الله حقّ في كلّ زمان ومكان .
ثم تأتي أيام الحجّ ، على فترة من الخمول والسكينة ، وتأتي معها إليّ الحياة ، وتستيقظ أرجائي مرة ثانية ، وتميس أعمدتي إعجاباً ومخيلة ؛
واسمح لي أيها الأخ الكريم أن أقول :
إنّ سروري بهؤلاء الحجيج لا يقل عن سرورك وأنت تستقبلهم من فجاج قاصية ودانية ، وإنّ أحناء صدري لتفيض بالحنوّ على هؤلاء الناس كما تفيض حناياك .
ولكن … ولكن … وماذا بعد لكن … !؟ .
أشياء تتلجلج في الصدر ، ويتمتم بها اللسان ، وأستشعر الخوف أن يفضي بها القلم ، أخشى ما أخشاه أن ترمي بك الظنون مراميها البعيدة ، وأن يوسوس إليك الشيطان أني ألمز حجيجك وأتهمهم بالتقصير في أداء المناسك ، وما أنا من هذا ولا ذاك في شيء قلّ أو كثر .
ما أكثر ما أسمعهم يتحدثون في أروقتي وتحت سمائي الدنيا والقاصية ، يتحدثون عما لاقوه من شدة الزّحام في الطواف ، وشقّ الطريق إلى الحجر الأسود ، والعراك المرير في جمرة العقبة ، وكثرة الضحايا في المنحر ، ما أكثر ما أسمعهم يتحدثون هذه الأحاديث فتمور الدموع في عيني وأنا أقول : يا بديع السموات والأرض !
متى أسمع إلى جانب هذه الأحاديث عن أحاديث أخرى عن شدة الزحام في طريق المعركة ، وعن كثرة ضحايا الأعداء وهم يولون الأدبار ثم لا ينصرون .
تعليق