السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير الآيات
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
تفسير الآيات
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوَّل مَسْجِد وُضِعَ فِي الْأَرْض قَالَ : ( الْمَسْجِد الْحَرَام ) . قُلْت : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِد الْأَقْصَى ) . قُلْت : كَمْ بَيْنهمَا ؟ قَالَ : ( أَرْبَعُونَ عَامًا ثُمَّ الْأَرْض لَك مَسْجِد فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْك الصَّلَاة فَصَلِّ ) . قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : لَمْ يُوضَع قَبْله بَيْت . قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كَانَ قَبْل الْبَيْت بُيُوت كَثِيرَة , وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلْعِبَادَةِ . وَعَنْ مُجَاهِد قَالَ : تَفَاخَرَ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُود فَقَالَتْ الْيَهُود : بَيْت الْمَقْدِس أَفْضَل وَأَعْظَم مِنْ الْكَعْبَة ; لِأَنَّهُ مُهَاجَر الْأَنْبِيَاء وَفِي الْأَرْض الْمُقَدَّسَة . وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : بَلْ الْكَعْبَة أَفْضَل ; فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة . وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَة بُنْيَان الْبَيْت وَأَوَّل مَنْ بَنَاهُ . قَالَ مُجَاهِد : خَلَقَ اللَّه مَوْضِع هَذَا الْبَيْت قَبْل أَنْ يَخْلُق شَيْئًا مِنْ الْأَرْض بِأَلْفَيْ سَنَة , وَأَنَّ قَوَاعِده لَفِي الْأَرْض السَّابِعَة السُّفْلَى . وَأَمَّا الْمَسْجِد الْأَقْصَى فَبَنَاهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ; كَمَا خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو . وَعَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّ سُلَيْمَان بْن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا بَنَى بَيْت الْمَقْدِس سَأَلَ اللَّه خِلَالًا ثَلَاثَة سَأَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حُكْمًا يُصَادِف حُكْمه فَأُوتِيَهُ , وَسَأَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده فَأُوتِيَهُ , وَسَأَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاء الْمَسْجِد أَلَّا يَأْتِيه أَحَد لَا يَنْهَزهُ إِلَّا الصَّلَاة فِيهِ أَنْ يُخْرِجهُ مِنْ خَطِيئَته كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه فَأُوتِيَهُ ) . فَجَاءَ إِشْكَال بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ ; لِأَنَّ بَيْنَ إِبْرَاهِيم وَسُلَيْمَان آمَادًا طَوِيلَة . قَالَ أَهْل التَّوَارِيخ : أَكْثَر مِنْ أَلْف سَنَة . فَقِيلَ : إِنَّ إِبْرَاهِيم وَسُلَيْمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام إِنَّمَا جَدَّدَا مَا كَانَ أَسَّسَهُ غَيْرهمَا . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَوَّل مَنْ بَنَى الْبَيْت آدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا تَقَدَّمَ . فَيَجُوز أَنْ يَكُون غَيْره مِنْ وَلَده وَضَعَ بَيْت الْمَقْدِس مِنْ بَعْده بِأَرْبَعِينَ عَامًا , وَيَجُوز أَنْ تَكُون الْمَلَائِكَة أَيْضًا بَنَتْهُ بَعْد بِنَائِهَا الْبَيْت بِإِذْنِ اللَّه ; وَكُلّ مُحْتَمَل . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَمَرَ اللَّه تَعَالَى الْمَلَائِكَة بِبِنَاءِ بَيْت فِي الْأَرْض وَأَنْ يَطَّوَّفُوا بِهِ ; وَكَانَ هَذَا قَبْل خَلْق آدَم , ثُمَّ إِنَّ آدَم بَنَى مِنْهُ مَا بَنَى وَطَافَ بِهِ , ثُمَّ الْأَنْبِيَاء بَعْده , ثُمَّ اِسْتَتَمَّ بِنَاءَهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام .
لَلَّذِي بِبَكَّةَ
لَلَّذِي بِبَكَّةَ
خَبَر " إِنَّ " وَاللَّام تَوْكِيد . و " بَكَّة " مَوْضِع الْبَيْت , وَمَكَّة سَائِر الْبَلَد ; عَنْ مَالِك بْن أَنَس . وَقَالَ مُحَمَّد بْن شِهَاب : بَكَّة الْمَسْجِد , وَمَكَّة الْحَرَم كُلّه , تَدْخُل فِيهِ الْبُيُوت . قَالَ مُجَاهِد : بَكَّة هِيَ مَكَّة . فَالْمِيم عَلَى هَذَا مُبْدَلَة مِنْ الْبَاء ; كَمَا قَالُوا : طِين لَازِب وَلَازِم . وَقَالَهُ الضَّحَّاك وَالْمُؤَرِّج . ثُمَّ قِيلَ : بَكَّة مُشْتَقَّة مِنْ الْبَكّ وَهُوَ الِازْدِحَام . تَبَاكَّ الْقَوْم اِزْدَحَمُوا . وَسُمِّيَتْ بَكَّة لِازْدِحَامِ النَّاس فِي مَوْضِع طَوَافهمْ . وَالْبَكّ : دَقّ الْعُنُق . وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَدُقّ رِقَاب الْجَبَابِرَة إِذَا أَلْحَدُوا فِيهَا بِظُلْمٍ . قَالَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر : لَمْ يَقْصِدهَا جَبَّار قَطُّ بِسُوءٍ إِلَّا وَقَصَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَأَمَّا مَكَّة فَقِيلَ إِنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ مَائِهَا وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمُكّ الْمُخّ مِنْ الْعَظْم مِمَّا يَنَال قَاصِدهَا مِنْ الْمَشَقَّة ; مِنْ قَوْلهمْ : مَكَكْت الْعَظْم إِذَا أَخْرَجْت مَا فِيهِ . وَمَكَّ الْفَصِيل ضَرْع أُمّه وَامْتَكَّهُ إِذَا اِمْتَصَّ كُلّ مَا فِيهِ مِنْ اللَّبَن وَشَرِبَهُ ; قَالَ الشَّاعِر : مَكَّتْ فَلَمْ تُبْقِ فِي أَجْوَافهَا دِرَرًا وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمُكّ مَنْ ظَلَمَ فِيهَا , أَيْ تُهْلِكهُ وَتُنْقِصهُ . وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاس كَانُوا يَمُكُّونَ وَيُضْحَكُونَ فِيهَا ; مِنْ قَوْله : " وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة " [ الْأَنْفَال : 35 ] أَيْ تَصْفِيقًا وَتَصْفِيرًا . وَهَذَا لَا يُوجِبهُ التَّصْرِيف ; لِأَنَّ " مَكَّة " ثُنَائِيّ مُضَاعَف و " مُكَاء " ثُلَاثِيّ مُعْتَلّ .
مُبَارَكًا
مُبَارَكًا
جَعَلَهُ مُبَارَكًا لِتَضَاعُفِ الْعَمَل فِيهِ ; فَالْبَرَكَة كَثْرَة الْخَيْر , وَنُصِبَ عَلَى الْحَال مِنْ الْمُضْمَر فِي " وُضِعَ " أَوْ بِالظَّرْفِ مِنْ " بَكَّة " , الْمَعْنَى الَّذِي اِسْتَقَرَّ " بِبَكَّةَ مُبَارَكًا " وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن " مُبَارَك " ; عَلَى أَنْ يَكُون خَبَرًا ثَانِيًا , أَوْ عَلَى الْبَدَل مِنْ الَّذِي , أَوْ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ .
وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ
وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ
عَطْف عَلَيْهِ , وَيَكُون بِمَعْنَى وَهُوَ هُدًى لِلْعَالَمِينَ . وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن " مُبَارَك " بِالْخَفْضِ يَكُون نَعْتًا لِلْبَيْتِ .
تعليق