أم الزهراء المغربية التي جاهدت في الجزائر ضد فرنسا
ولدت "أم الزهراء" في قبيلة بني يزناسن المغربية بمدينة بركان شرق المغرب، مسلمة محافظة تحب دينها ووطنها، و عملت في قرية فلاحية جزائرية قرب الحدود، و خالطت القبايل في الجزائر.
شاركت مع أخواتها الجزائريات في دعم المقاومة الجزائرية الشريفة ضد الاحتلال الفرنسي، و كانت تجاهد ضد جنود فرنسا.
كانت تهيء يوميا الطعام و الشراب للمجاهدين، و تهيء أماكن سرية لا يعرفها الفرنسيون، لمساعدة الجنود على أحذ مؤنهم و ذخيرتهم و الإستمرار في القتال.
كانت تخبيء بعض الذخائر من رصاص و مسدسات في سلة مليئة ببعض الخضروات و الأعشاب ، وتنقلها بالتعاون مع الجزائريين لمخابيء، من بينها بئر عميق تكوينه يمكن من إختباء المجاهدين، أثناء مجيء جنود لإحتلال في دوريات مستمرة و مفاجئة.
كان الجنود يرتاحون، و يأخذون ذخيرتهم، و منهم من يتفق ابناءه الذين لم يراهم منذ أيام، و آخرون يصلون بشق الأنفس في وقت متأخر وهم مصابون بإصابات طفيفة، فيتم إسعافهم بإمكانات بسيطة.
كان بعض المجاهدين الجزائريين يهرولون إلى بئر معدل بطريقة خاصة، و تحضير لهم "أم الزهراء" سلما تعده مسبقا للطواريء لكي ينزلون بسرعة و يختبؤون في نفق صغير في أحد جوانب البئر العميق. ثم تقوم برفع السلم و وضعه بعيدا، و تمسح أثر أقدامهم بمكنسة، و تهرول هي و زميلاتها في القرية لتغيير الأواني لكي لا يعرف الفرنسيون عدد الناس الذين كانوا جالسين للأكل !
و يقمن بسرعة بتغطية البئر بحيث لا يظهر، فيتم تغطيته بلوح خشبي مسطح و يضعون عليه التبن، فغذا مر الفرنسيون لا يستطيعون إكتشاف البئر، و تقوم "أم الزهراء" بإلهائهم حتى لا يقتربوا أكثر من مكان البئر و تبعد الكلب كي لا ينفضح أمرهم !
كان الأمر عسير و ليس باليسير، و كانت النساء يضعن الخمار الأبيض المسمى في الجزائر و المغرب " الحايك "، و كان يساعد النساء على إخفاء خوفهن و إرتباك بعضهن في كثير من المواقف الصعبة جدا.
كان هناك تكاثف في الأيام الحالكة، بين أهل القرية الجزائريين و أيضا المغاربة الذين يعملون معهم، حيث كانوا يمررون الكثير من المساعدات العينية إلى قرى حدودية دون علم فرنسا. و إذا أكتشف الفرنسيون أحد المساعدين يتهمونه بالإرهاب و يقولون له أنه تواطأ مع الإرهابيين، فيتم تعذيبه و تهديد أبنائه ثم قتله.
و كان الجزائريون يصبرون و فيه بسالة وقوة شخصية، لكن كانوا يحذرون و يتوجسون خيفة من " الحركيين" و منه الزواف الذين باعوا الجزائر لفرنسا، و كانوا العدو الأول.
و للأسف مرة من المرات جاء طبيب بيطري قبائلي من الزواف العملاء لفرنسا، لتفقد بقر الضيعات، ووصل للضيعة التي فيها أم "الزهراء" و كان يدعي أنه رجل طيب يحب الجهاد و يكره الفرنسيين، رغم هذا كانت نساء و رجال القرية لا يثقون به، و يحسون على أنه يضمر شيئا سيئا.
و عندما وصل للضيعة كان يطرح أسئلة كثيرة و كأنه من المخابرات، و للأسف دخل فجأة بدون إذن للضيعة و أخذ يحملق من الأبواب و النوافذ، فلاحظ أحد الشباب الجزائريين المجاهدين يسرع لإخفاء شيء ما، لقد كان يلقي بسرعة سلاحه، لكي لا يراه البيطري. أخذ البيطري حقيبته و إدعى على أنه يخرج من الضيعة و أنه أنهى عمله حيث كان عليه تفقد البقر و إعطائهم جرعة دواء غالية جدا...
لكن إختبأ و أخذ يراقب تحرك الشباب، و بعد مدة قصيرة إكتشف سر البئر المخدوم، و لاحض "أم الزهراء" وهي تساعد المجاهدين على الخروج من البئر و الإسراع بإخفاء السلم، أما زميلتها فإتجهت لتعطي الإشارة للشاب لكي يسترجع أنفاسه و بندقيته ...
فإدعى و كأنه لم يرى شيئا ، و أن كل شيء على ما يرام، و ما إن وصل جنود الاحتلال لبيته، حتى بدأ يعطيهم المعلومات !
عن مخزن السلاح و أسماء المعاونين للمجاهدين، و البئر ...
هجم الفرنسيون في صباح الغط بكل قوة، و خربوا البيوت، وسجنوا كل عدد كبير من القرويين بما فيهم النساء و الأطفال .
و بحثوا عن " أم الزهراء" و ما أن وقفت أمامهم ببرودة حتى ضربوها و سقطت أرضا، فهرول أطفالها لعناقها و بدؤوا بالبكاء، فقرر قائد الفرنسيين سجن الأطفال كل واحد معزول عن الآخر، و أشبعوا " أم الزهراء" بالضرب، ثم وبخوها لأنها ساعدت المجاهدين، و لأنها رفضت أن تعطيهم معلومات عن طرق تحرك المجاهدين، هددوها بقتل صديقتها الجزائرية بقربها وهي في عمر الزهور، و هددوا بقتل زوجها، سجنوها منفردة. ثم توجهوا بكل أسلحتهم لقتلا أكبر عدد من المجاهدين بمباغتتهم، و فجروا عددا من الآبار، بإلقاء القنابل فيها، و دمروا مخازن الحبوب و الخضر، و حرقوا ملابس السكان.
ثم جمعوا بعض جثث الأبرياء العزل و ضعوهم في بيت مظلم و متسخ، و قرروا أن يضعوا وسط الجثث " أم الزهراء" ، رغم الهدوء و الإيمان لم تستطع " أم الزهراء" الصبر، و إنفجرت بالبكاء، و بعد أيام من الجوع و التعب وسط الجثث، بدا جسمها يرتجف، و أحست و كأنها أصبحت مجنونة... و أخذ الجندي الفرنسي يستمتع برؤيتها جالسة وسط الجثث و يحملق فيها عبر نافذة صغيرة، و عيناه تكاد تخرج من رأسه، و له إبتسامة خبيثة ماكرة حيث تتمدد شفتيه حتى أذنيه.
ثم جاء البيطري الحركي الغادر، و سألوه عن مكان البئر السري، فأرشدهم إليه، فأزاحوا التبن، و الألواح الخشبية، و أضاؤوا البئر بإشعال نار في بعض الأعمدة الخشبية الملفوفة بالكتان المطلي بالزيت. فلاحظوا أن هناك مكان يختبيء فيه بعض المجاهدين، فأموره بالخروج، فرفض المجاهدون الإستسلام، وبعد طول إنتضار و كثرة التهديدات بإلقاء الأطفال في البئر و ذبح النساء ... قرر المجاهدون أن يقوموا بتفجير القنابل التي لديهم ، حيث فضلوا الإنتحار على أن يقعوا أسرى بأيدي الفرنسيين الإرهابيين.
فاستشهدوا جميعا، و سمع دوي الإنفجار من طرف بعض أهل القرية، و حل صمت رهيب، وبعده بدأت النساء بالصراخ ! حيث تم جلب كل السجناء بما فيهم "الزهراء" ليرهبوهم أكثر، و كان أول من صرخ ضد الاحتلال "أم الزهراء" صرخة مدوية تبين إستنكارها للجريمة الشنعاء و لقسوة الاحتلال الفرنسي الغاشم.
إستمر المجاهدون بقتال الفرنسيين، وفي حرب عصابات دوخت الفرنسيين، و إستمر كل السكان الجزائريين بما فيهم الجيران المغاربة بتدويخ العدو حتى الإرهاق، وحتى الرمق الأخير.
و لم يكن بوسع الفرنسيين سجن كل الشعب ! فيضطرون لتحرير السجناء بدءا بالنساء و الأطفال، خاصة أن الجنود الفرنسيين لم يكونوا يستطيعوا التحكم في كل المناطق، و يضطرون للتجمع و التنقل جماعات مهددين قرية بعد أخرى !
و في النهاية رحل المحتل، و كرم الجزائريون المغربية " أم الزهراء" بأن سلمت لها ضيعة لها و لأبنائها و أفراد عائلتها الذين بعضهم ولد بالجزائر.
عادت إلى المغرب و إستقرت بمدينة وجدة، و إذا بها تتفاجأ بموقف مخزي من جنرالات الحرب في الجزائر، حيث طردوا كل المغاربة من الجزائر، و أخذت ممتلكاتهم. ففقدت كل ما كانت تملك في الجزائر رغم أن لديها أبناء هناك.
و حزنت لهذا الموقف المخزي.
توفيت بعد سنوات في بيت إبنتها " الزهراء" وهي مطمئنة القلب صابرة محتسبة قانتة لله عز وجل.
هذه القصة حقيقية و المجاهدة " أم الزهراء" جدة أمي !
المصدر
http://wp.me/p4MLXp-1Dh