أحكام التصوير في الشريعة الإسلامية
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن عمل بسنته إلى يوم الدين وبعد،،،
فهذه هي الطبعة الثانية من أحكام التصوير في الشريعة الإسلامية دون زيادات وإضافات وقد نفذت الطبعة الأولى بعد شهور قليلة من طبعها واستمر السؤال عنه والطلب له في كل مكان، وتحت إلحاح إخواننا نقدم الطبعة الثانية ولقد لقي هذا الكتاب بحمد الله قبولاً طيباً عند جمع كثير من المشايخ وطلاب العلم ورأوا فيه فقهاً متبصراً بحمد الله وتوفيقه.
والفضل لله وحده، ونقول اللهم ما كان فيه من حق فمنك وحدك أنت الموفق لكل خير، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان ونسألك العفو والمغفرة.. والله أسأل أن ينفع بهذه الرسالة عباده الصالحين المؤمنين في كل مكان إنه سميع عليم.
عبدالرحمن بن عبدالخالق
الكويت
الأول من صفر الخير 1415هـ
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن سار على طريقه إلى يوم الدين وبعد،،،
فإنه يكثر التساؤل كل يوم تقريباً عن أحكام التصوير ما يحل منه، وما يحرم، وخاصة أنه قد أصبح من الأمور التي عمت بها البلوى وانتشر بها الشر، فانتشار الصور قد أصبح جزءاً من الحياة اليومية لكل فرد فالصور مطبوعة على العملة الورقية لكل بلاد العالم تقريباً، ومسكوكة على العملة الذهبية والفضية، المعدنية كذلك، والصحف والمجلات التي لا يستطيع أن يستغني عنها فرد لمتابعة أخبار الأمم، وأحداث العالم تأتي مصورة بالظهر لبطن، والأقمشة والألبسة والمصنوعات ولا تكاد تجد شيئاً يباع بالأسواق في غلاف أو قرطاس إلا وعليه صورة ولا تستطيع استخراج جواز سفر، أو رخصة قيادة، أو رخصة تجارة إلا وتحتاج استخراج صورة..
هذا عدا عما ابتليت به الأمة من نصب الصور والتماثيل في الدوائر الحكومية، والميادين العامة، والمنازل والبيوت. هذا إلى جعل الرسم والتصوير دروساً إلزامية في عامة مدارس العالم الإسلامي وجعل هذا أحد الفنون الجميلة التي لا بد للفتى والفتاة أن يلم بها...
هذا وكثير من الناس يقفون اليوم حيارى أمام حكم الصور الضوئية التي تطبع على ورق، أو تخرج في شاشة تلفاز، أو تسجل في شريط، فهل هذه الصورة كذلك هي داخلة فيما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أن لها حكماً يخالف ذلك؟
والخلاصة أن الصور وما يتعلق بها مما عمت به البلوى، وهذا ما يجعل كل مسلم غيور على دينه يريد أن يعرف حدود الله حتى لا يقع فيها يسأل عن أحكام ذلك كله.
ولما كانت الرسائل التي صدرت في هذا الصدد غير وافية أحياناً بالفرعيات المتعددة للتصوير، ومجانبة بعض الحق الذي نراه أحياناً، أحببنا في هذه الرسالة الميسرة إن شاء الله تعالى أن نوضح ما أشكل حول هذا الأمر وأن نفرق بين ما نرى أنه يجوز وما لا يجوز في شأن التصوير سائلين الله تعالى أن يجنبنا الزلل ويحفظنا من الجهل والخطأ، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.
وكتبه
عبدالرحمن بن عبدالخالق
الكويت
3 ربيع الثاني 1409هـ
الموافق 13/11/1988م
أولاً
: ما ورد في القرآن الكريم مما يتعلق بالتصوير
1- الله هو المصور:
جاء في الكتاب الكريم إطلاق اسم المصور على الله سبحانه وتعالى : {هو الله الذي لا إله إلا هو الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} (الحشر:24)
وجاء اسم الله (المصور) مفسراً في القرآن وفي قوله تعالى : {هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} (آل عمران:6). وفي قوله تعالى : {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك} (الانفطار:8). وفي قوله تعالى : {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} (الأعراف:11). ومعنى الآيات أن الله سبحانه وتعالى هو الذي صور آدم حيث خلقه بيده سبحانه وتعالى هو خالق الخلق، ومدبر الكون، فهو الذي أعطى كل شيء خلقه، وكل مخلوق صورته ومَيَّزَ سبحانه وتعالى بين المخلوقات، فجعلها أجناساً شتى، وأنواعاً متفرقة وجعل لكل فرد من أفراد النوع صورة خاصة متميزة يستحيل أن تماثل أو تطابق فرداً آخر تطابقاً كاملاً في كل الصفات والأشكال بل لكل إنسان نسيج خاص، وعرق خاص، وبصمة خاصة وملامح خاصة، وهذا من سعة علم الله سبحانه وتعالى وعظيم قدرته، فهو المصور حقاً وصدقاً وهو الخالق المتفرد الذي لا خالق غيره، ولا رب سواه.
وهذا الأصل يجب معرفته لأنه هو الذي ينبني على فهمه فهم الحكم الشرعي في (التصوير)... فالقضية في أساسها قضية أصولية عقيدية، قبل أن تكون قضية فقهية فرعية.. بل الحكم الشرعي العملي فيها مبني على هذا الأصل العقدي.
2- التماثيل والأصنام والصور عبدت من دون الله:
الموضوع الثاني من موضوعات التصوير الذي ورد ذكره في القرآن: هو موضوع الصور والأصنام والتماثيل التي عبدت من دون الله، وقد جاء ذكرها في القرآن بالذم والسب والعيب، وضعف عقول صناعها وعابديها، وأنهم استعاضوا بعبادتها عن عبادة الواحد الأحد سبحانه وتعالى.
كقوله تعالى: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة} (الأعراف:138)
وقوم إبراهيم الذين عكفوا على أصنامهم، وهذه الأصنام الأخرى التي رآها بنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر ونجاتهم من الغرق والفراعنة، وكانت تماثيل مصورة على هيئات البشر أو الحيوان، وكانت تنحت حجارة أو خشباً أو معادن، أو غير ذلك وما زال بعض آثار ذلك باقياً للآن، وقد سمى الله تعالى كل ذلك رجساً من عمل الشيطان، فقال : {يا أيا الذين آمنوا إنما الخمر والميسر، والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} (المائدة:90) والأنصاب هي الأصنام لأنها كانت تنصب في معابدهم وبيوتهم، ومفترق طرقهم ولا يكاد يوجد شعب وأمة على الأرض منذ وقع الشرك وعبادة الأصنام في قوم نوح وإلى يومنا هذا إلا وقد عظموا الأصنام وعبدوها، فالرومان القدماء قبل المسيحية كانوا عباد أصنام، والصابئة عباد النجوم كذلك وقد تركوا آثارهم وأصنامهم في العراق والشام والروم بعد المسيحية حولوا دين المسيح الذي جاء بالتوحيد إلى الوثنية وعبادة الأصنام، واستعاضوا عن آلهة الإغريق القديمة بالمسيح والحواريين فنصبوا التماثيل للمسيح ولأمه، ولتلاميذه وعبدوا هذه الأصنام منذ ذلك الوقت قبل الإسلام، وإلى يومنا هذا وهم الآن أكثر أمم الأرض عدداً، وعبادتهم تقوم على عبادة الأصنام والتماثيل التي صنعوها لعيسى والقديسين. وهم بذلك كفار مشركون بل هم شر الأرض يوم القيامة كما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وذكرت ما فيها من الصور المعلقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله] (متفق عليه)، ولا زالت النصرانية لليوم: عبادتها هي عبادة الصور والصلبان وتعليق ذلك علي الجدران، والصدور، ونصبها فوق الأبنية وفي الميادين والخلاصة أنهم اليوم وثنيون مشركون عباد أحجار وأخشاب بالرغم من تقدمهم في العلوم المادية، واتساع حضارتهم ومعارفهم إلا أنهم مع ذلك في العقائد جاهلون أغبياء فقراء.
وهذا هو حال أكثر أمم الأرض فالبوذية التي تنتشر في اليابان والصين، ودول جنوب شرق آسيا ديانة وثنية تقوم على عبادة الصور والتماثيل وكذلك الحال في ديانات الهند القديمة والحديثة، والديانات البدائية في أفريقيا وأمريكا واستراليا، كلها ديانات تقوم على عبادة الأصنام والأوثان.
3- الملاحدة والشيوعيون وعبادة الأصنام:
ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل إن المذاهب الفكرية الإنسانية التي قامت على رفض الأديان التي تسميها بالغيبية واستحدثت أدياناً أخرى مادية إلحادية وأقامت لنفسها كذلك وثنيات خاصة، فتراهم استبدلوا بعبادة بوذا، ومارس، وأبولو، وهبل، ماركس ولينين، وقوادهم ومن يعظمونهم، فاستبدلوا وثنية بوثنية وعبادة أشخاص بآخرين..
والشاهد أن العالم كله مع الرقي المادي والحضاري الذي يعيش فيه إلا أنه يعيش انتكاساً فكرياً وعقائدياً، ويستبدل بالوثنيات القديمة وثنيات حديثة، وكثير من الأمم ما زالوا يعبدون ما كان يعبده آباؤهم من قبل. بل إن أكثر دول آسيا ما زالوا يعبدون صور بوذا، والميكادو، وغير ذلك من الزعماء الدينيين المؤسسين السابقين الذين هلكوا في عصور متقدمة جداً، والغرض من هذا الاستطراد هو بيان أن حال الأمم الآن لا يختلف عن حال سابقيهم في الضلالة، وصدق الله القائل: {فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل، وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص} (هود:109)
والخلاصة أنه مع تتبع آي القرآن الكريم في شأن الصور والتماثيل نلاحظ أمرين هامين:
1- الأمر الأول أن الله سبحانه وتعالى هو المصور بمعنى أنه هو الخالق الذي أعطى لكل مخلوق صورته وشكله، وميزه عن كل فرد من أفراد نوعه بصورة ومميزات خاصة، وهذا من كمال قدرته وعلمه وعظمته سبحانه وتعالى.
2- والأمر الثاني أن التماثيل والصور والأنصاب التي اتخذتها الأقوام المختلفة عبر العصور كانت وما زالت أعظم باب للضلال والشرك والكفر فقد كانت هذه الأصنام صوراً للآلهة المزعومة من دون الله، وقد اتخذ كل قوم من المشركين -وما زالوا- لهم أصناماً وصوراً لمن يعظمونهم من دون الله.
تعليق