قال أبو الفرج الجوزي: فإن قيل هذه الفرق معروفة؛ فالجواب أنا نعرف الافتراق وأصول الفِرق وأن كل طائفة من الفرق انقسمت إلى فرق، وإن لم نحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها، فقد ظهر لنا من
أصول الفرق الحرورية والقَدَرِية والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية. وقال بعض أهل العلم: أصل الفرق الضالة هذه الفرق الست، وقد انقسمت كل فرقة منها اثنتي عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين فرقة.
انقسمت الحرورية اثنتي عشرة فرقة:
فأولهم الأزرقية - قالوا: لا نعلم أحدا مؤمنا؛ وكفّروا أهل القبلة إلا من دان بقولهم. والأباضية - قالوا: من أخذ بقولنا فهو مؤمن، ومن أعرض عنه فهو منافق. والثعلبية - قالوا: إن الله عز وجل لم يقض ولم يُقَدِّر.
أصول الفرق الحرورية والقَدَرِية والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية. وقال بعض أهل العلم: أصل الفرق الضالة هذه الفرق الست، وقد انقسمت كل فرقة منها اثنتي عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين فرقة.
انقسمت الحرورية اثنتي عشرة فرقة:
فأولهم الأزرقية - قالوا: لا نعلم أحدا مؤمنا؛ وكفّروا أهل القبلة إلا من دان بقولهم. والأباضية - قالوا: من أخذ بقولنا فهو مؤمن، ومن أعرض عنه فهو منافق. والثعلبية - قالوا: إن الله عز وجل لم يقض ولم يُقَدِّر.
والخازمية - قالوا: لا ندري ما الإيمان، والخلق كلهم معذورون.
والخَلَفية - زعموا أن من ترك الجهاد من ذكر أو أنثى كفر.
والكوزية - قالوا: ليس لأحد أن يمس أحدا لأنه لا يعرف الطاهر من النجس ولا أن يؤاكله حتى يتوب ويغتسل.
والكنزية - قالوا: لا يسع أحدا أن يعطي ماله أحدا؛ لأنه ربما لم يكن مستحقا بل يكنزه في الأرض حتى يظهر أهل الحق. والشمراخية - قالوا: لا بأس بمس النساء الأجانب لأنهن رياحين. والأخنسية - قالوا: لا يلحق الميت بعد موته خير ولا شر.
والحكمية - قالوا: مَن حاكم إلى مخلوق فهو كافر.
والمعتزلة - قالوا: اشتبه علينا أمر علي ومعاوية فنحن نتبرأ من الفريقين.
الميمونية - قالوا: لا إمام إلا برضا أهل محبتنا.
وانقسمتالقَدَرية اثنتي عشرة فرقة:
الأحمرية - وهي التي زعمت أن في شرط العدل من الله أن يملك عباده أمورهم، ويحول بينهم وبين معاصيهم.
والثنوية - وهي التي زعمت أن الخير من الله والشر من الشيطان.
والمعتزلة - وهم الذين قالوا بخلق القرآن وجحدوا صفات الربوبية.
والكَيْسانية - وهم الذين قالوا: لا ندري هذه الأفعال من الله أو من العباد، ولا نعلم أيثاب الناس بُعد أو يعاقبون.
والشيطانية - قالوا: إن الله تعالى لم يخلق الشيطان.
والشريكية - قالوا: إن السيئات كلها مقدرة إلا الكفر.
والوهمية - قالوا: ليس لأفعال الخلق وكلامهم ذات، ولا للحسنة والسيئة ذات.
والزِّبْرية - قالوا: كل كتاب نزل من عند الله فالعمل به حق، ناسخا كان أو منسوخا. والمسعدية - زعموا أن من عصى ثم تاب لم تقبل توبته.
والناكثية - زعموا أن من نكث بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إثم عليه. والقاسطية - تبعوا إبراهيم بن النظام في قوله: من زعم أن الله شيء فهو كافر.
وانقسمت الجهمية اثنتي عشرة فرقة: المعطلة - زعموا أن كل ما يقع عليه وهم الإنسان فهو مخلوق. وإن من ادعى أن الله يُرى فهو كافر. والمريسية قالوا: أكثر صفات الله تعالى مخلوقة. والمَلْتزقة - جعلوا الباري سبحانه في كل مكان. والواردية - قالوا لا يدخل النار من عرف ربه، ومن دخلها لم يخرج منها أبدا. والزنادقة - قالوا: ليس لأحد أن يثبت لنفسه ربا؛ لأن الإثبات لا يكون إلا بعد إدراك الحواس. وما لا يدرك لا يثبت. والحرقية - زعموا أن الكافر تحرقه النار مرة واحدة ثم يبقى محترقا أبدا لا يجد حر النار. والمخلوقية - زعموا أن القرآن مخلوق. والفانية - زعموا أن الجنة والنار يفنيان، ومنهم من قال لم يخلقا. والعبدية - جحدوا الرسل وقالوا إنما هم حكماء. والواقفية - قالوا: لا نقول إن القرآن مخلوق ولا غير مخلوق. والقبرية - ينكرون عذاب القبر والشفاعة. واللفْظِية - قالوا لفظنا بالقرآن مخلوق.
وانقسمتالمرجئة اثنتي عشرة فرقة:
وانقسمتالمرجئة اثنتي عشرة فرقة:
التاركية - قالوا ليس لله عز وجل على خلقه فريضة سوى الإيمان به، فمن آمن به فليفعل ما شاء.
والسائبية - قالوا: إن الله تعالى سيب خلقه ليفعلوا ما شاؤوا.
والراجية - قالوا: لا يسمى الطائع طائعا ولا العاصي عاصيا، لأنا لا ندري ما له عند الله تعالى.
والسالبية - قالوا: الطاعة ليست من الإيمان.
والبهيشية - قالوا: الإيمان علم ومن لا يعلم الحق من الباطل والحلال من الحرام فهو كافر.
والعملية - قالوا: الإيمان عمل. والمنقوصية - قالوا: الإيمان لا يزيد ولا ينقص. والمستثنية - قالوا: الاستثناء من الإيمان.
والمشبهة - قالوا: بصر كبصر ويد كيد.
والحشوية - قالوا: حكم الأحاديث كلها واحد؛ فعندهم أن تارك النفل كتارك الفرض. والظاهرية - الذين نفوا القياس.
والبِدعية - أول من ابتدع هذه الأحداث في هذه الأمة.
وانقسمت الرافضة اثنتي عشرة فرقة:
العلوية - قالوا: إن الرسالة كانت إلى علي وأن جبريل أخطأ.
والأمرِية - قالوا: إن عليا شريك محمد في أمره.
والشيعة - قالوا: إن عليا رضي الله عنه وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليه من بعده، وإن الأمة كفرت بمبايعة غيره.
والإسحاقية - قالوا: إن النبوة متصلة إلى يوم القيامة، وكل من يعلم علم أهل البيت فهو نبي.
والناووسية - قالوا: علي أفضل الأمة، فمن فضل غيره عليه فقد كفر.
والإمامية - قالوا: لا يمكن أن تكون الدنيا بغير إمام من ولد الحسين، وإن الإمام يعلِّمه جبريل عليه السلام، فإذا مات بدل غيره مكانه.
والزيدية - قالوا: ولد الحسين كلهم أئمة في الصلوات، فمتى وجد منهم أحد لم تجز الصلاة خلف غيرهم، برهم وفاجرهم.
والعباسية - زعموا أن العباس كان أولى بالخلافة من غيره. والتناسخية - قالوا: الأرواح تتناسخ؛ فمن كان محسنا خرجت روحه فدخلت في خلق يسعد بعيشه. والرجعية - زعموا أن عليا وأصحابه يرجعون إلى الدنيا، وينتقمون من أعدائهم. واللاعنة - يلعنون عثمان وطلحة والزبير ومعاوية وأبا موسى وعائشة وغيرهم. والمتربصة - تشبهوا بزي النُّساك ونصبوا في كل عصر رجلا ينسبون إليه الأمر، يزعمون أنه مهدي هذه الأمة، فإذا مات نصبوا آخر.
ثم انقسمت الجبرية اثنتي عشرة فرقة:
فمنهم المضطرية - قالوا: لا فعل للآدمي، بل الله يفعل الكل.
والأفعالية - قالوا: لنا أفعال ولكن لا استطاعة لنا فيها، وإنما نحن كالبهائم نقاد بالحبل.
والمفروغية - قالوا: كل الأشياء قد خلقت، والآن لا يخلق شيء.
والنجارية - زعمت أن الله تعالى يعذب الناس على فعله لا على فعلهم.
والمنانية - قالوا: عليك بما يخطر بقلبك، فافعل ما توسمت منه الخير.
والكسبية - قالوا: لا يكتسب العبد ثوابا ولا عقابا.
والسابقية - قالوا: من شاء فليعمل ومن شاء فلا يعمل، فإن السعيد لا تضره ذنوبه والشقي لا ينفعه بره.
والحِبية - قالوا: من شرب كأس محبة الله تعالى سقطت عنه عبادة الأركان. والخوفية - قالوا: من أحب الله تعالى لم يسعه أن يخافه، لأن الحبيب لا يخاف حبيبه.
والفكرية - قالوا: من ازداد علما أسقط عنه بقدر ذلك من العبادة.
والخشبية - قالوا: الدنيا بين العباد سواء، لا تفاضل بينهم فيما ورثهم أبوهم آدم. والمنية - قالوا: منا الفعل ولنا الاستطاعة.
وسيأتي بيان الفرقة التي زادت في هذه الأمة في آخر سورة الأنعام إن شاء الله تعالى.
وقال ابن عباس لسماك الحنفي: يا حنفي، الجماعة الجماعة!! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها؛ أما سمعت الله عز وجل يقول { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال). فأوجب تعالى علينا التمسك بكتابه وسنة نبيه والرجوع إليهما عند الاختلاف، وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعملا؛ وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين، والسلامة من الاختلاف، وأمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق الذي حصل لأهل الكتابين. هذا معنى الآية على التمام، وفيها دليل على صحة الإجماع حسبما هو مذكور في موضعه من أصول الفقه والله أعلم.
قوله تعالى {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} أمر تعالى بتذكر نعمه وأعظمها الإسلام واتباع نبيه محمد عليه السلام؛ فإن به زالت العداوة والفرقة وكانت المحبة والألفة. والمراد الأوس والخزرج؛ والآية تعم. ومعنى {فأصبحتم بنعمته إخوانا} أي صرتم بنعمة الإسلام إخوانا في الدين. وكل ما في القرآن {أصبحتم} معناه صرتم؛ كقوله تعالى{إن أصبح ماؤكم غورا} [الملك: 30] أي صار غائرا. والإخوان جمع أخ، وسمي أخا لأنه يتوخى مذهب أخيه، أي يقصده. وشفا كل شيء حرفه، وكذلك شفيره ومنه قوله تعالى{على شفا جرف هار} [التوبة: 109]. قال الراجز:
نحن حفرنا للحجيج سَجْلَه ** نابتة فوق شفاها بَقْلَه
وأشفى على الشيء أشرف عليه؛ ومنه أشفى المريض على الموت. وما بقي منه إلا شفا أي قليل. قال ابن السكيت: يقال للرجل عند موته وللقمر عند امّحاقه وللشمس عند غروبها: ما بقي منه إلا شفا أي قليل. قال العجاج:
ومربأ عال لمن تشرفا ** أشرفته بلا شفًى أو بشَفَى
قوله "بلا شفى" أي غابت الشمس. "أو بشفى" وقد بقيت منها بقية. وهو من ذوات الياء، وفيه لغة أنه من الواو. وقال النحاس: الأصل في شفا شَفَو، ولهذا يكتب بالألف ولا يمال. وقال الأخفش: لما لم تجز فيه الإمالة عرف أنه من الواو؛ ولأن الإمالة بين الياء، وتثنيته شفوان. قال المهدوي: وهذا تمثيل يراد به خروجهم من الكفر إلى الإيمان.
تعليق