السلام عليكم ..
وقعت منذ فترة على مبرهنة كورت جودل (Kurt Godel ) لعدم الاكتمال .. هذه المبرهنة في المنطق الرياضي تتضمن نظريتين هامتين أحدثتا ثورة في الرياضيات خصوصاً وفي المنطق والعلوم عامة .. مفاد النظريتين باختصار شديد هو أن أي نظام رياضي يحوي حقائق لا يمكن لهذا النظام إثباتها .. وأن أي نظام رياضي إما أن يكون ذاتي التناقض (غير صحيح) أو غير مكتمل .. فإذا كانت أنظمتنا الرياضية صحيحة (غير ذاتية التناقض) فعلينا الجزم بأنها غير مكتملة (هناك حقائق لن تستطيع إثباتها) ..
بالرغم من بساطة هذا الكلام إلا أنه يحمل الكثير من العواقب .. أولها أنه بما أن مبرهنة جودل هي في المنطق الرياضي وبما أن جميع العلوم الأخرى مبنية على المنطق مثلها مثل الرياضيات فإن هذه المبرهنة يمكن تعميمها على جميع العلوم الأخرى .. أي أن هناك حقائق لن يستطيع العلم إثباتها .. من هذا المنطلق فإن العلماء وضعوا بعض النتائج المترتبة على مبرهنة جودل .. منها أنهم اعتبروا أن الحقيقة مفهوم أكبر وأعمق من مفهوم الإثبات .. وأن الإنسان لن يتمكن أبداً من فهم نفسه بشكل كامل باعتباره نظاماً يحوي حقائق لا يمكن له إثباتها .. وأننا لن نتمكن أبداً من صنع حاسوب يحاكي قدرات العقل البشري لأن العقل البشري قادر على اكتشاف حقائق دون إثباتها .. وأن الإثبات الذاتي غير ممكن وهو ما يتجلى ببساطة عندما نرى أنه لا يمكن لأي فرد إثبات عقلانيته بنفسه .. وأخيراً أن العلم ليس كافياً للوصول للحقيقة المطلقة ..
وجدت مقالة لكاتب نصراني عن تبعات نظريات جودل .. وبالرغم من تحفظي على غاية المقالة (التبشير) فإنني لم أر ضيراً في ترجمة ما ارتئيت صحته هنا (بشيء من التصرف):
"ماذا تعني نظريات جودل لأولئك الذي يؤمنون بوجود إله خالق؟ في البداية فإن جودل حطم التوقع الساذج بأن التفكير البشري يمكن اختزاله لمجموعة خوارزميات .. إن الخوارزميات هي عمليات رياضية مرحلية لحل المسائل وغالباً ما تعتمد التكرار .. الحواسب تعتمد على الخوارزميات .. لكن تفكيرنا ليس مجرد عملية ميكانيكية .. روجر بينروز (Roger Penrose) عبر عن هذا في كتابه 'غياهب الذهن' وصرح بأن الحواسب لن تتمكن أبداً من محاكاة العمق الكامل للتفكير البشري .. لكن في حين يلجأ هو إلى ميكانيكا الكم لتفسير التفكير البشري فإن الشخص المؤمن يرى الإنسان ككائن ذي شطر روحاني بفهم لا ينبع فقط من العضو المادي (الدماغ) بل من الروح أيضاً.
ثانياً لو تمكن جودل من تأكيد أن أي نظام معقد قادر على إثبات أنه غير ذاتي التناقض لأمكننا أن نجادل بأن الكون قائم بنفسه .. لكن مبرهنته تدعونا لفهم آخر .. فإما أن نتقبل أن الكون لا نهائي أو أن نبحث عن اللانهاية خارج حدود الكون كما يفعل المؤمنون.
الاحتمال الأول -أن الكون لا نهائي- غير مرجح .. فكل ما تعلمناه عن الكون يدل على أن للكون حدوداً .. فقد تمكن الفلكيون من إيجاد أدلة تضع الحدود الدنيا والعظمى لعمره وأبعاده .. وتمكن الفيزيائيون من تحديد عدد البروتونات الكلي في الكون .. وحتى إن كانت كمية المادة لا نهائية فإن جميع دقائق المادة تخضع للقيود التي تخضع لها المادة .. بالتالي فإن المؤمن منطقي حينما يشير إلى خالق عظيم خارج نطاق الكون كتفسير لما يدور في داخله .. جودل نفسه أدرك هذه العواقب وعانى ليثبت بدليل وجودي وجود الخالق .. لكنه كان يضيع وقته لأن نظرياته بالرغم من أنها تؤكد أن المحدود يشير لوجود اللانهائي فإنه لا يستطيع إثبات وجوده .. بالتالي فإن أقصى ما يستطيعه المنطق هو إثبات أن من المنطقي الإيمان بخالق عظيم يسمو فوق حدود الكون.
التبعة الثالثة لنظريات جودل هي أن الإيمان هو الاستجابة المقنعة الوحيدة لما هو حقيقي وواقعي فالحقيقة أكبر من الإثبات .. مايكل جويلين (Michael Guillen) عبر عن هذا بقوله: "السبيل الوحيد لتقبل حقيقة غير قابلة للإثبات -رياضية كانت أم سواها- هو بالإيمان بها" .. من هذا المنطلق فإن العلماء الملحدين باعتمادهم على مجموعة مسلمات في علومهم فإنهم خاضعون لما يترفعون عنه من الإيمان كغيرهم من الناس.
إن الديانات السماوية كثيراً ما عبرت عن أن الحقيقة هي أكبر من المنطق المجرد والإثبات .. الصورة التي يصورها جودل تتفق مع الفكر الإيماني .. لو كان جودل أكد أن الإثبات الذاتي ممكن لأمكن اعتبار أن الكون يفسر نفسه بنفسه .. لكن كما هو الحال فإن اللانهايات والمفارقات الحقيقية التي نجدها في الطبيعة تتطلب وجوداً أعظم مختلفاً ذا قوة وجبروت .. إن مبرهنة جودل هي أحد أسباب إيماني بأن لا نظام محدود -حتى وإن كان باتساع الكون- قادر على إجابة جميع الأسئلة التي يثيرها".
أخيراً إن كنت صبوراً بما يكفي لقراءة ما كتبت فأرجو أن تطلع على هذه المقالة الرائعة للأخ ياسر هاشم:
http://yasserhashem.blogspot.com/201...s-theorem.html
تعديل: هذه مقالة أخرى جميلة في الموضوع ذاته:
http://ar-ar.facebook.com/topic.php?...0516&topic=179
وقعت منذ فترة على مبرهنة كورت جودل (Kurt Godel ) لعدم الاكتمال .. هذه المبرهنة في المنطق الرياضي تتضمن نظريتين هامتين أحدثتا ثورة في الرياضيات خصوصاً وفي المنطق والعلوم عامة .. مفاد النظريتين باختصار شديد هو أن أي نظام رياضي يحوي حقائق لا يمكن لهذا النظام إثباتها .. وأن أي نظام رياضي إما أن يكون ذاتي التناقض (غير صحيح) أو غير مكتمل .. فإذا كانت أنظمتنا الرياضية صحيحة (غير ذاتية التناقض) فعلينا الجزم بأنها غير مكتملة (هناك حقائق لن تستطيع إثباتها) ..
بالرغم من بساطة هذا الكلام إلا أنه يحمل الكثير من العواقب .. أولها أنه بما أن مبرهنة جودل هي في المنطق الرياضي وبما أن جميع العلوم الأخرى مبنية على المنطق مثلها مثل الرياضيات فإن هذه المبرهنة يمكن تعميمها على جميع العلوم الأخرى .. أي أن هناك حقائق لن يستطيع العلم إثباتها .. من هذا المنطلق فإن العلماء وضعوا بعض النتائج المترتبة على مبرهنة جودل .. منها أنهم اعتبروا أن الحقيقة مفهوم أكبر وأعمق من مفهوم الإثبات .. وأن الإنسان لن يتمكن أبداً من فهم نفسه بشكل كامل باعتباره نظاماً يحوي حقائق لا يمكن له إثباتها .. وأننا لن نتمكن أبداً من صنع حاسوب يحاكي قدرات العقل البشري لأن العقل البشري قادر على اكتشاف حقائق دون إثباتها .. وأن الإثبات الذاتي غير ممكن وهو ما يتجلى ببساطة عندما نرى أنه لا يمكن لأي فرد إثبات عقلانيته بنفسه .. وأخيراً أن العلم ليس كافياً للوصول للحقيقة المطلقة ..
وجدت مقالة لكاتب نصراني عن تبعات نظريات جودل .. وبالرغم من تحفظي على غاية المقالة (التبشير) فإنني لم أر ضيراً في ترجمة ما ارتئيت صحته هنا (بشيء من التصرف):
"ماذا تعني نظريات جودل لأولئك الذي يؤمنون بوجود إله خالق؟ في البداية فإن جودل حطم التوقع الساذج بأن التفكير البشري يمكن اختزاله لمجموعة خوارزميات .. إن الخوارزميات هي عمليات رياضية مرحلية لحل المسائل وغالباً ما تعتمد التكرار .. الحواسب تعتمد على الخوارزميات .. لكن تفكيرنا ليس مجرد عملية ميكانيكية .. روجر بينروز (Roger Penrose) عبر عن هذا في كتابه 'غياهب الذهن' وصرح بأن الحواسب لن تتمكن أبداً من محاكاة العمق الكامل للتفكير البشري .. لكن في حين يلجأ هو إلى ميكانيكا الكم لتفسير التفكير البشري فإن الشخص المؤمن يرى الإنسان ككائن ذي شطر روحاني بفهم لا ينبع فقط من العضو المادي (الدماغ) بل من الروح أيضاً.
ثانياً لو تمكن جودل من تأكيد أن أي نظام معقد قادر على إثبات أنه غير ذاتي التناقض لأمكننا أن نجادل بأن الكون قائم بنفسه .. لكن مبرهنته تدعونا لفهم آخر .. فإما أن نتقبل أن الكون لا نهائي أو أن نبحث عن اللانهاية خارج حدود الكون كما يفعل المؤمنون.
الاحتمال الأول -أن الكون لا نهائي- غير مرجح .. فكل ما تعلمناه عن الكون يدل على أن للكون حدوداً .. فقد تمكن الفلكيون من إيجاد أدلة تضع الحدود الدنيا والعظمى لعمره وأبعاده .. وتمكن الفيزيائيون من تحديد عدد البروتونات الكلي في الكون .. وحتى إن كانت كمية المادة لا نهائية فإن جميع دقائق المادة تخضع للقيود التي تخضع لها المادة .. بالتالي فإن المؤمن منطقي حينما يشير إلى خالق عظيم خارج نطاق الكون كتفسير لما يدور في داخله .. جودل نفسه أدرك هذه العواقب وعانى ليثبت بدليل وجودي وجود الخالق .. لكنه كان يضيع وقته لأن نظرياته بالرغم من أنها تؤكد أن المحدود يشير لوجود اللانهائي فإنه لا يستطيع إثبات وجوده .. بالتالي فإن أقصى ما يستطيعه المنطق هو إثبات أن من المنطقي الإيمان بخالق عظيم يسمو فوق حدود الكون.
التبعة الثالثة لنظريات جودل هي أن الإيمان هو الاستجابة المقنعة الوحيدة لما هو حقيقي وواقعي فالحقيقة أكبر من الإثبات .. مايكل جويلين (Michael Guillen) عبر عن هذا بقوله: "السبيل الوحيد لتقبل حقيقة غير قابلة للإثبات -رياضية كانت أم سواها- هو بالإيمان بها" .. من هذا المنطلق فإن العلماء الملحدين باعتمادهم على مجموعة مسلمات في علومهم فإنهم خاضعون لما يترفعون عنه من الإيمان كغيرهم من الناس.
إن الديانات السماوية كثيراً ما عبرت عن أن الحقيقة هي أكبر من المنطق المجرد والإثبات .. الصورة التي يصورها جودل تتفق مع الفكر الإيماني .. لو كان جودل أكد أن الإثبات الذاتي ممكن لأمكن اعتبار أن الكون يفسر نفسه بنفسه .. لكن كما هو الحال فإن اللانهايات والمفارقات الحقيقية التي نجدها في الطبيعة تتطلب وجوداً أعظم مختلفاً ذا قوة وجبروت .. إن مبرهنة جودل هي أحد أسباب إيماني بأن لا نظام محدود -حتى وإن كان باتساع الكون- قادر على إجابة جميع الأسئلة التي يثيرها".
أخيراً إن كنت صبوراً بما يكفي لقراءة ما كتبت فأرجو أن تطلع على هذه المقالة الرائعة للأخ ياسر هاشم:
http://yasserhashem.blogspot.com/201...s-theorem.html
تعديل: هذه مقالة أخرى جميلة في الموضوع ذاته:
http://ar-ar.facebook.com/topic.php?...0516&topic=179
تعليق