من مدونة محمد فاضل رضوان
أكاد اجزم في أحيان كثيرة أننا نحن المغاربة نعرف العالم أجمع دون أن يكلف هذا العالم عناء معرفتنا، فقد جمعنا بطرق مختلفة معرفة شافية عن الشرق و الغرب معا ، إذ تكفلت المسلسلات و الأفلام و الأغاني الشرقية يتلقيننا كل صغيرة و كبيرة في لهجات بلدان الشرق من المصرية حتى اللبنانية و السورية و الخليجية، بل إن كلمات كثيرة من هذه اللهجات قد تسربت إلى لهجتنا و أحاديثنا اليومية و تجاوزتها للغوص في التراث الشفوي كالأمثال و الحكايا و النوادر بل و جغرافيا الأمكنة. المغاربة يعرفون كل شبر من القاهرة أكثر مما يعرفون أحياء مدنهم من أحياء التنابلة كما سماهم أحمد فؤاد نجم بالزمالك و المهندسين و مصر الجديدة إلى أحياء التعبانين بالسيدة و العجوزة و الحسين...كما يعرفون تاريخها من ثورة 19 مع سعد زغلول حتى ثورة52 مع جمال عبد الناصر و الضباط الأحرار كما جسدتها سيناريوهات أسامة أنور عكاشة في ليالي الحلمية كما في زيزينيا و جمهورية زفتة...، بالمغرب ننام و نصحو على همسات تفاصيل قضايا المناطق المتورمة في العالم العربي من بغداد حتى القدس و بيروت، أما غربا فمن لم يسمع من بيننا بثورة فرنسا و مبدعيها و فنانيها من روسو حتى فولطير و مونتسكيو و زولا، الذين تحمل عدد من شوارع مدننا أسماءهم... يكون قد سمع على الاقل بباربيس و بقية الهوامش الباريسية التي تشكل مصدر حكايا الأهل و الأصحاب ممن جربوا مغازلة الحلم الفرنسي...إننا في المغرب نعرف إيطاليا التي يعود شبابنا منها صيفا بسيارات مكشوفة تدفع من بقي منهم بالداخل لمعانقة أمواج المتوسط كما نعرف إسبانيا من مزارع إلخيدو حتى دروب كطلانيا... أمريكا نفقهها جيدا منذ اوغل كريستوف كولومبوس و أتباعه قتلا في الهنود الحمر حتى اللحظة التي اوغل فيها بوش الإبن و من قبله أبيه قتلا في العرب و المسلمين بالعراق و أفغانستان و فلسطين من قبلهما...و أغلبنا يعرف و لو من باب اهتمامه بكرة القدم أن البرازيل و الأرجنتين و الشيلي و البيرو و كولومبيا هي بعض بلدان أمريكا اللاتينية، كما أن حنقنا على أمريكا جعلنا نعرف تشافيز الذي يحميه الفقراء بفنزويلا كما نعرف موراليس الذي يقوم بوظيفة الرئيس بقميص مشجر و سروال جينز ...و مناسبة هذه المقدمة الطللية هي اشجان اثارها في فكري زميلي هيثم... و هيثم بالمناسبة عراقي دخل منتريال حديثا بعد زواجه من ابنة عمه المقيمة رفقة والديها بكندا منذ أمد بعيد، و أصل الحكاية أنه استغرب كثيرا حين أخبرته بعد التحاقه بنفس مجموعتي بالعمل أني مغربي.
أنت تتكلم العربية بشكل جيد... قال هيثم باستغراب
و لماذا لا أتكلم العربية . ألست عربيا مثلك؟
ما أعرفه أن المغاربة و الجزائريين لا يعرفون سوى الفرنسية. رد هيثم يثقة
غريب أمر هؤلاء المشارقة نعطل دراستنا للتضامن معهم و نتتبع حيثيات قضاياهم و ننزل للشوارع بالملايين دعما لمواقفهم و يهاجر شبابنا للموت دونهم في ساحاتهم... و هم لا يعلمون بعد بأننا نتحدث اللغة العربية مثلهم. أذكر أن حنجرتي بحت و انا بعد طفل في حرب الخليج الأولى حين كنت أهتف مع زملائي يا صدام يا حبيب دمر دمر تل أبيب ، لذلك كان الحماس يملأ قلوبنا الصغيرة فيما كان الإفلات من حصص أساتذتنا المملة دافعا مساعدا على الاحتجاج..
قضيت النهار بطوله أشرح لهيثم كوننا عربا مثلهم نتكلم العربية و ننام و نصحو على همسات و تفاصيل الحياة العربية في بؤر التوتر من فلسطين إلى العراق و لبنان، أخبرته أن أمي بكت بحرقة يوم سقطت بغداد و انها تعرف الجعفري و الصدر و السيستاني و أبي مصعب الزرقاوي... و تتبعت بيقظة صور محاكمة صدام...
و في طريق العودة مساء سألني هيثم عما كنت أفعله بالمغرب قبل مجيئي لكندا. حين أخبرته أني كنت مدرسا، لمع وجهه كمن توصل إلى سر خطير و صاح بثقة: آه محمد، مدرس بشان هيك إنت بتحكي عربي مليح...فأدركت حينها أن الشرق بعيد عنا بقدر ما نحن قريبون منه.
أما الغرب فلا يبدو وضعه معنا بأفضل من وضع الشرق، ففي فرنسا عدوة الأمس و صديقة اليوم ، فرنسا التي عاشرناها و عاشرتنا إلى درجة أن غنمنا لغتها برأي كاتب ياسين فزاحم مولود فرعون و الطاهر بنجلون و أسية جبار و محمد خير الدين كتابها على جوائزهم و استحقاقاتهم بل و على مبيعات كتبهم من داخل لغتهم و ثقافتهم، في فرنسا هذه لا يصبح المغرب بلاهه ووطنه و ملكه و تاريخه و جغرافيته و أرضه و سمائه و بحاره بأكثر من طبق كسكس، لوماروك آه لوكوسكوس... هكذا يردد أغلب الفرنسيون ببلاهة حين يسمعون اسم المغرب.
هنا بكندا لا يكاد الكنديون و غيرهم يدركون أننا نقتسم ضفتي الأطلسي معهم... الواقع أنهم هم لا يكادون يميزوننا عن غيرنا، في مدارس اللغات قد تجد اللغة العربية مشارا إليها براية إيران أو باكستان اعتقادا من المشرفين عنها بأنها بلدان عربية... إننا مجرد جزء من عوالم الشرق المتداخلة في ذاكرة الغرب بحكايا الأدغال و السحرة و الصحارى و زمن الحريم و الجواري... ، حتى إن السيدة التي جلست بجواري في الميترو قبل أيام قد سألتني حين عرفت أني مغربي إن كان يسمح للنساء عندنا بالخروج من بيوتهن أم أنهن محبوسات بها إلى الأبد و لا يخرجن غلى إلى قبورهن كما سمعت... حينها أدركت أن مصطفى سعيد بطل رائعة الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال كان منذ أزيد من نصف قرن و العهدة على الطيب صالح أكثر فهما مني لهذه العقلية حين كان يعول على صور الشرق الافتراضية في ذاكرة الغرب لغواية طريداته من النساء بساحة الهايبارك، فيحدثهن عن مدينته التي تتجول التماسيح و الأسود في شوارعها ساعة القيلولة و بيته الذي كان في طفولته يخرج يده من نافذته الصغيرة ليداعب من خلالها مياه النيل طلبا للنعاس. لكنني تمنيت مع ذلك ان تتاح لمخاطبتي الفرصة لشرب قهوة على شواطئ عين الذئاب.
أكاد اجزم في أحيان كثيرة أننا نحن المغاربة نعرف العالم أجمع دون أن يكلف هذا العالم عناء معرفتنا، فقد جمعنا بطرق مختلفة معرفة شافية عن الشرق و الغرب معا ، إذ تكفلت المسلسلات و الأفلام و الأغاني الشرقية يتلقيننا كل صغيرة و كبيرة في لهجات بلدان الشرق من المصرية حتى اللبنانية و السورية و الخليجية، بل إن كلمات كثيرة من هذه اللهجات قد تسربت إلى لهجتنا و أحاديثنا اليومية و تجاوزتها للغوص في التراث الشفوي كالأمثال و الحكايا و النوادر بل و جغرافيا الأمكنة. المغاربة يعرفون كل شبر من القاهرة أكثر مما يعرفون أحياء مدنهم من أحياء التنابلة كما سماهم أحمد فؤاد نجم بالزمالك و المهندسين و مصر الجديدة إلى أحياء التعبانين بالسيدة و العجوزة و الحسين...كما يعرفون تاريخها من ثورة 19 مع سعد زغلول حتى ثورة52 مع جمال عبد الناصر و الضباط الأحرار كما جسدتها سيناريوهات أسامة أنور عكاشة في ليالي الحلمية كما في زيزينيا و جمهورية زفتة...، بالمغرب ننام و نصحو على همسات تفاصيل قضايا المناطق المتورمة في العالم العربي من بغداد حتى القدس و بيروت، أما غربا فمن لم يسمع من بيننا بثورة فرنسا و مبدعيها و فنانيها من روسو حتى فولطير و مونتسكيو و زولا، الذين تحمل عدد من شوارع مدننا أسماءهم... يكون قد سمع على الاقل بباربيس و بقية الهوامش الباريسية التي تشكل مصدر حكايا الأهل و الأصحاب ممن جربوا مغازلة الحلم الفرنسي...إننا في المغرب نعرف إيطاليا التي يعود شبابنا منها صيفا بسيارات مكشوفة تدفع من بقي منهم بالداخل لمعانقة أمواج المتوسط كما نعرف إسبانيا من مزارع إلخيدو حتى دروب كطلانيا... أمريكا نفقهها جيدا منذ اوغل كريستوف كولومبوس و أتباعه قتلا في الهنود الحمر حتى اللحظة التي اوغل فيها بوش الإبن و من قبله أبيه قتلا في العرب و المسلمين بالعراق و أفغانستان و فلسطين من قبلهما...و أغلبنا يعرف و لو من باب اهتمامه بكرة القدم أن البرازيل و الأرجنتين و الشيلي و البيرو و كولومبيا هي بعض بلدان أمريكا اللاتينية، كما أن حنقنا على أمريكا جعلنا نعرف تشافيز الذي يحميه الفقراء بفنزويلا كما نعرف موراليس الذي يقوم بوظيفة الرئيس بقميص مشجر و سروال جينز ...و مناسبة هذه المقدمة الطللية هي اشجان اثارها في فكري زميلي هيثم... و هيثم بالمناسبة عراقي دخل منتريال حديثا بعد زواجه من ابنة عمه المقيمة رفقة والديها بكندا منذ أمد بعيد، و أصل الحكاية أنه استغرب كثيرا حين أخبرته بعد التحاقه بنفس مجموعتي بالعمل أني مغربي.
أنت تتكلم العربية بشكل جيد... قال هيثم باستغراب
و لماذا لا أتكلم العربية . ألست عربيا مثلك؟
ما أعرفه أن المغاربة و الجزائريين لا يعرفون سوى الفرنسية. رد هيثم يثقة
غريب أمر هؤلاء المشارقة نعطل دراستنا للتضامن معهم و نتتبع حيثيات قضاياهم و ننزل للشوارع بالملايين دعما لمواقفهم و يهاجر شبابنا للموت دونهم في ساحاتهم... و هم لا يعلمون بعد بأننا نتحدث اللغة العربية مثلهم. أذكر أن حنجرتي بحت و انا بعد طفل في حرب الخليج الأولى حين كنت أهتف مع زملائي يا صدام يا حبيب دمر دمر تل أبيب ، لذلك كان الحماس يملأ قلوبنا الصغيرة فيما كان الإفلات من حصص أساتذتنا المملة دافعا مساعدا على الاحتجاج..
قضيت النهار بطوله أشرح لهيثم كوننا عربا مثلهم نتكلم العربية و ننام و نصحو على همسات و تفاصيل الحياة العربية في بؤر التوتر من فلسطين إلى العراق و لبنان، أخبرته أن أمي بكت بحرقة يوم سقطت بغداد و انها تعرف الجعفري و الصدر و السيستاني و أبي مصعب الزرقاوي... و تتبعت بيقظة صور محاكمة صدام...
و في طريق العودة مساء سألني هيثم عما كنت أفعله بالمغرب قبل مجيئي لكندا. حين أخبرته أني كنت مدرسا، لمع وجهه كمن توصل إلى سر خطير و صاح بثقة: آه محمد، مدرس بشان هيك إنت بتحكي عربي مليح...فأدركت حينها أن الشرق بعيد عنا بقدر ما نحن قريبون منه.
أما الغرب فلا يبدو وضعه معنا بأفضل من وضع الشرق، ففي فرنسا عدوة الأمس و صديقة اليوم ، فرنسا التي عاشرناها و عاشرتنا إلى درجة أن غنمنا لغتها برأي كاتب ياسين فزاحم مولود فرعون و الطاهر بنجلون و أسية جبار و محمد خير الدين كتابها على جوائزهم و استحقاقاتهم بل و على مبيعات كتبهم من داخل لغتهم و ثقافتهم، في فرنسا هذه لا يصبح المغرب بلاهه ووطنه و ملكه و تاريخه و جغرافيته و أرضه و سمائه و بحاره بأكثر من طبق كسكس، لوماروك آه لوكوسكوس... هكذا يردد أغلب الفرنسيون ببلاهة حين يسمعون اسم المغرب.
هنا بكندا لا يكاد الكنديون و غيرهم يدركون أننا نقتسم ضفتي الأطلسي معهم... الواقع أنهم هم لا يكادون يميزوننا عن غيرنا، في مدارس اللغات قد تجد اللغة العربية مشارا إليها براية إيران أو باكستان اعتقادا من المشرفين عنها بأنها بلدان عربية... إننا مجرد جزء من عوالم الشرق المتداخلة في ذاكرة الغرب بحكايا الأدغال و السحرة و الصحارى و زمن الحريم و الجواري... ، حتى إن السيدة التي جلست بجواري في الميترو قبل أيام قد سألتني حين عرفت أني مغربي إن كان يسمح للنساء عندنا بالخروج من بيوتهن أم أنهن محبوسات بها إلى الأبد و لا يخرجن غلى إلى قبورهن كما سمعت... حينها أدركت أن مصطفى سعيد بطل رائعة الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال كان منذ أزيد من نصف قرن و العهدة على الطيب صالح أكثر فهما مني لهذه العقلية حين كان يعول على صور الشرق الافتراضية في ذاكرة الغرب لغواية طريداته من النساء بساحة الهايبارك، فيحدثهن عن مدينته التي تتجول التماسيح و الأسود في شوارعها ساعة القيلولة و بيته الذي كان في طفولته يخرج يده من نافذته الصغيرة ليداعب من خلالها مياه النيل طلبا للنعاس. لكنني تمنيت مع ذلك ان تتاح لمخاطبتي الفرصة لشرب قهوة على شواطئ عين الذئاب.

تعليق