
هناك في الحي الشعبي، في تلك العشوائيات التي لا نظام فيها، ولا تخضع
لقانون، يعيش بشر قد انقرضوا منذ مئات السنين، هؤلاء البشر قد يكونوا في طرف مدينة أو مخيم، أو في مقبرة قرية، لا يهم، المهم أن هؤلاء البشر هم خارج الزمن (في نظر بعضنا) فهم قادمون من المجهول، وذاهبون إلى المجهول،
نسبة الفقر فيهم 99 % ، نسبة البطالة فيهم 99 %، نسبة التعليم فيهم 1 %، نسبة الشفاء والحياة الصحية الطبيعية 5 %، نسبة المرض بينهم لا تخضع لإحصائية فهم لا يذهبون لطبيب، لأن الطبيب أي طبيب يحتاج منهم للكشف على أحدهم نصف ما يملك ، هذا إذا كان يملك ما يعطيه للطبيب العام لا المختص، يرون في أحلامهم المياه المعدنية، ويرون كابوساً فضيعاً اسمه فاتورة الكهرباء والماء، ترتعد فرائصهم إذا رأوا اللحم، وإذا لبس أحدهم قميصاً أو بنطالاً من البالة (والآن لا أحد يستطيع الدخول للبالة) كأنه حاز الدنيا وما فيها. (مستشفى العقلاء)
إذا أتم تعليمه الابتدائي فذلك الذي حاز جائزة نوبل، وإذا حلم بأكثر من ذلك أتم الإعدادية وهو يعمل عتالاً في الأسواق، وإذا ازدادت أحلامه وأراد الزواج نظر حوله فرأى المتزوجين من أهله في تلك العشوائيات، بصق في وجه نفسه وقال : (أحلام اليقظة أحلى).
وإذا رأى طرقات العشوائيات في الشتاء تمنى لو عاش مثل زوجة المعتمد بن عباد (اعتماد) التي كانت تسير في قصرها على وحل ملطخ بالمسك والورد والعنبر، ولو في الأحلام، وإذا أمطرت السماء كان مع اخوته يشكلون جيشاً يحملون الطناجر الفارغة لاستقبال ما جادت به السماء على صفيحهم الذي هو أشبه بالصفيح الذي تغطى به الزرائب، حتى لا تتلطخ (حراماتهم الكهربائية بماء السماء)، وينتظرون بفارغ الصبر الربيع حتى يذهب برد الشتاء الذي أكل من أجسادهم الكثير وبقي عليه أن يتحلى بأمعائهم التي لم تعد تنفع فيها الميرمية واليانسون، وينتظرون من الربيع الكثير الكثير، فهو يجود بالخبيزة، والعلكة، أو العلتة، فهما طبختان يعرفهما أصحاب العشوائيات أو الحي الشعبي.

ينظر في محفظته (إذ كان لديه محفظة) فلا يجد فيها ما يسد الرمق، وإذا كان لديه ولدان أو أولاد وجاء رمضان أو العيد فالويل والثبور وحلت عليه عظائم الأمور ، فلا مال يسكت به هؤلاء الأفواه الأرانب، ولا لديه جاه وسلطان من خلالهما يأتيه المال فينفقه آناء الليل وأطراف النهار، فإلى أين المفر؟
يمشي الحيط الحيط، وإذا لم يجد حيطاً يسير (بذله) آسف (بظله) فإنه يشتري حيطاً ليسير (بذله) فإن عقدة الحيط في أدبياته مطلوبة جداً، بل هي فلكلور ينقلها في سوامره لأولاده وأحفاده لكي تبقى قواعد يجب السير عليها . . (مستشفى العقلاء)
لا يستطيع حتى تلبية رغبته هو وزجته كباقي البشر، فالغرفة ومنافعها (والمنافع هنا مشغولة أيضاً في نوم البعض فيها) لا تفي حتى بأبسط مقومات ممارسات العصافير ، أو حتى الخفافيش، فأين المفر؟
إذا أكل في ذلك اليوم شيئاً غير الكعك والشاي ، نظر حوله هل من ناظر عليه يرى صحن الحمص أو المسبحة المليئة بالملونات، أو حبات الفلافل (فلافل بندول اكسترا) التي لا تغطي أفواه أولاده، مخافة الحسد .
وإذا أراد التنفس كعادة خلق الله الذين يذهبون للحدائق العامة، لا يجد في حيه أو عشوائيته مكاناً حتى ليقف فيه لا أن يتنزه فيه، وإذا أراد الذهاب بأطفاله إلى الحديقة كانت ملابسهم وخلقهم لا تليق بالمكان ولا الزوار .
إذا اعتدى عليه بالضرب (سواء من زعران العشوائيات) أو غيرهم بسكين، أو حتى بسيف، أو بلكمات متعددة، أكلها بجلده وقال : حسبي الله ونعم الوكيل على ابن الحرام ، وهو لا يستطيع دفع ابن الحرام، وابن الحرام هنا يأتيه بأشكال متعددة، ربما أزعر ، أو الفقر، أو المرض .
تلك هي بعض من صور الحي الشعبي أو العشوائيات فلا تنظروا إلى صفيحها ، وأوساخها ، ولكن انظروا بنور الله لأهلها وشبابها، فمنهم من يفتي على المذاهب الأربعة ولا يحمل شهادة جامعية ويعمل عتالاً في سوق الخضار ...
. (مستشفى العقلاء)
- See more at: http://www.wisepeople1.com/2015/02/b...l#.VNFBvC4a4_h
تابع مستشفى العقلاء على فيس بوك
تعليق