نورس فيلكا - منتدى الساخر
شاب صومالي اختطفه مرض السل في مدينة لاهاي الهولندية في لعبة أزليه بين الخاطف والمخطوف يلعبها الصوماليين منذ أن تمددوا في القرن الافريقي وأصقاع هذا الكوكب حتى باتت البواخر ترتل آية الكرسي ألف مرة كلما مرت بهذا القرن العظيم ...في الوقت الذي إشتهر فيه الهولنديون الأوائل في القرون الوسطي بأنهم أشهر قراصنه عرفهم تاريخ بحر الشمال والأطلنطي وتفوقوا حتى على الفايكنج وحشية ومهارة في القرصنة... هي عبث الأقدار إذن أن يُدفن قرصانٌ من البحر الأحمر على ضفاف بحر الشمال... ستتعرف عليه النوارس لاشك في ذلك وستفقه لغته وأوجاعه حتى لو لم يكن يغطي أحدي عينيه بقطعة قماش سوداء وإحدي ساقية تنتهي بماسورة حديدية...ستهمس له النوارس قائلةً إن لم تكن قرصاناً فإنك لن تكون أبداً ...
جمعت جماعة المسجد لصاحبنا الميت مبلغ الفدية المطلوب وهو قيمة القبر الذي سيواريه خوفا من أن يتم إختطافه وإحراق جثته في فرن لحرق البشر كما جرت العادة في هولندا حيث يُسلم المحروق لعائلته بعد ساعات في زجاجة صغيرة كزجاجة دواء السعال يمكنهم وضعها فوق التلفاز أو في الصالون أو إرسال الزجاجة بالبريد المستعجل لإبنه المقيم في إستراليا مثلاً في لقاء يجمع الرماد بالرماد تتجلي فيه العاطفة العائلية بأبها صورها ...أو رش الرماد في الحديقة الخلفية في المكان الذي كان يُفضله (المحروق \ المرحوم) فيبقي المكان عطراً بأثره مفعما بالذكريات فذرات الميت أصبحت تحتضن كل ذرة تراب رغم أن جسده طازجاً سيكون أكثر فائدة للتربة لو لم يتم تحميصه بالفرن ولكن لا بأس فتربة هولندا لا تفتقد للخصوبة عكس نسائها... أما الفرن هذا فهو عبارة عن مبنى فيه غرفة مصنوعة من الستانلستيل السميك تمتد إليها مواسير غاز كبيرة وسرير فولاذي يُمدد فوقة الميت ثم يدخل إلي الغرفة بعجلات حديدية مثبته على سكة ثم يتم غلق الباب الحديدي السميك الذي تتوسطه كوة من الزجاج السميك المقاوم للحرارة ...ثم تفتح أنابيب الغاز على شعلة صغيرة تظل دائما مشتعله فتهب نار عظيمة بحرارة عاليه جداً يمكنك مشاهدتها من خلال الكوة الزجاجية وإن كانت سماكة الزجاج تخفي الكثير من التفاصيل ...يقول عامل الفرن أن الجثث تنهض واقفه من قوة هبة النار الأولي ثم ترتطم مرة أخري على السرير الحديدي سقوطا مدوياً لتصبح مجرد رماد خلال دقائق ...هذا هو الانسان يقف للنار إحتراما ورهبة حتى وهو ميت فكيف الحال بنار جهنم ؟ جهنم التى لا تحترم أحداً ...
كان الدعاء للصومالي الميت هو إننا كنا نسأل الله الذي أنقذه من نار الدنيا التى ينهض الموتى وقوفا لها أن ينقذه من نار الأخرة ...وكان السؤال الأكثر إلحاحاً في مبنى تجهيز الموتي والأكثر إحراجا هو عن من لديه علم في طريقة غسل الموتى ؟ كان الشيخ فواز الإمام الجديد للمسجد يطلب من يساعده في غسل الميت بينما تشاغل الجميع بهواتفهم النقالة ومكالمات طارئة كحالة هروب مفضوحة ومكشوفة فقد كنت أشك في أن معظم أجهزتهم كانت مقفلة أصلاً... ينظر الشيخ لي وينادينى لتفر منى إليه خطواتى المتثاقلة وسط تشجيع الخوالف والمتقاعدين...روح ياشيخ أكسب الأجر بارك الله فيك ... ولماذا لا تكسبوه أنتم ... كنت كمن يصعد لمسرح وسط تصفير وتصفيق الجمهور ...يسألنى الشيخ وقد تمددت الجثة أمامه وهي مغطاه بمناشف بيضاء هل سبق لك أن غسلت ميت ... علم الجواب من صمتي وارتباكي ...يقاطعنا هولندي يعمل في المكان ومتعود على رؤية الموتى أكثر من رؤية الأحياء ..عليكم بوضع كمامات قبل لمس الجثة لان الميت كان مصابا بالسل للوقاية من عدوي السل التى تبقي في صدر المريض حتى بعد وفاته ...ترجمت للشيخ ماذا يريد الرجل الهولندي حيث استحسن الفكرة ووضع كمامه على فمه ... لكن سؤالي التالي للشيخ كان صاعقا وغير متوقعا له... ياشيخ ممكن ندخل على اليوتيوب الان من جوالي ونري بالضبط كيف تكون طريقة غسل الميت حسب السنة النبوية ... يوتيوب إيش أخى وقوقل ايش هل انت جاد فيما تقول ؟ ...لم يكن الشيخ يعترف بيوتيوب كوسيلة تعليمية إنتهجتها كل المؤسسات التعليمية في أوربا من جامعات ومدارس والخ...كان جديداً في الغربة , لكن لعله محقاً فليس هذا وقت للتعلم والتعليم ... لدينا جثة يجب أن نواريها الثري...وانهمك في العمل وتشاغلت بالوقوف أمامه بحمل بعض المناشف والشراشف ومناولته للحنوط والخ ... كانت مهمتي تشبه تماما مهمة خزانة خشبية مصنوعة من (إيكيا) تستخدم لوضع أغراض إحتياجات الموتي وغسلهم كانت تقف في ركن الغرفة بمحاذاتى.... يرمقنى كردي بين الحاظرين بنظرات عتاب حزينة ومؤثرة وكأنه يريد أن يقول لي شيئاً ... كنت أعرفه يوم توفي والده رحمة الله عليه وساعدناه في دفنه ...وأي دفن ...لقد كانت جريمة بكل المقاييس ...لم نكن نعرف كيف سيتم لحد الميت (تلحيده) حيث لم يكن في المقبرة طابوق ولا ألواح خشبية ولا شئ يساعد.. وكانت الأرض رملية طينية لا يمكن لنا أن نحفر شقا في جنب القبر ليصبح لحداً لسرعة انهيار التربة ... وبدأت الحيرة وبدأ الجدل والكل يدلي بدلوه وكأنها جلسة في غرفة على البالتوك أو لقطة من مهاترات البرلمان الأردني وبدأ الشد والجذب وأخذ الصوت يعلو حتى تخيلت لو ان الجدل طال اكثر من ذلك لقفز الميت في القبر تمردا وغضباً لجهلنا وإستنكاراً لهذا الجدل العقيم في غير وقته ومكانه ... فكانت النتيجة بعد ذلك أن وضعناه في القبر وبدأنا نُهيل التراب عليه مباشرة كما تُدفن القطط ...مازلت أذكر كيف كنا نتسابق لطمر وجهه بالتراب طلباً للأجر وسط تأييد واستنكار وصمت كل المشاركين في الجريمة ... وحين سأل الكردي شيخاً عالماً في الدين عن صحة الدفن وهل هو دفن إسلامي قال له لا ...هذه طريقة دفن ليست لها أي علاقة بأي دين سماوي...من هنا كنت افهم نظرات العتب في عينيه حين كان ينظر لي مما جعلنى أتسائل تري لو أن أباه زاره في المنام ماذا كان سيقول له عني...بالتأكيد هذا الكردي يتمنى في قرارة نفسه أن لا أكون موجودا في جنازته لو وافته المنية هنا في لاهاي ولحق بأبيه ... شعور غريب حقا أن تشعر أن احداً يفكر كذلك ... لكن لابأس سيكون ميتاً على أية حال ولن تهمنى كثيراً مشاعرة ...
تم تغسيل الميت بعد أن تكاثر المتطوعون وطلبة علم فقة الجنائز وحملناه للقبر لتبرز من جديد مشكلة كمشكلة الكردي ... وبدأ الشد والجذب وسيل الفتاوي والافكار المتلاطمة والخ... وانتهت المناظرات بالحسم بإنزال الميت في القبر وتوجيهه إلي القِبله وعدم ردم الجثه بالتراب ولكن يقفل القبر من الأعلي بلوح خشب كبير وجدناه بالصدفة مرميا قرب المكان ثم وضعنا شيئا من التراب فوق لوح الخشب وكفي ...اصبح للصومالي غرفة كبيرة لها سقف ربما كانت أكبر من غرفته عندما كان حياً ...ستثير بالتأكد إعجاب كل القراصنة الموتي حوله ... هذه الغرفة مغطي بقشرة غير سميكة من التراب يمكن لأي شخص أو حيوان ثديي أن يفتح القبر بسهولة ! من حسن حظه إذن أن قبرة بهذ الشكل ليس في الصومال أو بلاد الشام وإلا لكان وجبه عشاء دسمه لضبع ما أو ذئب أمعط شارد يبحث عن طعام ... كان عمال المقبرة الهولنديين ينظرون لنا باستغراب شديد ... ويتسائلون ...أهذا كل شئ ... هل إنتهيتم ...بل أن بعضهم كان يظن أننا سنذهب لتناول الغداء ثم نعاود إكمال العمل بعد الظهر ... كنت أختلس النظر إلي الكردي لأري إنطباعاته عن الجنازة فكان راضي تماماً عما حصل وربما تمنى لو ان أباه تم دفنه بنفس الطريقة ... غادرنا المقبرة وسط إبتسامات واستهجان عمالها ...
في المساء قفزت في ذهنى أفكار مرعبة ...ماذا لو خطف القراصنة الهولنديين الجثة وباعوها لتجار الأعضاء البشرية ... أو سرقوها لأي سبب كان عنصري أو شيطانى أو أي شئ...خاصة وأنه قد حصل الكثير من الإعتداءات على قبور مسلمين من قبل وحطموا شواهد قبور وكتبوا كتابات نازية وعنصرية عليها والخ...وفتح قبر الصومالي أسهل بكثير من فتح علبة سردين ...لم أجرؤ حتى على مواصلة التفكير بهذه الأفكار المرعبة التى تواصلت وبدأت تصبح أكثر سوداوية ...
هل جثة الكردي في أمان من الخطف أكثر من الصومالي ؟ الويل لمن يموت في لاهاي فالموتي خارج الوطن يموتون مراراً حتى تعودوا على الموت ثم كم مرة يجب أن نموت قبل أن نموت...
كل هذه الجنائز ومازلنا نجهل فقه الجنائز ...
متى نتعلم فقه الموت ....ونجتاز الحد الفاصل بين وطنٍ مخطوف و غربةٍ تتخطفنا...
أوطاننا صارت شواهد قبور ...والغربةُ قبورٌ بلا شواهد ....
جمعت جماعة المسجد لصاحبنا الميت مبلغ الفدية المطلوب وهو قيمة القبر الذي سيواريه خوفا من أن يتم إختطافه وإحراق جثته في فرن لحرق البشر كما جرت العادة في هولندا حيث يُسلم المحروق لعائلته بعد ساعات في زجاجة صغيرة كزجاجة دواء السعال يمكنهم وضعها فوق التلفاز أو في الصالون أو إرسال الزجاجة بالبريد المستعجل لإبنه المقيم في إستراليا مثلاً في لقاء يجمع الرماد بالرماد تتجلي فيه العاطفة العائلية بأبها صورها ...أو رش الرماد في الحديقة الخلفية في المكان الذي كان يُفضله (المحروق \ المرحوم) فيبقي المكان عطراً بأثره مفعما بالذكريات فذرات الميت أصبحت تحتضن كل ذرة تراب رغم أن جسده طازجاً سيكون أكثر فائدة للتربة لو لم يتم تحميصه بالفرن ولكن لا بأس فتربة هولندا لا تفتقد للخصوبة عكس نسائها... أما الفرن هذا فهو عبارة عن مبنى فيه غرفة مصنوعة من الستانلستيل السميك تمتد إليها مواسير غاز كبيرة وسرير فولاذي يُمدد فوقة الميت ثم يدخل إلي الغرفة بعجلات حديدية مثبته على سكة ثم يتم غلق الباب الحديدي السميك الذي تتوسطه كوة من الزجاج السميك المقاوم للحرارة ...ثم تفتح أنابيب الغاز على شعلة صغيرة تظل دائما مشتعله فتهب نار عظيمة بحرارة عاليه جداً يمكنك مشاهدتها من خلال الكوة الزجاجية وإن كانت سماكة الزجاج تخفي الكثير من التفاصيل ...يقول عامل الفرن أن الجثث تنهض واقفه من قوة هبة النار الأولي ثم ترتطم مرة أخري على السرير الحديدي سقوطا مدوياً لتصبح مجرد رماد خلال دقائق ...هذا هو الانسان يقف للنار إحتراما ورهبة حتى وهو ميت فكيف الحال بنار جهنم ؟ جهنم التى لا تحترم أحداً ...
كان الدعاء للصومالي الميت هو إننا كنا نسأل الله الذي أنقذه من نار الدنيا التى ينهض الموتى وقوفا لها أن ينقذه من نار الأخرة ...وكان السؤال الأكثر إلحاحاً في مبنى تجهيز الموتي والأكثر إحراجا هو عن من لديه علم في طريقة غسل الموتى ؟ كان الشيخ فواز الإمام الجديد للمسجد يطلب من يساعده في غسل الميت بينما تشاغل الجميع بهواتفهم النقالة ومكالمات طارئة كحالة هروب مفضوحة ومكشوفة فقد كنت أشك في أن معظم أجهزتهم كانت مقفلة أصلاً... ينظر الشيخ لي وينادينى لتفر منى إليه خطواتى المتثاقلة وسط تشجيع الخوالف والمتقاعدين...روح ياشيخ أكسب الأجر بارك الله فيك ... ولماذا لا تكسبوه أنتم ... كنت كمن يصعد لمسرح وسط تصفير وتصفيق الجمهور ...يسألنى الشيخ وقد تمددت الجثة أمامه وهي مغطاه بمناشف بيضاء هل سبق لك أن غسلت ميت ... علم الجواب من صمتي وارتباكي ...يقاطعنا هولندي يعمل في المكان ومتعود على رؤية الموتى أكثر من رؤية الأحياء ..عليكم بوضع كمامات قبل لمس الجثة لان الميت كان مصابا بالسل للوقاية من عدوي السل التى تبقي في صدر المريض حتى بعد وفاته ...ترجمت للشيخ ماذا يريد الرجل الهولندي حيث استحسن الفكرة ووضع كمامه على فمه ... لكن سؤالي التالي للشيخ كان صاعقا وغير متوقعا له... ياشيخ ممكن ندخل على اليوتيوب الان من جوالي ونري بالضبط كيف تكون طريقة غسل الميت حسب السنة النبوية ... يوتيوب إيش أخى وقوقل ايش هل انت جاد فيما تقول ؟ ...لم يكن الشيخ يعترف بيوتيوب كوسيلة تعليمية إنتهجتها كل المؤسسات التعليمية في أوربا من جامعات ومدارس والخ...كان جديداً في الغربة , لكن لعله محقاً فليس هذا وقت للتعلم والتعليم ... لدينا جثة يجب أن نواريها الثري...وانهمك في العمل وتشاغلت بالوقوف أمامه بحمل بعض المناشف والشراشف ومناولته للحنوط والخ ... كانت مهمتي تشبه تماما مهمة خزانة خشبية مصنوعة من (إيكيا) تستخدم لوضع أغراض إحتياجات الموتي وغسلهم كانت تقف في ركن الغرفة بمحاذاتى.... يرمقنى كردي بين الحاظرين بنظرات عتاب حزينة ومؤثرة وكأنه يريد أن يقول لي شيئاً ... كنت أعرفه يوم توفي والده رحمة الله عليه وساعدناه في دفنه ...وأي دفن ...لقد كانت جريمة بكل المقاييس ...لم نكن نعرف كيف سيتم لحد الميت (تلحيده) حيث لم يكن في المقبرة طابوق ولا ألواح خشبية ولا شئ يساعد.. وكانت الأرض رملية طينية لا يمكن لنا أن نحفر شقا في جنب القبر ليصبح لحداً لسرعة انهيار التربة ... وبدأت الحيرة وبدأ الجدل والكل يدلي بدلوه وكأنها جلسة في غرفة على البالتوك أو لقطة من مهاترات البرلمان الأردني وبدأ الشد والجذب وأخذ الصوت يعلو حتى تخيلت لو ان الجدل طال اكثر من ذلك لقفز الميت في القبر تمردا وغضباً لجهلنا وإستنكاراً لهذا الجدل العقيم في غير وقته ومكانه ... فكانت النتيجة بعد ذلك أن وضعناه في القبر وبدأنا نُهيل التراب عليه مباشرة كما تُدفن القطط ...مازلت أذكر كيف كنا نتسابق لطمر وجهه بالتراب طلباً للأجر وسط تأييد واستنكار وصمت كل المشاركين في الجريمة ... وحين سأل الكردي شيخاً عالماً في الدين عن صحة الدفن وهل هو دفن إسلامي قال له لا ...هذه طريقة دفن ليست لها أي علاقة بأي دين سماوي...من هنا كنت افهم نظرات العتب في عينيه حين كان ينظر لي مما جعلنى أتسائل تري لو أن أباه زاره في المنام ماذا كان سيقول له عني...بالتأكيد هذا الكردي يتمنى في قرارة نفسه أن لا أكون موجودا في جنازته لو وافته المنية هنا في لاهاي ولحق بأبيه ... شعور غريب حقا أن تشعر أن احداً يفكر كذلك ... لكن لابأس سيكون ميتاً على أية حال ولن تهمنى كثيراً مشاعرة ...
تم تغسيل الميت بعد أن تكاثر المتطوعون وطلبة علم فقة الجنائز وحملناه للقبر لتبرز من جديد مشكلة كمشكلة الكردي ... وبدأ الشد والجذب وسيل الفتاوي والافكار المتلاطمة والخ... وانتهت المناظرات بالحسم بإنزال الميت في القبر وتوجيهه إلي القِبله وعدم ردم الجثه بالتراب ولكن يقفل القبر من الأعلي بلوح خشب كبير وجدناه بالصدفة مرميا قرب المكان ثم وضعنا شيئا من التراب فوق لوح الخشب وكفي ...اصبح للصومالي غرفة كبيرة لها سقف ربما كانت أكبر من غرفته عندما كان حياً ...ستثير بالتأكد إعجاب كل القراصنة الموتي حوله ... هذه الغرفة مغطي بقشرة غير سميكة من التراب يمكن لأي شخص أو حيوان ثديي أن يفتح القبر بسهولة ! من حسن حظه إذن أن قبرة بهذ الشكل ليس في الصومال أو بلاد الشام وإلا لكان وجبه عشاء دسمه لضبع ما أو ذئب أمعط شارد يبحث عن طعام ... كان عمال المقبرة الهولنديين ينظرون لنا باستغراب شديد ... ويتسائلون ...أهذا كل شئ ... هل إنتهيتم ...بل أن بعضهم كان يظن أننا سنذهب لتناول الغداء ثم نعاود إكمال العمل بعد الظهر ... كنت أختلس النظر إلي الكردي لأري إنطباعاته عن الجنازة فكان راضي تماماً عما حصل وربما تمنى لو ان أباه تم دفنه بنفس الطريقة ... غادرنا المقبرة وسط إبتسامات واستهجان عمالها ...
في المساء قفزت في ذهنى أفكار مرعبة ...ماذا لو خطف القراصنة الهولنديين الجثة وباعوها لتجار الأعضاء البشرية ... أو سرقوها لأي سبب كان عنصري أو شيطانى أو أي شئ...خاصة وأنه قد حصل الكثير من الإعتداءات على قبور مسلمين من قبل وحطموا شواهد قبور وكتبوا كتابات نازية وعنصرية عليها والخ...وفتح قبر الصومالي أسهل بكثير من فتح علبة سردين ...لم أجرؤ حتى على مواصلة التفكير بهذه الأفكار المرعبة التى تواصلت وبدأت تصبح أكثر سوداوية ...
هل جثة الكردي في أمان من الخطف أكثر من الصومالي ؟ الويل لمن يموت في لاهاي فالموتي خارج الوطن يموتون مراراً حتى تعودوا على الموت ثم كم مرة يجب أن نموت قبل أن نموت...
كل هذه الجنائز ومازلنا نجهل فقه الجنائز ...
متى نتعلم فقه الموت ....ونجتاز الحد الفاصل بين وطنٍ مخطوف و غربةٍ تتخطفنا...
أوطاننا صارت شواهد قبور ...والغربةُ قبورٌ بلا شواهد ....
تعليق