تكملة قصة يزيد الخير مع الرجل الشيباني
فلما أصبَحْتُ نظرتُ فلم أرَ أحدًا، فشللتها إذًا شلاًّ عنيفًا حتَّى تعَالى النهار
ثم الْتفَتُّ التفاتة، فإذا أنا بشيء كأنه طائر، فما زال يَدْنو حتَّى تبَيَّنتُه، فإذا
هو فارس على فرس، وإذا هو صاحِبِي بالأمْس، فعقلت الفحل، ونثلت كنانتي
ووقَفْتُ بينه وبين الإبل، فقال: احْللْ عِقَال الفَحْل، فقلتُ: كلاَّ والله، لقد خلَّفْتُ
نسيات بالحيرة، وآليتُ أليّة لا أرجع حتَّى أُفِيدهن خيرًا أو أموت.
قال: فإنَّك لَمَيتٌ، حُلَّ عقاله، لا أمَّ لك! فقلتْ: ما هو إلا ما قلتُ لك
فقال: إنَّك لمغرور، انْصب لي خطامه، واجعل فيه خمس عُجَر، ففعلتُ
فقال: أين تريد أن أضع سهمي؟ فقلتُ: في هذا الموضع، فكأنَّما وضعه
بيده، ثم أَقبل يَرْمِي حتَّى أصاب الخمسة بخمسة أسهم، فردَدْتُ نَبْلي
وحططْتُ قوسي، ووقفتُ مستسلمًا.
فدنا منِّي، وأخذ السيف والقوس، ثم قال: ارْتَدِف خلفي، وعرَف أنِّي
الرَّجل الذي شَرِبت اللَّبن عنْده، فقال: كيف ظنُّك بي؟ قلتُ: أسْوَأ الظَّن
قال: وكيف؟ قلتُ: لِمَا لَقِيتُ من تعب ليلتك، وقد أظفرك الله بي
فقال: أَتُرَانا كنا نهيجك، وقد بِتَّ تنادم مُهَلهلاً؟
قلت: أزَيْد الخَيْل أنت؟ قال: نعم، أنا زيد الخيل
فقلتُ: كُنْ خيرَ آخِذ، فقال: ليس عليك بأس.
فمضَى إلى موضعه الذي كان فيه، ثم قال: أمَا لو كانت هذه
الإبل لي لسَلَّمتُها إليك، ولكنَّها لبِنت مُهَلهل، فأَقِم عليَّ
فإنِّي على شرف غارة.
فأقمتُ أيَّامًا، ثم أغار على بني نُمَير بالملح، فأصاب مائة بعير
فقال: هذه أحبُّ إليك أم تلك؟ قلت: هذه، قال: دُونَكَها. وبعث معي
خفراء من ماء إلى ماء، حتَّى ورَدُوا بي الحيرة، فلَقِيني نبطِي:
فقال لي: يا أعرابي، أيَسُرك أنَّ لك بإبِلك بستانًا من هذه البساتين؟
قلتُ: وكيف ذاك؟ قال: هذا قرْبُ مَخْرج نَبِي يَخرج فَيملك هذه الأرض
ويَحُول بين أربابها وبَينَها، حتَّى إنَّ أحدَهم ليَبْتاع البُسْتان من هذه
البساتين بثمَنِ بعير.
قال: فاحتملتُ بأهلي حتَّى انْتهيتُ إلى موضع الشيطين، فبينما نحن
في الشيطين على ماء لنا، وقد كان الحوفزانُ بنُ شريكٍ أغار على بني
تَميم، فجاءنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأسْلَمنا، وما مضَت
الأيام حتَّى شَرَيتُ بثَمَن بعير من إبلي بستانًا بالحيرة، فقال في يوم
الملح زيد الخير:
وَيَوْمَ الْمِلْحِ مِلْحِ بَنِي نُمَيْرٍ **** أَصَابَتْكُمْ بَأَظْفَـــارٍ وَنَابِ
وكما وصَف زيدُ الخير نفْسَه حين يقول:
وَمُوعِدَتِي حَقٌّ كَأَنْ قَدْ فَعَلْتُهَا **** مَتَى مَا أَعِدْ شَيْئًا فَإِنِّي لَغَارِمُ
وشكر الله لكم كرم القراءة والمطالعة
فلما أصبَحْتُ نظرتُ فلم أرَ أحدًا، فشللتها إذًا شلاًّ عنيفًا حتَّى تعَالى النهار
ثم الْتفَتُّ التفاتة، فإذا أنا بشيء كأنه طائر، فما زال يَدْنو حتَّى تبَيَّنتُه، فإذا
هو فارس على فرس، وإذا هو صاحِبِي بالأمْس، فعقلت الفحل، ونثلت كنانتي
ووقَفْتُ بينه وبين الإبل، فقال: احْللْ عِقَال الفَحْل، فقلتُ: كلاَّ والله، لقد خلَّفْتُ
نسيات بالحيرة، وآليتُ أليّة لا أرجع حتَّى أُفِيدهن خيرًا أو أموت.
قال: فإنَّك لَمَيتٌ، حُلَّ عقاله، لا أمَّ لك! فقلتْ: ما هو إلا ما قلتُ لك
فقال: إنَّك لمغرور، انْصب لي خطامه، واجعل فيه خمس عُجَر، ففعلتُ
فقال: أين تريد أن أضع سهمي؟ فقلتُ: في هذا الموضع، فكأنَّما وضعه
بيده، ثم أَقبل يَرْمِي حتَّى أصاب الخمسة بخمسة أسهم، فردَدْتُ نَبْلي
وحططْتُ قوسي، ووقفتُ مستسلمًا.
فدنا منِّي، وأخذ السيف والقوس، ثم قال: ارْتَدِف خلفي، وعرَف أنِّي
الرَّجل الذي شَرِبت اللَّبن عنْده، فقال: كيف ظنُّك بي؟ قلتُ: أسْوَأ الظَّن
قال: وكيف؟ قلتُ: لِمَا لَقِيتُ من تعب ليلتك، وقد أظفرك الله بي
فقال: أَتُرَانا كنا نهيجك، وقد بِتَّ تنادم مُهَلهلاً؟
قلت: أزَيْد الخَيْل أنت؟ قال: نعم، أنا زيد الخيل
فقلتُ: كُنْ خيرَ آخِذ، فقال: ليس عليك بأس.
فمضَى إلى موضعه الذي كان فيه، ثم قال: أمَا لو كانت هذه
الإبل لي لسَلَّمتُها إليك، ولكنَّها لبِنت مُهَلهل، فأَقِم عليَّ
فإنِّي على شرف غارة.
فأقمتُ أيَّامًا، ثم أغار على بني نُمَير بالملح، فأصاب مائة بعير
فقال: هذه أحبُّ إليك أم تلك؟ قلت: هذه، قال: دُونَكَها. وبعث معي
خفراء من ماء إلى ماء، حتَّى ورَدُوا بي الحيرة، فلَقِيني نبطِي:
فقال لي: يا أعرابي، أيَسُرك أنَّ لك بإبِلك بستانًا من هذه البساتين؟
قلتُ: وكيف ذاك؟ قال: هذا قرْبُ مَخْرج نَبِي يَخرج فَيملك هذه الأرض
ويَحُول بين أربابها وبَينَها، حتَّى إنَّ أحدَهم ليَبْتاع البُسْتان من هذه
البساتين بثمَنِ بعير.
قال: فاحتملتُ بأهلي حتَّى انْتهيتُ إلى موضع الشيطين، فبينما نحن
في الشيطين على ماء لنا، وقد كان الحوفزانُ بنُ شريكٍ أغار على بني
تَميم، فجاءنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأسْلَمنا، وما مضَت
الأيام حتَّى شَرَيتُ بثَمَن بعير من إبلي بستانًا بالحيرة، فقال في يوم
الملح زيد الخير:
وَيَوْمَ الْمِلْحِ مِلْحِ بَنِي نُمَيْرٍ **** أَصَابَتْكُمْ بَأَظْفَـــارٍ وَنَابِ
وكما وصَف زيدُ الخير نفْسَه حين يقول:
وَمُوعِدَتِي حَقٌّ كَأَنْ قَدْ فَعَلْتُهَا **** مَتَى مَا أَعِدْ شَيْئًا فَإِنِّي لَغَارِمُ
وشكر الله لكم كرم القراءة والمطالعة
تعليق